المسلمون يدركون العولمة ولكن هل بلغتهم؟

المسلمون يدركون العولمة ولكن هل بلغتهم؟
بقلـم محمود قزمي

واشنطن، العاصمة – لقد إختلط أثر العولمة الفعلي على العلاقات بين المسلمين والغرب، ولكن كما يذكّرنا القول المأثور، "الخبر السيء يصل سريعًا". ما يثير السخرية أنّ أفضلية سرعة الصحافة السلبية على العولمة يمكن أن تُنسب بشكل أساسي إلى العولمة بحدّ ذاتها. فعليًا، يمكن تصديق أنّ مستويات الدّخل ومعدّل الحياة قد تحسّنت في البلاد ذات الغالبية المسلمة خلال النصف الأخير من القرن الماضي، وكذلك الإنفتاح الإعلامي وتوزيع الأخبار. ومع ذلك، تشير الأحداث العالمية وكيفية التعاطي معها بشكل كبير إلى أنّ الإنطباعات الغالبة لدى المسلمين عن العولمة تشير إلى تميّز سلبي تمامًا، الأمر الذي يُربك العالم الغربي. من وجهة نظر الولايات المتحدة، يبدو ذلك كنكران واضح للجميل من جهة الدّول النامية التي تبدو أنها ترغب بالإساءة لمن أعانها بعد أن أغدقت المساعدات والإستثمارات عليها.

هناك مبدآن أساسيان لجسر هوّة التفاهم بين المسلمين والغرب حول أثر العولمة: "الإدراك هو الواقع" و"إنكار الواقع لا يساعد على الإدراك".

برأي الكثيرين في الدّول ذات الغالبية المسلمة ، تتم رؤية طموحات مؤيّدي التيارات المالية الحرّة والتجارة والإعلام من خلال منظارين خاطئين: الشك وعدم الأمان. يأتي الشك نتيجة إستغلال الموارد في ظل الإستعمار. أمّا المنظار الثاني، المحصور بين المسلمين والغرب، فينتج عن عدم التأكّد إذا ما كانت الحضارة الإسلامية ستثبت نفسها أبدًا بعد فترة طويلة من الركود. إنها مسألة تختصّ بالمسلمين لأنه وخلافًا للحضارات الأخرى، وحده الإسلام كان مهيمنا على الغرب في السابق.

توجد العديد من الروايات حول حقبة الإسلام الذهبية وهي تتفوّق على أوائل العصور الأوروبية الوسطى، وحول فلسفة الإصلاح والنهضة التي يحثها التعرّض لفضول المسلمين العلمي. في المقابل، وبقدر عظمة الحضارات المكسيكية القديمة أو الصينية أو الهندية، لم يستحوذوا على دائرة نفوذ في أيّ جزء من أوروبا، بصرف النظر عن حدودهم. لربّما أنقذهم هذا الأمر، ما يدعو للسخرية، من الإستغراق في "إعادة" إثبات النفس.

لوضع الأمور في إطارها الصحيح، يمكن مقارنة الشرق الأوسط الحالي إجتماعيًا بأميركا الوسطى في الخمسينات. في ذلك الوقت، لقد حُظّر عرض "إلفيس" بكامل ملابسه ومع أغنياته الخالية من الكلام الفاحش عن البرامج التلفزيونية لمجرّد أنه يلوح بخصره. ماذا نتوقّع من المسلمين أن يُكنّوا من نوايا للغرب عندما تمثّل "الإعلام الحرّ" حينها بعرض أكثر الأفلام المصوّرة إنفتاحًا في ذلك الوقت على شاشاتهم ليشاهدها أطفالهم الأبرياء؟ تصوّر كيف كانت أميركا المرتابة من برامج "إلفيس" لتغضب من عرض "بريتني" أو "باريس هيلتون".

بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن تفسير أنّه على نفس الموجة، وفقط بضغط زرّ آخر، تعجز الأخبار المحلية عن إستجواب السلطة الحاكمة أو المستبدّة؟ إنّ النقطة السابقة، "MTV من أجل الشعوب المسلمة"، تسلّط الضوء على مشكلة الإدراك: سيصبح ذلك الواقع الذي ستتفاعل تجاهه المجتمعات. أمّا النقطة الأخيرة، "نعم لموسيقى البوب، لا للمصداقية السياسية"، تشدّد على الواقع المُسخط الذي لا يمكننا نكرانه من دون توسيع شقة الخلاف.

قد يكمن الأمل للمستقبل أولاً في جرعة من التسامح، إذا لم نعنٍ الغفران والتوبة. كونه مضى جيل من الحقبة الإستعمارية ويشيخ الجيل اللاحق للحقبة الإستعمارية، هناك موجة جديدة من الشباب في كلّ من البلاد ذات الغالبية المسلمة والغرب. من جهة، إنّ توفّر المعلومات وتزايد التعدّدية في المجتمعات الغربية قد دفعت الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا لرؤية الدّول النامية كأشخاص أكثر من كونهم موارد إقتصادية، ولو نظروا إليهم أحيانًا كمستهلكين مستقبليين للأسواق. في الوقت نفسه، هناك أعداد متزايدة من الشباب في جميع أنحاء الدّول المسلمة بغالبيتها، وقد تعلّمت تقدير المبادئ الغربية للحرية الفكرية وحق تقرير المصير على الرغم من بعض الحقائق المشؤومة المتعلّقة بالحرب والسياسة، ومع أنّ عددهم لا يزال قليلاً.

فيما يتعلّق بنفور المسلمين من التبادل العالمي "الحر" للتوجّه نحو نمط أوسع، يحتاج التبادل لأن يكون متبادلاً بالفعل. يجب أن يكون هناك فرصة فعلية في هذا السوق العالمي للأفكار والمبادئ، وليس فقط للتأثيرات المضطهدة للمصالح الخاصة. في حين أوجدت عولمة الإعلام منتديات للأصوات "المعتدلة" من الشرق والغرب بغية الإلتقاء معًا، هناك تهديد من تزايد سوء التفاهم في هذا المجال. مع الحضور شبه الكلّي للـBBC والـCNN وFox News في الشرق الأوسط، كيف يمكن لمؤيّدي العولمة تبرير واقع أنّه ما من محطة أميركية أو موزّع محطّات فضائية سيتبنّى الجزيرة باللغة الإنكليزية، شبكة تديرها هيكلية أقل تهديدًا من روّاد الـBBC ونظرائها من المحطات الغربية الأخرى؟

وكما في بلاد نامية أخرى، تصبح العولمة مقبولة عندما يترافق النمو الإقتصادي للمؤسسات العالمية مع توسّع المفاهيم الغربية المتعلّقة بالعمل والمستهلك والحماية البيئية. ولكن بشكل خاص في الدّول ذات الغالبية المسلمة، يحتاج النفور من العولمة لأن ينتشر من خلال التركيز على الأعباء الإضافية للحساسية الثقافية والظلم السياسي الفعلي.

###

*محمود قزمي، مستشار دولي في إدارة الأعمال والإستثمار، أميركي مسلم ومقيم في ولاية واشنطن العاصمة، حيث وُلد. يشكّل هذا المقال جزءًا من سلسلة من المقالات المتعلّقة بالإقتصاد والعلاقات بين المسلمين والغرب وقد تم توزيعه عبر خدمة Common Ground الإخبارية ويمكن قراءته على الموقع التالي: www.commongroundnews.org

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20255&lan=ar&sp=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك