الأقليات الإسلامية في قارات الدنيا الخمس

الأقليات الإسلامية في قارات الدنيا الخمس
محمد المنتصر الكتاني
يبلغ تعداد المسلمين في الأرض سبعاً وعشرين مليوناً وثمانمائة مليون نسمة، أكثريات في دول غير مسلمة وشعوب وأقليات في شعوب غير مسلمة ودول.

والأقليات المسلمة التي تساكن أكثريات غير مسلمة، يقارب عددهم الثلث من جميع مسلمي الأرض: يبلغون أكثر من ستة وخمسين مليوناً ومائتي مليون نسمة، في قارات آسيا من الأقليات اثنان وثلاثون مليوناً ومائتا مليون مسلم.

وفي إفريقيا منهم اثنان وعشرون مليوناً مسلماً.

ويسكن أوربا منهم سبعة وعشرون مليونا من المسلمين.

وفي أمريكا مليونان من المسلمين أقليات.

ويسكن قارة أوقيانوسيا: استراليا وغيرها سبعون ألف مسلم ومائتا ألف من المسلمين أقليات.

وهذه الأعداد من المسلمين: أكثريات وأقليات، آخر ما وصل إليه إحصاء جمعية الأمم في العام الماضي، وإحصاء مؤسسات إسلامية مختصة وشخصيات.

وأكبر الأقليات وأكثرها عدداً، مسلمو الصين والهند وروسيا والفليبين وتايلاند وبورما.

فمسلمو الصين ستة وثمانون مليوناً, ومسلمو الهند ثلاثة وثمانون مليونا, ومسلمو روسيا خمسون مليونا, ومسلمو الفليبين أربعة ملايين، وتايلاند خمسة ملايين، وبورما ثلاثة ملايين مسلم؛ وسيلان مليون.

وفي بعض دول آسيا ودول إفريقيا مفارقات شاذة: أكثريات إسلامية تحكمها أقليات غير مسلمة، منها كمثال والمثال لا يخصص، الحبشة والمسلمون فيها قريب من السبعين في المائة، وتشاد ومسلموها خمس وثمانون في المائة، والسنغال والمسلمون فيها خمس وتسعون في المائة، وتانزانيا ومسلموها ثمانية وستون في المائة.

وهذه الأكثرية المسلمة المغلوبة على أمرها، هي مع الأقلية الحاكمة غير المسلمة أشبه بالأقليات الإسلامية مع الأكثرية غير المسلمة: اضطهاداً وقهراً وتجويعاً واستئثاراً بخيرات البلاد: وظائف داخلية وخارجية وتجارية وصناعة وزراعة، وحجراً على الحريات: حريات العقيدة واللغة والتعلم والتعليم، والطباعة والنشر والترجمة، والتقاليد والعادات وأسلوب الحياة، والسفر للخارج للحج أو الدراسة أو التجارة، إلا النادر من هذه الأقليات الحاكمة، وقديماً قيل: النادر لا حكم له.

وهذه الأقليات الإسلامية في قارات الدنيا الخمس، بإعدادها الستة والخمسين مليوناً ومائتي مليون مسلم قد زارها وتخلل أرضها وسماءها، برها وبحرها وفنائها، بطاحها الخضراء وصحاريها الجرداء وغاباتها الغناء، طائراً ومبحراً وزحفاً بالقطار والسيارة، قد جاس خلال قاراتها الخمس سبعة وفود، أوفدتهم إليها رابطة العالم الإسلامي خدمة للإسلام والمسلمين، بتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك الإمام فيصل بن عبد العزيز، ومن بين الوفود السبعة أب وابن قد زارا ضمن وفدين أربع قارات من الخمس: أسيا وأوقيانوسيا وأوروبا وأمريكا، وتعداد أقلياتها المسلمة أربعة وثلاثون مليوناً ومائتا مليون نسمة، ولم يبق عليهما ممن لم يزوراه إلا الأقليات المسلمة في إفريقيا، وعددهم لا يتجاوز اثنين وعشرين مليوناً.

وبالعلم معرفة، وبالرحلة خبرة، أتكلم وأخطب وأصرح، وأرفع صوتي عالياً من على منبر هذه القاعة قاعة المركز العام لرابطة العالم الإسلامي وقد جمع لها الناس من مختلف قارات الأرض، لحج بيت الله الحرام ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على أيام معلومات أعلن بأن هذه الأقليات الإسلامية بملايينها الستة والخمسين والمائتين، الموجودة في جميع قارات هذا الكوكب الأرضي، تعيش تحت تسلط الأكثرية غير المسلمة من مواطنيهم واستعبادهم، حقوقهم قليلة، وواجباتهم كثيرة، احتكرت الأكثرية: القيادة والسيادة والسلطان تشريعاً وتنفيذاً، أمراً ونهياً، تعلماً وتعليماً، تقاليد وعادات.

استباحت الأكثرية الطاغية نساء أقلية المسلمين زوجات لهم، وإسلامهم يأبى ذلك، ويعتبره سفاحاً، لا أثرله في نسب ولا نفقة ولا إرث، ولم يعترف لهم بأحكام شخصية ولا عامة فلا محاكم لهم وفق دينهم، ولا مدارس ببرامج ثقافتهم ولغة نبيهم، فضلاً عن المعاهد العليا والجامعات، وتأسيس الجمعيات لمصالحهم وتكوين الجامعات.

أما الأقليات الإسلامية ذات عشرات الملايين، في الصين وروسيا والهند وتايلاند وبورما وسيلان والفليبين ويضاف إليهم الأكثرية الإسلامية التي تحكمها الأقلية غير المسلمة: في الحبشة وتانزانيا وتشاد وغيرها. وهم يعيشون بين حاكميهم وغير المسلمين من مواطنيهم أسرى، يستعبدون الرجال منهم والنساء، في الدور والإدارات والمصانع والمزارع، وفي تكنيس الأزقة والشوارع والطرقات، ليس لهم في قوانينهم كرامة للإنسان ولا حتى رحمة الحيوان.

يذبحون رجالهم ولا يستحيون نساءهم، لأقل بادرة تبدو منهم ولو كانت هذه البادرة صيحة في وجه ظالم، أو تأففاً من اعتداء باغ، طرحوا الآلاف ومئات الآلاف بل الملايين من أرض لهم، حسدوهم على خصبها ومياهها، وخيراتها الباطنة والظاهرة، طردوهم منها إلى صحار وجبال لا تمطر ولا تنبت، وكاثروا تكتلاتهم وتجمعاتهم بعشرات الآلاف ومئات الآلاف بل وبالملايين ليذيبوهم فيهم، ويبعثروهم أيدي سبا ضائعين تائهين.

هدموا الكثير من مساجدهم، ومدارسهم، وجعلوا منها خمارات ودور فساد، ومعابد لنصب وأوثان، ومنعوهم حتى من دفن موتاهم مسلمين، فحرموا عليهم غسلهم والصلاة عليهم، وإفرادهم بمقابر ومدافن، ومن عارضهم في شيء من ذلك، قتلوه ضرباً بالسيف، ورمياً بالرصاص، وقصفاً بالرماح، وشنقاً بالحبال، كل هذا حدث في روسيا والصين والهند وتايلاند وبورما، وسيلان والفليبين والحبشة وتنزانيا وإريتريا وتشاد، ولا يزال يحدث، وعلى ضروب وأشكال من الفتك والتدمير والطغيان، وهو ما فجر الثورات الإسلامية في هذه البلاد، فسحق بعضها بوحشية وقسوة دونها قسوة وحوش الغاب, وبعضها لا يزال قائماً يستغيث ويستنجد إخوانه المسلمين في العالم، ومنها حروب التحرير في الفليبين وتايلاند وإريتريا.

أما تايلاند فمسلموها ذو الملايين الخمسة، فكأنهم الحيوانات السائمة، فلا حقوق لهم في تعليم ولا وظائف ولا بعثات دراسية في الخارج، وحتى البلديات ليس لهم فيها رأي ولا مشورة واستنكر ذلك مسلمو تايلاند واحتجوا رافعين أصواتهم بالألم والشكوى، فلم يشكهم إخوانهم المسلمون في العالم الإسلامي ولم تشكهم جمعية الأمم، ولا المحافل الدولية، فانفجروا بثورة مسلحة في جبال ولاياتهم التي يتكتلون فيها ولا تزال الثورة ملتهبة ولكن تواطأ على إخمادها صحف الأكثرية البوذية، وأجهزة الإعلام الدولية البوذية، وجميع أجهزة الإعلام في العوالم الأربعة: الوثنية والملحدة واليهودية والصليبية، عملوا لإخمادها بإغفال ذكرها بل وإنكارها حين عجزوا عن إخمادها بالحديد والنار والأسلحة الجهنمية، وحين عجزوا عن إخمادها باستسلام أبطالها وقاداتها.

وقد اجتمعنا بملك تايلاند والمارشال رئيس وزرائه وأعضاء من وزارته فطلبنا الرفق بالمسلمين ومعاملتهم معاملة المواطنين، فوعدونا وأنكروا وجود ثورة مسلحة في تايلاند، فعقدنا ندوة صحفية لإعلان حال المسلمين في البلاد وإذا بالصحافة تصدر في اليوم التالي منكرة علينا ما أسمته التدخل في أمور تايلاند الداخلية، واستعدت علينا حكومتها محتجة هائجة.

أما بورما فقد أخذت جميع أموال مسلميها المنقولة والعقار، وأفقرتهم فجأة بعد أن كانوا فيها هم رجال المال والأعمال تجارة وصناعة وزراعة واضطهدوا ومنعوا من مغادرة البلاد ولو للحج، وسجن منهم عشرات الآلاف، وعذبوا وطوردوا بذنب وبغير ذنب، حتى انفجرت فيها كذلك ثورة إسلامية مسلحة، وظنوا أن إغفال أجهزة إعلامها إذاعة وصحافة سيخمدها، حين عجز الجيش عن إخماد أوارها، فعلت بورما فعل تايلاند مع ثورة المسلمين.

وأما الفليبين وما أدراك ما الفليبين؟ فقد اتخذ طاغيتها ماركوس من الفليبين معسكراً لقوى الشر من أعداء الإسلام والمسلمين في الأرض: الوثنية بكل أشكالها والإلحاد بكل أنواعه وبمختلف أسمائه، واليهودية العالمية والصليبية الدولية، اتخذ منهم ماركوس حلفاء له، وجعل جزر المسلمين وتدمير المسلمين، لا في الفليبين وحدها، بل وفي جميع منطقة الشرق الأقصى، بجميع شعوبها الإسلامية أكثريات وأقليات.

فالمئات من أوكار التضليل التي تسمي نفسها: التبشير، تتفنن في اتخاذ العناوين الخداعة لأسماء مؤسساتها،من دورحضانة للأطفال، إلى الجامعات، ومن المستوصفات إلى المستشفيات إلى الكنائس والأديرة، والبعثات الصادرة والواردة، لإخراج المسلمين من دينهم، وتشكيكهم في الله الواحد وكتابه ونبيه خاتم الأنبياء، ويغرون الشباب فتيات وغلماناً لذلك، بالمال وببعضهم وبأنواع من الملاهي واللعب ويسخرون لهم الآلاف من الكهنة رجالاً ونساء ومن كل جنس ليقوموا على تضليلهم مع بذل مئات الملايين من الجنيهات والدولارات رواتب ونفقات وعطايا.

وماركوس جنّد صليبية لعشرات الآلاف من المحاربين، وسلحهم بجميع أنواع الأسلحة الفتاكة الحارقة والمدمرة، طائرة وعائمة وغواصة وزاحفة، لتخريب جزر الفليبين ومناطقهم، وتصفية الإسلام عقيدة ولغة وعلماً وتصفية المسلمين فيها رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، جماعات وأفراداً.

ويهود فلسطين المحتلة، ويهود أمريكا، اليهودية العالمية، يدربون المدنيين من صليبي الفليبين على القتل والاغتيال، الفردي والجماعي، وعلى تحريق الفرد والجماعة وهدم البيوت والإحياء على ساكنيها أيقاظاً أو هم رقود، ومن أفلت منهم يفر بنفسه وتبقى لهم أرض المسلمين خاوية من أهلها، فيستولون عليها ثم يجعلون لها صكوكاً وملكيات يزعمون فيها أنهم اشتروها من أهلها عن طيب خاطر منذ سنوات.

وهؤلاء اليهود الذي يدربون النصارى الفليبين، هم خبراء المخربين اليهود في فلسطين منذ الانتداب البريطاني وإلى اليوم، قالوا لماركوس: هذه أنجع طريقة لحرب المسلمين، وبها نحن تسلطنا على فلسطين واستولينا عليها، والمسلمون هم المسلمون عربا كانوا أو غير عرب، لا تفيد معهم حرب القانون والنظام ولكن حرب المكر والخديعة والضرب من الخلف وقالوا له: وضرب المجاهدين من المسلمين يكون بذبح نسائهم وأطفالهم وهدم بيوتهم عليهم وحرقها، فاستجاب لهم الصليبي ماركوس وصادف ذلك هوى في نفسه ونفذ لهم جميع تعاليمهم.

وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

واجتمع بنا ماركوس مرتين: مرة قبل لقائنا بإخواننا المسلمين في جزرهم، ومرة أخرى بعد اجتماعنا بهم، ومقامتنا بينهم ليالي وأياما، فقصصنا عليه قصصهم وما أصابهم من ضرّ وبلواء، من جنده وبنيه من الفليبين النصارى وحلفائهم، فوعدنا باستقلال المسلمين في ولايتهم وجزرهم الاستقلال الذاتي، ولكن لا يزال يراوغ بوعوده مراوغة الثعلب، يلتوي بها التواء الأفعى.

ومسلمو الهند الذين يربو عددهم على الثمانين مليوناً، والذين هم بعد مسلمي الصين أكبر أقلية مسلمة بين شعوب ودولة غير مسلمة، وعلى كثرتهم يعمل الهندوس جاهدين على مكاثرتهم والفيضان عليهم بقوانينهم الهندوسية، وبمئات الملايين من الهندوس.

هم أيضاً يكاد لهم بإلغاء ثقافتهم الإسلامية، ولغتهم الدينية، وأحكامهم الشخصية والعامة، وتقليص معاهدهم وجامعاتهم ومداسهم وجمعياتهم، ليذوب كل ذلك في الوثنية الهندوسية، وتذوب شخصيتهم في الهندوس، وعلى كثرة مسلمي الهند لا وظائف قيادية لهم، لا عسكرية ولا مدنية، لا تشريعية ولا تنفيذية وهي تتقلص وتتراجع بينهم يوماً عن يوم وعهداً بعد عهد.

ولدفع مسلم لبقرة عن مسار سيارته أو كلاء مزرعته، يقتل الهندوس من أجلها عشرات المئات من المسلمين. بل والآلاف منهم في كل أرض من الهند وكل مقاطعة، وقد يغني الطرف عن ذلك الشرطة، وقد يشاركون هم أيضاً مواطنيهم الهندوس في الضرب والتقبيل.

وقد اجتمع بنا كذلك وزير خارجيتهم ووزراء معه وقصصنا عليهم ما يعلمون عن مواطنيهم المسلمين فوعدونا بإصلاح أحوالهم.

وبعد فالأقليات الإسلامية بين الأكثريات غير المسلمة، يراد تصفيتها والقضاء عليها جسدا وديناً وكياناً وحضارة ولغة كما رأيتم وسمعتم، أيجوز هذا أن يبقى ويستمر؟ ونحن بعد لا نزال نعمر من العالم قارتين، ونشارك الباقين في القارات الأخرى الثلاث؟ ولنا مع ذلك مقاعد دولية تعد بالعشرات، ولنا دول وجيوش وثروات فاضت بركاتها على الدنيا، أيجوز أن يستمر هذا ويدوم ونحن نكاد نصل للمليار عداً ووجوداً ؟

يهودي واحد إذا مسّ في أي رقعة من رقاع الأرض، تعاوى له اليهود من كل جانب، وتعاوى معهم جميع حلفائهم من قوى الكيد للإسلام وعدوانه: ملاحدة ووثنيين وصليبيين, ونصراني واحد إذا مسّ كذلك في ركن من العالم تصايحت له أمريكا وأوروبا والدنيا كلها، ومنها المجامع الدولية في كل القارات.

والمسلمون يعذبون ويضطهدون ويقتلون، وتستباح أرضهم، وتغتصب أموالهم وتسرق خيراتهم بالآلاف والملايين، ولا يرفع صوت بشكوى ولا ألم، لا بين القارات، ولا بين الشعوب، ولا في المجالس الأممية ولا في المحاكم الدولية.

أيجوز إذا سكت هؤلاء راضين أو متواطئين، أن يسكت المسلمون وهم خير أمة أخرجت للناس ورسالتهم التي أرسلوا بها للناس، إنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله؟

أيجوز إذا سكت هؤلاء راضين أو متواطئين، أن يسكت المسلمون وكتابهم يفرض الأخوة بينهم؟ ويقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}, والنبي الهادي صلوات الله وسلامه عليه يؤكد ذلك ويفسره فيقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. والمسلمون يد على من سواهم".

هذا والأديان الأخرى قد استوفت أغراضها ونسخت، ورسلها قد أدت رسالاتها وانتهت، لتترك لخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسالة الكون والعالم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وكتابه يقول: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}, ويقول: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}. وسنته تقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون عليه، لا يضرهم من خذلهم، وهم على ذلك إلى يوم القيامة".

ويطلب كتاب دعوة الداعية الإسلامي الأمين العام لرابطة العالم الإسلام محاضرة عن الأقليات الإسلامية وواجب المسلمين تجاههم للأقليات الإسلامية على إخوانهم المسلمين واجبات لا واجب واحد، لهم واجبات على المسلمين: حكومات وشعوباً، جماعات وأفراداً علماء وعامة، أغنياء وفقراء،كل حسب قدرته وكل حسب علمه، وكل حسب ماله وعمله.

فواجب العلماء هو الحفاظ على الإسلام بين هؤلاء المسلمين الأسرى بين يدي الأكثرية غير المسلمة، أن يعلموهم دينهم عقائد ونظماً وأحكاماً ابتداء من ترجمته للغتهم، وإنتهاء بتعليمهم دينهم بلغة كتاب ربهم القرآن الكريم، وبلغة نبيهم وشريعته عليه أفضل الصلاة والتسليم، التي لا يتم معرفة الإسلام كتاباً وسنة وإجماعاً وفقهاً إلا بها.

وعلى العلماء أن يرحلوا إلى هؤلاء الأقليات الإسلامية، فيخالطوهم في مجتمعاتهم وأوساطهم، ويشرفوا على مدارسهم ومساجدهم، ونواديهم وجمعياتهم، وصحافتهم الخاصة بهم، يسعوا للربط بينهم وبين إخوانهم المسلمين في دولهم وشعوبهم ليحسوا بهذه الأخوة الإسلامية روحاً ومادة، وليقوموا بحقوقها وواجباتها.

وتكاد هذه الأقليات في أكثريتها الكاثرة في قارات الدنيا الخمس، لا تعرف عن دينها إلا أنها مسلمة بالوراثة أو بالرحلة، فلا تعرف صلاة ولاصياماً ولا زكاة ولاحجاً، فضلاً عن معرفة الإسلام: حلاله وحرامه وآدابه، فلا تعرف قرآناً ولا سنة ولا فقهاً، ولا تعرف علماً من علوم الإسلام، لا تاريخاً ولا سيرة ولا تراثاً.

وقلة لا تكاد تذكر هي التي تعرف بعض ذلك، وفي بعض الأقليات المسلمة فقط، وهذه المعرفة على قلة أهلها بينهم، لا تروي غلة، ولا تشفي علة، ولا تخرج من جهل.

وقديماً قال نبي الإسلام والعالم صلوات الله وسلامه عليه:"العلماء ورثة الأنبياء ". وما هذا الإرث الذي ورثوا النبوة فيه، إلا الدعوة إلى الله والدعوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والدين الحق دين الإسلام، يدعون إليه بالحال والمقال رحلة ومقاماً، كتابة وخطابة، تعليماً وهداية، باللسان والقلم، وبالمدارسة والمحاضرة والمسامرة في الدار والمسجد والمدرسة، وإن لم يفعل العلماء هذا، فقد أخلوا بواجب الأمانة في الإرث النبوي وأوشكوا أن يشملهم وعيد الله في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فأولئك أتوب عليهم وأنا}.

وواجب المفكرين من الكتاب والأدباء نحو إخوانهم المسلمين بين الأكثرية غير المسلمة، أن يفكروا لهم في المخرج من ظلمهم، واضطهادهم، وتذويبهم فيهم، وتغيير أسمائهم الإسلامية، والبعد بهم عن دينهم، أسرة ومجتمعاً، ومنعهم من تعليمه في مدارسهم، والرحلة لتعلمه في ديار المسلمين، وتردد هؤلاء المفكرين من الكتاب والأدباء على إخوانهم الأقليات المسلمة في بلادهم، للتعرف بهم، والتعرف على آلامهم وآمالهم، والسعي للوصول إليها وزوال ما يتألمون منه، بين الشعوب الإسلامية ودولهم، كل في محيطه، وعلى ما يستطيعه وتصل إليه يده.

وواجب رجال الإعلام نحو إخوانهم بين غير المسلمين، أن يتبعوا أخبارهم منهم، وفي بلادهم، ومن أجهزة إعلامهم صحافة وإذاعة وتلفزة، وندوات ومجتمعات،ونشرات وكتباً، فينشروا ذلك بدورهم: السّار منهم ليسرّ به إخوانهم المسلمون، والضارّ منه ليهتم به المسلمون، ويبذلون الجهد لزواله والمواساة فيه بالنفس والدرهم والكلمة الطيبة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ".

يجب على المسلمين من أعلام الكلمة: صحفيين وكتاباً ومذيعين وخطباء، وناشرين ومؤلفين وأدباء وشعراء أن يهتموا جميعاً بأحوال هؤلاء الأقليات من إخوانهم المسلمين، فيعلنوا حالهم ووضعهم بين الأكثرية غير المسلمة في بلادهم، بعد تتبعها ومعرفة ظاهرها وخفيها، سارها وضارها، خاصها وعامها، وينشروه في صحفهم ومجلاتهم، ويكتبوه في رسائلهم ونشراتهم، ويخطبوا به على المنابر وبين جميع الناس، ويجعلوه ضمن مطبوعاتهم ومؤلفاتهم، ويصدر عنه الأدباء قصصاً وروايات، وينظمه الشعراء قصائد ومعلقات، ليكونوا بذلك كما يأمرهم نبيهم عليه الصلاة والسلام:"يداً على من سواهم ". يداً للأخ المسلم المظلوم، ويداَ على ظالمه والمعتدي عليه.

وواجب الدول الإسلامية: ملوكاً ورؤساء وحكومات، أن يبعثوا إليهم الوفود دون انقطاع، ليعلموا حالهم ويعرفوا شكواهم وممن يشكون؟ وما الذي يريدون؟ إن كانوا يريدون مدارس ومساجد أشادوها لهم وقاموا عليها وإن كانوا يريدون معلمين وكتباً وهداة أعطوهم من ذلك ما يكفيهم، وإن كانوا يريدون بعثات من طلابهم للخارج، أنفقوا عليهم وحققوا لهم رغباتهم، كما فعل ويفعل الملك الإمام الداعية فيصل أيده الله وخذل شانئيه.

ويجب على الدول الإسلامية: ملوكاً ورؤساء وحكومات، أن يرفعوا عن إخوانهم المسلمين ظلم مواطنيهم الأكثرية، بما يملكون لرفع ذلك الظلم، بجاههم في المؤتمرات الإقليمية وفي المحافل الدولية، وأن يزيلوا عنهم العنت برجالهم وأموالهم.

وأقترح على الحكومات الإسلامية أن يخصصوا وزيراً من أعضاء وزاراتهم، لشؤون الأقليات الإسلامية في كل ما لهم وعليهم، ويحمل هذا الوزير لقب: وزير الأقليات الإسلامية, أقترح على جميع الحكومات الإسلامية أن تفعل ذلك.

وأقترح على الحكومات الإسلامية أن يكون سفيرها في الدول غير المسلمة ذات الأقليات المسلمة، من المتخصصين في الشؤون الإسلامية والدارسين للإسلام جيداً، وأن يكون جميع أعضاء سفارته أو قنصليته من الملتزمين للإسلام: واجبات وآدابا، لأن السفارة الإسلامية في البلاد غير الإسلامية بين الأقلية المسلمة تكون مرجعاً للمسلمين فيها للسؤال عن دينهم وتكون موضعاً للإقتداء بها والأسوة في سلوكهم وأخلاقهم.

ويجب على المؤتمرات الإسلامية الدولية، أن تنتخب من بين الأقليات المسلمة من يمثلها لديها، ويجب أن يكونوا من مسلميهم الواعين الصادقين والدعاة بينهم، وأن تكون عضويتهم في هذه المؤتمرات عضوية كاملة رأياً ومشورة وصوتاً.

وكذلك يجب على المؤتمرات الإسلامية الشعبية، أن تفعل، فتنتخب من بين الأقليات الإسلامية من يمثلها بينها، وعياً وصدقاً ودعوة، كما صنعت وتصنع رابطة العالم الإسلامي، وفق الله الموجهين لها والقائمين عليها.

وبذلك يتم التآخي بين جميع مسلمي الدنيا: أكثريات وأقليات، وبذلك يتم التناصر والتآزر في مؤتمراتهم الدولية وفي مؤتمراتهم الشعبية، بحيث لا يبقى في المسلمين من هو مهمل من إخوانه المسلمين أو من هو في عزلة عنهم، "فالمسلمون يد على من سواهم، ويقوم بذمتهم أدناهم, والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً " كما يأمر رسول اله صلوات الله وسلامه عليه.

إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

والحمد لله رب العالمين. . .

محمد المنتصر الكتاني
المستشار العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة

http://www.iu.edu.sa/Magazine/28/10.htm
المصدر: http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=1335

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك