ما يمكن للكلمات أن تعني

ما يمكن للكلمات أن تعني
بقلـم جافيد أنان

مومباي – في الحادي عشر من تموز/يوليو 2006، فجّر إرهابيون قنابل في عدد من القطارات في ضواحي مدينة مومباي، العاصمة الصناعية والتجارية للهند، مما أدى إلى مقتل مائتي مسافر وجرح وتشويه آخرين كثيرين.

خلال ثمانية وأربعين ساعة اجتمع عشرات من القادة الدينيين من منطقة مومباي يمثلون أشهر الهيئات الدينية المسلمة في الهند مثل جماعة علماء الهند وجماعة علماء السنة في كل الهند وأهل الحديث والجماعة الإسلامية ومجلس العلماء ومجلس مللي وتنظيم أئمة المساجد ومجلس الهند لقانون الأحوال الشخصية للمسلمين ومجلس كازي لعموم الهند، وكثيرون غيرهم، ليعلنوا بشكل جماعي أن جميع الإرهابيين الذين يستهدفون الأبرياء هم بربريون وجبناء وغير إنسانيين وغير مسلمين.

خلال الفترة نفسها عقد هؤلاء الزعماء اجتماعاً واسعاً ولمدة ساعة مع عضوين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) الذي زار مومباي بُعيد المجزرة الإرهابية. في خضم هذا التجمع غير العادي للزعماء الدينيين المسلمين والماركسيين، أطلق مولانا آثار علي ملاحظة أثارت استغراب الكثيرين دون شك: "لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الشيوعيين هم السياسيين العلمانيين الحقيقيين الوحيدين في هذا البلد". الموافقة التلقائية على هذه العبارة من قبل رِفاقه رجال الدين أثبتت أن هذا الزعيم الصالح لم يكن يتكلم نيابة عن نفسه فقط.

رجال دين مسلمين يمتدحون العلمانية في لقاء مع ماركسيين؟ نعم لقد حصل ذلك. صدقوني. لأنني أنا العلماني الملتزم الذي كانت له يد في جمع رجال الدين المسلمين معاً من أجل التنديد جماعياً بالعنف المفرط المتعمد باسم الإسلام، كنت موجوداً.

ولكن أليس المسلمين، وخاصة زعماؤهم الدينيين حساسون لمجرد كلمة علمانية. نعم هم كذلك. حتى السنوات الأخيرة الماضية كانت العلاقة بين هؤلاء الذين يحلفون باسم العلمانية وأولئك الذين حافظوا على صدق الإيمان، علاقة كراهية فطرية، بل وحتى عداوة. بالنسبة للمسلمين الأتقياء، تعني العلمانية الإيحاء المُعارض لله، بينما يعني رجال الدين بالنسبة للعلمانيين اللاعقلانية والظلاميّة والتحامل والعنصرية وعدم التسامح والحقد والعنف في الهند، يُغذيها التطرف اليميني الهندوسي منذ العقدين الماضيين. والآن اكتشف الطرفان معانٍ جديدة لكلمات مثل "العلمانية" و"الديني".

وقد يعاني المسلمون في معظم الدول الغربية اليوم من الرهاب الإسلامي والتصدي العرقي وعدم احترام حقوق الإنسان. ولكن وخاصة بعد العنف الدموي ضد المسلمين في الهند، أولاً في مدينة مومباي في الفترة 1992 – 1993 وثم في كافة أنحاء ولاية غوجارات عام 2002، وبالنسبة لمائة وخمسين مليون هندي مسلم اعتدي عليه بوحشية وعانوا من الصدمة نتيجة لذلك، يعتبر فقدان الأمن المصدر الرئيسي للقلق. وهل هناك وقت أفضل لتعلم من هم أصدقاءك؟

في مومباي وغوجارات اختار رجال الأمن أن ينظروا إلى الناحية الأخرى عندما قامت مجموعات من رعاع الهندوس بأعمال القتل والنهب والحرق والاغتصاب الجماعي وتدنيس وتدمير الرموز الإسلامية الدينية. بل وفعلوا أسوأ من ذلك أحياناً إذ تآمروا مع مرتكبي الجرائم الجماعية. في الوقت الذي كان فيه المسلمون في أمّس الحاجة، اكتشفوا أنهم يتشاركون في أرضية مشتركة مع دائرة النشطاء العلمانيين والصحفيين والقادة السياسيين نفسها التي اعتبروها حتى الآن علمانية ملحدة معادية للدين.

واضطر هؤلاء الذين اعتبروا أن الدين نفسه هو أساس جميع المشاكل تحمُّل أوقات مختلفة قام فيها الهندوس والمسلمون على حد سواء بتوفير الحماية لجار لهم من الديانة الأخرى، مخاطرين بأن يكونوا عرضة لغضب أتباع دينهم بسبب ذلك. كما اضطروا كذلك لأن يتقبلوا ويتبنوا مثال رجال الدين المسيحيين المتعاطفين الذين، رغم أنهم معرضون أنفسهم، فتحوا أبواب كنائسهم لتقديم الملاذ الأمين للمسلمين الفارين من مجموعات الرعاع وقوات الأمن غير المهتمة بما يجري.

هذه التجربة المشتركة التي عاشها هؤلاء هي التي كانت تتحدث عندما التقى رجال الدين المسلمين بالماركسيين، فقد علمتهم التجربة أنه بغض النظر عن معتقداتهم الشخصية، يمكن للديمقراطيين العلمانيين الحقيقيين، بمن فيهم الملحدين أن يكونوا أفضل أصدقاء المؤمنين، وأن بإمكان الإنسان التقي الورِع أن يعتنق فكرة الدولة غير الدينية الثيوقراطية ارتكازاً على وجهة النظر القائلة أنه في المجتمعات متعددة الديانات والثقافات، قد يكون من الأفضل عدم خلط قضايا الإيمان مع قضايا الدولة.

في هذه الأثناء أظهر غير المؤمنين من العلمانيين تواضعاً بأن استنبطوا الدروس المناسبة من تجربة الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ أناس من ديانات أخرى. "ليس الأمر مهماً، فقد فعلنا ما فعلناه لأن ديننا يعلّمنا أن نفعل ذلك". قال الأبطال الذين يمرّون أحياناً دونما تبجيل.

باختصار، علّمت التجربة الطرفين أنه طالما توجد حدود فإن هؤلاء الذين تعلموا احترام الفروقات، بغض النظر عما إذا كانوا مؤمنين أو ملحدين، ينتمون إلى نفس الجانب، بينما ينتمي هؤلاء الذين يتلاعبون بالدين ويفسرونه حسب رغبتهم لإضفاء الشرعية على العنف سعياً وراء السلطة أو العقيدة إلى الجانب الآخر.

###

*جافيد أناند هو الأمين العام لمنظمة المسلمين من أجل الديمقراطية العلمانية ومركزه مومباي. هذا المقال جزء من سلسلة عن العلمانية والحوار الغربي المسلم تقوم بتوزيعه خدمة Common Ground الإخبارية CGNews، ويمكن الحصول عليه من الموقع www.commongroundnews.org.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20874&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك