شباب أميركا والحرب المقدّسة

شباب أميركا والحرب المقدّسة
بقلـم كاترين جويس

نيويورك، نيويورك – "هذه هي الحرب"، أعلن "رون لوتشي"، كاتب بيان الشباب الإنجيلي "شعار الجيل" ومؤسس حركة "هوس المراهقة". كان يتحدّث إلى جمهور في مدرّج يتألف من ناشطين شباب مسيحيين إجتمعوا في إحدى المناسبات الدينية اللامعة الخاصة بـ"لوتشي"، والتي تُقام في أنحاء البلد: يتعلّق جزءٌ منها بحفل لموسيقى الروك، وجزء آخر بمذبح الإعتراف وجزء بتجمّع مناهض للزواج المثلي – مستكملة بشعارات تحريضية واسعة ومثيرة للقلق. "إنّ المسيح يدعونا للتحرّك، مُعلمًا أنّ الأشد بأساً - 'الذين يتمتعون بالقوة' – سيسيطر على المملكة... ليس عليك أن تعرف الكثير عن المسيح، فقط ما يلزمك للتضحية بحياتك بكاملها... أهلاً بك إلى سيادة الخضوع التام للرب".

مُعبّرًا عنها بين المتفجرات وقصص الحرب، هكذا تمثّلت الرسالة الأعمق الموجّهة للمراهقين: أنّ التمرّد الفعلي لم يكن لينشأ بالتقليد أو بالفكر المستقل، وإنما بالخضوع والإذعان التام للمسيح وسلطته على الأرض. ويشكّل ذلك إحدى المسلّمات غير الفطرية حول الخضوع التام الذي أصبح من اللوازم الأساسية في الحركات الإصلاحية المسيحية الأصولية التي تتمثل إستراتيجيتها بتحدّي الفردية وحق تقرير المصير اللذان سادا في زمن الستينات.

تملك رسالة "لوتشي" مماثلاً أكثر وضوحًا في كتابات "ماري برايد"، مؤيدة سابقة للمساواة بين الرجل والمرأة كما تصف نفسها، تحوّلت إلى مسيحية أصولية أصبحت بدورها إحدى المؤيدين البارزين من عامة الشعب لحركة التعليم المنزلي المحافظة في أواسط الثمانينات من خلال كتابها، السبيل إلى المنشأ: بعيدًا عن المساواة بين الرجل والمرأة، العودة إلى الواقع. يشكّل الكتاب دليلاً توجيهيًا مناهضًا للمساواة بين الرجل والمرأة بغية إعادة العائلات الإنجيلية والذكورية والمستقلة التي ساهمت في توجيه طاقات حركة إصلاح مسيحية وضيعة. وخلافًا للثورات الثقافية السابقة التي شدّدت على الفردية والإستقلال كمبادئ أساسية للتبدّل الإجتماعي، تعزّز "برايد" الخضوع للسلطة والتقاليد، والتسليم التام بالله الذي انتشر بالتعرّف إلى الموطن والتمسّك به كجندي مثابر.

لقد كتبت، "يتمتّع الخضوع بطابع عسكري". واصفة الأدوار الإنجيلية الفعلية للزوج والأب، الزوجة والأم، إنها تشرح قواسم التشابه العسكرية. "للصالح الأسمى، يخضع الجندي لقائده، حتى إذا لم يكن يوافقه الرأي... يواجه هذا الجيل خطر نسيان أنّ الحياة المسيحية لا تزال حربًا... عندما يلتزم الجندي البسيط بالحرب، ويرغب في إخضاع رغباته الخاصة إلى هدف الفوز، ويرغب في الإنصياع للقائد الذي عيّنه قائده العام، يملك هذا الجيش فرصة كبيرة بالفوز".

في هذا التشبيه المجازي وفي دراسة علم اللاهوت للنسق الطبيعي، الحركات العائلية الواسعة التي تُزهر ضمن مجتمع التعليم المنزلي، تترتب المراكز كالتالي: الله كالقائد العام، الزوج كالسلطة التي عيّنها الله على الأرض وقائد العائلة، زوجته كجندي دونه رتبة. أما الأولاد، المذكورين في تشبيهات الكتب المقدّسة كسهام يملؤون جعب آبائهم، فيجب توظيفهم ضد أعداء أهلهم – كتضحية، وإنما يتم تقديمها طوعًا من قبل جيش محتشد ضد عدو مشترك، وتربيتهم وتعليمهم على الإرتقاء بالخضوع إلى هدف أسمى يتعدّى مصالحهم الخاصة.

إنّ شغف الإستسلام والخضوع والتضحية بالنفس إلى حدّ إفناء النفس هو الذي يميّز حركات الشباب الأصولية في النطاق الديني، من المحاربين الشباب المسيحيين في كتاب "رون لوتشي" 'شعار الجيل'، إلى المراهقين المسلمين الذين يتم إستخدامهم كأسلحة بشرية في نظام مختلف من الحرب المقدّسة.

في كتابه، 'الإستخدام والإساءة للحرب المقدسة'، يُشير عالم الإسلام "جيمس تورنر جونسون" إلى أنّ التباينات التاريخية بين العالمين المسلم والغربي، أدّت إلى مواقف ثقافية متناقضة حول "الحرب المقدّسة". نظر الغرب العلماني إلى الحروب التي ارتُكبت على أسس دينية على أنها مُحبطة للآمال، في حين في دول المسلمين، فإنّ الحروب الدينية تُوحّد الثقافات مُلغية الإختلافات العلمانية بين الناس الذين يجمعهم الإيمان بوحدانية الله.

ولكن وسط الحركات الشبابية الأكثر بناءة، فإنّ البرامج الخدماتية على غرار 'موطن للإنسانية' (Habitat for Humanity)، والمنظمات الناشطة مثل 'مراهقين للسلام وإئتلاف طلاب سييرا' (Teen Peace and the Sierra Student Coalition)، أو نشاطات المنظمات المنتشرة وسط المدينة على غرار هوميز يونيدوس (Homies Unidos)، يتخذ الخضوع كعمل فضيل مرتبة ثانوية بالنسبة لبناء ضمير الفرد، والعمل الناشط المطلّع والولاء للهدف. كذلك تم إستبدال عروض موسيقى الروك المخصصة لله بأنماط أكثر هدوءًا، عبرة أكثر نضوجًا بأنّ التبدّل الإجتماعي يحتاج للوقت والعمل، وليس للحماس المفرط. كما يتم إستبدال التركيز على الحرب كقضية تربط بين الشباب بإلتزام أكثر أهمية للسلام. يتقاسم الأهل وقادة المجتمع الدولي مسؤولية مشتركة في توجيه شبابنا بعيدًا عن الإلتزام التلقائي نحو خيارات أكثر أهمية.

###

*كاترين جويس، كاتبة مقيمة في مدينة نيويورك. والمقال هو الخامس من سلسلة تتألّف من ستة مقالات حول إنبعاث الروح الدينية والعلاقات بين المسلمين والغرب وقد تم توزيعها عبر خدمة Common Ground الإخبارية، ويمكن قراءتها على الموقع التالي: www.commongroundnews.org
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=2989&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك