الوجيز في مقومات الداعية

مقـدمــة
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادى له ,
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمًدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(1)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }(2)
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }(3)
أما بعد: ما أحوج الأمة الآن إلى جهد كل مسلم ٍغيورٍ على أمته ودينه,كى تفيق من غفوتها وتعود إلى مكانتها اللائقة بها, لتقود العالم من جديد إلى طريق الله رب العالمين, وتستنقذه من هذا الفراغ الروحي الذى يعانيه, حتى طغت عليه المادة من كل جانب , فما أحوج العالم إلى النور الذى معنا,ولكننا لا نحسن أن نوصل هذا النور إليهم ليستضيؤا به,بل قد تأثرنا نحن بهم وسرت الأمراض التى فيهم إلينا, فترى كثيرًا من الشباب مطموس الهوية ,أخذ عيوبهم وانحلالهم الخلقي بدلاً من أن يأخذ تقدمهم العلمي, فما أمس الحاجة الآن إلى دعاة ٍمخلصين تتجمع عليهم القلوب وتتآلف النفوس, ينطلقون من فهم ٍصحيح ٍ للكتاب والسنة, وتكون دعوتهم مجردة ً عن أي
عصبية أو حزبية ٍٍأو هوىً أو رغبةٍ عاجلة ٍ, بل دعوة خالصة ًلله يستنقذون بها شباب الأمة من الهوة السحيقة التى وقع فيها كثير منهم,كى تنهض الأمة مرة أخرى بشبابها, فالشباب عماد كل أمة.
وهذا مختصر جمعته ليكون عونًا لكل مسلم ٍيستشعر المسئولية الملقاة على عاتقه فينهض للدعوة إلى الله تعالى,كل فى مجاله وحسب استطاعته وعلمه ,الطبيب والمهندس والمدرس والكيميائي والصيدلي وغيرهم ,كلٌ يخدم دينه وأمته فى تخصصه, ويكون قدوة ًومثلاً طيبًا للإسلام وأهله,فيكون بحسن سلوكه وأخلاقه وما معه من علم ٍداعيًا إلى الله تعالى,إذ ليست الدعوة مقصورة ٍعلى العلماء فقط وإن كان عليهم العبء الأكبر, ومالا يستطيعه غيرهم بما آتاهم الله من علم وفضل,وأرجو أن يفي هذا المختصر بالغرض منه, وللعلم فلم أذكر فيه حديثًا ضعيفًا بفضل الله تعالى, وأسأل الله تعالى الإخلاص فى القول والعمل, وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بقلم / السيد مختار
............................... (1)سورة آل عمران: 102 (2) سورة النساء: 1 (3) سورة الأحزاب: 70-71
* فضل الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله هى أشرف عمل ٍ للعبد لذلك فهي وظيفة الرسل والأنبياء وورثتهم من العلماء,ولأنها تبعة ثقيلة نجد فضلها عظيم, وسنذكر طرفًا من فضلها:
1- قال تعالى:{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ }(1)
2- وقال:{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }(2)
3- عن عبد الله بن مسعود قال:سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّر الله امرءًا سمع منا حديثًا فبلّغه كما سمعه فربّ مبلغ أحفظ من سامع "وفى رواية: " فربّ مبلّغ أوْعَى من سامع" [ صحيح: رواه أحمد و الترمذى وابن حبان]
4- عن أبى هريرة-رضى الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: " من دعا إلى هـدىً كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجـورهم شيئًا, ومن دعـا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا"[رواه مسلم ]
5- ومن حديث سهل بن سعد وفيه: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلى بن أبى طالب ٍ- رضى الله عنه- :" فو الله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم"[متفق عليه].

* أمة دعوية:

قال تعالى- فى بيان منزلة هذه الأمة- :{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }(3) وهذه الآية الكريمة أفادت معنيين: الأول:خيرية هذه الأمة .
الثانى: أنهـا نالت الخيرية لقيامهــا بوظيفة الرسل , وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وأول ما يدخل فيه:الأمر بعبادة الله وتوحيده والنهى عن الشرك ولوازمـه, لذلك جعـل الله تعالى ذلك من صفـات المؤمنين فقـــال تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
........................................

(1) سورة فصلت: 33 (2) آل عمران:104 (3) آل عمران:110
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) بخلاف المنافقين الذين قال الله فيهم:{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ }(2)
وعلى ذلك فكل مسلم ومسلمة مكلف بالدعوة إلى الله ,كلٌ حسب استطاعته وعلمه قال تعالى :{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } (3) قال ابن القيم –رحمه الله- :فلا يكون الرجل من أتباعه حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه ويكون على بصيرة"(4) قال رسول ـ صلى الله عليه وسلم-"بلغوا عنى ولو آية" [رواه البخارى] وقال –صلى الله عليه وسلم – "فليبلغ الشاهد منكم الغائب"[رواه البخارى], وكم من المسلمين من يحفظ مئات الآيات وعشرات الأحاديث ولا يبلغ منها شيئًا, مخالفًا بذلك أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ظنًا منه بأن ذلك مسئولية العلماء وحدهم .
وإنما اختص العلماء بتبليغ تفاصيل الدين وأحكامه ومعانيه, نظرًا لسعة علمهم به ومعرفتهم بجزئياته قال تعالى:{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }(5) وقال:{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }(6)قال ابن كثير- رحمه الله-:والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةً من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن, وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه"(7).
* وإليك بعض الأمثلة من الصحابة-رضي الله عنهم- و كيف تحملوا مسئولية الدعوة بمجرد إسلامهم, وذلك لنتعلم منهم ونقتدي بهم:
أولاً: أبو بكر الصديق-رضى الله عنه-
بعد أن شرح الله صدره للإسلام تحرك مباشرة بهذا ا لنور الذى معه يدعو إلى الله أصحابه والمقربين له, فهدى الله به خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان, والزبير بن العوام, وعبد الرحمن بن عوف , وسعد بن أبى وقاص, وطلحة بن عبيد الله-رضى الله عنهم أجمعين- وهم من سادات الصحابة كما ترى , سيأتون يوم القيامة- إن شاء الله- فى ميزان حسنات أبى بكر- رضى الله عنه- .
ثانيًا: أبو ذر الغفاري- رضي الله عنه-:
لما سمع بالنبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة أتى إليها وأرسل أخاه أنيس ليأتيه بخبر النبى-صلى الله عليه وسلم- ثم ذهب بنفسه للنبي-صلى الله عليه وسلم- بعد قصة ٍمثيرة ٍ, فأسلم وأسلم أخوه وأتبعتهما أمّهما فأسلمت ثم ذهب
.......................................
(1)سورة التوبة: 71 (2) التوبة: 67 (3) يوسف: 108
(4)مفتاح دار السعادة لابن القيم)1/154), وخواطر على طريق الدعوة لمحمد حسان ص:18
(5) التوبة: 122 (6) آل عمران: 104 (7) تفسير ابن كثير(1/390)
أبو ذر إلى قبيلته غفار يدعوهم للإسلام, فأسلم نصفهم قبل الهجرة, وكان
يؤمهم سيدهم يومئذ ٍخفاف بن إيماء الغفاري-رضى الله عنه- ثم آمن بقيتهم بعد هجرة النبى- صلى الله عليه وسلم- فجاءت قبيلة أسلم للرسول-صلى الله عليه وسلم- بعدهم فقالوا: يارسول الله, إخواننا نسلم على الذى أسلموا عليه, فأسلموا, فقال النبى- صلى الله عليه وسلم-:"غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله"[رواه مسلم]
ثالثًا:الطفيل بن عمرو الدوسى- رضى الله عنه-:
بعد أن أسلم وصدق النبى-صلى الله عليه وسلم- بمكة رجع إلى قومه بأرض دوس يدعوهم إلى الإسلام ولم يزل مقيمًا بها يدعوهم حتى هاجر النبى- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة, ثم أتى بمن تبعه من قومه إلى النبى-صلى الله عليه وسلم- بخيبر.
رابعًا: أسيد بن حضير وسعد بن معاذ - رضى الله عنهما-:
خرج أسعد بن زرارة- رضى الله عنه- بمصعب بن عمير-رضى الله عنه-إلى دار بني عبد الأشهل ودار بنى ظفر للدعوة إلى الإسلام فأرسل سعد بن معاذ أسيد بن حضير ليطردهما فسمع أسيد بن حضير من مصعب بن عمير فأسلم-ثم قال له: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه, وسأرسله إليكما الآن, ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس فى ناديهم, فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال:أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم, فلما وقف على النادى قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسًا, وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت.وقد حُدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك, فقام سعد بن معاذ مغضبًا مبادرًا مخوفًا للذي ذكر له من بنى حارثة, وأخذ الحربة فى يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت عنى شيئًا, ثم خرج إليهما سعد فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدًا إنما أراد أن يسمع منهما, فوقف متشتمًا, ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منى, أتغشانا فى دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه, إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان, فقال مصعب لسعد: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا رغبت فيه قبلته, وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال: أنصفت, ثم ركز الحربة وجلس, فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن. فقال سعد لهما:كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم فى هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر, وتطهر ثوبيك, ثم تشهد شهادة الحق, ثم تصلى ركعتين, فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم صلى ركعتين, ثم أخذ حربته فأقبل عائدًا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير, فلما وقف عليهم قال: يابنى عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا وأيمننا نقيبة, قال: فإن كلام رجالكم ونساءكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله, قال: فو الله ما أمسى فى دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مسلمًا أو مسلمة ً.(1)

* شبهة وردها:
قد يفهم بعض الناس قول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ }(2)فهمًا غير صحيح, فيتركوا الدعوة إلى الله,
ويبرروا قعودهم وتقاعسهم بهذا الفهم الخطأ لهذه الآية الكريمة ظنًا منهم بأن من كان فى نفسه صالحًا مهتديًا لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, ولا يضره ضلال من ضل, وهذا الفهم قد رد عليه أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- فخطب فى الناس, وقال:"يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ } وإنكم تضعونها فى غير موضعها وإني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:"إنَّ الناسَ إذا رأوْا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمَّهم بعقابه" [صحيح:رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد].وكيف يكون مهتديًا من لم يهتم بأمر المسلمين وكان سلبيًا فى مجتمعه لا يدعو إلى خير ولا يحذر من شر؟والاهتداء لا يتم إلا بأداء الواجب الذى عليه, نعم إن أدى ما عليه ولم يستجب له الناس عندئذٍ لا يضره ضلال الضلال , ولا يلحقه ضير من تقصير غيره.

..........................
(1) أنظر فى ذلك: البداية والنهاية لابن كثير(3/76, 81, 193-194) والسيرة النبوية لابن هشام(1/157 -2/22:25-2/59: 61) وانظر أيضًا ترجمة هؤلاء الصحابة-رضى الله عنهم- فى الإستيعاب لابن عبد البر, وأسد الغابة لابن حجر-رحمهما الله تعالى-.
(2) المائدة: 105

* أخلاقُ الداعيةِ وصفاته:
لابد لكل عبادة ٍأو طاعة من شرطين لقبولها:
أولاً : الإخلاص لله عز وجل فلا يبتغى بعمله دنيا يصيبها,وذلك لقوله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ }(1)
ثانياً:المتابعة, بمعنى أن يكون موافقاً لسنة النبى- صلى الله عليه وسلم- لا ابتداع فيه لقول الله تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ }(2) ولقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى, عَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة ٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ فى النار" [صحيح:رواه أبو داود والترمذي ]
وهذان الشرطان هما مقتضى الشهادتين ,فالأول تحقيق شهادة ألا إله إلا الله ,والثاني تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله .
ولذلك فعلى الداعية أن يحقق هذين الشرطين مع التحلي بالصفات الآتية:
1- الصدق:كما قال الرسول-صلى الله عليه وسلم- لقريش على جبل الصفا "أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ فقالوا: نعم, ما جرّبنا عليك إلا صدقا"[رواه البخاري] فهذا إجماع منهم على صدقه,لذا قال الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }(3), وقال أبو سفيان-عن النبى صلى الله عليه وسلم- لهرقل:"ما جربنا عليه كذبا"[ متفق عليه].
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }(4)
وقال- صلى الله عليه وسلم-:"إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة....الحديث[متفق عليه]
فالصدق من أهم صفات الداعية إذ كيف يمكن أن يكون الداعية كذاباً؟ والكذب يهدى إلى الفجور كما أخبر بذلك الرسول –صلى الله عليه وسلم-فى الحديث السابق,فهل يعقل أن يكون الفاجر داعياً إلى الله ؟. كما أن الصدق له أثره فى نفوس المخاطبين فيحملهم على احترامه وقبول قوله, بخلاف الكذب الذى يؤدى إلى عكس ذلك.
2-الأمانة:لأنها تعطى الناس الثقة فى الداعية المتحلي بها,وهى قرينة الصدق.لذا فالناس لا تطمئن للكاذب ولا الخائن .قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }(5) ومن الخيانة كتم العلم والخير الذى ينفع الناس عنهم, وقال تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ َأَََن تُؤَدُّوا
...............................................
(1) البينة: 5 (2) الحشر: 7 (3) الأنعام: 33
(4) التوبة: 119 (5) آل عمران: 187
الأَمَانَاتِ إِلىَ أَهْلِهَا }(1).
3- الصبر:وهو من الصفات اللازمة لكل إنسان ولا غنى للداعية عنه لما سيلاقيه من المتاعب والصعاب فى تبليغ دعوته,إذ المراد لا ينال غالباً إلا بتحمل المكاره وحبس النفس عليها,لذلك على الداعى إلى الله أن يكون حليماً صبوراً على الأذى لأنه لابد أن يحصل له أذى ومضايقات فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-(2) ولهذا قال تعالى:{ خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ }(3) وقال:{ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }(4).
والصبر نصف الإيمان لذا قد ذكره الله تعالى فى كتابه أكثر من ثمانين مرة,قال تعالى :{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }(5) وقال تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم-:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ }(6) وبالصبر واليقين تنال الإمامة فى الدين قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }(7) وبالصبر والتقوى لا يضرك كيد الأعداء قال تعالى:{ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}(8) . وبالصبر تنال محبة الله ومعيته قال تعالى : { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }(9) وقال {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(10). والصبر جزاؤه عظيم قال تعالى:{إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}(11). وهو سبب لدخول الجنة قٌال تعالى:{سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (12), وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:"عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد ٍإلا للمؤمن,إن أصابته سَرَّاءُ شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيراً له"[رواه مسلم] وقال- صلى الله عليه وسلم-:"ما أعطى أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر"[متفق عليه].
* والصبر ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر على الطاعة:وذلك بالمحافظة والمداومة عليها, والإخلاص فيها, وفعلها على ما يوافق الشرع.وبذلك يقوى الإيمان لأنه يزداد بالطاعة
الثانى:الصبر عن المعصية:ويكون بهجر السيئات والبعد عن المعاصى والآثام, وعن أماكنها, واستحضار عظمة الله وهيبته وخشيته حتى لا يقع فى الحرام, وكذلك الحياء من الله أن يراه على معصية,وبهذا الصبر يحافظ على قوة إيمانه إذ المعاصى تضعف الإيمان وتنقصه.
..................................................
(1) النساء: 58 (2) أصول الدعوة د:عبد الكريم زيدان ص: (3) الأعراف:9 19
(4) لقمان:17 (5) البقرة:45 (6)الأحقاف:35 (7)السجدة: 24
(8) آل عمران: 120 (9) آل عمران:146 (10) البقرة:153 (11) الزمر:10 (12) الرعد:24
الثالث:الصبر على المصيبة:وذلك بالتسليم والرضا بقضاء الله تعالى, وترك التسخط والشكوى إلى المخلوق, قال تعالى :{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ }(1) فعلى المبتلى أو المصاب الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه, كما قال تعالى:{فَاْصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً}(2)
والشكوى إلى الله لا تنافى الصبر الجميل كما قال يعقوب عليه السلام{ إِنَّمَا أَشْكُو َبِثّي وَ حُزْنِي إِلَىَ اللهِ}(3) وقال أيوب عليه السلام- منادياً ربه- :{أَنِّي مَسَّّنِيَ الضُّرُ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(4) ومع ذلك فقد وصفه الله بالصبر فقال :{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(5).
فالداعي إلى الله أحوج ما يكون إلى التحلي بالصبر لأنه يعمل فى مجالين: مجال مجاهدة النفس وحملها على الطاعة ومنعها المعصية, ومجال الدعوة إلى الله وتحمل المشاق والصعاب والأذى والاستهزاء من المدعوين.
وعليه أن يوطن نفسه تحمل البلاء لأنه سنة الله فى الدعاة,ولا يخفى ماحدث للأنبياء والدعاة على مر التاريخ من ابتلاءات فصبروا عليها,فليتخذ منهم الأسوة, وليتذكر دائماً قول الله تعالى :{وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الأُمُورِ} (6) وقوله :{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }(7) ولما سُئل الرسول - صلى الله عليه وسلم-:من أشد الناس بلاءً؟ قــال :" الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يُبْتلى العبدُ على حسب دينه,فما يبرح بالعبد حتى يمشى على الأرض وما عليه خطيئة "[حسن رواه ابن حبان وغيره ]
4- الرحمة: لابد للداعي إلى الله أن ينبض قلبه بالرحمة والشفقة على الناس وإرادة الخير لهم, ولا يكن كل همه أن يقيم عليهم الحجة والدليل على بطلان ما هم فيه فقط بل عليه أن يحرص كل الحرص على استنقاذهم من الضلال إلى الهدى , ومن المعصية إلى الطاعة ومن البدعة إلى السنة,وأن يبعدهم عن مواطن الفتن وسبل الهلاك, وله فى رسول الله الأسوة الحسنة فهو أرحم الناس, قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }(8). وقد مَثَّل – صلى الله عليه وسلم – شفقته بأمته وحرصــه علي ما يبعدهم عن النار فقــال: "إنَّمــا مثلي و مثلُكم كمثل رجلٍ استوقد نارًا فجعلت الدوابُّ والفراش يقعن فيه ,فأنا آخذ بحُجزكم
....................................................
(1) البقرة:155-157 (2) المعارج: 5 (3) يوسف: 86 (4)الأنبياء: 83
(5) ص: 44 (6) لقمان: 17 (7) البقرة: 214 (8) التوبة: 128

وأنتم تقتحمون فيه"[رواه مسلم].
وهكذا كان الأنبياء يشفقون على أقوامهم ويخافون عليهم من عذاب الله
كما قال نوح لقومه :{ إِنِِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }(1)
أما الداعى الغليظ القلب ينفض الناس عنه, ولا ينجح فى عمله, وإن كان ما يدعو إليه حقاً وصدقًا,فالناس دائمًا ينفرون من القاسي الفظ, ولا يقبلون نصحه قال تعالى :{ فَبِمـَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُـمْ وَلَوْ كُنتَ فَظـاًّ غَلِيـظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(2).لذلك على الداعي أن يكون رحيمًا رفيقًا لينًا بالناس حتى يستميل قلوبهم ويقبلون دعوته,قال النبي- صلى الله عليه وسلم- :"إنَّ الرفقَ لا يكون فى شىءٍ إلا زانه, ولا ينزع من شىءٍ إلا شانه"[رواه مسلم]
وقال:"من يحرم الرفق يحرم الخير كله"[رواه مسلم] وقال:"من لا يرحم لا يُرحم"[متفق عليه].
5- التواضع: الداعى إلى الله يخالط الناس ويدعوهم إلى أخلاق الإسلام فلا ينبغى أن يدعو الناس إلى التواضع وهو لا يتصف بها ويحذر الناس من الكبر ويبين لهم عقوبة المتكبرين وأن الله تعالى يقــول : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(3) وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر"[متفق عليه] ثم يتكبر هو عليه . وطبيعة الناس أنهـم يأنفون من المتكبرين ولا يقبلون لهم قولاً .فعلى الداعي إلى الله أن يخفض جناحه ويلين جانبه للناس ويحقق قول الله تعالى :{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(4) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنَّ الله أوْحَى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحد ولا يَبغىَ أحدٌ على أحد" [رواه مسلم] وقوله صلى الله عليه وسلم :"وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله "[رواه مسلم] وكلما نجح الداعى فى دعوته ازداد تواضعًا و لم يغتر بذلك النجاح فما التوفيق إلا من عند الله {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ }(5).فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما نصره الله على أعدائه وفتح مكة, دخل وهو منكس الرأس متخشعًا, تواضعًا لربه واعترافا بفضله .
6- الالتزام, والتطبيق لما يدعو إليه, إذ كيف يدعو إلى شىءٍ وهو لا يفعله ولا يطبقه على نفسه, وذلك حتى يكون قدوة لمن يدعوهم, فسلوك الداعى وأفعاله أكبر أثراً فى المدعوين من أقواله,كما حكى القرآن الكريم قول نبي الله شعيب-عليه السلام-:{وَمَا أَرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمَ عَنْهُ }(6)وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا
1)الأعراف: 59 (2) آل عمران: 159 (3) لقمان: 18
(4) الشعراء: 215 (5) هود: 88 (6) هود: 88
عِندَ اللهِ أَن تَقٌولُوا مَالاَ تَفْعَلُونَ}(1) وقال تعالى :{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }(2).
وكم عانت الأمة من دعاة ٍخالفت أفعالُهُُم أقوالهم, ولقد أبدع الإمام ابن القيم فى وصفهم فقال:علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم, فكلما قالت أقوالهم للناس هلمّوا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم, فلو كان ما دعوا إليه حقًا كانوا أول المستجيبين له,
فهم فى الصورة أدلاء, وفى الحقيقة قطاع طرق." (3)
وليتذكر هؤلاء قول النبى:"يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون:يا فلان مالك؟ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, فيقول: بلى, كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه"[متفق عليه]
وقول على بن أبى طالب- رضى الله عنه-:يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله, وسيكون أقوامًا يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم, تخالف سريرتهم علانيتهم, ويخالف عملُهم علمهم, يقعدون حلقًا فيباهى بعضهم بعضًا, حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه,أولئك لا تصعد أعمالهم فى مجالسهم تلك إلى الله عز وجل"(4) , ورحم الله من قال:
يا أيها الرجل المعلم غيره .......... هلا لنفسك كان ذا التعليم
لا تنه عن خلق ٍوتأتى مثله........... عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها........... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى .......... بالقول منك وينفع التعليم
7- تقوى الله-عز وجل- ومراقبته:
تقوى الله عز وجل هى وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى:{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}(5)وقال:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}(6), وبها ينال العبد محبة الله تعالى وولايته ونصره فى الدنيا قال تعالى :{إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ }(7) وينال جنته فى الآخرة قال تعالى:{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }(8) وقـال :{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا}(9), وتقوى الله وخشيته رأسُ العلم قال تعالى :{ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ }(10) وقال:{إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقََاناً وَيُكَّفِرْ عَنكُمْ سَيِّئََاتِكُمْ}(11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصف:2-3 (2)البقرة:44 (3) الفوائد لابن القيم ًص:112 (4)جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2-7) (5)النساء:131 (6)النساء:1 (7)الأنفال:34 (8)آل عمران:133
(9) مريم: 63 (10) البقرة: 282 (11) الأنفال: 29
قال الشوكاني- رحمه الله - في تفسيرها: جعل الله التقوى شرطًا فى الجعل المذكور مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريًا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضًا, والتقوى:اتقاء مخالفة أوامره والوقوع فى مناهيه, والفرقان:ما يفرق به بين الحق والباطل. والمعنى: أنه يجعل لهم من ثبات القلوب وثقوب البصائر وحسن الهداية مــا يفرقون به بينهما عند الالتباس, وقيل: الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه,ومنه قول الشاعر: مالك من طول الأسى فرقان ...... بعد قطين رحلوا وبانوا "(1)
ولكي يصل الداعى إلى درجة التقوى ينبغي عليه ما يلي:
• التحلي بحسن الخلق.
• يعاهد نفسه على فعل الخير وترك الشر.
• يراقب نفسه فى كل خطواته مراقبة صادقة ودقيقة.
• يحاسب نفسه من آن لآخر حتى يستدرك خطأه .
• يجاهد نفسه حتى يصل بها إلى تر ك المعصية تمامًا
خلى الذنـــوب صغيرهــا ........... وكبيـرهـا فهو التقى
واصنع كماش ٍفوق أرض............ الشوك يحذر ما يرى
لا تحقِــرَنَّ صَغيــــرة ًإنّ............ الجبـــال من الحصى
8-العلم بما يدعو إليه: لابد للداعي إلى الله أن يكون على علم ٍوبصيرة ٍبما يدعو إليه, ولا يدعو إلى شىءٍ يجهله أو يشك فيه,قال تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ }(2) قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسيرها : يقول تعالى لرسوله- صلى الله عليه وسلم-إلى الثقلين الإنس والجن, آمرًا له أن يخبر الناس أن هذه سبيله- أي طريقته ومسلكه وسنته- وهى الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, يدعو إلى الله بها على بصيرة ٍويقين ٍوبرهان عقلى ٍوشرعى.(3)
وينبغى أن يتحلى الداعية بقدر ٍمناسب من العلوم الآتية:
- القرآن وعلومه - السنة وعلومها. – السيرة والتاريخ الإسلامي. – الفقه وأصوله. –اللغة والأدب.
- الثقافة العامة بما يدور حوله فى العالم من مستجدات وقضايا معاصر ة كالاستنساخ ونحو ذلك,ويلم بحكم المجامع الفقهية فى القضايا المستجدة, ويكون على دراية ٍبواقع أمته وما ألم ّبها.
.............................................. (1) فتح القدير:للشوكاني (2/302) (2) يوسف: 108 (3) تفسير ابن كثير(2/509)

* ترتيب الأولويات:
الداعية الفقيه هو الذى يرتب الأولويات فى دعوته, فلا يلقى بدعوته جزافًا بلا مراعاة للأولى ولا اعتبار للأصلح, بل عليه أن يرتب أمور تبليغ دعوته
فيأتي بالأهم ثم المهم , بالأنفع ثم النافع, مع مراعاة أحوال المدعوين والتدرج معهم ,فلا يعقل أن تدعو غير المسلم إلى الصلاة قبل أن تدعوه إلى الدخول فى الإسلام وتوحيد الله عز وجل, ولا أن تدعو المسلم التارك للصلاة إل ترك التدخين-مثلاً- قبل أن تدعوه إلى الصلاة,بل على الداعى أن يقدم الأولى ثم الذى يليه, والأسوة فى ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أرسل معاذ بن جبل- رضى الله عنه-إلى اليمن قال له:"إنك تأتى قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنّى رسول الله, فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلةٍ
فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة ًتؤخذ من أغنيائهم فترد فى فقرائهم, فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم"[متفق عليه]
والشريعة الإسلامية راعت الأولويات فى التشريع والأحكام, والفقهاء باستقرائهم عرفوا أن ترتيب الأولويات سنة تشريعية, فبنوا عليها قواعدهم الفقهية, واحتكموا إليها, فأحرى بأهل الدعوة اعتبار ذلك:
• فالشريعة تقدم الفرض على النافلة.
• وتقدم النص على الاجتهاد.
• ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
• والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
• ويدرأ الضرر العام قبل الضرر الخاص.
• ويرتكب أخف الضررين وأهون الشرين مخافة ضرر ٍأكبر وشر أخطر.
• وطلب العلم أولى من التنفل عند التعارض.
• ومحاربة الشرك الجماعي مقدم على محاربة الشرك الفردي.
واعلم أن ما يجمع الأمة خير مما يفرقها, حتى لو لجأ الداعية إلى ترك مستحبات شرعية من أجل ذلك,إذ قد ينقلب تر ك المستحب إلى مستحب إذا كان ذلك بغرض تأليف القلوب وقد نص الإمام ابن تيمية على القاعدة الفقهية الناطقة بذلك فقال:( يستحب ترك المستحب تأليفًا للقلوب) (1)
............................................
(1) كتاب:دعوة الجماهير- مكونات الخطاب ووسائل التسديد- د:عبد الله الزبير عبد الرحمن ص: 97بتصرف

* أساليب الدعوة(*):
ينبغى على الداعى أن يعرف طرق الدعوة وأساليبها كى يكتب له النجاح- إن شاء الله- فى مهمته و المتتبع لآيات القرآن الكريم وسيرة النبى –صلى الله عليه وسلم وهديه مع أصحابه يجد من ذلك الشىء الكثير, نذكر منها ما يلى:
أولاً:الحكمة:وهى وضع الشىء فى موضعه, قال تعالى:{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(1)
وذلك يؤدى إلى مراعاة ما يلى:
• موافقة الموضوع أو الخطاب مع المناسبة التى يتحدث فيها
• عدم تسفيه المخاطبين ,باعتبارهم جهال ونحو ذلك مما يؤدى إلى نفورهم, بل عليه أن يذكرهم لقوله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تّنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(2)
• احترام معتقدات المخاطبين فى الأمور الفرعية, أي احترام الخلافات المذهبية فى الفروع مالم تكن باطلة.
• مراعاة المقال لمقتضى الحال, وذلك يشمل الآتي:
أ- احترام عقلية المستمع ومخاطبته بما يفهمه: قال عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه-:ما أنت بمحدثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"[مقدمة صحيح مسلم]. وفى البخارى عن على- رضي الله عنه- قال: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذَّبَ الله ورسوله"وذلك يوافق القاعدة القرآنية:{فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا}(3)
ب-اختيار اللهجة التى يتحدث بها وتوافق المستمعين ليصل المطلوب إلى قلوبهم وعقولهم:فقد كان النبى يخاطب العرب بلهجاتهم ,وقد قال-صلى الله عليه وسلم-:"ليس من امبر امصيام فى امصفر"و الحديث فى الصحيحين بلغة قريش"ليس من البر الصيام فى السفر"
ج-اختيار الوقت المناسب لإلقاء الموعظة: كما صح عن ابن مسعود أنه كان يذكّر الناس فى كل خميس فقال له رجل:يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم, فقال:أما إنه يمنعنى من ذلك أنّى أكره أن أملّكم, وإنِّي أتخولكم بالموعظة كما كان النبى-صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"[ متفق عليه]
د- اختيار زمن الموعظة:فلا يطيل على الناس حتى يرهقهم, فمنهم المريض والكبير ذو الحاجة, خاصة ًفى الخطبة لأن المستمع لا يستطيع
..........................................
(*)تجديد الخطاب الديني د:سالم محمود (1) النحل: 125 (2) الذاريات: 55 (3) الإسراء: 28
الانصراف منها وترك الصلاة,وكذلك لا يخرج من موعظته إلا بعد أن يفهمها المستمعون.
ه- الحرص على تبليغ المقصود فى الزمن المحدد:ولقد كانت خطبة النبى-صلى الله عليه وسلم- بعد الحمد والثناء على الله تعالى- كلمات خفيفات طيبات مباركات[روى ذلك الإمام أحمد وأبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي- رضي الله عنه- بسند قوى] .
ثانياً:الموعظة الحسنة:وهى تذكير للعبد بما يلين قلبه من الثواب والعقاب بالحسنى واللين والرفق,كما قال الله تعالى لموسى وأخيه هارون-عليهما السلام- ليبلغا فرعون:{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}(1).وعلى الداعي- أثناء الموعظة- ملاحظة ما يلى:
1- الإيجاز غير المخل.
2- الجمع بين الترغيب والترهيب.
3- التذكير بنعم الله على العبد.
4- التورية والتعريض والكناية حتى لا يفضح أحدًا بالموعظة,كما كان النبى-صلى الله عليه وسلم- يقول: ما بال أقوام .....دون ذكرهم.
5- رسم الطريق وتوضيح المطلوب بكل دقة.
وقد استعمل القرآن الكريم أسلوب الموعظة كثيرًا نكتفي بذكر نموذج واحد ليتعلم منه الداعية,ويتضح من خلاله تلطف ربنا سبحانه وتعالى مع الموعوظين- وهم العاصون من خلقه- ومخاطبته لهم بقوله:(ياعبادى ), وتبشيرهم وترغيبهم أولاً, ثم تخويفهم وتحذيرهم ثانياً , وذلك فى قوله تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحْسِنِينَ } (2)
ثالثاً:المجادلة بالتي هي أحسن: ومعنى الجدال:المفاوضـة على سبيل المنازعة والمغالبة, ومنه ما هو محمود, وما هو مذموم,والمحمود منه ما يقصد به التوصل إلى الحق, وما عداه فقد ذمه الله فقــال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}(3) وقال:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بَغَيْرِ عِلْم ٍوَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَاب مُّنِيرٍ}(4) و قــال النبي- صلى الله
(1) طه: 44 (2) الزمر:53-58 (3) غافر: 5 (4) الحج: 8
عليه وسلم- :" ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " [صحيح:رواه الترمذى]. وذكر الله تعالى هذه الطريقة من طرق الدعوة بعد الطريقتان السابقتان - كما فى الآية السابق ذكرها من سورة النحل- لأن الداعي قــد يحتـاج مــع الخـصـم الألـد إلى استعمال المعارضة و المناقضة ونحو ذلك من أساليب الجدل ولكن بالطريق التى هى أحسن طرق المجادلة. وعلى المجادل أن يكون غرضه الوصول إلى الحق أو بيانه حتى لا يكون ممن قال فيهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"[متفق عليه], وانظر كيف أفحم إبراهيم-عليه السلام- النمرود كما فى قول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ }(1). وانظر إلى قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ }(2) وكيف ألزم اللهُ المشركين الحجة.
وأسلوب الحوار والجدال بالحسنى من أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى
إذا امتلك الداعية أدواته وهو يحاور الآخرين, والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا فى محاورة الأنبياء مع أقوامهم,وفى قصة صاحب الجنتين(3) وقصة ابني آدم(4), والحوار بين السادة والأتباع الذين أضلوهم- يوم القيامة-(5), كما حكاه القرآن الكريم , وقد أتى هذا اللون من الحوار أكله , وترك في العقول والقلوب أثره (6).
رابعًا: القصة:ذكر القصص له تأثير عظيم فى نفوس المخاطبين لذا تجد فى القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرًا من القصص, ومنها تربى الصحابة- رضى الله عنهم-على معاني الإسلام كلها: عقيدة ًوعبادة ًوخلقًا وسلوكًا وما يزال الأســلوب القصصي الأنفـع خاصـة ًعنـد عامـة الناس, ويثيـر جـذب انتباههم . وقصص القرآن أحسـن القصص قـــال تعالى :{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ }(7), والهدف منه أخذ العبرة والعظة , كما في بعضه بيان لمبادئ الإسلام, وفى مجمله هدىً ورحمة ٌللمؤمنين , قال تعالى :{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(8)
.............................................
(1)البقرة:258 (2)الطور:35-37 (3)الكهف: 32-43 (4) المائدة:27-31
(5) سبأ:31-33 (6) كتاب: فى أصول الحوار, الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص:13-14 بتصرف
(7) يوسف :3 (8) يوسف:111

ولنذكر نموذجًا واحدًا من القصص القرآني الكثير: قال تعالى:{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(1) فيمكن للداعي من خلال هذه القصة القرآنية تبليغ دعوته بأسلوب ٍشيق ٍ, ويعلم الناس من خلالها ما يلى:
• مشروعية السياحة فى الأرض بغرض التفكر أو التجارة أو طلب العلم.
• ضرورة التفكر فى خلق الله والاعتبار بحال الأولين.
• إثبات قضية الموت وقضية البعث بعد الموت كما بينت الآيات.
• بيان أن الزمن بعد الموت وفى الحياة الآخرة لا يقاس بزمن الدنيا.
• بيان قدرة الله عز وجل المطلقة, فحفظ الطعام مئة سنة ٍ, وأحيا الرجل والحمار, وكسى العظام لحمًا...
- ومن نماذج القصة فى الحديث الشريف- وهى كثيرة- نذكرمثالاً واحدًا:
قصة أصحاب الغار الثلاثة- والحديث متفق عليه- ويستطيع الداعى إلى الله أن يعلم مستمعيه منها ما يلى:
• حتمية الإخلاص وثمرته.
• التوكل على الله تعالى واللجوء إليه.
• البر بالوالدين وثمرته فى الدنيا والآخرة .
• الخوف من الله تعالى.
• الأمانة وأداء الحقوق .
• جواز التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة.
وغير ذلك كثير .وهكذا يستطيع الداعية أن يعلم الناس معالم الدين من خلال القصة بأسلوب جيدٍ و شيق ٍ وسهل .
خامسًا: السؤال والجواب: واستخدام هذا الأسلوب يعمل على إثارة الانتباه وإعمال الذهن , وتشويق المستمع إلى معرفة الإجابة , وفى القرآن الكريم كثير من ذلك كما فى قول الله تعالى :{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ}(2) وقوله تعالى :{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ.....}الآيات(3), وقد استخدمه سيد الدعاة محمد- صلى الله عليه وسلم- كثيرًا, من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم- :" أتدرون من
................................. (1)البقرة:259 (2) الماعون: 1-3 (3) سورة الفيل

المفلس؟ قالوا:المفلسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاع, فقال: إنَّ المفلسَ من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شَتَم هذا, وقـَذَفَ هذا, وأكل مال هذا, وسَفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته, وهذا من حسناته , فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه , أخذ من خطاياهم فطرحت عليه , ثم طرح فى النار" [رواه مسلم] وقوله- صلى الله عليه وسلم- : " ما تعدون الصُرعة فيكم؟ قالوا:الذى لا يصرعه الرجال, قال: ليس بذلك, ولكنه الذى يملك نفسه عند الغضب" [رواه مسلم], وعن أبى بكرة-رضى الله عنه- قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - ثلاثاً- قالوا: بلى يا رسـول الله , قال: الإشـراك بالله , وعقـوق الوالدين – وجلس, وكان متكئًا- فقال: ألا وقول الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"[متفق عليه]
سادسًا: ضرب الأمثال: وهذا الأسلوب يعمل على تقريب المعنى لفهم المستمعين واستحضـار الصـورة أمـامهم , والتأثير في نفوسهم , فيسرعوا إلى العمل بالمثل الطيب ويتجنبوا المثل السىء, كما فى المثل الذى ضربه الله تعالى للكلمة الطيبة ( كلمة التوحيد) , والكلمة الخبيثة ( كلمة الشرك) فى قوله تعالى :{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون َ* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }(1). وقوله تعالى:{ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (2), والأمثال فى القرآن كثيرة, يستفيد منها الداعية, وكذا في السنة, ونكتفى بقول النبى- صلى الله عليه وسلم- :" مثلُ الـذي يذكرُ ربَّه والـذي لا يذكر ربَّه مثل الحيِّ والميت" [متفق عليه], وقوله- صلى الله عليه وسلم- : " مثلُ المؤمن الذي يقرأ القرآنَ كمثل الأترجة ريحها طيِّب وطعمها طيب, ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرةِ لا ريح لها وطعمها طيِّب , ومثل المنـافـق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر, ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر " [متفق عليه] .

........................
(1) إبراهيم:24-26 (2) البقرة: 262

سابعًا:التعلم العملي: كما كان النبى- صلى الله عليه وسلم - يُعلِّم أصحابه - عمليًا- كيفيـة الوضوء والصـلاة وأداء مناسك الحج , وغير ذلك,فكان –صلى الله عليه وسلم- يعلمهم ثم يقول:"صلوا كما رأيتموني أصلى " [ رواه البخاري ] ويقـول : " خذوا عنى مناسككم" [صحيح : رواه الإمام مالك فى الموطأ,وغيره]. وعلى الداعية أن يتعلم- من القرآن والسنة- كل أساليب الدعوة ووسائلها المعنوية والمادية فى الأقوال والأفعال حتى يستطيع أن يصل إلى الهدف المنشود من هذه الدعوة.
* ما يلزم الداعى تجاه من استجاب له:
على الداعى متابعة من استجاب له باستمرار وعدم الغفلة عنهم أو تركهم لمجرد أن استجابوا للمنهج القويم ,لأنهم قد يتعرضون للانتكاس والرجوع مرة أخرى إلى ما كانوا عليه, لذلك عليه أن يواليهم بنصحه وعلمه وتربيته لهم . ويستفاد هذا من حديث قاتل المائة نفس- والحديث فى الصحيحين- إذْ أراد التوبة فسألَ عن أعلم أهل الأرض , فدُلَّ على راهبٍ, ثمَّ على عـالِم ٍ, فنصحه العالمُ بأن يترك قريته ويذهب إلى قرية ٍأخرى فيها أناس صالحون يعبد الله معهم, وذلك لأن مكثه فى البيئة الفاسدة التى عصى الله تعالى فيها سيُعَجِّـل بانتكاســه ورجوعه إلى المعصيةِ مرة ً أخرى. فالـداعي لا يكتــفي بتعليــم المستجيبين لـه بل لابـد من التربيــة مع التعليــم , وهـذا كان منهــج المسلمين الأوائل قــال عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"(1)
وقــــال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنــا الذين كانــوا يقرئوننـــا أنهم كانوا يستقرئون من النبي- صلى الله عليه وسلم- , وكانوا إذا تعلمـوا عشـر آياتٍ
لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل, فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا"(2)
* * *
* وختامًا: أسأل الله تعالى أن يكون عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم, وما كان من توفيق ٍفمن الله , وما كان من زلل ٍفمنى ومن الشيطان, وأسأل الله أن يغفره لي,والحمد لله أولًا وآخرًا, وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

بقلم/ السيد مختار عصر
مصر – في:4 من ربيع الآخر 1427ه-2 من مايو 2006م

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك