مأساة التوحيد
مأساة التوحيد
بقلـم ربيعة تيري هاريس
فيلادلفيا – يحتاج كل إنسان لقبيلة. يواجه الشخص وحده عالماً كبيراً بشكل مخيف، يكون متوحشاً أحياناً. يمكن حتى لأسرة أن تكون أصغر من أن تتعامل مع بعض التحديات التي تواجهها. ولكن إذا كانت العلاقات الأسرية هي الوحيدة المتوفرة فإن التقارب الأسري المفرط يمكن أن يؤدي إلى اختناقنا. كلا. القبائل هي الأسلوب، ولهذا السبب يعمل معظم أفراد الجنس البشري على الحفاظ عليها باهتمام.
إلا أنه عندما تتصرف الديانات كالقبائل يمكن للأمور أن تأخذ منحى خاطئاً. تفقد الديانة نفسها. فالنقطة المحورية في الديانة الإبراهيمية هي أن بعض الأمور أكثر أهمية من مصالح المجموعة التي أنتمي إليها.
يتعلم معظمنا تقريباً قوانيناً ومُثلاً تكرّم أفراد قبيلتنا. ولكن هناك مشكلة. عندما تجابه قبيلة واحدة أخرى في صراعهما للحصول على الموارد فإن هذه القوانين لا تعود تنطبق. وحيث لا توجد قوانين، يمكن لأمور سيئة أن تحصل، كالمجازر والأعمال الوحشية، دون تداعيات على ما يبدو. قبائلنا فقط هي التي يمكنها أن تتطلب مسؤولية أخلاقية منا بأساليب يمكن أن نراها.
لهذا السبب شكّل مفهوم إله واحد يحكم الجميع، إله عدل عالمي، فكرة ثورية. أظهرت هذه الرؤية نفسها تاريخياً في أوقات الصراع القبلي. ومن النقاط المركزية التي يحدّدها الكشف عنها هو أنه لا يمكن أن يكون هناك ظلم بدون تداعيات. يمتدّ عالم المسؤولية إلى مسافة أبعد بكثير مما نستطيع رؤيته. إما أن تضربنا نتائج أعمالنا الآن أو فيما بعد، ولكن لا يوجد هروب من وقع ما نفعله، فالعالم كله على مرأى من الله تعالى، فعلياً وأخلاقياً.
يعلّمنا التوحيد أن الجميع متّصلون ببعضهم بعضاً في أية لحظة من الزمان. يمكن لذلك أن ينطبق على النزاع الإسرائيلي العربي كما هو الحال في أي مكان آخر. لذا فإن مصلحتنا الذاتية الحقيقية لا تكمن في قيامنا بأخذ ما نستطيع أخذه أو في رفض المشاركة. وكذلك تكمن مسؤوليتي الحقيقية في ما هو أبعد بكثير من مجرد موافقة قبيلتي.
كانت مؤسسة النبوة بالدرجة الأولى تتعلّق بتذكيرنا بنداء العدالة العالمية. والصوت النبوي هو الذي يناشد اليهود والمسلمين اليوم على حد سواء على تذكّر الله تعالى إله الجميع. يشكّل تذكّر ذلك أمراً أساسياً عند التعامل مع النزاع العربي الإسرائيلي.
ولدت اليهودية والإسلام من رحم النزاع من أجل الحرية والكرامة، وهي صراعات محددة أسّست تطلعاتها على رؤية عالمية للقيمة الإنسانية. كانت مأساة التوحيد أنه مع مرور الأجيال، نزعت المركزية الذاتية للمجتمعات الفردية إلى الهيمنة على المبادئ العالمية التي أتت بها إلى الوجود بالدرجة الأولى. تفقد التقاليد مضمونها وتضيع الغابة بين الشجر. ثم يقع نوع آخر من الأمور السيئة. فبما أن أشجاري تختلف قليلاً عن أشجارك، وأنا أفضّل ما هو شائع، فهذا يعني أنني يجب أن أكون أفضل منك. تُدخِل هذه الهفوة الذهنية البسيطة أموراً شيطانية يصعب وصفها إلى العلاقات الإنسانية.
الأسلوب الذي يعمل به المنطق هو أنه إذا كان مجتمعي هو الوحيد الذي يفهم الله حقاً، والمجتمع الذي يفهم الله هو المجتمع الوحيد الذي يحمل أهمية، فإن الله هو ملك لنا، واهتماماتنا أكثر أهمية بكثير. تصبح العدالة العالمية التي تعلّمها ديانتي مفهوماً فارغاً، ونوعاً من الصورة المقدسة التي أسحبها إلى الخارج وأعرضها للملأ بين الفينة والأخرى لزيادة احترامي الذاتي. فعندما تضيع رؤيتها المؤسِّسة، لا تعود التوحيدية تُعتبر أكثر من حب وإعجاب أعمى لا يملك سوى عدد أقل من الخيارات.
حذّرنا جميع أنبيائنا من ذلك. هذا هو أشعيا يتحدث مع الله: "عندما تظهر أمامي، من الذي طلب منك ذلك؟ هذا التدنيس لوجودي! توقف عن إحضار هذه التقدمات التي لا معنى لها!" واليوم، اختفت مؤسسة النبوّة هذه. ولكن الأنبياء ما زال عندهم الكثير من الورثة. هناك الكثيرون ممن يناضلون من أجل الكرامة الإنسانية لمن يبدوا أنهم غرماء حتى في مضمون النزاع الإسرائيلي العربي. لسوء الحظ أن هؤلاء الورثة، مثلهم مثل الأنبياء قبلهم (كما أشار السيد المسيح) ينزعون لأن لا يكون لهم احترام في وطنهم. يجد معظمنا من الأسهل عليهم أن يلقوا باللائمة على الآخرين بدلاً من بحث ما في أنفسهم، لذا فإن أي إنسان يطلب منا محاسبة أنفسنا سيكون على الأرجح غير محبوب وبشكل جنوني. لذا دعونا نقف لحظة لنكّرم كلاً من اليهود والمسلمين، وإتباع جميع الطوائف الأخرى، الذين يتخذون مواقف من أجل العدالة وليس القبيلة. فعند هؤلاء الناس، الذين يتمتعون بالتواضع الشديد أحياناً، تجد الطريق إلى الله، وحقيقة الدين ومستقبل العالم. نأمل أن نجد جميعاً الشجاعة للسعي لإيجاد مكان بينهم.
###
* ربيعة تيري هاريس مؤسِسة ومديرة زمالة المسلمين للسلام (www.MPFweb.org) المكرّسة لنظرية وممارسة اللاعنف الإسلامي، وهي داعية في الجالية المسلمة. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=27811&lan=ar&sp=1