حوار الأديان في عالم معولم

حوار الأديان في عالم معولم
بقلـم طارق أوبرو

بوردو، فرنسا – من الأساسي في هذه الأوقات الانخراط في حوار الأديان والثقافات، إذا أخذنا بالاعتبار الأسلوب الذي يتطور فيه عالمنا. نشهد في مرحلة عولمة ما بعد الحداثة انحطاطاً في الإيمان بفلسفة التقدم: لم تعد فكرة الخلاص العلمانية تملك الإجابات على مصادر القلق الوجودية في وقتنا الحاضر.

تتصارع الإنسانية مع شكوك عميقة سببها العولمة الاقتصادية والحدود التي يسهل النفاذ منها واختلاط الثقافات والتقاليد نتيجة للهجرة، وأساليب تزداد ذكاءاً في التواصل والتنقل.

أنا على قناعة بأنه في هذا المناخ المضطرب، تعرض الديانات احتمالات الكرم والحكمة والمشاعر الأخلاقية من التسامي، القادرة على إيجاد رابط قوي بين الشعوب وراء خلافاتها. قد تكون لنا معتقدات مختلفة ونكون ممن يتبع مدارس مختلفة في الفكر الفلسفي ولما وراء الطبيعي، ولكنني أعتقد بقوة أنه من الممكن التشارك في نظام عالمي براغماتي من الأخلاقيات يسمح لنا جميعاً أن نعيش معاً.

قد تختلف التفاصيل من تقليد لآخر، ولكن باستطاعتنا بالتأكيد أن نعمل معاً نحو مستقبل أكثر أماناً وسلاماً.

ليست الأديان أفكارا تجريدية، وحوار الأديان هو قبل كل شيء مجابهة بين بني البشر الذين قد ينتمون إلى تقاليد دينية مختلفة ولكنهم رغم ذلك يتشاركون في نفس الإنسانية ونفس العالم ونفس الواقع وأحياناً نفس الثقافة والوضع الاجتماعي واللغة وأساليب التفكير والاهتمامات.

لذا فإن أخلاقيات العمل المشترك ممكنة.

فحوار الأديان والثقافات هو بالدرجة الأولى قضية فهم "الآخر". يجب أن تحفزه أولاً وقبل كل شيء رغبة طبيعية بلقاء الآخر، الذي يختلف ولكنه، متماثل من نواحٍ عديدة. وفي نهاية المطاف، نحن ننتمي جميعاً إلى نفس الأسرة الكبيرة من بني البشر. نحن مختلفون عرقياً ولغوياً ودينياً، ولكن هذه الفروقات هي التي تغنينا.

يطلب منا القرآن الكريم أن نعرف بعضنا بعضاً. "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". (13:49) ولكن الحوار ليس فقط عن معرفة بعضنا بعضاً.

يجب أن يكون الحوار، في المناخ الحالي المتوتر، جزءاً من إستراتيجية جغرافية سياسية يمكن أن نسميها إستراتيجية جيوثيولوجية، يمكنها أن تساعد عل بناء التفاهم بين الأمم وأن تساهم بالسلام داخل المجتمعات وبين الشعوب.

هدف حوار الأديان هو منع التوترات التي يمكن أن تبرز بين المجتمعات الدينية. يمكن لإستراتيجية جيوثيولوجية أن ترد على تهديد عملية مرتبة لسحب العلمانية كتلك المذكورة أعلاه، التي تشكل تهديداً للأديان الفردية، من خلال توقع أشكال عنفية من الدين تنعش ادعاءات هوية تستطيع تمزيق نسيج المجتمعات وتعرض الوحدة الوطنية للخطر وتطلق نزاعات بين الأمم.

لذا من المهم جداً اليوم ألا تحوّل الديانات عالميتها إلى السلطوية، التي تُفشِل القيم الروحانية التي تدافع عنها.

يتوجب على جميع الأديان أن توفر التأكيدات وتقدم الأمل بحياة فضلى وأكثر عدلاً ومساواة. بدلاً من محاربة بعضها بعضاً يتوجب عليها أن تقاتل، يداً بيد ضد تهديدات العنف وسوء الفهم التي تعرّض إنسانيتنا للخطر.

###

* طارق أوبرو هو مدير مسجد بوردو ورئيس جمعية الأئمة الفرنسية. هذا المقال جزء من سلسلة حول الزعماء الدينيين وحوار الأديان، وقد كُتب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 10 أيلول/سبتمبر 2010
www.commongroundnews.org

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=28453&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك