الإسلام دين الفطرة..صالح لكل زمان ومكان
الإسلام دين الفطرة..صالح لكل زمان ومكان
محمد مرسي محمد
أيها الأخ المسلم: تعالى بنا نستعرض تشريعات الإسلام في كل نواحيه, من عقيدة وعبادة, ومعاملة, وأخلاق, واجتماع, لنرى أنها سايرت الفطر السليمة النظيفة, التي لم تتدنس بتقاليد أفقدتها الإحساس الواعي الفاهم, الذي يستطيع أن يدرك الغث من السمين, والجيد من الزيف, فاختلط عليها الأمر, وانقلبت عليها الأوضاع, فظنت الحسن قبيحا, والقبيح حسنا, وسارت في متاهات الشهوات والأهواء, حتى أصبحت كما قال الشاعر الحكيم :
حتى يرى بالحسن ما ليس بالحسن
يقضي على المرء في أيام محنته
نعم, تعال بنا نستعرض مسائل الإسلام, ولتكن أول المسائل: العقيدة؛ دعاك الإسلام إلى عبادة الله وحده, ونهاك عن عبادة غيره أيا كان هذا الغير, وبيّن لك أنّ الله خص بالعبادة دون سواه؛ لأنه مالك الأمر كله, ليس لأحد معه من عمل, فهو الخالق, الرازق, المعطي, المانع, المحيي, المميت, يعز من يشاء, ويذل من يشاء, بيده وحده الخير {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}, ثم برهن في الآية نفسها على قدرته على ذلك فقال:{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. وإذن فمن العبث أن يستمد الإنسان العون من غير ربه, وأن يطلب تحقيق آماله من غير خالقه, فهو المسؤول وحده, ولا يملك أحد لأحد شيئا, مهما أوتي من جاه, أو سلطان, فالجاه والسلطان مستمدان من الله سبحانه, ولو شاء أن يسلبهما لسلبهما. ودروس الأيام عبرة و ذكرى, والذكرى تنفع المؤمنين, ألم ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, رفعت الأقلام وجفت الصحف". وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن إذ يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. من هذا كله نستطيع أن ندرك فساد فطر هؤلاء الذين وكلوا أمورهم إلى غير الله, وظنوا أنهم واصلون إلى أغراضهم ماداموا في أحضان من اتخذوهم درعا واقية من دون الله, ولهذا عاشوا أذلاء, وسيموتون كذلك, وها هو ذا الحديث القائل: "من استعز بالله عزّ, ومن استعز بغير الله ذلّ", وها هو القرآن يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
المسألة الثانية: العبادة والمعاملة: وهي في تنوّعها عامل هام من عوامل تكوين الشخصية الإسلامية الحقة, التي تعرف لله حقه, وللناس حقوقهم, فتكون أسلوباً من الهداية, وعنواناً على الخير الجامع الشامل, قل بربك: ما هذا الإنسان الذي يقف بين يدي ربه, وفي محرابه, يركع له ويسجد له, ويؤدي عبادة الصلاة في خشوع, إن دل على شيء فإنما يدل على عبودية خالصة لله, هي التطبيق العملي الذي يتجاوب مع العقيدة, عقيدة الإخلاص لله والاستعانة به, إنه المسلم الذي يعد عنوانا واضحا على الإسلام الحق, والإيمان الحق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}, وجميل من القرآن أن يعقب هذا بطلب الهداية إلى طريق الله المستقيم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}
أيها الأخ المسلم: ما أروع أن ترى المسلمين صفوفا متراصة, منتظمة متحدة في حركتها وسكونها, في ركوعها وسجودها, تأتم بإمام واحد, يسبق إلى فعل الأركان, فيتبعه جميع المؤتمين به, وهكذا تراهم يركعون بركوعه, و يسجدون بسجوده, ويستمعون لقراءته, ويؤمنون على دعائه, ولا ينتهون من صلاتهم إلا بانتهائه, وما هذا كله إلا الوحدة والنظام, واتباع الأمر, وحسن الإقتداء في رغبة وحب, لا في إكراه وبغض. ولو استعرضت جميع الشرائع الوضعية الموجودة, مهما كان نظامها, ومهما كان وضعها, لا تراها تخلق في الجماعة هذا النظام المحكم, ولا هذه الطاعة التي تنبع من القلب, فكانت كما قدمنا حبا ورغبة, لا كراهية وبغضا. وهكذا لو استعرضت جميع العبادات من صيام وزكاة وحج, وما إلى ذلك من تبيان الحلال والحرام في كل شيء, لبان لك أن تشريع الله ما بني إلا على أساس المصلحة, التي تحقق السعادة الجامعة الشاملة للفرد و المجموع. هذا التشريع السماوي ذو الحكمة العالية السامية صالح لكل جماعة, في كل مكان, وفي كل زمان, ومهما تغيرت الأيام, واختلفت السنون, بأحداثها ومسائلها, فإن هذا التشريع لا يتغير بتغيرها, ولا يتبدل بتبدلها, بل هو صالح لها على جميع أوضاعها, ضامن لكل أهل زمان السعادة إذا ما عملوا بأحكامه, و استمسكوا بآدابه, وهاهم أولاء المسلمون الأولون, استطاعوا بإيمانهم واستمساكهم بدينهم أن يملكوا العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ,استطاعوا أن يهزوا عروش الأكاسرة والقياصرة, ويجلسوا على عرش الدنيا ملوكا حكاما, وأئمة أعلاما, وقد حقق الله لهم وعده في قرآنه : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
أيها الأخ المسلم: إذا قلت لك: إن تشريع السماء صالح لكل زمان ومكان, أستطيع أن أقول لك: إن تشريع الأرض غير صالح لهما, ولذلك نراه دائما في تغيير أو تبديل, وما يشرع اليوم ينقض غدا, وما يصلح لهذه الجماعة لا يصلح للجماعة الأخرى, ولذلك نرى لكل طائفة من طوائف العالم تشريعها ودستورها الملائم لحال أهلها؛ لأن الشرائع تتطور بتطور الأمم, وتتغير بتغير أحوالها, فتوضع الشرائع الوضعية موافقة لحال العصر, الذي وضعت فيه, والبيئة التي سنت من أجلها, وكثير ما يظهر نقص التشريع, وتتكشف نواحي الضعف فيه, فيستنون شرائع أخرى, وهكذا دواليك, لا استقرار لتشريع وضعي مهما كان واضعوه؛ لأن العقل البشري مهما أوتي من قدرة على الفهم وتقدير الأوضاع, لا يسلم من الأخطاء, ولهذا لم يترك الله الناس لعقولهم, بل أرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين, يرشدونهم إلى الحق, ويوجهونهم إلى صراط الله المستقيم, الذي قال فيه –سبحانه-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
نعم, تشريع الله لا يتغير أبدا ولا يتبدل؛ لأن واضعه حكيم عليم بأحوال الأمم وأوضاعها, فوضع لها التشريع الذي يحمل في طياته سعادة البشرية جمعاء, مهما كانت أحوالها, ولهذا اعترف كثير من مستشرقي الغرب بدين الإسلام كسبيل إلى الإصلاح العام الشامل للفرد والمجموع, ودستورٌ ينقذ البشرية من دوافع الشر وعوامل الفساد, وها هو ذا رجل إنجليزي مستشرق يقول في إحدى المجلات الإنجليزية: "لو بعث محمد بن عبد الله يحمل كتابه في يديه لأمكن أن ينقذ سفينة العالم من الغرق", وسئل الكاتب الإنجليزي المعروف بأدبه وفلسفته (برنارد شو): ما رأيك في الإسلام؟ قال: "الإسلام حسن, ولكن أين المسلمون !).
الشيخ محمد مريسي محمد
مدرس بالجامعة الاسلامية