واجه التطرّف الديني بالتعاطف الديني

واجه التطرّف الديني بالتعاطف الديني
بقلـم مارك غوبان

واشنطن، العاصمة- تقوم زينب السويجي، إمرأة عراقية-أميركية مسلمة ورئيسة الكونغرس الإسلامي الأميركي، بدعم النساء الفقيرات في العراق عبر مساعدتهم على التعبير عن حقوقهم واحتياجاتهم، مثل تأمين التعليم لأولادهم. إنها تعرّض حياتها للخطر في كلّ رحلة تقوم بها إلى العراق.

تعهّد باستور سام دو سنة 1995، أحد الناجين من المجزرة الليبيرية، أمام الله أن يعمل على نشر السلام ومساعدة الناس في تخطي المصاعب، ذلك بعد رؤية الأولاد يموتون من جرّاء الحرب والمجاعة، وقد عبّر عن استعداده للتضحية بذاته. دفعه هذا التحوّل الديني إلى احتضان جميع الأولاد، حتى أولاد الجنود السابقين، في غرب أفريقيا، في حين نبذهم الجميع. لقد احتضنهم كأب روحي ليقاوم عمل آبائهم الذين يمثلون قادة الحرب، وقد شرّبوا أبناءهم مبادئ دينية خاطئة حول الجهاد بالإضافة إلى شدّة التأثر بالإبادة الجماعية. حاليًا، يعمل سام مع العديد من الناس ضمن شبكة خاصة بمجموعات سلمية في غرب أفريقيا، من شأنها إبتكار مقاربات جديدة لتنمية المجتمع المدني.

يُعتبر مفتي سوريا الكبير، الشيخ أحمد حسون، من الخطباء الشديدي التأثر في الإسلام، ولا يزال حتى الآن يستغلّ خطابه ليحث المسلم على احتضان أخيه الإنسان خاصة الأقرباء المسيحيين في سوريا. إنه مدافع مخلص عن حقوقهم وروحانيتهم. كما أنه يجمع كل ما يقدر عليه من مساعدات للفقراء في كل أسبوع. إنه يثير جنون المتطرفين في منطقته، ليس لكونه يحطّ من قدرهم، وإنما لأنه ينافسهم فعليًا على أسر انتباه وتقدير الجماهير المستضعفة.

ليس هذا إلاّ جزءًا صغيرًا من مجموعة مذهلة من رجال الدين الذين يغيّرون مجرى التاريخ بشكل من الأشكال، شخصًا تلو الآخر. حان الوقت للأنظمة الغربية، غير المدركة عادة للفاعليات الدينية، أن تتعرّف على هؤلاء الأشخاص المميزين وتكتشف كيفية استخدامهم لأفضل التقاليد الدينية في سبيل دعم مجتمع سلمي في جميع أنحاء العالم.

لن يكون ذلك سهلاً، كون الذين يديرون وكالاتنا الدولية والوطنية غير معتادين على إقامة هكذا علاقات.

كونهم تدرّبوا في أفضل المؤسسات الفكرية في العالم، يشكّل غالبية صانعو السياسة والبيروقراطيين أبناء لمذهب التحرّر الفكري، وبالتالي تُعتبر النهضة الدينية صدمة بالنسبة لنظرتهم للعالم. لم يملكوا أدنى فكرة عن مدى مرونة الدين وتكيّفه مع العالم المعاصر. لهذا السبب، إنّ العديد منهم غير مهيّئين لمواجهة المتديّنين المتطرّفين.

من العراق إلى أوروبا الغربية فالولايات المتحدة، من الواضح أن الدين يشهد نهضة، ويميل للتطرّف في العديد من الأماكن. ومن الواضح أيضًا أنّ المجاهدين المتديّّنين يتواجدون وسط المجموعات الأكثر تكيّفًا في العالم اليوم.

إنهم يتواجدون في المدارس الدينية التقليدية، ودور العبادة، والمنظمات الكهنوتية من دون جدوى – سواء كانوا محافظين أم معتدلين أم ليبراليين. يستخدم المجاهدون الشبكة وغيرها من الوسائل الإعلامية المجدية للشباب، ويعلمون تمامًا كيف يثيرون غضب الملايين من الضعفاء والمساكين.

إنهم يبرعون في تأمين أشكال المساعدة الفورية والهامة بأساليب تفشل غالبية الدول الأخرى كليًا بتقديمها. غالبًا ما يملكون سلطة دينية جزئية، ولكنهم يكتسبونها من جرّاء التأثير الشعبي الكامل في عالم يسيطر عليه – أو يطغى عليه - تدريجيًا نفوذ الحشود الجماهيرية. يتم اكتساب السلطة الدينية تدريجيًا، عبر مدى تلبية المتطرّفين لحاجات الفقراء أو مدى تعبيرهم عن غضبهم تجاه الظلم.

إذا أردنا، نحن الذين نؤمن بالتسامح والتعايش، بناء حضارة أفضل وأكثر سلمًا علينا تعلّم التكيّف من الناشطين الدينيين المجاهدين. علينا أن ندرك نفوذهم على الفقراء والمُبعدين وبالتالي هزمهم في الأسلوب الذي اعتمدوه.

نحتاج لمعرفة متى يحضّر لنا المجاهدون كمينًا، متوقّعين منّا التصرّف بأساليب معيّنة. علينا اكتشاف ما يزعجهم وتطبيقه، وما يرضيهم والتوقف عن القيام به. يروق لهم تهميش الحكومات للفقراء، أو إنخراط الغرب في أعمال تشير للتعصّب ضد المسلمين.

تصعب مقاومة ذلك إذ إنّ المجاهدين يسعون بشدّة لارتكاب الجرائم بإسم إيمانهم، ويصعب عدم الرّد عندما يُحتجز الملايين من أبناء دينهم المشتبه بهم.

ولكنّه من المؤكّد أيضًا، أنّ المجاهدين يغضبون بشدّة عندما يقوم المجتمع الغربي بالمطالبة، أو عندما يهتم المعتدلون، أو القادة أو المنظمات الدينية السلمية باحتياجات المستضعفين. إذا عملوا بجهد، يمكن للدول والقادة الدينيين التقليديين أن يقدّموا للشعب ما يقدّمه المجاهدين لهم – شعور بالفخر، والإحترام الذاتي، والرعاية وسط الإضطرابات، والأمل.

ليس جميع الإرهابيين من المُستضعفين. وإنما يشكّل المستضعفون، بالتأكيد، مبتغاهم كونهم يسعون إلى تأسيس نظام عالمي جديد. أن يصبحوا أكثر رعاية ومطالبة بالحقوق من المجاهدين، هو أمر سيتطلّب من قادة العالم، والقادة الدينيين التقليديين، ومن موجّهي الوكالات الدولية الأساسية المعنية بالتنمية والمساعدة، اعتماد أسلوبًا فكريًا حديثًا.

إذا كانت النهضة الدينية تشكّل جزءًا من علّة التطرّف الحالية، على العلاج أن يهتم بالمسألة ذاتها – شدّة التأثر بالدين – ولكن بأسلوب من شأنه التأكيد على القيود المشتركة حول الروابط الإجتماعية في المجتمع المدني. ويمتثل الأسلوب الأفضل للقيام بذلك عبر دراسة ودعم النساء والرجال المميزين الذين يتفرّغون لإنجاز ذلك. إنّ هؤلاء الصانعين للسلام غير معروفين للعالم نسبيًا وأحيانًا لبعضهم البعض. على الغرب أن ينشر الأخبار الجيدة المتعلّقة بإنجازاتهم، وأن يستخدم ثروته الهائلة لدعم هؤلاء الأبطال في المجتمع الدولي.

###

* البروفسور مارك غوبان، مدير مركز الأديان العالمي والدبلوماسية وحل الصراعات في جامعة جورج ميسون في فيرفاكس، فيرجينيا. هذا المقال الأوّل من الستة التابعة لسلسلة من المقالات التي خصصتها خدمة Common Ground الإخبارية لموضوع النهضة الدينية والعلاقات بين المسلمين والغرب.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=2724&lan=ar&sp=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك