المسلمون، الحلفاء الأبرز في مكافحة الجهاد
المسلمون، الحلفاء الأبرز في مكافحة الجهاد
بقلـم عباس بارزيغار
أتلانتا، جورجيا – في الصيف الماضي، وتبعًا للإعتداءات الحاصلة في نفق المترو في لندن، كتب توماس فريدمان، محرر في صحيفة نيويورك تايمز، في مقال يعبّر عن رأيه: "كونها تبرز عند المسلمين، تحتاج المشكلة إذًا إلى حل من المسلمين". إنتشر نداءه، على الفور، في مختلف شبكات الوسائل الإعلامية العالمية. دعا القادة المسلمون للإجتماع والتصريح بالردود. فاكتفى العديد من القادة بالقول "إنّ الإسلام الحقيقي" لا يدعم أعمال عنف وجبن كهذه. يدرك العديد من الناس أنّ نداء فريدمان لم يكن موجهًا فعليًا إلى جمهور المسلمين بقدر ما هو موجّه إلى جمهور الغربيين المحبط نتيجة ما شهده من رضى المسلمين عمّا يدعى بالجهاد. إنّ آراء كهذه، قد أغفلت الواقع السائد بأنّ مجتمعات المسلمين، وليس الغربيين، هي التي تأثرت سلبيًا بالتطرّف الإسلامي، كما أنها عجزت عن إدراك الجهود العظيمة التي بذلها المسلمون لمكافحة تلك المخاطر.
في حين لم تقع المجتمعات الغربية ضحية الجهاد الإسلامي إلا مؤخرًا، فإنّ عائلات ومدارس ومناطق وثقافات المسلمين هي التي كانت تواجه التحديات اليومية الخطيرة في الحد من معتقدات الفكر الجهادي الإسلامي المغرية. في ظل سياسات الحرب الباردة حيث كانت تُشكّل مجتمعات المسلمين كما في الصومال وأفغانستان وفلسطين، أدوات تسعى لإبطال المفهوم الذي يتوعّد منح السلطة بأسلوب مضلّ، شكّلت كل من الكرامة والثواب الأزلي، لعشرات السنين، العمل الشجاع والدؤوب لرجال الدين المسلمين والغالبية الساحقة من مؤيديهم. بإدراك تلك الجهود، قد يجد العالم الغربي حلفاء له في محاربة هذا الجهاد الضالّ.
تشكّل الخطوة الأولى من هذا النسق، إدراك أنّ مجتمعات المسلمين قد كافحت التطرّف بشكل عام ضمن تقاليدها لمئات السنين، وبُذلت تلك الجهود لغاية أساسية بإنشاء بنية إجتماعية مدركة لله. محافظين على الواجب الأخلاقي "بتطبيق الخير والقضاء على الشر"، أفلح المسلمون في بدايات الإسلام بالتغلّب على المذاهب المتطرّفة، على غرار الخوارج، الذين هدّدوا مهمة النبي محمد برمتها من خلال تعصّبهم الخارج عن السيطرة. في تلك الظروف، حارب المسلمون الصادقون الأشرار بأياديهم وأقلامهم. تُظهر العديد من شرائح العالم الإسلامي اليوم إستعدادًا للقيام بالأمر ذاته: إنّ تلك الناحية من ديانة المسلمين مصحوبة بإلتزام غربي مناسب، سيشكّلان تهديدًا كبيرًا للتطرف الإسلامي.
في الأماكن المنغلقة بقدر المملكة العربية السعودية، حيث تُطلق السلطات الدينية إحدى أكثر التفسيرات المحدودة للإسلام، تم الإلتزام بواجب وقف أعمال العنف المتطرّفة بدرجة ملحوظة من النجاح. في العام 2004، قامت العائلة السعودية المالكة مدعومة من قبل علماء الإسلام الرائدين في المملكة، بإصدار عفو عام لمدة شهر عن الإرهابيين في حال سلّموا أنفسهم وإلا حكم عليهم بالإعدام. أدّت المحاولة إلى تسليم بعض كبار المسؤولين التابعين لأسامة بن لادن أنفسهم للسلطة خلال أيام. إنّ الأمر الذي جعل العفو العام ممكنًا هو دور الوسيط الذي لعبه الشيخ الهوالي، من كبار علماء اللاهوت السابقين في إحدى أبرز المؤسسات التربوية في البلد، جامعة أم القرى؛ وما يثير السخرية، أنه سبق له وسُجن لمدة خمس سنوات نتيجة آرائه المخالفة لتواجد الجيش الأميركي في المنطقة. قدّر المجاهدون المتطرّفون الهوالي واعتبروه عالمًا موثوقًا أظهرت عباراته أهمية الفترة القادمة.
يجب إستخدام الذين يُعتبرون من أبرز أوصياء الشريعة الإسلامية – الأئمة، والمعلّمين، والشيوخ والعلماء – في الصراع الفكري ضد الإرهاب، إذ إنّ أصواتهم تحديدًا هي وحدها التي قد تبلغ المرتدّين عن الدين.
تجوز مقارنة دور الهوالي بالدور الذي لعبه آية الله العظمى علي السيستاني في العراق وجهوده المفلحة في تهدئة نزاع مقتضى الصدر في النجف سنة 2004. كما أنّ إنشاء مجلس وطني للمسلمين في فرنسا يهدف إلى إدخال الشريعة الإسلامية ضمن قانون يشكّل بدوره مرجعًا للمواطنين الفرنسيين المسلمين، قد يكون مثالاً آخر على ذلك. تشدّد هذه القضايا على أنّه يتوفّر لعالم المسلمين سبل مؤسساتية، دينية وذات سلطة قانونية بأغلبها، للقضاء على التطرّف. على جميع الأطراف المعنية بتفادي المزيد من العنف أن تأخذ تلك السبل بعين الإعتبار. إذا أدركوا أنّ لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم إلتزامات أخلاقية قوية وصادقة تجاه القضاء على جميع أشكال الفساد، والأعمال السيئة، والتطرّف، قد يجد القادة والمفكرين الغربيين شركاء مفلحين في أماكن لم يعتقدوا أبدًا أنهم قد يستفيدون منها.
###
*عباس بارزيغار، طالب متخرّج من جامعة إيموري. تركّز أبحاثه على تعقيد وثقافة التنوّع السياسي والديني لمجتمع المسلمين والأميركيين. إنّ هذا المقال هو الثالث من الستة ضمن سلسلة مقالات تتكلّم عن إنبعاث الروح الدينية والعلاقات بين المسلمين والغرب، وقد تم توزيعها عبر خدمة Common Ground الإخبارية ويمكن قراءتها على الموقع التالي : www.commongroundnews.org.
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=2848&lan=ar&sp=1