استراتيجية العمل لؤأد الإرهاب

استراتيجية العمل لؤأد الإرهاب
الشيخ علي حسن الحلبي

رأيتُ في بعض الصحف الصادرة في بلاد الحرمين الشريفين: تقريراً صحفياً صغيراً؛ تضمّن كلمةً لبعض الدعاة المشاركين في (مؤتمر الحوار الوطني)؛ يذكر فيها خبرَ إنشاءِ (لجنة لتصفية كتب التكفير مِن المكتبات)؛ فزادَ هذا الخَبَرُ سُروري، وشَرَح صَدْري، لِمَا فيه مِن بداياتِ وَضْعِ اليَدِ على مكان الجرح، وتحسُّس موضع الألَم!
ولكنَّ هذا الأمرَ -لدقّته- يحتاجُ إلى وقفة تأمُّل ونَظَر؛ وذلك في النقاط التاليةِ:
1- كُنت أَودُّ أن يكونَ هذا الأمرُ سابقاً لهذا الأوانِ؛ متقدِّماً عليه –مِن باب (الوقاية خيرٌ مِن العلاج)، وحَسْماً لمادَّة هذه الأفكار الضالّة المنحرفة؛ ولكنْ: قدّر اللهُ وما شاءَ فعل، والحمدُ له -سبحانه- على أنْ يسّر هذا الاستدراك لذاك الفَوْت.
ولقد كنتُ دعوتُ-والحمدُ لله- إلى ما هو أكبرُ مِن هذا -تأصيلاً، وتأسيساً-؛ وذلك: ضِمْنَ كتابٍ لي عنوانُهُ: «الأجوبة المتلائمة» -نُشر قبلَ ثلاث سنواتٍ-؛ حيث قلتُ في (ص37) -منه-: «كنا ننتظر… إصدارَ البياناتِ والفتاوى في كتب المُبتدعين الجُدُد -مِن الحزبيِّين والتكفيريِّين-؛ التي تملأ جدران المكتبات؛ و (تُفسِد) عقولَ الشباب والشابّات....
والّذين (تُصَدَّر) أفكارُهم لعامّةِ الشباب على أنّها أفكار صحيحة، تحمل (آراءً) رجيحة، وهي -في الحقيقة- (مُزرِية) قبيحة؟!».ِ
فالحمدُ لربِّي -سبحانه- على هذا التواؤم، والتلاقي –الذي يضمُّ الخيرَ إلى الخير، ويجمع الصواب إلى الصواب-.

2- مجرّد مصادرة الكتب، ومنعِها: قد يجعلُ فئاتٍ معيَّنةً مِن (الناس!) تسعى للبحثِ عنها، والنظر فيها، والتطلُّع إليها؛ لمعرفةِ الأسباب الحقيقيّة (!) لمنعها؛ ممّا (قد) يؤدّي إلى ردّة فعلٍ عكسيّة؛ وَفْق قاعدة (كُل ممنوع مرغوب)! فنَزيدُ الطِّينَ بِلَّةً -كما يُقال-.

3- مجرّد مصادرةِ الكتب، ومنعِها -في عصر الإنترنت، والتكنولوجيا-: أمرٌ ليس فيه -وحدَه- كبيرُ جدوى، ولا كثيرُ فائدة؛ ذلكم أنّ الدنيا -كلَّها- صارت اليوم -لا أقول: قرية صغيرة! بل- غُرفة أصغر!!

فما هو ممنوعٌ -اليومَ- ستراه في اليومِ -نفسه-، أو في اليومِ الذي يليهِ- على مواقِعَ عِدَّةٍ-في شبكة الإنترنت العالمية-؛ ممّا قد يكونُ لها أوّل، ولا يكونُ لها آخرُ؛ بحيث يصعبُ الإحاطةُ بِها، ويَعْسُرُ محاصرتُها!

4- فالمُجدي -حقاًّ وحقيقةً- كشفُ ما فيها من تخرُّصات باطِلات، والردُّ على ما تحتويه مِن شُبُهات وافِدات، والنقضُ على ما تنطوي عليه من أفكار مُضِلاّت؛ بالحُجَجِ القويّة، والدلائل العلميّة؛ لا بمجرّد التسفيه المِثالي، والنقض الإجمالي.

5- لا بُدَّ بعد التخليةِ من: التحلية؛ فالواجبُ الحَتْمُ: وضعُ بديلٍ لذاك: الكتبَ والمؤلّفاتِ العلميّةَ الصحيحةَ؛ الّتي تؤصّل منهجَ أهل السنّة -الوسطَ العدلَ- في الردّ على المنحرفين عن أهل السنة، والمخالفين لمنهج السَّلف –من خوارجَ ومُرجئة-.

مع التذكيرِ والتنبيهِ: أنَّ خَطَر الفكر التكفيريّ الخارجيّ أشدُّ بكثيرٍ -جداًّ- مِن خطر الفكر الإرجائي المنحرف -وفي كُلٍّ شرٌّ-.

وهذه –عند التأمُّل- نقطةٌ دقيقةٌ؛ فالفكرُ التكفيريُّ الخارجيُّ: يتديَّنُ بالغُلُوِّ، ويتقرَّبُ إلى اللهِ بالدِّماء، ويعتقدُ في نفسه الصحّةَ والصوابَ -فيما يفعله مِن تدميرٍ، وتقتيلٍ، وتفجيرٍ-…

بينما نرى أهلَ المعاصي -مِن أصحاب الإرجاء (العملي)- يرون في معاصيهم إثماً، ويشعرون في مخالفتهم ذَنْباً..

نعم؛ ليس مجرّد هذا (الشعور) بمنجيهم ممّا هم فيه من فسقٍ وفجور؛ لكنّ الواقعَ يُشير -بجلاء وظُهُور- إلى أنّ عُظْمَ بلائِهم لا يكادُ يخرجُ عن إطارهم الضيِّق، ومحيطهم الصغير -مِن غير أن ينسِبوا شيئاً مِن ذلك لدين الله -تعالى-..

والأُمّةُ -اليومَ- تُعاني الأَمَرَّين مِن كلتا الطائفتين؛ لكنّ مُعاناتَها -بِيقين- مِن الفكر التكفيري الخارجي: أشدُّ وأنكى …

والواقعُ يشهدُ …

وكُلُّ ذي بصرٍ وبصيرة يرى تَبِعاتِ هذا البلاء، وأصداءَ هذه اللأْواء: واضحةً -جداًّ- للعيان، بدون كثير بيان، أو كبير تبيان.

ويُؤكِّدُ هذا الأمرَ –أكثرَ، وأكثرَ- الجوابُ على الأسئلة التاليةِ:

ما الفكرُ الذي يفتكُ بالأمّة -ولا يزالُ- ؟!

وما الفكرُ الذي ألَّب غيرَ المسلمين على المسلمين؛ فاستضعفوهم بأسبابه، وضغطوا عليهم بأبوابهِ؟!

وما الفكرُ الذي نُعاني -جميعاً- حكّاماً ومحكومين، شعوباً وأفراداً- مِن آثاره وأوضاره؟!

وما الفكرُ الذي جعل المرجعيّةَ العلميّةَ –بين شرائحَ كبيرةٍ من الشباب- «رؤوساً جهّالاً» -مِن سُفهاء الأحلامِ الأغرار، وحُدَثاءِ الأسنان الأغمار-، دون عُلمائنا الثّقات -الأبرار-، ومشايخنا الفُضلاء -الكبار-..

وما الفكرُ الذي فرّق بين الأخ وأخيهِ، والوالد وولده، والمرأة وزوجها –كُلُّ ذلك باسم الدين –والعياذُ بالله-؛ غُلُواًّ، وتطرُّفاً-والدين مِن ذلك –كُلِّه- واللهِ- بريءٌ؟!

وباللهِ العظيمِ –الذي لا يُحْلَفُ إلا به- لا أقولُ هذا –تأصيلاً، وتفصيلاً- إلا «رداًّ لِغُلُوِّ الغالين، وتكفير المُكفِّرين؛ الذين فَتَحوا البابَ مُشرَعاً –بأفعالِهم وأقوالِهم- لكلِّ أعداءِ الدينِ ومُناوئيهِ ؛ لِيَصِفوا الإسلامَ بالتطرُّفِ، والمسلمين بالإرهاب..

من غيرِ تمييزٍ، وبلا تفصيلٍ..فكانوا –بسوءِ صنيعِهم- هذا!- سداًّ مَنيعاً في وَجْهِ الدعوةِ الحَقَّةِ للإسلامِ الحقِّ، وسبباً كبيراً للضغطِ على المسلمين، واستِنْزافِ مُقَدَّراتِهِم، وشلِّ قواهم..

فاللهُ يُصلِحُهم، ويُسدِّدُ دَرْبَهم..» -كما قلتُهُ في مقدّمة كتابي «التحذير من فتنة [الغُلُوّ في] التكفير» (ص27-28 - طبعة سنة 1417هـ)-.

…أسألُ اللهَ -تعالى- أن يُظهر الحقَّ ويُعْلِيَه، وأن يَرُدَّ الباطل ويكبِتَه؛ وأن يهديَ من ضلَّ مِن أبناء الإسلام؛ ليعودوا إلى جادّة الوسط العدل؛ بغير إفراطٍ ولا تفريط، ومن دون غُلُوٍّ ولا تقصير، وبلا خارجيَّةٍ مقيتةٍ، ولا إرجاء مَشين …

والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.

المقال بعنوان : تصفيةُ أوراق ؛ أم أفكار ؟!

http://alhalaby.com/makalat/m-4.htm

المصدر: http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=2008

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك