محاربة التطرف بدون محاربة المتطرفين

محاربة التطرف بدون محاربة المتطرفين
بقلـم كريستوفر بوتشيك

واشنطن العاصمة – يُظهر صانعو السياسة الغربيون، بعد مرور ثماني سنوات على ما كان يسمى "الحرب العالمية على الإرهاب" إدراكاً متنامياً بأن محاربة المتطرفين العنفيين يتطلب أدوات أكثر إبداعاً. يمكن للحلول العسكرية في نضال من هذا النوع أن تكون لها نتائج غير متوقعة من حيث زيادة اتساع التطرف بدلاً من عكس اتجاهه.

يجري تعريف السياسات الأمريكية في الخارج أحياناً على أنها تظلمات وشكاوى. إلا أن الأوضاع المحلية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تلعب دوراً كبيراً كذلك. يجب أن يشكل تحسين هذه الأوضاع جزءاً أساسياً في أي حوار حول مكافحة الإرهاب.

أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في برامج إبداعية غير تقليدية لمحاربة التطرف، ويمكن ملاحظة الكثير منها في إدارة "قيادة إفريقيا" (AFRICOM) التي قامت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بإنشائها مؤخراً. يتعامل الإفريقيون باستمرار، مثلهم مثل بقية المجتمع الدولي، مع مشاكل تتراوح من تزايد القرصنة إلى الجريمة عبر الأقطار إلى التطّرف. وتركّز الولايات المتحدة في عملية مساعدتهم للتعامل مع هذه المشاكل، بشكل متزايد على المعونة التنموية.

يتم النظر إلى AFRICOM، التي أسست عام 2007 ويتواجد مركزها الرئيسي في ألمانيا، بشكل خاطئ غالباً على أنها أداة لتوسعة مجال التأثير الأمريكي. إلا أن أحدى الأولويات الرئيسية للقيادة الجديدة هي مساعدة الدول الإفريقية في محاربة الإرهاب والتطرف والجرائم عبر الأقطار بنفسها وبدون تدخل عسكري أجنبي. واقع الأمر هو أنها تركز على "منع الحروب بدلاً من خوضها". وتسعى AFRICOM إلى تحقيق هذه المهمة من خلال التدريب وعمليات بناء القدرات مع قوات الأمن المحلية من خلال توفير المعدات والمركبات والدعم اللوجستي، وتقوية التعاون بين الدول.

وتدمج الولايات المتحدة المعونة المقدمة لوكالات التنفيذ المحلية مع برامج اقتصادية وسياسية مصممة لتحسين الأوضاع المحلية وإفشال جاذبية التطرف العنفي. ففي القرن الإفريقي على سبيل المثال، قام الجيش الأمريكي وبنشاط بالمشاركة في حفر الآبار وبناء المدارس في جيبوتي وتوفير العناية الصحية المجانية في مناطق إثيوبيا الريفية وربط المدارس الكينيّة بموارد المياه العذبة.

وفي مناطق الساحل الشاسعة التي تفتقر بشكل كبير إلى الإدارة، وحيث يعتقد المسؤولون العسكريون أن تنظيم القاعدة في دول المغرب ذات الغالبية الإسلامية يعمل بحرية، تطبق الحكومة الأمريكية شراكة مقاومة الإرهاب عبر الصحراء، فتعمل على توزيع أجهزة راديو لربط حكومات وشعب مالي والنيجر، وتدير برامج طبية وبيطرية عبر المنطقة بأسرها.

إلا أن الولايات المتحدة تحتاج لأن تصبح أكثر إبداعاً إذا أرادت وضع حد للتطرف العنفي حيث يبدأ. فبالإضافة إلى المعونة التنموية، يتوجب عليها تشجيع الشفافية والكفاءة للمساعدة على إيجاد حكومات أكثر تجاوباً مع المواطنين وبالتالي أقل احتمالاً لتوليد الأصولية.

تستطيع الولايات المتحدة تطبيق برامج لرعاية القضاة والمحامين والصحفيين والمحررين من الدول ذات الغالبية الإسلامية، مما يمكّنهم من قضاء بعض الوقت في المحاكم وغرف الأخبار الأمريكية. كثيراً ما تتحسر واشنطن على فساد المهام القضائية وانعدام وجود إعلام معتمد في العالم الإسلامي. وهل نملك أسلوباً أفضل لتقوية حكم القانون والحاكمية الجيدة والإعلام المسؤول من عقد برامج تبادل في هذه المجالات؟ عندما يعود المشاركون فإنهم يحضرون معهم التجارب والتقنيات التي تعلموها من زملائهم في أمريكا، ويتعلم الأمريكيون درجة جيدة من التفاهم والاحترام تجاه الثقافات الإسلامية.

سوف يتطلّب النضال ضد التطرف العنفي استثماراً طويل الأمد، إلا أنه سيعود بفوائد بعيدة الأثر. تشكّل المعونة والإصلاح والتعليم أدوات أساسية يمكن استخدامها للحد من جاذبية العنف السياسي، وقد بدأت الولايات المتحدة، وهي على حق، برامج مشاركة إستراتيجية إبداعية لمقاومة الإرهاب، آخذة هذه الفلسفة بعين الاعتبار.

###

* كريستوفر بوتشيك زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيغي للسلام العالمي. هذا المقال جزء من سلسلة حول تحليل السياسات الغربية في العالم الإسلامي. كُتب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=26295&lan=ar&sp=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك