القواعد الهدهدية في التوحيد والدعوة إلى رب البريّة

القواعد الهدهدية
في التوحيد والدعوة إلى رب البريّة
بقلم الشيخ مهنا نعيم نجم
عضو هيئة العلماء والدعاة / فلسطين
إشراف ومراجعة فضيلة الشيخ
الدكتور محمد كامل عبد الهادي
مدرس الحديث بجامعة القدس المفتوحة
المقـــدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الهادي إلى الصراط المستقيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي جاء بالحق ليبشر المؤمنين وينذر الكافرين والمشركين، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، فاللهم صلى وسلم عليه ما صبح بدا، وما ليل سجى، وما تحركت الألسنة والشفا، صلاة تدوم بدوام ملكك الذي لا يفنى، وبعد :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
فإن العالم بعلمه وعمله، والحكيم بحكمته، والصالح بوصاياه، هم – بإذن الله – نور يهتدى به في ظلمات الزمن، ودليل للحائرين، فهم غيث مدرارا يأتي على الأرض الهامدة، فتهتز وتربو ثم تنبت من كل زوج بهيج ، فهم بحق قوام الأمة، وينابيع الحكمة، وهم غيظ الشيطان، فبمواقفهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ.
من أجل هذا ما رحل عالم من علماء الأمة إلا وقد ترك آثاراً إصلاحية وعلمية كبيرة ينهل من معينها الصافي المصلحون، ويجدّ في تحصيلها والغوص إلى دررها ومعانيها العالمون، وسيبقى أجرها جارياً لمن ورَّثها بإذن الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } أي: ما باشروا فعله في حياتهم، وما سنوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) .
فاستعنت بالله المعين على جمع وإعداد هذا البحث لأهديه لكل محب للعلم والدعوة، وإلى كل من أقعده الوهن، وتقالبته الأوهام، وظن بالله الظنون، حتى قال في نفسه: ماذا ستؤثر دعوتي في ظل هذا الفساد الكبير؟!.
جاءت فكرة هذا البحث في ظل تساؤلات المقصرين المتكررة، وتباطؤ المشمرين عن سواعد الجد، ليوقد الهمم في النفوس الهاجعة، ويزيل اللبس عن الهمم الراقدة، وقد أسميته
(القواعد الهدهدية في التوحيد والدعوة لرب البريّة) تيمنا بمن علت همتهم من خلق الله للدعوة للحق، وآثروا على أنفسهم في نصرة المنهج القويم، نصرة لدين رب العالمين..
فَضُرِبت الأمثلة بهم إلى يوم الدين، ونزل بحقهم ثناءً قرآنا يُتلى، وعلم يُدرس، ومنهجا يُتبع، فهذه النملة تنذر قومها { يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون}
وذلك الهدهد ينال أجر الداعية، ويكسب ثواب الآخرة، وينكر على من عَبد من دون الله إلها آخر، فهو يرسل لي ولك دعوة لننكر المنكر ونأمر بالمعروف {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26}
أخي المحب للعلم والدعوة، هذه عبارات لطيفة، وإشارات منيفة، تسيء كل حاسد، وتسر كل حبيب، جمعتها ونسقت بين ألفاظها ومعانيها، وجعلتها في مباحث ثلاثة، ثم قسمتها إلى مطالب عدّة، وجعلت المطالب مسائل تناولت كل منها جانب من البحث ليسهل فهمه، والاستفادة منه- إن شاء الله، فكانت على الشكل التالي:
المبحث الأول : الآيات القرآنية في ذكر الدعوة الهدهدية، وفيه:
المطلب الأول: ذكر الآيات
المطلب الثاني: الفوائد العلمية من القصة الهدهدية
المبحث الثاني : قواعد التوحيد الهدهدية
المطلب الأول: مفهوم التوحيد
المطلب الثاني: القواعد الهدهدية في فهم أنواع التوحيد، وفيه:
المسألة الأولى: توحيد الألوهية
المسألة الثانية: توحيد الربوبية
المسألة الثالثة: توحيد الأسماء والصفات
المبحث الثالث : قواعد الدعوة الهدهدية، وفيه:
المطلب الأول: مفهوم الدعوة
المطلب الثاني: القواعد الهدهدية في تأصيل الضوابط الدعوية، وفيه:
القاعدة الأولى: الإخلاص والصدق مع الله عز وجل
القاعدة الثانية: بذل الجهد في التحصيل والدعوة (البحث والتحري)
القاعدة الثالثة: العلم اليقيني (الإحاطة)
القاعدة الرابعة: علو الهمة في الدعوة (الحمية)
قائمة المراجع والمصادر
الخاتمة نسأل الله حسنها
سائلا الله - عز وجل- أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن صار على هديه إلى يوم الدين .

وكتبه، المُحب للمسلمين
مهنا بن نعيم النجم، أبو الحارث
وفرغ منه ليلة الجمعة 7 جمادى الآخرة 1431هـ
في مدينة جنين شمال فلسطين

المبحث الأول

الآيات القرآنية في ذكر القواعد الهدهدية

ويشمل على
المطلب الأول: ذكر الآيات القرآنية
المطلب الثاني: الفوائد العلمية من القصة الهدهدية
المطلب الأول
الآيات القرآنية الخاصة بالقصة الهدهدية
ما وجدت أفضل من كتاب الله عز وجل كُتبا، ولا قرأت أفضل منه، وأبحرت في آياته فأيقنت بكمالها وجمالها، ونظرت في تفسيرها، فأدركت كنهها وعظيم معانيها، فوقفت على أحداث وقصص فيها أحكام وعبر، فاستخرجت منها ياقوتا ودررا، وكان مما أثار إعجابي قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام، فوقفت أتأمل فيها، تارة في بلاغتها، وتارة في معانيها، وأخرى في نواحيها، وإني أظن أني وفِقتُ لأستخرج قواعدها في تأصيل الدعوة من أبسط طرقها، وعظيم أجرها.
فلقد بَدأت بالتوحيد، وانتهت بالثبات عليه، وكان بينهما أمور عظيمة، وأحداث جسيمة، جدير أن نقف عليها، وأن نتناول فحواها، فنتمثل أوامرها، ونتجنب نواهيها، لنكسب أجرها، وننال برها.

يقول الله تعالى في سورة النمل المكية، وهي دلالة على التأكيد في الدعوة إلى التوحيد قبل ما سواه: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{21} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22} إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ{23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{24} أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26} قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{27} اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ{28} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{31} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ{32} قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ{33} قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{34} وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35} فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ{36} ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ{37} قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{38} قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39} قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{40} قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ{41} فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ{42} وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ{43} قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{44}.

إن الآيات الكريمات تبحث في قصة أحد مخلوقات الله عز وجل وهو طائر الهدهد الذي ساءه الكفر بالله من قوم عبدوا الشمس، وعطلوا مواهبهم، وما استخدموا عقولهم التي وهبهم إياها الله سبحانه للتفكر والتدبر.
انطلق الهدهد في الدعوة على قدر طاقته، ثم سلم الأمر لمن هو أقدر منه، فتجسد التعاون على البر والتقوى نصرة لدين الله في الأرض، هدهد يخبر، وجنيّ يفرغ البذل والطاقة، ونبي الله سليمان عليه السلام يتمم البيعة، وبلقيس تعلن إسلامها.
قصة تحتاج لوقفات لندرك حينها أن كثير ممن منَّ الله عليهم بالصحة والعافية، والعلم والمال، قد قصروا في جنب الله الذي ما قصر معهم، فكيف بمخلوق صغير، وكائن بسيط، يصدع بالحق وأنا وأنت ما صدعنا ولا بلغنا.. هي وقفات علمية تربوية سأقف معها في قصة الهدهد.

المطلب الثاني
الفوائد العلمية من القصة الهدهدية
لقد قص الله علينا قصصا في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، لنعتبر ونتعظ، فالموفق من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه.
ثم إن للقصة في كتاب الله العزيز جاءت لتصقل شخصية المسلم، ففيها معاني إيمانية، ودروس وعظات، من شأنها أن ترتقي بالمؤمن الذي وعاها، وفهم مغزاها، وإن من القصص التي أوردها الله عز وجل في كتابه ما أنا بصدد الكتابة عنها، والوقوف على معانيها، واستخراج مغازيها التي ستسهم في توضيح مسلك الدعاة إلى توحيد لله، والدعوة إليه على بصيرة ويقين.
وإني أورد بعض الفوائد العلمية التي وردت في قصة الهدهد مع نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم، كما تصورتها وتذوقتها، وذكرها بعض أهل العلم، وهي:
1. لقد كان الهدهد داعياً إلى الخير، وعبادة الله وحده والسجود له.
2. إن أول ما يجدر ذكره هنا أن على المسؤول أن يتابع رعيته، ويتفقد أحوالها، ويرعى شؤونها، وإلا لِمَ سُمِيَ مسؤولا، ولا يكتفي بما يرد إليه من تقارير أو أخبار من بطانته، قال صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .
وهذا ما واظب عليه نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم بنفسه {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}، وهو الإحساس بالمسؤولية والاستفسار عن سبب الغياب بدون استئذان كان مصحوبا بالحزم{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ }، ولأن الهدهد مشتهر بتفقده لأماكن الماء، جاء عدل السلطان المطلوب شرعا{أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
3. من واجبات ولاة الأمور تفقد أحوال الرعية، وتفقد العمال ونحوهم بنفسه، أو بمن يوكل إليه ذلك.
4. الغياب من دون إذن عصيان يقتضي العقاب.
5. دقة كلام الحاكم واحاطته بحال الرعية، والاختصار في الكلام، وإظهار الغضب إذا وجد الخلل والتهديد بالعقوبة بن بحيث يسمعها الجند والرعية.
6. فعل الهدهد وكلامه يظهر شدّة إخلاصه لنظام الدولة وحرصه على خدمة النظام ومحاربته لأعدائه.. وهكذا تكون الدولة النموذجية أن يقوم كل فرد فيها بخدمتها.
7. لا يستخف الإنسان بغيره من مخلوقات الله سبحانه، ومن أعجب برأيه ضل،{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}
8. يبلغ الداعية ما بحوزته من علم، ولا يجبر على أن يصبح عالما بكل فنون وعلوم الدين حتى يبلغ ويدعو.
9. لا تستخف بمن هو دونك مرتبة، فقد يدرك ما لم تدركه، ويعلم ما لم تعلمه{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} فسليمان عليه السلام ذلك النبي الذي وهبه الله الحكمة وأعطاه العلوم الجمة خفي عليه ما علمه الهدهد.
10. إعطاء الفرصة للمخالف في تقديم بينته، والدفاع عن نفسه، فقلد أذن سليمان صلى الله عليه وسلم للهدهد أن يقدم بينته حين قال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ .. }و{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا..}
11. التأكد من صحة الأخبار قبل تصديقها، والتثبت منها قبل اعتمادها، وهذا ما فعله سليمان صلى الله عليه وسلم {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}
12. أن القوة وحدها لا تكفي لحماية الوطن، والدين، بل يجب أن يلازمها العلم والحكمة {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} أما جانب الحكمة في قوله تعالى{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}، وكذلك في قوله تعالى {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39} قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}
13. وبالشكر تدوم النعم، وإن من كفران النعمة جحدها{ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم}

المبحث الثاني
القواعد الهدهدية في توحيد رب البرية

ويشمل على
المطلب الأول: مفهوم التوحيد
المطلب الثاني: القواعد الهدهدية في فهم أنواع التوحيد
ويشمل على
المسألة الأولى: توحيد الألوهية
المسألة الثانية: توحيد الربوبية
المسألة الثالثة: توحيد الأسماء والصفات

المطلب الأول
مفهوم التوحيد
إن علم التوحيد من اشرف العلوم، وأجلها قدرا، وأوجبها مطلبا، ، وأول منازل الطريق، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ، وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} . فهو رسالة الرسل جميعا، وهو أول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} .
وقد ورد في السنة المطهرة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى) وفي الرواية الأخرى (إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعُهُمْ إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله..) .
إن ما أوردته يدل على أن التوحيد يطلق على: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن تحقيق هاتين الشهادتين، هو: تحقيق التوحيد.
فإن " أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه.. ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين" . فهو أول واجب وآخر واجب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ختم له بقول لا إله إلا الله محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة)

التوحيد لغة:
التوحيد: اعتقاد وحدانيته تعالى، الأوحد: أي ذو الوحدانية، وهو وصفٌ من الواحد ومنه
( الله الأوحد)، المُوَحِدِّ: هو من يعتقد وحدانية الله.

وجاء في شرح العلامة الشيخ صالح آل الشيخ لكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، أن التوحيد لغة، هو: مصدر وحَّدَ يوحِّد توحيداً، وقد جاء هذا اللفظ (التوحيد) بقلة، وجاء في السنة الدعوة إلى توحيد الله.. وتوحيد الشيء: جعله واحداً، تقول: وحدت المتكلم: إذا جعلتَه واحداً، ووحَّد المسلمون الله: إذا جعَلوا المعبود واحداً، وهو الله- جلا وعلا- .

التوحيد اصطلاحا (شرعا):
هو: اعتقاد الوحدانية لله ذاتاً وصفة وفعلاً .

المطلب الثاني
القواعد الهدهدية في فهم أنواع التوحيد
إن الفَهم نعمة من أعظم النعم، وهو مفتاح الخير، بل قُلْ هو رأس العلم، وعماد الحكمة، ومن عجز عن الفهم قلّ علمه، وساء عمله، والمُوَفَق من وَفَقَهُ الله تعالى لما يحبه ويرضاه، فَفَهِمَ مراد الله من خَلْق الخلق،{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}
ولما فهم الهدهد حقيقة التوحيد الخاص لله تعالى، ثارت حميته، واحمر وجهه، وصدح قائلا
{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}
ثم تأكد هدفه، في الدعوة إلى الله وغيرته على عقيدته، وحرصه على نشر التوحيد، فسبح
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
إن التوحيد المطلوب يشمل ما أمر الله -عز وجل- به في كتابه العزيز، وما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بالسنة المشرفة المطهرة، من توحيده –جلا وعلا.
ولقد قسم العلماء الكرام التوحيد إلى ثلاث أنواع هي: توحيد الألوهية، توحيد الربوبية،
توحيد الأسماء والصفات، وسأقف في هذا المطلب من البحث لربط فهم الهدهد لأنواع التوحيد، مع التعريف بكل نوع من أنواعه.

المسألة الأولى: توحيد الألوهية
عرفه العلامة محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى بأنه " إفراد الله عز وجل بالعبادة، بألا تكون عبداً لغير الله، لا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا وليّاً ولا شيخاً ولا أمّاً ولا أباً، لا تعبد إلا الله وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى توحيد الألوهية، ويسمى: توحيد العبادة؛ فباعتبار إضافته إلى الله هو توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العابد هو توحيد عبادة."
لقد فهم الهدهد هذا النوع من التوحيد الذي ما فهمه كثير من الناس، وكما ذكر ابن جوزي- رحمه الله- أن أقل موجود في الناس الفّهْمُ والغوصُ على دقائق المعاني ، لقد أدرك الهدهد المطلوب منه حين هديّ لفهم توحيد الألوهية بطريقته الخاصة التي دلّت على خضوعه وخشوعه لله تعالى رب العالمين، {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ{23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}
علة همت الهدهد فطار، ووجدت قوم يعبدون إله آخر من دون الله فصعق {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ}، " لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من الكواكب وغيرها.." ، أما الهدهد فعرف سبيل الحق، واستقرت محبة الله في نفسه، وتصور معانيها في وجدانه، فتحققت له معاني العبودية لله سبحانه وتوحيده فقال{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}" الله الواحد ليس معبود إلا هو، ولا تصلح العبادة لأحد سواه، وهو ذو الملكوت ورب كل شيء، ورب العرش العظيم" ، فإن الألوهة هي عبادة فيها المحبة، والتعظيم، والرضا بالحال، والرجاء، والرغب، والرهب.. والعبادة معناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والظاهرة والباطنة.
وإذا عرفت فألزم، فلم يمنعه من أن يتخلف عن مسكنه، أو يغيب عن سيده، مع علمه أنه قد يعاقب، أو يحبس أو يعذب عذابا شديدا أو يذبح، قال تعالى{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{21}، وجد أمرا عظيما أفزعه، وحدثا كبيرا روّعه، فعاد إلى مولاه{ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} جاء باليقين الصادق، وبالمشاعر المضطربة مما رآه، وساءه ما شاهدته عيناه.
فالهدهد ساءه الشرك، الذي كان عليه قوم سبأ، لأنه عَلِم حقيقة التوحيد، وغاظه تعظيمهم للشمس من دون الله، لأنه أيقن معنى العبادة في قلبه ووجدانه، تساءل كيف خضعت عقولهم
لـ{ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } وتعجب من سبب عبوديتهم وإتباعهم لها لأنها {أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} فكان غضبه لله تعالى خالصا، لما عرف حقيقة التوحيد، وأن الأمر ما جاء إلا حين { َزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.
استقر المعنى الحقيقي للإيمان في قلبه على الفطرة الصحيحة، وأيقن أن الإيمان يزيد وينقص، فلازم التسبيح لله فازداد له حبا، وتعظيما، مصداقا لقوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }.

المسألة الثانية: توحيد الربوبية
ويُعرف هذا النوع بإفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة: في الخلق، والملك، والتدبير .
لكن كيف فهم الهدهد هذا النوع من التوحيد؟!
جاء على لسان الهدهد { امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } فكان المُلك سببا في عبادة امرأة من دون الله، فهي عظمت في عيون القوم، وبهرت نفوسهم بما عندها من مُلك، وقد{أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} فكيف لهم أن يخالفوا أمرها، وهي صاحبة الملك والقوة وبيدها تدبير شؤونهم، " فسرير ملكها التي كانت تجلس عليه كان ذهباً مفصصّاً بالياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ، فَجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض، ثم أقفلت عليه الأبواب، وكان معها ستمائة امرأة تخدمها.. وكان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قَيْلٍ، تحت كل قَيْلٍ مائة ألف مقاتل" وهم مقرين لها بذلك، خاضعين لحُكمِها، متبعين لأمرها{ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
تعجب الهدهد من سذاجة عقول القوم، يخضعون لامرأة تملكهم، ولا يسجدون لله –جل وعلا- مالك كل شيء، {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} .
قصرت عقول القوم لما رأوا أن ملكة سبأ تملك اليمن، فظنوا أنه لا ملك أعظم من ذلك، ونسوا حظا مما ذكروا أن الله مَالِكَ الْمُلْكِ، فكيف بهم يعبدون شمسا ويقدسون امرأة {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
وقد تساءل بني إسرائيل كيف يكون طالوت علينا ملك، فما الغريب من أن يكون طالوت ملكا، الجواب{أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ} ، فالمفهوم العام لدى الكثير من الناس أن استحقاق الحُكم لا يكون إلا لمن ملك الملك وخزائن الأرض! وغفلوا كما غفل قوم سبأ أن أساس الملك هو توفيق الله للعبد لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، فمن اصطفاه الله فلقد حاز أعظم ملك، وكان الرد على تساؤلهم لماذا طالوت وهو فقير، وأين علامة ملكه وهو لا يملك قوت يومه، {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
وهذا ما طلبه الله عز وجل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يقوله لمن استغرب من نبوته مع قلة ماله بل قل عدمه، فبماذا تتفضل علينا يا محمد وأنت لا تملك مال يؤهلك للإمارة والقيادة؟ فكان الجواب {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} .

استغرب الهدهد من القوم، خضعوا لامرأة من أجل مالها، فلماذا الخلائق لا تخضع وتخشع لله تعالى {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } فهو الذي {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ
مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }

المسألة الثالثة: توحيد الأسماء والصفات
يُعرف هذا النوع من أنواع التوحيد بأنه: " اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلالة والجمال، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة ".
لقد وقر في قلب الهدهد معرفة هذا النوع من التوحيد الذي كثر فيه الخوض من قبل كثير من الناس، بعد القرن الأول من الإسلام، فلقد عرف الهدهد أن العلم والقدرة والعظمة، وأن كمال الصفات والأسماء لله وحده دون من سواه، وليس له مثيل ولا شبيه في ذلك، والكمال لله- سبحانه، فهو كما سمى ووصف به نفسه - سبحانه– أو سماه ووصفه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- منزه عن التأويل والتمثيل والتعطيل.. أما قوم سبأ حين {زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} تخبط القوم، فغفلوا {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ولكن الهدهد ما غَفِل، وأثبتَ القدرة لله تعالى {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }، ثم صدح، ووحد الله بأسمائه المقدسة وصفاته العلا، وأثبت لله-جل وعلا- العلم، وهو موقن في ذلك، فاقرأ ما جاء على لسانه في القرآن الكريم {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.
واستنكر الهدهد شرك أهل سبأ وكفرهم، تعجب من جهلهم بعظمة الله تعالى، هل قصرت عقولهم من إدراك عظمة الله من هذا الملك العظيم، والكون الكبير.. فقد أثبت الهدهد العظمة لله تعالى بسؤال الاستغراب مما وجده عليهم{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } " أي ما حصل لهم هذا العمى العظيم الذي استولى به عليهم الشيطان لإنتفاء سجودهم، ويجوز أن يتعلق بالتزيين، أي زين لهم لئلا يسجدوا، الله أي يعبدوا الذي له الكمال كله بالسجود الذي هو محل الأنس، ومحط القرب، ودارة المناجاة، وآية المعافاة، فإنهم لو سجدوا له سبحانه لاهتدوا، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ولما كان وصف عرشها بعظم ما، قال {رب} أي مبدع ومدبر {العرش العظيم} أي الكامل في العظم الذي لا عظيم يدانيه، وهو محتوي على جميع الأكوان " ، فهو رب العرش الذي لا يوجد في المخلوقات كلها أعظم منه.

المبحث الثالث
القواعد الهدهدية في الدعوة إلى رب البرية
ويشمل على
المطلب الأول: مفهوم الدعوة
المطلب الثاني: الدعوة الهدهدية في تأصيل الضوابط الدعوية
ويشمل على المسائل التالية
القاعدة الأولى: الإخلاص والصدق مع الله عز وجل
القاعدة الثانية: بذل الجهد في التحصيل والدعوة (البحث والتحري)
القاعدة الثالثة: العلم اليقيني (الإحاطة)
القاعدة الرابعة: علو الهمة في الدعوة (الحمية)

المطلب الأول
مفهوم الدعوة
تعريف الدعوة لغة:
الدعوة: من دعا بالشيء ، دعوا، ودعوة، ودعاءً، ودعوى: طلب إحضاره.
ودعوت الله : دعاءً، ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير.
الدعوة: مأخوذة من الدعاء، وهو النداء لجمع الناس على أمر ما، وحثهم على العمل له.
ومن معاني الدعوة: المحاولة القولية، أو الفعلية، والعلمية: لإمالة الناس إلى مذهب أو ملة.
وقال محمد أمين حسن في كتابه ( خصائص الدعوة الإسلامية ص16): ورد لفظ الدعوة في القرآن الكريم في آيات كثيرة و بمعان متعددة يهمنا هنا معنيان، الدعوة بمعنى التبليغ والبيان، ونقل هداية الله إلى الناس، وقد ورد بهذا المعنى آيات كثيرة منها قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ، وقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } ، وقوله تعالى:{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }

تعريف الدعوة اصطلاحاً:
الدعوة في الاصطلاح: العلم الذي تعرف به كافة المحاولات الفنية المتعددة، الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام، مما حوى عقيدة، وشريعة،وأخلاقا.
وتطلق الدعوة، ويراد بها : عملية نشر الإسلام، وفق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال تعالى عنه: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }
وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا.
كما ويفهم معنى الدعوة من مدلولها ومقصودها{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي..} ، فالدعوة إلى الله، هي الدعوة إلى دينه وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} .
إن الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأرفع العبادات، وهي من أعظم خصائص الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – وأبرز مهام الأولياء والأصفياء من عباد الله الصالحين، والدعاة إلى الله هم أثقل الناس حِملاً وأكثرهم مسؤولية، وذلك لأنهم في أشرف المراتب، وأرقى المنازل، قال تعالى
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

المطلب الثاني
القواعد الهدهدية في تأصيل الضوابط الدعوية
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير الدعاة وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن صار على هديّه واستن بسنته إلى يوم الدين ، وبعد :
لا بدّ لمن يسير في دروب الدعوة إلى الله أن يتزين بعدّة جواهر ودرر تكون له معين بعد توفيق الله لإبلاغ دعوته، وقبول كلمته، والوثاق به. ويجب على صاحب الهمّة، أن يدرك أن تربية النفس وإعدادها الإعداد الجيد المناسب والتحديات ضرورية في الدعوة إلى الله.
لذا، من الأهمية بمكان أن نربي أنفسنا ونهيئها جيداً قبل القيام بالدعوة، وأثناء القيام بها، فلقد كان صلى الله عليه وسلم مربيّاً، وكانت تربيّته صلى الله عليه وسلم أكثر من كلامه، وكان عمله مع الصحابة أكثر من قوله صلى الله عليه وسلم.
فنحن اليوم بحاجة ماسّة لعلماء ودعاة عاملين في علمهم، كما صنع الهدهد لمّا علم الحق دعا إليه، تكون لهم بصمة في الميدان، فحاجتنا إليهم أشد من حاجتنا إلى الطعام والشراب .

القاعدة الأولى: الإخلاص والصدق مع الله عز وجل
أخلص الهدهد النية والسريرة لما عرف عظمة الله، ووقر الخوف منه سبحانه في قلبه
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} حتى صدق إخلاصه في دعوته{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ }، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) ، ولقد ذكر عبد الله الأثري في كتابه (إلى القائمين بوظيفة الرسل) أن العلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل.
فبقدر ما يكون الداعية مخلصاُ في قوله وعمله يكون تأثيره في قلوب الآخرين، وكما ذكر ابن الجوزي في المدهش: من لا يُخلِص لا يتعب، فهو كالذي يحشو جراب العمل رملاً يُثقله ولا ينفعه، إن من سلك الطريق بلا إخلاص كالذي يريد كسر الجوز بالعهن، أو كمن يحدو وما له بعير، يمد القوس وما لها وتر، يتجشأ من غير شبع، كالوحشي بلا جبل.

القاعدة الثانية: بذل الجهد في التحصيل والدعوة (البحث والتحري)
قال تعالى{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ .. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا}فإيجاد الشيء قد تحصل عليه بجهد أو بدونه، أما التحقق والتأكد من صحة ما وجدت، فلا بد من بذل الجهد في البحث والتحري، فيظهر أنه هناك تلازم بين الإحاطة والبحث.
إن البحث يوصل إلى الاستيقان القطعي بان هذا احمر وهذا اسود .. وهكذا, وتعتبر المعاينة أهم أدوات الاستيقان.. قال تعالى{لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} وقال صلى الله عليه وسلم
( ليس الخبر كالمعاينة) .
والرؤية نوعان: حسية ومعنوية.
فتتحقق الرؤية المعنوية بالقلب والعقل والنفس.
ثم تتحقق الرؤية الحسية بمشاهدتها عيانا ببصرك الحسي والأصل في ذلك سلامة الاعتقاد واليقين بالله.
ولا يتحقق البحث إلا بامتلاكك القواعد الأساسية التي ترتكز على تحديد الهدف الدقيق, بحيث يكون عندك هدف تبغي تحقيقه، فتبدأ بالبحث عنه، وهو عند الهدهد إيجاد الماء، فبدأ ببذل الجهد، فهو يبحث ويتحرى عنها ضمن الأسس التي تساعد في إيجادها، حتى أنه وجد شيئا آخر أقلقه فأراد أن يتيقن منه.

القاعدة الثالثة: العلم اليقيني (الإحاطة)
الإحاطة: " هي الاشتمال على الشيء وجعله في حوزة المحيط،وهي هنا في قوله تعالى{فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}، مستعارة لاستيعاب العلم بالمعلومات كقوله تعالى {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }" .
إن من صفات المؤمن أن يتأكد ويتيقن قبل كل شيء، فلا يتبع الظن والاحتمال لِيُُكون حكم على الأشياء .. قال تعالى{إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} ، بل الأصل أن يتيقن الناقل للخبر قبل نشره، والمقصود باليقين: هو تأكيد العلم، وقيل هو: حق العلم .
ومنه قول حسان بن ثابت:
سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا

ومن الجدير ذكره هنا، " أن للعلم مراتب ثلاث هي: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
علم اليقين: ما كان على دلائل.
وعين اليقين: ما كان عن مشاهدة.
وحق اليقين: ما كان عن ملابسة ومخالطة" .
وكأن الهدهد يقول لنبي الله سليمان عليه السلام : " بلغت ما لم تبلغ أنت وجنودك، وعلمت ما لم تعلم، واطلعت على ما لم تطلع عليه" وفي " هذا جسارة من لديه علم، لم يكن عند غيره وتبجحه بذلك، وإبهام حتى تتشوف النفس إلى معرفة ذلك المبهم ما هو.. وقال الزمخشري: ألهم الله الهدهد فكافح سليمان.. ابتلاء له في علمه وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به سليمان، لتتحاقر إليه نفسه، ويصغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ذلك ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ."
فالهدهد متيقن بما أحاط من خبر قوم سبأ، ودليل ذلك {اذْهَب بِّكِتَابِي} فما خاف، فكان التأكيد من بلقيس { يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}
قلت : فمن أدرك تلك المراتب فقد أحاط بما أحاط به الهدهد، ويتضح لي أن الإحاطة هي جمع مراتب العلم الثلاث، والله تعالى أعلم.

القاعدة الرابعة: علو الهمّة في الدعوة ( الحميّة )
فلا يعقل من مخلوق أن تكون له الحميّة على دين الله دون علو همتِه، " فالعاقل اللبيب، لا يبيع الياقوت بالحصى، ولا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة، الطريق شاق وتكاليف وعوائق، فمن لم يجمع همته، ويعلي إرادته، ويقوي عزيمته، ويتخفف من دنياه، فلن يستطيع بلوغ أهدافه وغايته" :
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها مُحببُ
انظر إلى الهدهد كيف ثارت حميته، حين علة همته، ودليلها طار من فلسطين إلى اليمن!!
ولو لا علو الهمّة لما سافر ولا طار.
وفي لحظة يتخلى عما سـافر مـن أجله، وهو البحث عن الماء الذي هو عصب الحياة، حين رأى حرمات الله تنتهك{يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ }، فاحمر وجهه، وعلا صوته، واشتد غضبه
{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ }، ثم أثبت أن حميته نابعة من علو همته، ويقين علمه،{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}وهذا ما قاله الهدهد غضبا وحمية على أهل سبأ الذين كانوا يسجدون للشمس
من دون الله.
وهنا يجب أن يكون كل مسلم عنده الحمية والغيرة التي وجدت عن الهدهد في التوحيد والدعوة لله رب العالمين.
قلت: فإن كنت مع هذا كله لم تتحرك لتوحيد الله- جل وعلا- والدعوة إلى دينه وإتباع سنن رسوله صلى الله عليه وسلم، فالهدهد أفضل منك، فهو بلغ وأنت ما بلغت، فحينها أنت مقعد العزيمة، ثمل الهمة، بليد الذهن، يحق عليك قول القائل:
يخبرني البواب أنك نائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم
والحمد لله رب العالمين..

الخاتمة نسأل الله حسنها
أخي الحبيب / أختي الغاليّة.. لا أملك في الختام إلا أن أودعكم وداع مُحب ولي أمل أن تقبلوا ما كتبت أناملي، فهذا ما أعانني الله عليه من جمع وإعداد وتأليف مما وقفت عليه، أو استنتجته خلال قراءتي لقصة الهدهد مع نبي الله سليمان بن داود صلى الله عليهما وسلم.
ولعل من أبرز النتائج التي تم التوصل إليها من خلال هذا البحث أن أوجب الواجب، وأول الأمر وآخره، هو توحيد الله تعالى والدعوة إليه قبل كل شيء. ثم بعد ذلك لا حجة لمسلم عند الله تعالى بعدما سمع وقرأ قصة الهدهد أن يكتم العلم، وأن يتقاعس عن الدعوة لله وتبليغ رسالة الإسلام.
وقد اتضح لنا كذلك أن المحاسبة تكون بقدر المسؤولية التي يتولاها الشخص، وبقدر الهمّة تكون المهمة.
ثم لا يقول قائل: من أنا؟! مستحقرا نفسه لقلة علمه أن ضحالة فهمه، أو انعدام أسلوبه، فإن الهدهد ما نطق، ولا قال، ولا حرك.. بل أوصل الخبر لمن يملك القدرة على التفاعل معه.
ومن أهم ما تذوقنا حلاوته، أن المسلم لا ينقل خبرا، ولا قولا، إلا وهو صادق متيقن بصحته. وهو الأولى الخلق بإتباع الحق، واجتناب الباطل.
وفي النهاية إن كان هناك وصيّة فإني أوصي بما يلي:
1. التركيز في الدعوة على التوحيد الخالص لله تعالى، فإن كثير من الناس يقعون في الشركيات دون علم مقصود، أو عمل مرصود، إلا لجهل كثير منهم بإخلاص التوحيد لله رب العالمين.
2. وجوب طاعة من أولاه الله أمر من أمور المسلمين، ما لم يأمر بمعصية أو يأتي بكفر بواح يخالف فيه الأدلة الصريحة، والأقوال الصحيحة من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
3. على كل مسؤول أن يعدل بين رعيته، وأن يعطي كل ذي حقا حقه، وأن يتقي الله عز وجل.
4. أن تكون القدوة الصالحة حاضرة في أذهان أبناءنا، وتكون مثل حيّ أمامهم.
5. الاهتمام بالدعاة والخطباء في تطوير مهاراتهم وقدراتهم على التأثير وكسب الآخرين لنصرة هذا الدين، فالهدهد ليس بأعلم منهم، ولا أفصح منهم لسانا، ولكنه اثبت أنه أكثر عملا من كثير منهم.
وإني أرجو من الله أن لا يكون وَرَماً ما كتبت، على أنه لكل كاسد سوق، وإني لأدعو الله تعالى أن أراكم محلقين كالهدهد دعاة لله عز وجل.
اللهم لا تجعل حظّي من لفظي، وثقّل بهذا العمل ميزاني واجعله خالصاً لوجهك، وسبباً في نجاتي من عذابكَ وغضبِك، وارحمني برحمتك، يا أرحم الراحمين، وبهذا أكون قد قلت كل ما أطيقه.. والله الموفق، وإن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك