الأعمال المصرفية الإسلامية – فرصة أم تهديد؟

الأعمال المصرفية الإسلامية – فرصة أم تهديد؟
بقلـم رودني ويلسون

درهام، إنكلترا – تحوّلت الأعمال المصرفية الإسلامية، التي تستلزم تفادي الفائدة، إلى نشاط واسع خلال الأربعين سنة الماضية. يُطرح سؤال واضح في هذا السياق حول ما إذا كان بروز تلك الأعمال يفصل أكثر وأكثر المسلمين عن القيم والمبادئ الغربية مُنشئة بذلك قطاعًا ماليًا منعزلاً. ويتمثل الرأي البديل بالتالي: مع تزايد عدد الغربيين الساخطين أو المرتابين من الخدمات المصرفية التي يلقونها، ويعتبرونها غير منصفة أو حتى منافية للمبادئ الأخلاقية، يؤدّي بروز الأعمال المصرفية الإسلامية ذات المبادئ الأخلاقية الخاصة بها في إظهار ناحية أكثر إيجابية للإسلام.

ينظر العديد من أصحاب المصارف الغربيين إلى الإدارة المالية الإسلامية كظاهرة غريبة أو ربما كفرصة تجارية، ولكن نادرًا ما يعتبرونها تهديدًا مماثلاً للذي يشكّله تطرّف المسلمين. في الواقع، يمكن إعتبار الأعمال المصرفية والمالية الإسلامية كناحية معتدلة للإسلام تساهم بحدّ ذاتها في إجراء الحوار بين الغربيين والمسلمين.

إنّ المؤسسات المالية التجارية الإسلامية، بما فيها بنك بريطانيا الإسلامي وبنك الإستثمار الإسلامي الأوروبي وبنك لاريبا في كاليفورنيا تعتبر مؤسسات جيدة في عدد من البلاد الغربية. بالإضافة إلى ذلك، إنّ المصارف الدولية الرائدة بما فيها سيتي بنك (Citibank) و(HSBC) أمانة والبنك الألماني و(USBC) في سويسرا، كلها تقدّم ودائع إسلامية وتسهيلات مالية تتناسب مع الشريعة.

لقد جرى الكثير من الحوارات بين المصرفيين الغربيين العاملين في تلك المؤسسات وعلماء الشريعة الذين يعظون بما هو مسموح وما هو محظّور. يمتد هذا الحوار ليشمل التأمين حيث أصبحت المؤسسات الإسلامية ناشطة بشكل كبير، وتتمثّل ميزتها الخاصة بعدم الإلتزام بقيود تقليدية خاضعة للفائدة وبأنّه لا يمكن مزج أموال وأرباح صاحب الأسهم التي يدفعها حاملو وثيقة التأمين، الأمر الذي قد يؤدّي بإستغلال الأوّل لمصيبة الأخيرين.

كون الشريعة تختص بالكون، بالمبادئ المُلهمة إلهيًا بدلاً من القوانين الوطنية، لقد أصبحت المؤسسات القانونية الدولية البارزة بدورها منخرطة في الأعمال المصرفية والمالية الإسلامية إذ إنّه على العقود أن تُصاغ وفقًا للقانون الإنكليزي أو الأميركي بما يتوافق مع الشريعة. في الواقع، تتمثّل المهمة الرئيسية لأعضاء لجنة الشريعة الذين يعملون في مجالس إدارات المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية التي تقدّم المنتجات الإسلامية، بالتأكّد من توافق العقود الجديدة مع مبادئ الشريعة، وفي حال لم تتناسب معها، بإجراء حوار مع المحامين فيما يتعلّق بالتعديلات وإعادة الصياغة.

يطمح العديد من الإسلاميين إلى إستبدال القوانين التي وضعها الإنسان بالشريعة الملهمة إلهيًا، أو ربما تأسيس خلافة إسلامية عالمية حيث يجب أن يعيش في ظلّها الجميع من مسلمين وغير مسلمين. إنّ هكذا طموح، وكالعادة، غير مقبول بالنسبة لغالبية غير المسلمين وفي الواقع للعديد من المسلمين أيضًا كونه لاغي الخيار.

يمكن للأعمال المصرفية والمالية الإسلامية أن تحدّد السبيل للمضي قدمًا: يتعلّق الأمر بتوسيع الخيارات وليس بالحدّ منها. كون كل مؤسسة تتمتّع بمجلسها الخاص بالشريعة، فقد تم تخصيص الخضوع للشريعة في الواقع، بدلاً من كونها مسألة قانون دولي. في الواقع، يقوم كل مجلس للشريعة بإصدار الفتاوى الخاصة به أو الأحكام الدينية، الأمر الذي يوسّع الخيار في معرض الأفكار الدينية. إنّ الدين، بكل تأكيد، يزدهر في ظل ظروف تنافسية وينطبق ذلك على الإسلام حيث أنه عندما تم توطينه، سرعان ما نفر معتنقوه.

يمكن إعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثالاً على عدم وجوب تشجيع تنمية الأعمال المصرفية والمالية الإسلامية. فهناك، لقد خضعت جميع الأعمال المصرفية إلى الشريعة إبتداء من قانون الفائدة. لقد تم إصدار الأعمال المصرفية الحرّة عام 1983. وبالتالي، ليس أمام زبائن المصارف خيارًا غير إستخدام نظام الشريعة. ومع ذلك، إنّ البنوك حكومية وتتمتّع بالقليل من الإستقلالية حتى في تحديد ما يجب أن تقدّمه من ودائع ومنتجات مموّلة. كما ليس لديها لجان للشريعة بحجّة أنّ ذلك غير ضروري كون القانون يضمن الخضوع للشريعة في جميع الأحوال.

نتج عن ذلك نمو بطيء في تطوّر الأعمال المصرفية والقليل من الإبتكار المالي، كما أنّ غالبية الإيرانيين لا يملكون حسابات مصرفية. في المقابل، من ناحية الخليج العربي وماليزيا، حيث تتنافس المصارف الإسلامية والتقليدية، تقدم المصارف الاسلامية خدمات مميزة ، بالإضافة إلى قاعدة متزايدة من الزبائن. فقد أصبح مصرف راجحي في المملكة العربية السعودية أكبر مصرف إسلامي للعمليات بالتجزئة في العالم، ويمكن مقارنة مستوى خدماته ومحطات توزيعه إلى حدّ كبير بأفضل ما يمكن أن تقدّمه المصارف الغربية.

اعمال المصارف الإسلامية مستمرة، وهي فرصة وليست تهديدًا، كما تتمتّع بمستقبل مزدهر. ولكن هناك ثغرات معيّنة مثل عدم وجود مصرف إسلامي في إسرائيل لكي يقدّم الخدمات للشعب المسلم هناك. ولكن إذا ما صرّح بنك إسرائيل المركزي بإنشاء هكذا وحدة، قد يبرهن عن نية حسنة. كما قد يشجّع الشعب اليهودي القائم هناك على التسائل حول ما إذا كانت أعمال مصارفهم الخاصة متوافقة مع التعليمات الدينية المنصوص عليها في التورات.

أخيرًا، تتعلّق الأعمال المصرفية والمالية ببروز شكل إسلامي خاص من الرأسمالية التي قد تتماشى وتتواصل مع الرأسمالية الغربية والصينية والروسية أو أي رأسمالية أخرى. يجب الترحيب وتسهيل هكذا نمو وليس إعاقته أو قمعه.

###

*رودني ويلسون، مدير دراسات ما بعد التخرّج في معهد الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية التابع لجامعة درهام. كما أنه مشارك في تحرير سياسات المالية الإسلامية وكاتب مساعد في الإقتصاد الإسلامي: رواية قصيرة. يشكّل هذا المقال جزءًا من سلسلة من المقالات المتعلّقة بالإقتصاد والعلاقات بين المسلمين والغرب وقد قامت بتوزيعه خدمة Common Ground الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20547&lan=ar&sp=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك