الدين كقاسم مشترك
الدين كقاسم مشترك
بقلـم فيز خان
هيرشي، بنسلفانيا – يشكّل كلّ من العالمين المسلم والغربي منطقة متعدّدة الوجهات ومتعدّدة الثقافات ومتعدّدة الأديان بالرغم من الأسلوب السطحي الذي غالبًا ما يتم تعريفهما ورؤيتهما من خلاله. هناك ملايين المسلمين في الغرب، وهناك ملايين الأفراد الذين ينتمون إلى خلفيات دينية أخرى في "العالم المسلم"؛ هناك علاقات أساسية بين هذين العالمين الذين يُفترض أنهما مختلفين، كامنة في القواعد الأساسية لثقافتهما؛ كما أنّ الإنبعاث المستمر للتديّن يكمن في قلب كلتا الثقافتين ويمكن إدراكه عبر تواريخنا.
يتمثّل هدف التديّن بالتقوى، وتكمن الأهمية الزمنية للتقوى بلجوء الفرد والجماعة بإستمرار للقيم والمبادئ الأخلاقية التي يحترمها البشر في جميع أنحاء العالم. ونظرًا لتلك العلاقة بين التقوى والمبادئ الأخلاقية التقليدية، يجب على أيّ أحد ذات نية حسنة، سواء كان غربيًا أم لا، أن ينظر إيجابياً لتلك الناحية من العقيدة الإسلامية الداعمة لتعزيز التقوى بالممارسة الدينية، التي تُظهر عن الذي يتّبعها تلك المبادئ الأخلاقية المشتركة بين البشر ومع التقاليد المسيحية واليهودية، والهندوسية، والبارسية، والبوذية.
بالتالي، يمكن إيجاد التشابهات بين الثقافات في الناحية الدينية والمتديّنة. حتى أنّه بإمكان الثقافات التي تبدو متصادمة أن تتوصّل إلى أرضية مشتركة في هذا الإطار. وللإرث الأميركي أسسًا متديّنة قوية. فأنا أتذكّر، عندما كنت تلميذًا في المدرسة أردّد يوميًا "أمة واحدة، تحت حكم إله واحد، حيث يتمتع الجميع بالحرية والعدالة"، كما هو مُشار إليه في التعهّد الأميركي للولاء (American Pledge of Allegiance). إنّ هذه الفكرة تحديدًا قرآنية. بل أكثر من ذلك، تبرز أهمية بقاء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية محايدة بشأن الآراء المحدودة مع الإعتراف بالديانة وتعزيز التقوى والقدسية، مهما كان الشكل الخارجي (سواء مسيحي أو بوذي أو إسلامي، إلخ)، في الحفاظ على المفهوم العملي للحكم كما هو منبثق من المبادئ القرآنية. لقد تم تفسير تلك المبادئ وإتباعها من قبل النبي محمد وأتباعه من المؤمنين.
وبالرغم من إمكانية تحديد أوجه التشابه، فقد حافظ الشرق على مبادئ متديّنة قريبة إلى ملامح ثقافاته، في حين يستمر الغرب بدعم ثقافة أكثر علمانية. هناك القليل الذي يجب على "العالم المسلم" أن يتعلّمه من الغرب المعاصر من حيث المفهوم. يكمن إنشاء حكم ومجتمع سليمين من حيث المفهوم، في تطبيق الشريعة الخاصة بالشرق، وهي مجموعة قوانين يحدّدها القرآن، تتضمّن تعددية المعتقدات. سواء يتم تمثيل هذا العنصر من الشريعة أو تعزيزه أو دعمه من قبل الذين يؤثرون على السلطة الجيوبوليتيكية (الجغرافية-السياسية) المحلية السائدة أو الدولية، إنّ تلك مسألة مختلفة كليًا.
إنّ صنف المذهب العلماني الغربي الخاص بالمصالح الإنسانية والذي يرى مظاهر الإيمان العامة أو ذكر الله كفريضة دينية مسيئة هو مستكره للنموذج الإسلامي. في جميع الأحوال، لا يزال يُتوقّع من المسلم في الغرب أن يلتزم بالأعراف والنماذج القانونية لبيئته. فإذا أخذنا مثالاً مُبالغًا به، في حال، من خلال الإجراء المناسب، صدر قرار يعلن أنّ الدين أو ذكر الله هو مسألة بغاية الخصوصية، على المسلم، ووفقًا لسلطة نظام المبادئ الأخلاقية الموصى بها في القانون، أن يلتزم بذلك أو أن يعيش في مكان آخر.
في العالم المسلم، كما في بقية العالم الثالث، هناك فرضًا للأنظمة الموكّلة المشتركة والأرستقراطية الغربية من خلال إستخدام العمليات الحربية السرية والعلنية. مع إضعاف حق تقرير المصير، تدفع العواقب السياسية الإجتماعية والإقتصادية المسيئة للعديد من شرائح الشعب للشعور بأنّ حقوقهم منتهكة. عندما تعبّر شعوب "العالم المسلم" عن نفسها فكريًا ولفظياً ضد الأعمال المجحفة فعليًا بحقّها، تقوم بذلك بأسلوب ومثال فكري مستنبط من المبادئ الأخلاقية في الشريعة التي تعدها بحقها في العيش، والحرية، والملكية، والأمن والتوزيع العادل للثروة والفرص. ترتبط أسس الشريعة بالدين، وبالتالي يشبه إنبعاث الروح الدينية في هذا السياق مطالبة الأميركي بـ"حقوقه الدستورية" في وجه المعاناة السياسية الإجتماعية والاقتصادية. تكمن أسس مختلف الحركات الرجعية في هذه القوة المحركة. إنّ العلاقات بين الأعمال والجرائم الحالية المنسوبة لتلك الحركات المختلفة من جهة، وبين الأجندات المشتركة الدولية أو الغربية من جهة أخرى، تحتاج لمزيد من التدقيق فيها.
إنّ الدين في معناه الصحيح، عندما يُمارس فعليًا، يخلق روابط بين ممارسيه، مهما كانت هوية أديانهم الخاصة. يطرح القرآن بوضوح تلك الظاهرة في العديد من الأمثلة. تتمثل إحدى أكثر النظريات خللاً (والتي يقع ضحيتها حتى رجال الدين الصالحين) بالفرضية القائلة بأنّ هناك أمر داخل الدين الحقيقي (أيًا كان شكله) أساسي في خلق النزاعات وفقًا للأساليب الخاصة المحدودة دينيًا. يبدو ذلك كالتصريح بأنّ هناك أمر فطري في وجود تعددية الأجناس/الأعراق التي تسبّب النزاع المذهبي في هذا المجال.
يشكّل التعصّب الديني، أو التعصّب العرقي، أو التعصب على أساس الجنس في معناه الصحيح ضلالة نفسية. بالرغم من إرتباط الدين والعرق والجنس لغويًا بالتعصّب الخاص لكلّ منها بأسلوب وجودي، فإنها ليست سببية. إنّ اليهودي ، أو المسيحي أو المسلم التقي سيتصرّف من حيث المعتقد بالأسلوب نفسه فيما يتعلّق بالمبادئ الأخلاقية الداخلية. قد تختلف أشكال العبادة – ولكنّ تعاطي الشخص المسيحي أو المسلم أو اليهودي أو الهندوسي أو البارسي أو البوذي مع مثيله من البشر يبقى على حاله.
يرغب جميع البشر – سواء متديّنين كانوا أم متخوّفين من الدّين – بأن يعيشوا حياتهم على هذه الأرض بما يحافظ على حقوقهم، والتمتّع بنشاطاتهم ضمن مجتمع هادئ ومنظّم. هذا هو الرابط المشترك بين المتدينين وغير المتدينين. هناك وحدة أساسية موجودة في إنسانية الشعوب والثقافات والأديان في هذا العالم. يجب القيام بحملة مشتركة ضخمة من شأنها أن تساهم في إزالة الحواجز بين "العالمين" الذين نعيش فيهما. كما يجب تشجيع الصحافة ذات المصداقية وتعزيز التعليم الثقافي والتفاهم. لقد حان الوقت للتوقف عن البحث في التباينات والشروع في إلقاء الضوء على التشابهات.
*فيز خان، مفكّر ومعلّم مسلم بالإضافة إلى كونه طبيب ذات تخصّص مزدوج في الطوارئ والطب الباطني. كما أنه مساعد مؤسس لشبكة موجكا (MUJCA-NET)، الإتحاد المسلم اليهودي المسيحي للبحث عن حقيقة أحداث 9/11. إنه المقال الأخير من أصل ستة مقالات حول إنبعاث الروح الدينية والعلاقات بين المسلمين والغرب والتي يتم توزيعها عبر خدمة Common Ground الإخبارية.
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20189&lan=ar&sp=1