الانفرادية في العمل الدعوي أسبابها، ومظاهرها، و سُبل الوقاية منها

و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم
1-1 المقدمة:
إن الدعوة إلى الله تعالى عمل رفيع الدرجات، ولا ريب أن المتشبِّث به رجل عظيم الشأن عند الله تعالى، لأنه رضي لنفسه ما رضي به الأنبياء0
يشعر الداعية بغُصّة في هذه السنوات المتأخرة، إذا رأى كمَّا هائلا ذا رسوخ في العقيدة الصحيحة، والعلم النافع من كبار الدعاة والكوادر العاملين في الحقل الدعوي، يتساهلون في قضية اقتراب بعضهم من بعض0 ويعتبر بعض-ربما هو قليل- اقتراب إخوتهم جرثومة في جسمهم، لا بد أن يطاردوها بقوة، وأن سعيهم لوحدهم أضمن لهم، وأَنْجَد في زعمهم، رغم أن المنهج واحد، والغاية التي يسعى إليها هذا و ذاك واحدة0
إن هذه العُجالة رؤية شخصية لواقع الدعوة، و نقد ذاتي للعمل الدعوي في نيجيريا، العمل المبارك، ولكن قُدر له أصحاب لا يُحسنون التعامل معه جيدا، وكأن إرادتَهم أن يروه موؤودا، أو يُهيلوا عليه التراب- على أقل الأحوال- قبل أن تنهال عليه الأعداء الخارجية والداخلية بضرباتها القاضية والمُنْهِكة-لا سمح الله-0
لقد جاء هذا الملتقى في حينه المتوقّع، و نرجو أن يحقق الآمال المعلَّقة به، و أن يساهم في تصحيح مسيرة الدعوة، و يلفت نظر الدعاة حتى يراجعوا أنفسهم بأناة0
هذا البحث مقسّم على مبحثين مع المقدمة والخاتمة0 عالج المبحث الأول ضرورية العمل الجماعي على ضوء التعاون على البر والتقوى، و ركّز المبحث الثاني على ظاهرة الانفرادية؛ باحثا عن أسبابها وآثارها وسبل الوقاية منها، و الحلول الناجعة المقترحة0
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب

المبحث الأول
ضرورية العمل الجماعي في الحقل الدعوي

إن واقع هذه الأمة أليم يحتاج إلى مزيد من العناية، وتكثيفِ الجهد لتصليحه، وانتشاله من التحديات الجديدة التي اختلقتها أعداء الأمة القدماءُ والمُحدثون للقضاء على الإسلام، أو-على الأقل- إرهاق أمتِه، وخاصة في هذه الآونة التي انتهت الحربُ الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، و اتجه الغرب الكافر بقوة نحو الإسلام و أمته0 فهذا من الخارج، وهناك تحدياتٌ أخرى داخلية ما زال يشنّها الذين ملكت الأهواءُ قلوبَهم، و صرفَتْهم عن متابعة المحجة البيضاء0
إن تفقُّه هذا الواقع الذي تعيشه أمةٌ منكوبةٌ مثل أمة الإسلام، يتحتّم على الذين رزقهم الله تعالى فهما صائبا، أن يَدْأَبوا في السير على منهاج النبوة، ويجمعوا قُواهم للذب عن حوزة الدين، والاجتهاد لإبعاد أمتهم عن المزالق، والشَّرَك المنصوبة لافتراسها زَرافات ووحدانا0
لا شك أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وأساليبه بلا خلاف متنوعة، غير أن سِيماءَ الجهاد التي لا تختلف –دوما- هي اجتماع القوى من كافة أفراد الأمة القادرين عليه، لتطهير الساحة من أنجاس الكفر، و تصفيتها من أدغال الأهواءِ المُضلِّة0 والجهاد -بلا نكير- من الأعمال الجماعية، وإن كان هناك استثناءات يقوم في حدودها الأفراد بإجراء ما يمكنهم إجراءه في بعض الجزئيات، غير أن هذا لا يعكّر على الأصل، ولا يسد منافذه0 والعمل الدعوي من صميم أعمال الجهاد، والواقع المقرّر سالفا يسوِّغ أن تتجمع القوى لإجراءه0 ولا خلاف –كذلك- أن جوهر الدعوة لا يَتَغير بتغيُّر الزمان والمكان والظروف، ولكن ليس هناك ما يَضْمَن للوسيلة ألا تّتّغير هي، حسب متطلبات العصور والظروف الناجمة0
ذكر الشيخ بكر أبو زيد أمثال هذه الظروف التي تفرض على الدعاة التجمع، وخاصة: "إذا كان المسلم في بلد إسلامي ولايته غير شرعية كافرة أو ضالة"، ففي مثل هذه البلدة يفرض الشيخ:"أن ينضم الأخ إلى أخيه، و هكذا، ليكونوا بهذا جماعة المسلمين، في تلك البلاد التي هي الأصل لسلوكها جادة السلف الصالح على أنوار الكتاب و السنة، ومن سواهم فَفِرق و أحزاب حتى يؤبوا على جادة الفرقة الناجية0 و أن يكونوا تحت توجيهات علمائهم الموثوق بعلمهم، و فضلهم و رشادهم، و أن تتعدد جهودهم في الدعوة في أي مجال يجدون إليه سبيلا" 0
ومن جهة أخرى، إن الإسلام يتميز بميزة جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، وخاصة في جماعة قد منّ الله عليهم بالعقيدة الصحيحة الصافية، و فهمِها على المنهج السلفي الواضح، ويعقدون الولاء و البراء على مقتضى هذه العقيدة والمنهج0 فالرب المعبود بحق واحد، والسنة الثابتة المتَّبَعة واحدة، والإرادة واحدة، والمنهج واحد، والهدف واحد0 إن جماعة مثل هذه لم يبق لها إلا التوحّد والاعتصام بالله، وبحبله المتين، كما قال الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا" ، وقال:"وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم و العدوان" ، وقال:"وأطيعوا الله و رسوله، ولا تنازعوا فتَفْشَلوا، وتَذْهبَ ريحُكم، واصبروا إن الله مع الصابرين" 0 وقال تعالى أيضا:"والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياءُ بعضٍ، يأمرون بالمعروف، ويَنْهَون عن المنكر، ويُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة، ويُطيعون اللهَ ورسولَه، أولئك سيَرْحَمُهُمُ الله، إن الله عزيز حكيم" 0
و حتى في كيفية إرسال الرسل، فإن الله تعالى بحكمته قد كان يضم مجموعة من الرسل ويرسلهم إلى جهة واحدة، ليكون صوتهم أقوى، و ليئزر بعضهم بعضا، ذكر ذلك واضحا في قوله:"واضرب لهم مثلا أصحاب القرية، إذ جاءها المرسلون0 إذ أرسلنا إليهم اثنين، فكذبوهما، فعززنا بثالث، فقالوا إنا أليكم مرسلون" 0
و كذلك نبي الله موسى، إنه طالَبَ مآزرة هارون له، و ذكر عدة فوائد لاشتراك الإخوة في العمل الجماعي، قال:"واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، شدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، و نشكرك كثيرا" 0 و قال في آية أخرى:"و أخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله نعي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون0 قال سنشد عضدك بأخيك، و نجعلُ لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآيتنا أنتما و من اتبعكما الغالبون" 0
وقد تحدث النبي  في أحاديث كثيرة عن أهمية انضمام الناس بعضهم إلى بعض، وعدم الابتعاد عن خط الجماعة، منها قوله:"الجماعة رحمة، والفُرقة عذاب" ، وقال في حديث آخر:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" 0
و بنى كثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- أعمالهم الدعوية على مقتضى ذلك النداء الرباني المحبِّذ للعمل الجماعي0 فقد ثبت- فيما يقوله الزهري رحمه الله- إن هشام بن حكيم بن حزام :"كان يأمر بالمعروف في رجالٍ معه" 0
ولأعداء الأمة أكثر من طريق لابتلاعها، و إبادتها جذريا، كما يشهده كل منا بأمّ عينيه في أماكن متعددة اليوم0 ولا يخفى-كذلك- أن العدو قد ضاعف جهوده، وخاصة في العصر الراهن، الذي من أخص ميزاته كونه عصرَ السُّرعة والتكنولوجية المعقّدة، والتي من خلالها يحاول الغرب الكافر أن يلخص الدنيا و يُصيّرها بلدا صغيرا أو حجرة قصيرة ذات الأبعاد المحدودة تحت شعار "العولمة"، وهي بحق غزو فكري منظَّم باسم جديد0
وهذه العولمة في حقيقتها مسخ للحقائق الإيمانية والخُلقية والسياسية والاقتصادية، تريد الأعداء أن تنسلخ الأمة الإسلامية كُليا من هذه الحقائق، وتفقد كل شئ ذي بال من حيثياتها، بحيث تعود هويتها وقِِيمها بالنسبة إليها كالغبار الذي لا يثقّل الموازين! والهدف وراء كل هذا هو الإخلاص الكامل، والإيمان الخاشع للدول المعادية للإسلام، والتهجد في تقليد أخلاقهم ونُظُمهم الاقتصادية والسياسية، وكل شئ له انتماءٌ مباشرٍ وغير مباشر إليهم؛ تأخذه الأمةُ منهم وتطبّقه بعُجره وبُجره0 ولا ننسى أن النشاطَ التبشيريَّ ما تقلّص ذيلُه، بل ازداد حِيَل، و ما زالت تسانده المؤسَّساتُ المعاديةُ للإسلام المختلفة، ليُكمّل ما قد بدأ من تنصير مَنْ قَلّ حظه، أو لم تصل إليه دعوةُ الإسلام، أو يلقوا الشك-على أقل الأحوال- في إيمان عدد غير قليل من العوام0 فلنكن على ذُكر أن هذا النشاط ما زال يعيث الفساد في طول البلاد وعرضها، وبجانبه أقوام آخرون تُجرَى عليهم عملية غسيل المخ لينصاعوا نحو طوائف الرفض، و يواكبوا التشيّع في ثوبه الجديد0
فليَثُبْ كلٌ منا إلى رشده لنتفكر سويا في مثل هذه الحالة الحالكة، فماذا يفعل الفرد وحده، أو بضعة أفراد تقل أو تكثر إزاء تموج أمثال هذه الهجمات المنظّمة، إذا لم ينضم الداعية إلى إخوته الدعاة، ليرفعوا راية التوحيد معا، و يواجهوا عدوهم اللدود و يرموه عن قوس واحدة!
ولْأقلها صراحة، إن ظاهرة الانفرادية في العمل الدعوي اليوم- مرض ظهر في جسد وحدة الدعاة، يريد أن يَفْتُك بهذا الجسد القوي المفتول، فلا بد من تقديم علاج شاف له، ليعود إلى حركة الدعوة نشاطُها الدعويُّ0 و قد قال الرسول :"ترى المؤمنين في توادهم وتراهمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" 0
و بقي أن نشير إلى أننا لا ندعو طرفة عين إلى تنظيم الأحزاب، و لا ممالئة أمثال تلك الأحزاب وعَقْد البيعة لها، إن العمل الجماعي الذي ندعو إليه، هو أن يعمل كل واحد من الدعاة في حدوده ومجالاته، ولكن لا ينسى سائر إِخْوته الذين ما زالت بينه وبينهم رابطة عقيدة، ومنهج، ومصدر، فهم إخوته: منهم يستمد قوته، يُعينونه إذا شهد، و يحفظونه إذا غاب، و يُواسونه عند الشدة، ويُسندونه إذا خارتْ قُواه0
تحدث الإمام الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- بكلام مشرق باختصار عن شأن الاجتماع بالإخوان وضوابطه، وهو جدير بأن يذكر في هذا الصدد، يقول:"الاجتماع بالإخوان قسمان:
أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، و أقل ما فيه أنه يفسد القلب، و يضيع الوقت0
و الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة و التواصي بالحق، و الصبر، فهذا من أعظم الغنيمة، و أنفعها، و لكن فيه ثلاث آفات:
إحداها: تزين بعضهم لبعض0
الثانية: الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة0
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة، و عادة ينقطع بها عن المقصود" 0
المبحث الثاني
مفهوم الانفرادية وأسبابها و مظاهرها

1-2 مفهوم الانفرادية:
ترجع كلمة الانفرادية في اللغة إلى "انفرد" الثلاثي المزيد فيه الهمزة والنون، لتدل على المطاوعة0 و وزن "انفعل" مختص بمطاوعة ما يقبل التطويع، أو ما يسميه صيارفة العربية "بالعلاجيات"، و هي الأعمال التي تظهر فيها الحركة الحسية0 تقول: انفرد به ينفرد انفرادا .
و الملاحظ أيضا أن كلمة "انفرد" قد زِيد في آخرها الياء والتاء0 أما زيادة الياء فلِتدلّ على النسبة، تقول هو "انفراديّ"، إذا سلك منهج التفرد بالنفس0 و زيادة التاء لتصيير هذا المسلك اسما ومذهبا خاصا بالمتفرد0 فالانفرادية إذًا مسلك فيه مزيد التفرد وشدة الاختصاص، والاعتداد برأي النفس0
وعلى ضوء هذا نستطيع أن نعطي تصويرا لكلمة "الانفرادية" بالنسبة للعمل الدعوي بأنها: انعزال فريق من الناس عن سائر إخوتهم الدعاة، لممارسة الأعمال الدعوية من غير تعاون بعضهم مع بعض، ولا مراجعة كلا الطرفين للآخر0
فهذا التعريف رغم عفويته، يعطي الصورة المصغرة لمفهوم ظاهرة الانفرادية أسلوبا ومنهجا0 و بقي أن نحفر قليلا لاستخراج الأسباب الدافعة نحو هذا الأسلوب الدعوي، ورؤية ما أكسبه القَبُول بين بعض إخواننا الدعاة0

2-2 الدوافع نحو الانفرادية وأسبابها:
نستطيع أن نحدد الدوافع نحو الانفرادية فيما يأتي من الأسباب:
1- قد يكون البعدُ المكاني بين الدعاة من الأسباب الدافعة نحو الانفرادية0 فإن عدم إمكانية الالتقاء بالإخوة الدعاة، ومُضي زمن طويل على ذلك مما يبعث البعض على الشعور بالتفرد، فيكبر الأمر في قلوبهم حتى يستسيغوا الانفراد0 فقد حدث هذا كثيرا حيث اتخذ بعض الدعاة بُعْد المواقع والديار سببا يَقطعُهم عن إخوانهم الدعاة، إذ لم يَعُد يُمكن التزاور بينهم، فهذا يعني بزعمهم خلو الساحة عن الدعاة الحقيقيين إلا أنفسهم0
2- وقد توجد ظروف سياسية عَصيبة، تفرض على الدعاة الانتماء إلى شخصيات سياسية مختلفة، وخاصة إذا اختلفت الشخصيات المذكورة بدورها في انتماءاتها السياسية0 فبدل أن تتحد القوى في اختيار الأنسب من بين الشخصيات المرشحة، يحدث العكس حيث ينصاع كل داعية إلى مختاره، ناصرا له و باذلا كل التأييد له0 والسياسة في وطن كنيجيريا خطرُها عظيم، يتجاوز كلَّ ما في الحسبان، وخاصة إذا تعلق الأمر بكرسي ذي استراتيجية سياسية عظيمة0 و لا يخفى علينا أن نصب القائم على أمور الناس في وطن كوطننا و ولاياتنا، يحتاج إلى دراسة وتبصّر و تقليبِ الأمرِ يُمنة و يُسرة حتى يتبين الأوفق، على المنهج الذي رسمه الله تعالى في آيات كثيرة، منها قوله:"إن خير من استأجرت القوي الأمين" ، وقال أيضا في قصة يوسف"قال إنك اليوم لدينا مكين أمين0 قال اجعلني على خزائنِ الأرض، إني حفيظ عليم" 0
3- إن الأسباب التي تُوغِر صدور بعض الناس و تبعثهم على حسد بعضهم بعضا كثيرة0 و الدعاة ناس يدخل عليهم ما يدخل على سائر الناس0 فلا يُعدم أن يكون نشوءُ روح التحاسد بين الدعاة عاملا يدفع بعضَهم –شاعرين به أو غير شاعرين- نحو "الانفرادية"0 فقد يفهم بعض الدعاة حسد إخوانه عليه فيهجرهم منجمعا عنهم، فيعقد دعوته لوحده دونهم0 و قد يحدث العكسُ بحيث يحسِد بعض الدعاة فردا أو أفرادا منهم ، فيقطعوا حبل التواصل بينهم، مطرحين لذلك الفريق، و ربما متهمين إياهم ببعض التهم تستّرا لعار الحسد الكامن في نفوسهم0
4- و قد يُصيب بعضَ الدعاة انحرافٌ فكريٌ علميٌّ، أو منهجيٌّ في تفسير بعض القضايا والأحكام، فيتقهقر قليلا أو كثيرا عن مواكبة إخوانه الدعاة في اتجاههم0 فتكون نتيجة هذا التقهقر ابتعاد إخوانه عنه، واعتباره حجر عثرة في سبيل الدعوة، و لا سبيل لنصرة الدعوة إلا بالتخلي عنه و بَتْره كليا0 فينفرد هؤلاء وينفرد هو0
و كان هذا من الأخطاء التي يقع فيها الدعاة، لأن الاختلاف في اختيار المسائل وتباين وجهات النظر، لا يسبب تقاطعا إذا كان الدعاة فاهمين0 فقد حدث مثل هذا للإمام الشافعي مع يونس الصدفي0 قال الصدفي:"ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، و لقيني فأخذ بيدي، ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا، و إن لن نتفق في مسألة"
5- و حب الشهرة، و اللمعان سبب آخر أساسي، فكثيرا ما يجعل هذا الداء العضال بعض الدعاة ينفرد بنفسه، لأن إخوته قد حجبوه عن النجومية، و السَّماع به0
6- احتكار كبار الدعاة الدعوة، وعدم الأخذ بيد المبتدئين في الحقل ليصعدوا0 فيفتكر الفريق الأخير في جمع أمثالهم للعمل0 فمن هنا ينفردون، وقد لا يحترمون أولئك الكبار، ولا يسمعون لهم كلمة0
7- تراكم الدعاة في مكان واحد، وممارسة عملية واحدة، وخاصة إذا كانت سهلة التناول و الإجراء، لا تحتاج على مجهود كبير، و سفر شاق، من غير توزيع الجهد، وتوظيف الدعاة إلى عمليات أخرى مهمة0
و أعجب من بعض الدعاة العاملين في الجهات الأكثر مشقة، أنهم يعيبون إخوتهم العاملين في الحقول الأخرى، يعيبون عليهم عدم الانضمام إليهم، وقد تركوهم يعانون ألوانا من البلاء، و يركبون الصعاب والمصائب المختلفة !
هكذا يقولون، وكأنَّهم تناسوا طبيعة الدعوة، فلا يُعقل أن يكون كل الناس يعملون في جهة واحدة، فلا بد من توزيع المهام، و مجابهة التحديات من هنا و هناك ! فليس الصواب حليف المعيبين، ما دام أولئك المعاب عليهم جاهدين وقائمين على الدعوة في الجهات في يعتنون بها0

3-2 آثار الانفرادية السيّئة:
لا نزعم أن الانفرادية سلبية كلية، لا خير فيها ألبتة، فلم يبلغ زعمنا إلى هذا الحد، ولكن الانفرادية باعتبارها مرضا اجتماعيا، فإن لها آثارا و نتائج سيئة تنجم منها وهي تضاعف إيجابياتها بكثير، وهنا نشير إلى بعضٍ من هذه السلبيات:
1- قد يتبرم بعض الدعاة من النقدات الهوجاء الموجهة إليه من قِبَل إخوته، فينزوي وتخلو الساحة منه0 و يشتغل ببعض الأشياء بعيدا عن إخوتِه الدعاة، و إن كان يمارس الدعوة بفضل بقية الخير الذي فيه، غير أنها تجري في حدود ضيقة0 فخسارة أمثال هؤلاء الدعاة لا يجني على الدعوة طائلا0 فلا شك أن لهذا الداعية أو الدعاة المنفردين محاسنَ بجانب هذه السيئة، و قد يكون لهم أو له وجهٌ و فاعلية في بعض الجوانب الدعوية، فتنقص الدعوة -ولا ريب- من خلوه0
قد يقول البعض إن الله يُعوّض الدعوة بغيره من الرجال!
إن مثل هذا التفكيرِ الصبيانيّ كثيرا ما يخرج من رؤوس بعض الدعاة غير بعيدي النظر في الدعوة ومنعطفاتها، إذ الداعية المتأمل يعلم أن خروج داعية كفء، صاحب أهداف، ومدرّب مخلص، وانعزاله عن خط الجماعة أشد من إيجاد العدد الكثير العديم الكفاءة !! وقد تحدث الرسول عن الاعتناء بالنوع الجيد من الرجال، والتمسك به مهما وُجد في قوله:"تجدون الناس كإبل مائة، لا تجد فيها راحلة" 0
فلا بد –إذا- من أن يُعْمِل الدعاةُ أصولَ دعوتهم وتجاربهم الدعوية حتى يردوا الخارج إلى رشده0
2- ربما ينشأ المنفرد أعمالا، أو يستمر فيها رغم أن إخوته السابقين قد بدؤوا بها معه من قبل، و لم تزل تلك الأعمال تمارس من جهة إخوته أيضا0 فيكون هناك تكرار الجهد، وتكثيفه في جهة واحدة0 و لولا هذه الانفرادية المقيتة، فإن أحد الجهتين يَكِل الأمر إلى الجهة الأخرى، ليستأنف هو عملا جديدا0 فيكون هناك تواصل و تآزر في إجراء العملين معا !
3- و أنكى من ذلك ما يحصل من المنافسة المسعورة في اكتساب رضا الجمهور0 فما زال هذا يحصل رغم مكابرة بعض الدعاة بأنهم يعملون لله، و لا يبالون بلومة لائم، و لا مِدحة مُسْتَحسن0 فقد يخالف واقعُهم لسانَ المقال، بمبادرات يعقدونها لتصحيح الأفهام، وتوضيح العُقَد !!
4- و كثير من الدعاة يشعر بأنه أمة بنفسه، لذلك لا يحتاج إلى سائر الدعاة، ويرى أنه يستطيع أن يجري الأعمال الدعوية هو و القليل الذي معه0
5- و هناك عامل آخر، يخص قبائل الهوسا بالذات، و هو أن كثيرا من أفرادها الدعاة يعمل-شاعرا أو غير شاعر- حسب عادة أهل الهوسا الموروثة من الانجماع بالنفس، وعدم جمع الرؤوس وتآزر القوى للوصول إلى هدف واحد0
و هذا واضح على درجة من الوضوح، لأن كلا منا يرى العلماء يؤسسِّون مؤسّساتهم ومعاهدهم، و كثيرا ما يكتفون بالتعليم في حدود طلابهم وتلاميذهم، فلا تكاد تجد اثنين اجتمعا على شئ واحد، و إن كانا متفقي الغرض و المنهجية0 و لربما يشعَر بعضُهم بأن الآخر –إذا اقتربه- يحاول السيطرة عليه، أو استغلاله، فيرفض التعاون معه، و يفضل أسلوب الانفرادية0
6- و قد يستغل بعض الدعاة الخلافات الشخصية التي بينه و بين إخوته، فيُنميها ويستغلها، ليبعدهم و يمارس الدعوة هو وحده أو مع حفنة قليلة معه على مذهب الانفرادية لا شريك لهم فيها0 و قد يستعملون كلمات مقذعة ضد إخوتهم الدعاة0
إن أمثال هذه القدحات لا يُعار لها أذن، لأن "المعاصرة توجب المنافرة"-كما يقال، و ما زال العلماء من قديم ينهون من اتباع فلتات اللسان الصادرة من العلماء، فإن غالبها نفثة مصدور ! يقول الإمام السبكي-رحمه الله- :"كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى، ولا يروى" ، و بكلمات الإمام الذهبي-رحمه الله-:"لا يلتفت إلى كلام الأقران بعضهم في بعض" 0
7- و قد يستغل أعداء الأمة أمثال هذه الانفرادات، فيُبادرون باكتساب الساحة لتأليب بعض الطوائف على بعض، وتحريضها لتُوهن من شوكة الدعوة، و يستغلها لمعرفة أسرار الفريق الآخر للنفوذ فيه، وخاصة في هذا العصر الذي اقتنع العدو بسياسة "فرّق تسُد"0 وقد حذر الرسول  من أمثال هذا التصدع المفضي إلى هزيمة و فشل ذريع، الذي يأخذه أعداء الأمة مِعْولا لهدمها، مهما سانحت لهم الفرصة، وذلك فيما رواه عنه أبو الدرداء  قال سمعت رسول الله  يقول:"ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو، لا يقام فيهما الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان؛ فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" 0
وما أسهل تفتيت الحبل الواحد بالنسبة لمجموعة الحبال المعصوبة بوتر جيد، فبدِيْهٌ أنه لن يستطيع أحد تفتيت الكثرة الكاثرة منها في سهولة0 و على مقتضى هذا المثال يتضح أمر الدعاة في الاجتماع، بالنسبة إلى سهولة تمزيقهم كل ممزّق في حالة الفرقة !
8- و من أسوأ آثار الانفرادية إنها كثيرا ما تُغلي نار الانشقاق في قلوب بعض المتحمسين لجبهتهم، فيصدرون أحكاما لتكفير إخوانهم أو اعتبارهم أصحاب الأهواء، وممالئين لأصحاب البدع أو يلاينونهم0
9- و الانفرادية تمهّد السبيل لروح البغض و الكراهية أن تسود بين الجماعات، الأمر الذي يفسد أكثر مما يصلح0 بل إن هذا يؤدي إلى أن يعشّ الشيطان و يفرخ في قلوب بعض الدعاة، و يؤجج فيها المعاصي القلبية أمثال الحسد و النميمة والغيبة، و يروّجها بين أوساط الدعاة0
10- وظاهر أن الانفرادية قد تساعد في ترك الناس المدعوين يتسكعون من غير رشد0 لأن الدعاة قد اشتغلوا بنقض أنفسهم بأنفسهم، و نهش أعراض كِلا الطرفين، و قلّ شأنُهم مع الناس0
11- وأسلوب الانفرادية عرضة للفشل- في كثير من الأحايين- لعدم الاستقرار0 فقد يصاب القائم على الدعوة بشئ، أو يغيّر هو تفكيره في بعض الأشياء، فيتابعه من معه مسالمين له، لأنه صاحب الفكرة والقائم عليها، بخلاف العمل الجماعي الذي عمدته "الشورى بينهم" 0
12- الانفرادية تساهم في إبطاء عودة الخلافة الراشدة، لأن الخلافة عمل جماعي، تتأتى بحكم تعاون المسلمين بعضهم لبعض0

4-2 مظاهر الانفرادية:
لا يشق على المتأمل لوضع الدعوة ومسيرتها في نيجيريا أن يشير إلى مظاهر الانفرادية المختلفة في ساحة الدعوة، و نستحضر في هذه العجالة بعضا منها على سبيل المثال:
1- من الأسف أن يدب الانشقاق في جسم جماعة معروفة بالدعوة، فعادت بعد أن كانت في الأمس القريب قوة عديمة المثيل في محاربة البدع والتقاليد الذميمة، أقول عادت فاقدةَ الشوكة وغير المهابة0 والانشقاق، وإن كان له جذور منهجية وأخرى في أسلوب الدعوة، فإن روح الانفرادية فيما يبدو هو المحرّك الأساسي، والعامل الأول، لتجزّء تلك الجماعة0 و اليوم عاد فريق من تلك الجماعة غير كاسب شيئا سوى كراهية البعض لبعض آخر، والعودة القهقرى إلى التمسك بما يزيل السنة التي كانوا يدعون إلي إقامتها من قبل0
2- كثيرا ما يجتمع الإخوة، يمارسون الدعوة، ولكن بعضهم لا يستروح لبعض، فهم بمثابة من يقول الله تعالى فيهم:"تحسَبُهم جميعا وقلوبهم شتى" 0
3- الحفاوة ببعض الناس و نداؤهم إلى بعض الحفلات و المبالغة في الاعتداد بهم و ترك بعضهم هملا، مما يظن ذلك البعض المطّرح أنه غير مبالً به، و لا كان ذا أهمية، فيبعث هذا التغافل المقصود في نفوسهم كراهية للعمل أو لإخوتهم0
4- وقد يكون بعض الدعاة متشددين، و يحمله التشدد إلى اعتبار الفريق الذي لا يتشدد معه بالمتساهل، ومتتبع الرخص!!
5- تصنيف الدعاة المحيادين، و تحديد انتماءاتهم بين الظن واليقين، يظن هؤلاء أنهم مع أولئك، و أولئك يستوحشون منهم لأنهم ظنا مع الآخرين- هكذا دواليك من غير ما برهان0

5-2 سُبل الوقاية و الحلول المقترحة:
استعرضنا بعضا من المشاكل المحيطة بالانفرادية، و هنا نذكر سبل الوقاية من هذه المشاكل والحلول الناجعة لها0 فنذكر مها:
1- تصحيح النية و الإخلاص لله تعالى، "ألا لله الدين الخالص" 0 فنحن في الحقيقة بحاجة إلى تجديد الإخلاص0 فإن "العلم- كما يقول ابن مسعود- ليس بكثرة الرواية، ولكنه الخشية" ، و بعبارة الإمام مالك:"ليس العلم بكثرة الرواية، و لكنه نور يجعله الله في القلوب" 0
2- الإقتداء الصادق بمنهج السلف الصالح في التصور والعمل، فكثيرا ما نَخْتانُ أنفسنا باتباع منهج السلف، ولكن واقعنا يُكذبنا0 فليراجع كلٌّ منا أعماله التي يزعم أنه قد بالغ في الإقتداء بالسلف فيها، ربما يجد خللا، أو نقصا اختفى بين طيات القلب0 فكثيرا ما لا نشعَر بحلاوة العبادة، ولا نتذوقها بسبب النقص القليل الذي نتهاون به، و قد قيل "لا تحقرن سُبيبا، كم جرّ أمرا سُبيب"0 و الأخوة الصادقة- بدون شك- من جملة العبادات، فلا بد من إعادة النظر في مسيرنا0
3- الاقتراب من الإخوة الدعاة والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى، والشعور الدافئ بروح الأخوة الصادقة، وأن كل واحد منهم جزء لا يتجزأ من جسم الأمة0 وقد وصف الله تعالى الدعاة بأنهم "أمة" هم أنفسهم، بقوله:"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر" 0 و في تفسير الآية يقول الإمام ابن كثير-رحمه الله تعالى-:"المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإِنْ كان واجبا على كل فرد فرد من هذه الأمة بحسبه" 0
و الانعزال سلبية كبيرة نهى عنها النبي  فيما رواه عنه عبد الله بن عمر  قال قال رسول الله :"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" 0
4- جمع الدعاة تحت ظل استراحوا به شخصيا ومعنويا، و لعل عبارة الأفْوَه الأَوْدي الشاعر تجلي ما يجيش في الخاطر، و تصوّره تصويرا أكثر حيث قال:
لا يَصلح الناسُ فَوْضَى لا سُراة لهم و لا سُراة إذا جُـهّالُهم سـادُوا
إذا تـولَّى سراةُ الناس أمرَهُمُ نمى على ذلك أمرُ الناس فازدادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت فـإن تولّتْ فبالأشـرار تَـنقاد
وقد جاء في الحديث:"إذا وُسد الأمر إلى غير أهله، فانتظروا الساعة" 0
و إذا تحقق توسيد الأمر إلى أهله، فلا يغِيبَنّ عن بال الدعاة إذًا- "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" 0 وقد أمر الرسول  معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- عند ما أرسلهما إلى اليمن، فقال لهما:"تطاوعا" 0 و قد أثر عن عبد الله بن مسعود  يقول:"الخلاف شر" 0
5-صرف النظر عن معايب الإخوة و قصورهم0 قال محمد بن سيرين:"ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم، و تكتم خيره" 0 و قال الشيخ طاهر الجزائري:"عُدُّوا رجالَكم، واغفروا بعضَ زلاتهم، و عَضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، و لا تُنفروهم لئلا يزهدوا خدمتكم" 0
6- إيجاد مناخ مناسب ينمي فيه الأفراد أشخاصهم، يعبرون عن ضمائرهم، و يشرحون مكنونات صدورهم، وأن تُقبل منهم النصائح الصالحة والأفكار السديدة0 فقد قال الرسول: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، و يرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم" 0
7- فتح مجال للحوار الإخوي الهادئ لإبداء وجهات النظر المختلفة، واحتواء المناقشات الحرة بين الإخوة، فيما نجم من المشاكل للوصول إلى الحقيقة، و الوقوف وجها لوجه للتحديات المستجدة باقتدار، وحسن التفهّم لاختلاف الآراء، كما قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم، وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، و إلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدا، والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافا لا يضر، كاختلاف الصحابة، فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد؛ وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد؛ وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد؛ وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة" 0
8- وليكن الدعاة حذرين من أدغال السياسة؛ وليكن الإشراف على مجاريها – إن كان لا بد - من بعيد تحت الستار، و بصوت واحد0 فقد قال أحمد شوقي كلمة أثيرة جدا، صاغ فيها تجربته مع كبراء الساسة، حيث قال:"أصدقاء السياسة، أعداء ما بعد الرئاسة"، فلنتأمل0
9- و لا بد للدعاة أن يربوا طلابهم و تلامذتهم تربية حقيقية، تحد من انتشار الشائعات والكذبات الصلعاء عن بعض من الدعاة0 فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة مشرقة، يجب إثباتها هنا، يقول:"وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس، و يفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى" 0
10- استفتاء بعض الدعاة لبعضهم، و مراجعة الإخوة في أمر طارئ، و في قضايا ساخنة تحتاج إلى بُعْد النظر، والاجتهاد الجماعي0 وخاصة أن الله سبحانه وتعالى مَنَّ علينا في العصر الراهن بانتشار الهاتف الجوال و غير الجوال0 فيكفي هذا قاطعا لعذر بُعْد المكان والبلدان0
11- حتى لا يتسع الخرق، فإنه يتحتم على الإخوة السعيّ الحثيثُ لتتبع المنسحبين عن الخط، والذين توغرت قلوبهم لسبب أو لآخر، للَمّ الشعث و توحيد الكلمة0 فلا وجه للانتفاخ الفارغ والشعور الذي يمتلئ به بعض الدعاة بأنهم على الحق الفاصل والصواب المطلق، وغيرهم لا بد بالضرورة على الخطأ، فهم إذًا لا يتسامحون بالمخطئ، و لا يخفضون للمنسحب جناح الذل للحوار، و لا يسألونه عن أسباب تبرمه0 إن مثل هذا الشعور البارد لا يجني على الدعوة شيئا إلا تقطيع أوصالها، و تفكيك أعضائها0 فالتفتح واجب من أجل الصلح، لتسيير الدعوة والعمل معا0 قال الله تعالى:"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون" 0

الخاتمة:
أكاد أقول – و الألم يعتصر قلبي- إن الوأد الجلي هو النتيجة الحتمية أن الملتقيات والندوات والمؤتمرات لا تزال تقام بين الحين و الحين، و لكن المشكلة أن كل عمل جيد مُنشأ أمثال هذه الملتقيات، هو أن نتحمس له إبّان تقديمها، وتملأ رؤوسَنا أفكارٌ مفيدةٌ، وأعمالٌ حسنةٌ، حتى نستعجل مقدمي الأوراق والبحوث ليختتموا إلقاء مقالاتهم و بحوثهم في سرعة، لنخرج توًّا لتنفيذ ما طرأ علينا؛ ثم إذا انصرف كل واحد منا سرعان ما يسهو عن ذلك الهمّ المتأجج في قلبه آنفا، و يغفل عن تلك الإنذارات والتبشيرات التى طالما تحدثت بها نفسه وهو يتابع بحوث الملتقى، و تغفو الأفكار والتنظيمات المدبّجة في القاعة، وتختفي، فلا نحس لها ولا نتذكرها، فنستأنف عملا جديدا بعيدا عما افتكرنا به، أو نستمر في أحوالنا الأولى من غير تجديد، ولا الأخذ بما استفدنا من تلك الملتقيات والندوات المباركة، أمثال هذه0
إن الدعوة في هذا العصر تحتاج إلى بصيرة و تدبير أكثر من ذي قبل، وما أحوجنا إليهما، وقد قال الله تعالى:"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين" 0
و ختاما أقول بقولة صخر:
لعمري لقد نبّهتُ من كان نائما و أسمعتُ من كانت له أذنان

سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك