العفو والتسامح سبيل للاصلاح

العفو والتسامح سبيل للاصلاح

د. علي بن عبدالرحمن الطيار

دعا الاسلام الى التسامح والعفو بين الافراد والجماعات حفزاً على تجنب تكرار الشر والفساد، واملاً في ان يكون ذلك العفو سبيلاً للاصلاح، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز دفع العدوان والافساد بالتي هي احسن قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}. ذلك ان هذا الدفع بالحسنى يجلب المحبة والثقة بين الناس، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم - عليه الصلاة والسلام - بالعفو والصفح عمن اساء او يسيء اليه قال تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} فالاسلام يحث على الصبر والصفح بدل القتل والقتال، والرفق واللين بدل العنف والعدوان، قال ابن القيم - رحمه الله - حقيقة العفو: اسقاط حق ثابت جوداً وكرماً مع القدرة على الانتقام، فمن ترك ما وجب له من الحقوق شرعاً فهو عاف، وان عفو الله سبحانه وتعالى هو اسقاطه لحقوقه او بذله لفضله.

فالعفو حق ثابت للعافي دون المعفى عنه، فيؤدي هذا الحق اختيارياً ابتغاء الاجر والثواب من الله تعالى من غير جبر او اكراه، قال سبحانه: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}. ذلك ان العفو هو التنازل عن الحق الثابت للعافي جوداً وكرماً في علو ورفعة ومقدرة على اخذ الحق، ومن غير ضعف او استسلام او قبول الدينة من الاشرار المعتدين المفسدين.

لقد بلغ الاسلام قمة التسامح عندما عبر عن اخلاقيات العفو عند المؤمنين، وما يؤدي اليه من محبة ومودة بين الناس، واعطاهم درساً في الآداب حتى مع الكافرين الذين رفضوا الايمان بالله. يقول تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين}. ويقول سبحانه: {وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}.

واذا كان من اللازم معاقبة المعتدين والمفسدين من الافراد والجماعات، فإن العقاب يجب أن يكون في مقابلة المعاملة بالمثل من غير اعتداء او تجاوز للحد، واذا كان مجال العفو والصبر والتسامح ممكناً فيكون هو الاولى بالاتباع.

وفي السنة النبوية، ان الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله». فالمعنى ان من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاده الله عزة وكرامة ورفعة الى جانب جزيل المثوبة في الآخرة.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله عز وجل عفو يحب العفو ولا ينبغي لوالي امر ان يؤتى بحد إلا اقامه ثم قرأ قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.

وفي هذا التوجيه الكريم حث على العفو مع عظم الجريمة، وترك العقوبة على هذا الجرم ابتغاءً لوجه الله تعالى ورغبة في الاجر والمثوبة. ومن الشواهد التاريخية في الاسلام انه: لما فتح النبي - عليه الصلاة والسلام - مكة سنة ثمان من الهجرة قال لقريش: «ما ترون أني فاعل بكم؟».

قالوا: خيراً، أخ كريم وابن اخ كريم، فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء، اقول لكم ما قاله اخي يوسف لاخوته: لا تثريب عليكم». فلم يتعرض لأحد من اهلها في النفس او المال بأذى، فضرب بذلك - عليه الصلاة والسلام - المثل الاعلى في العفو عند المقدرة، وذلك قمة الصفح والسماحة في وقت كان يستطيع ان ينتقم منهم مقابل ما لاقاه منهم من اذى ومقاتلة وعدوان.

إن في روح الاسلام من العفو والسماحة الانسانية تجاه البشرية كلها ما لا يملك منصف من البشر ان ينكره، فهي تحث على تآلف الاجناس، واشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الاسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العدل والانصاف واعطاء الحقوق لأصحابها والمساواة بين بني البشر.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2005/09/01/article91412.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك