إمام من قُمّ يؤكد وحدة جميع الأديان
إمام من قُمّ يؤكد وحدة جميع الأديان
بقلـم محمد علي الشوملي
أذكر عندما كنت مراهقاً في طهران الآية التالية من القرآن الكريم التي كانت تُتلى بعد الصلاة في مسجد الأنبياء، مسجدنا المحلي: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" (285:2).
تؤكد هذه الآية، مثلها مثل كثيرات غيرها في القرآن الكريم على تماثُل جميع الأنبياء ورسل الله تعالى، مما يجعلنا نؤمن أننا ننتمي إلى مجتمع إيمان واحد عظيم يضمّ جميع المؤمنين عبر تاريخ البشرية.
ولم أدرك إلا بعد فترة أن فكرة التماثل هذه في كافة الديانات السماوية تشكّل ناحية متميزة عميقة لمفهوم الإسلام التوحيدي. فالإسلام مثله مثل الأديان الإبراهيمية الأخرى يعلّمنا أن نؤمن بوحدة الله تعالى، فهو الخالق الوحيد، وهو الوحيد الذي نعبده.
ويعني هذا أن الكون ليس وحده الذي يجب أن يكون متناغماً ومتماسكاً وإنما الرؤى السماوية كذلك. إذا كانت الرسائل السماوية أُرسِلت إلى بني البشر من قبل إله واحد أحد، فإن هذه الرسائل يجب أن تكون متماثلة من حيث الجوهر. قد تتغير بعض التفاصيل بالطبع، بناءاً على أحوال وعوامل متغيرة، وقد يتغير عمق ومدى الأفكار التي يتم التعبير عنها في الكتب السماوية من خلال تفاهم إنساني أفضل. وكم هو جميل أن نجد، عند البحث عن كثب، أن الجوهر هو دائماً واحد لا يتغير بالتأكيد.
وتجب الملاحظة أن النداء لوحدة المنظور ليست مقتصرة على الجمهور المسلم. يدعو القرآن الكريم جميع المؤمنين، بمن فيهم المسيحيين واليهود لتوحيد جهودهم والتركيز على الأرضية المشتركة: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ." (64:3).
ومن أفضل الأساليب لتحقيق هذه الوحدة معرفة بعضنا بعضاً للتغلب على مشاعر التحامل التاريخية التي تقف عائقاً أمام الفهم الموضوعي غير المنحاز لبعضنا بعضاً، والبناء على الأمور المشتركة. وكما قال الإمام علي، إمام القرن السابع وابن عم الرسول محمد (ص) وخليفة جميع المسلمين "الناس أعداء ما لا يعرفونه".
ويعتبر الفشل في إنشاء حوار بنّاء أو حقيقي، بالنسبة للمؤمن الصادق، مع أتباع الديانات الأخرى نقصاً مرعباً في عالم اليوم المترابط. يتوجب علينا جميعاً أن نتحمّل مسؤوليتنا تجاه أتباع الديانات الشقيقة جدياً، خاصة في أماكن نشكّل فيها الغالبية، ونستطيع أن نكون إيجابيين في هذه القضية تجاه الأقليات من أخوتنا.
نملك الفرصة من خلال مد يد التواصل إلى أتباع الديانات الأخرى، وخاصة هؤلاء المعرَّضين منهم، للمشاركة في قيم الحب وحسن الضيافة المتأصلة في الديانات الإبراهيمية. ولكن حتى يتسنى لنا أن نفعل ذلك يتوجب علينا أن نوجّه دعوة بسيطة.
فهل نرفع صوتنا؟
###
* محمد علي الشوملي هو عميد الدراسات العليا للطلبة الأجانب بجامعة الزهرة، الجامعة الإسلامية للمرأة في قُمّ، والمحرر المشارك لِـــ "المشاركة الكاثوليكية الشيعية: المنطق والإيمان في النظرية والممارسة" (2006). هذا المقال جزء من سلسلة حول القادة الروحيين وحوار الأديان، وقد كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=28617&lan=ar&sp=1