رأي الإسلام والمسلمين في اليهودية واليهود

رأي الإسلام والمسلمين في اليهودية واليهود
بقلـم مصطفى أبو صوي
القدس – يملك اليهود والمسلمون، رغم وجودهم في نزاع سياسي طال أمده حول الأراضي المقدسة والذي بدأ مع نمو مفهوم الصهيونية قبل أكثر من قرن من الزمان، جذوراً تاريخية ومجالات مشتركة في اللاهوت وعلوم الدين.

تعود جذورنا المشتركة إلى أبعد من الأصول القبلية الإبراهيمية، ويُعتَبر النبي إبراهيم نفسه في القرآن الكريم التوحيدي المثالي والمذعِن الحقيقي لمشيئة الله تعالى، حيث أنه "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً" (قرآن كريم 67:3). مع ذلك، لا توفر النواحي المشتركة البسيطة بحد ذاتها طريقاً إلى الأمام في حوار الأديان. يجب عدم تحويل إبراهيم إلى ساحة للراحة وتلطيف للتعبير لتجنب قضايا الظلم بين أحفاده في الألفية الثالثة.

يشكّل النبي موسى وأبناء إسرائيل واحدة من القصص الرئيسية في القرآن الكريم. من الملزم أن يؤمن المسلم بنبّوته وبالتوراة التي كشف عنها، تماماً كما هو ملزم له أن يؤمن بالسيد المسيح وبالإنجيل. إلا أنه وحسب القرآن الكريم، تعاني صورة التوراة والإنجيل الموجودة اليوم من تغييرات وأوهام من التحولات والتعديلات البشرية، بعد أن تم تغييرها على أيدي كتّاب وناسخين قاموا بتحويل النصوص الأصلية.

يتشارك اليهود والمسيحيون والمسلمون، حسب القرآن الكريم بتاريخ من الإلهام، ولهم أنبياء مشتركون ورسائل واضحة. إضافة إلى ذلك فإن جميع الرؤى ما قبل الإسلام كانت لها رسائل توحيدية، حيث ناشد كل نبي شعبه أن يعبدوا إلهاً واحداً لا غيره وألا يُشرِكوا أحداً معه. إلا أن القانون، رغم تداخله في نواحٍ معينة، اختلف من حيث التصميم "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" (قرآن كريم 48:5).

ويمثل الاحتفال بيوم السبت مثالاً على قضية قانونية يختلف عليها اليهود والمسلمون. يقول القرآن الكريم أن الاحتفال بيوم السبت كان مطلوباً من أتباع النبي موسى فقط، مما يعني أنه غير مطلوب من المسلمين. أما بالنسبة لليهود الذين انتهكوا حرمة يوم السبت، فيمكن قراءة إدانة القرآن الكريم لهذه المجموعة كانعكاس لقدسية السبت وحرمته، ومثالاً على الانتقاد في هذا المضمون.

هناك أعمال أخرى أدانها القرآن الكريم، مثل إيجاد وعبادة العِجل الذهبي. اعتبر هذا الحدث التاريخي غير قابل للاحتمال من قبل الأنبياء.

يُلطّف الإسلام كون اليهود والمسيحيين هم "الآخرين"، مسمياً إياهم "أهل الكتاب"، ويرسّخ حقوقهم في نصوصه وفي تقاليد حياة النبي (ص). ويشكّل احترام حق اليهودي والمسيحي في الحرية الدينية فرضاً إلزامياً إسلامياً (القرآن الكريم 256:2).

جعل القرآن الكريم التعامل مع اليهود (والمسيحيين كذلك) أمراً مسموحاً به قانوناً عند المسلمين، بما في ذلك التشارك في تناول وجبة طعام أو التعامل التجاري معهم أو حتى تزوّج بناتهم.

ساهم اليهود تاريخياً، أمثال موسى بن ميمون في الحضارة الإسلامية كفلاسفة وعلماء، وخدموا أيضاً في مؤسسات ومكاتب عامة في الدولة الإسلامية. وقد عين صلاح الدين الأيوبي يهودياً كوزير عالي المنصب في حكومته.

وقبل ذلك بفترة طويلة، مد النبي (ص) يد التواصل إلى يهود المدينة، وقد وقعت واحدة من أهم اللحظات التاريخية بين اليهود والمسلمين مباشرة بعد هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة. وتذكر كتب السيرة النبوية الشريفة، حول ما أصبح يعرف فيما بعد بدستور المدينة، أن النبي وقّع معاهدات مع القبائل اليهودية في المدينة وجوارها، أولها "صلح بنو عوف" الذي شكّل أمة واحدة مع المسلمين.

كما وقعت إحدى اللحظات التاريخية الأخرى إبان حكم الخليفة عمر ابن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين، الذي أعاد، حسب مخطوطات جنيزة اليهودية في القاهرة، إلى القدس بعد سنة 638 ميلادية. ويشكّل هذا حدثاً هاماً حيث أنه يعكس نموذجاً من التقارب بين اليهود والمسلمين، وكذلك المسيحيين في قلب هذه المدينة المقدسة، إضافة إلى الأندلس وغيرها من الأماكن.

ليس من الممكن أن نمثّل بشكل كامل 1400 سنة من التاريخ المشترك، الذي يضم لحظات جميلة وأخرى مؤلمة على الجانبين. رغم ذلك، أود أن اختتم برأي حول النزاع الحالي. أفهم، كوني فلسطيني من أسرة مقدسية يعيش تحت الاحتلال منذ العام 1967، الضرورة الأخلاقية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء الظلم القائم على الفلسطينيين منذ سنة 1948. إلا أن نداء العدالة يجب ألا يُترجَم أبداً على أنه إيجاد أو تبني طرح من الرهاب اليهودي، مثل بروتوكولات حكماء صهيون، أو أن يؤدي إلى أعمال ظلم ضد اليهود، فهذا أمر معارض للإسلام.

أدرك أن اليهود عانوا في أوروبا وأنهم كانوا بحاجة لملاذ أمين. أنا سعيد بالقول أنه لم تكن هناك محاكم تفتيش في العالم الإسلامي كما حدث في الأندلس بعد حكم المسلمين، (والتي عانى منها كل من اليهود والمسلمين). بغض النظر عن الصور النمطية، أفتخر أن أقول أنه لم يكن هناك في يوم من الأيام "ليلة زجاج مكسور" كما حدث في أحياء اليهود في النمسا على أيدي النازيين.

###

* مصطفى أبو صوي هو مدير مركز البحوث الإسلامية وأستاذ مشارك في الفلسفة والدراسات الإسلامية بجامعة القدس. هذا المقال جزء من سلسلة خاصة حول المسلمين واليهود في سرد كل منهما. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=27809&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك