الإسلام والعنف

الإسلام والعنف
بقلـم جون اسبوزيتو

واشنطن العاصمة – رغم أن الأعمال البشعة والعمليات الإرهابية التي يرتكبها متطرفون عنفيون تربط بين الإسلام والإرهاب، إلا أن التقاليد الإسلامية تضع حدوداً لاستخدام العنف وترفض الإرهاب وخطف الطائرات وأخذ الرهائن، وكما هو الحال في الديانات الأخرى، يتم تجاهل وتشويه أو اختطاف وسوء تفسير التعاليم الرئيسية والمعيارية من قبل العناصر المتطرفة.

الإسلام، مثله مثل كافة الأديان العالمية، لا يدعم ولا يتطلب عنفاً غير شرعي. القرآن الكريم لا ينادي بالإرهاب ولا يشجعه. إله القرآن يصوَّر دائماً كإله رحمة وتعاطف وقاضٍ عادل. وتبدأ 113 من فصوله الـ 114 بالإشارة إلى رحمة الله وعدالته. إلا أن الإسلام يسمح، بل ويتطلب في بعض الأحيان من المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم وعائلاتهم ودينهم ومجتمعهم من العدوان.

ومثلها مثل كافة الكتب الدينية يتوجب قراءة الكتب السماوية المسلمة ضمن المفاهيم الاجتماعية والسياسية التي نزلت فيها. وليس من الغريب أن يحتوي القرآن الكريم، مثله مثل الكتب الدينية العبرية أو العهد القديم، على آيات وسور عن القتال وإدارة الحروب، فقد ابتليت الجزيرة العربية ومكة المكرمة بالذات بغارات القبائل ودوائر الانتقام والانتقام المضاد والثأر. الشرق الأوسط الواسع، حيث تقع الجزيرة العربية، كان نفسه مقسماً بين قوتين عظيمتين متحاربتين، الدولة البيزنطية (روما الشرقية) والإمبراطورية الساسانية (بلاد فارس).

إلا أن الآيات القرآنية تؤكد كذلك على أن السلام وليس العنف والحرب، هو القاعدة والنموذج. السماح بمحاربة الأعداء يوازيه تكليف قوي لصنع السلام. "فإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم". (61:8) وكذلك "ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقتلوكم والقوا إليكم السلام فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً" (90:4) منذ أوائل مراحله، منع الإسلام قتل غير المحاربين وكذلك النساء والأطفال والرهبان والكهنة الذين أُعطوا وعد الحصانة إلا إذا شاركوا في القتال.

ولكن ماذا عن تلك السُوَر التي يشار إليها أحياناً بسور "السيف"، التي تنادي بالقتل لغير المؤمنين مثل "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم أن الله غفور رحيم" (9:5)؟ هذه واحدة من عدد من الآيات القرآنية التي يستشهد بها المنتقدون لإثبات الطبيعة العنفية المتأصلة في الإسلام وكتبه المقدسة.

تمتع العديد من علماء الدين أثناء فترة التوسع والفتوحات برعايةٍ من قبل الحكام وقدموا التبريرات للخلفاء للسعي وراء أحلامهم الكبرى وتوسيع رقعة حكم إمبراطورياتهم. وقد قالوا أن "آيات السيف" أبطلت مفعول الآيات القرآنية الأولى التي حددت الجهاد الفعلي (مقارنة بالجهاد الروحاني والأخلاقي) بالحرب الدفاعية. إلا أن الواقع هو أن ما قصدته الآية "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ..." لم يُفهم جيداً أو جرى تشويهه عندما استشهد به بمعزل، إذ يتبعه القول الكريم "فإذا تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيهم إن الله غفور رحيم". "وإن أحد من المشركين استجارتك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه وأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون". (9:5 – 6).

والأمر نفسه ينطبق على آية أخرى يكثر الاستشهاد بها: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتب" والتي يُستشهد بها أحياناً دون بقيتها "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغيرين". (29:9).

جرى عبر التاريخ استخدام الكتب السماوية اليهودية والمسيحية والمسلمة وأسيء استخدامها، وجرى تفسيرها وسوء تفسيرها لتبرير النضال من أجل المقاومة والتحرير، والتطرف والإرهاب والحروب المقدسة وغير المقدسة. فالدين يوفر مصدراً قوياً للسلطة والمعنى والشرعية. فالعنف والإرهاب اللذان يضفي عليهما الدين حافزاً أو شرعية لهما بُعد إلهي أو سلطة مطلقة (مما يدعم سلطة قادة الإرهابيين) ورمزية دينية وتبرير أخلاقي وتحفيز والتزام ويقين وثقة ومكافأة سماوية تعزز إمكانات التجنيد والحشد والاستعداد للقتال والموت في سبيل النضال المقدس".

وبالأسلوب نفسه الذي يجب أن نميز فيه بين اليمين المسيحي المحارب (مقارنة بالتيار الرئيسي) الذي يدعو إليه أمثال بات روبرتسون أو جيري فالويل وأشكال اليمين المسيحي العنفي، علينا كذلك أن نميز بين الإسلام الوهابي وأشكال أخرى من الإسلام الوهابي المفعم كذلك بعقيدة الحقد. فالنوع الأول يتبع عقائد منعيّة مقتصرة لا تعددية وتفسيرات وتوجهات عقائدية بديلة ضمن تقاليده الدينية ولكنه لا ينادي بالعنف والإرهاب. إلا أن نظرتهم العقائدية للعالم يمكن تخصيصها أو فردها من قبل العناصر المحاربة لتبرير عمليات تفجير عيادات الإجهاض أو المباني الحكومية أو برجي التجارة العالمية أو اغتيال "أعداء الله" والتطرف في فلسطين/إسرائيل والعراق. يشترك المسيحيون والمسلمون بمهمة مخاطبة العقائد المقصورة المنفجة اللاتعددية والضعيفة في مجال التسامح، لأنها تساهم في المعتقدات والتوجهات والقيم التي تغذي التطرف الديني والإرهاب.

###

*جون اسبوزيتو أستاذ جامعي والمدير المؤسس لمركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم المسلم المسيحي بجامعة جورجتاون. تقوم خدمةCommon Ground الإخبارية (CGNews) بتوزيع هذا المقال المختصر الذي يمكن الحصول عليه من الموقع الإلكتروني. يمكن الحصول على النص الكامل للمقال من الموقع http://www.newsweek.washingtonpost.com/onfaith.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك