حوار هادئ مع علماء الأصوات

عبد الحكيم عبد الرازق

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

 

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما

ثم أما بعد :

 

إن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم

وبعد :

 

فقد كان الخلاف قديما بين النحاة والقراء في ثبوت قراءة وفي عدم ثبوتها ، وقد شنع ابن حزم ( ت 456 هـ ) على النحاة الذين يردون بعض القراءات ، لمخالفتها القياس بزعمهم ، ثم هم يثبتون اللغة بما هو دون القراءة ، فقال : ( ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس ( ت نحو 130 – 180 ق . هـ ) ، أو لزهير ( ت 13 ق. هـ ) ، أو لجرير ( ت 110 هـ ) أو الحطيئة ، أو الطرماح ( ت نحو 125 هـ ) ، أو لأعرابي أسدي ، أو أسلمي ، أو تميمي ، أو من سائر أبناء العرب بوّال على عقبيه ، لفظاً في شعر ، أو نثر ، جعله في اللغة ، وقطع به ، ولم يعترض فيه ، ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاماً لم يلتفت إليه ، ولا جعله حجة ، وجعل يصرفه عن وجهه ، و يحرفه عن مواضعه ، ويتحيل في إحالته عما أوقعه الله عليه ، وإذا وجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلاماً فعل به مثل ذلك . ) الفصل في الملل والنحل 3 / 192 )من كتاب تلحين النحاة للقراء .

 

وقد استدل أبو حيان في رده على الزمخشري بقول أبي الفتح : (وقال أبو الفتح ـ ابن جني ـ : إذا اتفق كل شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به فإن كان فصيحاً وكان ما أورده يقبله القياس فالأولى أن يحسن به الظن ، لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها .

وقال أبو عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير ونحوه ما روى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب أنه حفظ أقل ذلك وذهب عنهم كثيره يعني الشعر في حكاية فيها طول . وقال أبو الفتح ـ ابن جني ـ : فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ؛ انتهى ، ملخصاً مقتصراً على بعض ما قاله.))

 

ثم تجد ابن جني بعد وضعه للقاعدة السابقة يقول في الخصائص : وكذلك قوله عز وجل: " فتوبوا إلى بارئكم " مختلساً غير ممكن كسر الهمزة، حتى دعا ذلك من لطف عليه تحصيل اللفظ، إلى أن ادعى أن أبا عمرو كان يسكن الهمزة، والذي رواه صاحب الكتاب اختلاس هذه الحركة، لاحذفها البتة، وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكناً. ولم يؤت القوم في ذلك من ضعف أمانة، لكن أتوا من ضعف دراية.....)ا.هـ 1/20

 

ولقد تأثر بعض القراء بأقوال النحاة وذهبوا إلي ردِّ بعض القراءات وقد ذكر صاحب كتاب (تلحين النحاة للقراء ) أسبابا للتلحين فقال :

من أسباب تلحين النحويين للقراء

اعتمد النحويون في تلحين القراء على جملة من الأسباب ، منها :

1- أنهم كانوا يحتكمون إلى قواعدهم التي قعدوها هم ، أو قوانينهم التي سنوها ، فرد البصريون قراءات متواترة ، كالفصل بين المضاف والمضاف إليه ، وهي قراءة ابن عامر ، وكالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، وهي قراءة حمزة ، وغيرها مما سيرد _ إن شاء الله _ في هذا البحث .

2– أحياناً يخفى توجيه القراءة على بعض النحويين ، فيسارع إلى ردها ، كقراءة

( هئت لك ) بكسر الهاء ، وفتح التاء ، التي قال عنها أبو علي الفارسي ( ت 377 هـ ) : ( إنها وهم من الراوي ) ( ) . وكقراءة حمزة ( إلا أن يخافا ) ( ) بالبناء للمفعول ، قال الفراء عنها : ( ولا يعجبني ذلك ) ( ) . وكقراءة ابن كثير ( إن قتلهم كان خطاء كبيراً ) قال أبو حيان في البحر : ( قال النحاس : لا أعرف لها وجهاً ) ( ) .

3– ينظر بعض النحويين إلى الشائع من اللغات ، ويغفل عن غيره ، كقراءة ابن عامر ( يدعون ربهم بالغدوة ) ( ) . جاء في الكتاب : في ( غدوة ) لغتان ، اللغة الأولى استعمالها معرفة ، علم جنس ، فلا تدخل عليها أل ، واللغة الثانية : استعمالها نكرة ، فيجوز تعريفه ( ) . إلا أن أبا عبيدة لحن ابن عامر ، وقال إنما قرأ تلك القراءة اتباعاً لخط المصحف ، وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها ، لأنهم كتبوا الصلاة والزكوة بالواو ( الصلوة ) ( الزكوة ) ( ) .

4– رد بعض النحويين قراءة ربما وافقت القياس ، كقراءة ( أيمّة ) بالياء ، وقد قال الزمخشري : ( فأما التصريح بالياء فليس بقراءة ، ولا يجوز أن تكون قراءة ، ومن صرح بها فهو لاحن ) ( ) . وهي قراءة نافع في أحد وجهيه ، من طريق طيبة النشر ( ) .

يقول ابن خالويه ( ت 370 هـ ) : ( قد أجمع الناس جميعاً أن اللغة إذا وردت في القرآن فهي أفصح مما في غير القرآن ، لا خلاف في ذلك ) ( ) . ))ا.هـ 19

 

ولكننا إن نظرنا إلي طريقة القراء في التعامل مع مثل هذه الاعتراضات نجدهم قد أوضحوا منهجهم في قبول القراء وردها (قال الحافظ أبو عمرو الداني) في كتابه "جامع البيان" بعد ذكر إسكان (بارئكم ويأمركم) لأبي عمرو وحكاية إنكار سيبويه له فقال ـ أعني الداني ـ : والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي اختاره وآخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.))النشر1/20 وها هو شيخ الصنعة الإمام ابن مجاهد قد اعترض علي بعض القراءات وأيضا أمثال الداني ومكي أبي شامة وغيرهم ولم يأخذ القراء بهذه الاعتراضات والأمثلة والشواهد كثيرة في ذلك لمن له اطلاع في كتب هذا الفن .

 

ثم ظهر في زماننا علم يسمي علم الأصوات ، وقد قاموا بتخطئة القراء في بعض الأحرف مثل : الهمزة الضاد والقاف والطاء والجيم ،، كما جعل بعضهم مخرج الخاء والغين من أقصي اللسان مع مخرج القاف مستدلين بقول ابن سينا في ذلك . ثم الاعتراض علي بعض الصفات .

وأقرب هؤلاء إلي منهج القراء فضيلة د/ غانم قدوري ـ حفظه الله ـ وقد أراد أن ينهج منهجا متوسطا بين علم الأصوات وبين منهج القراء ، إلا أنه وضح عليه التأثر بما عليه علماء الأصوات ،، ولا يخلوا منهجه من تناقض . ولو تأملنا كتابه (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد ) واستئناسا ببعض مداخلاته نجد هذا الاضطراب في منهجه ، وقصوره في وضع رأي واضح وصريح في بعض المسائل .

 

ولو تحدثنا في قضية الهمزة :

 

بعد طرحه للأقوال في قضية الهمزة قال د/ غانم في خلاصته:

(ولكن الهمزة المجردة غير المسهلة نفتقد معها ذبذبة الوترين التي هي مصدر الجهر لأن الهمزة ما هي إلا انطباق الوترين ثم انفراجهما )ا.هـ 207

 

ويقصد بالهمزة المجردة أي المحققة ، فكما تري لم يضع رأيا قاطعا في المسألة ولم يوضح لنا هل همزتنا صحيحة أم خاطئة .. ولكن قد يلحظ من قوله : نفتقد معها ذبذبة الوترين ) أن الهمزة ليست مجهورة ، لأن الجهر عند علماء الأصوات عبارة عن اهتزاز الوترين وهذا لا يتحقق في الهمزة المحققة.

 

قضية القاف :

 

ثم أخذ د/ غانم يحلل هذه المسألة وقال في آخر كلماته : فإنه لم يبق أمامنا إلا أن نقول : إن سيبويه وَهِمَ في نسبة الجهر إلي القاف وهو أمر لا نستطيع أن نقطع به ن وكل ما نستطيع أن نقوله باطمئنان هو أن القاف في نطقها افصيح اليوم صوت مهموس وأن سيبويه وعلماء العربية وعلماء التجويد وصفوا القاف بأنها صوت مجهور وأن رسائلنا الآن عاجزة عن تفسير هذا الوصف علي نحو أكيد )219 الدراسات الصوتية .

 

وأيضا لم يضع رأيا قاطعا في هذه المسألة وهذا يتضح من قوله : وأن رسائلنا الآن عاجزة عن تفسير هذا الوصف علي نحو أكيد )

 

فلماذا العدول عن منهج القراء ؟؟

 

قضية الطاء :

 

قال د/ غانم : ولم يلاحظ أحد من العلماء المتقدمين تحول الطاء من الجهر إلي الهمس كما لا حظ كثير من منهم التحول الذي أصاب الضاد .وهذه الحالة تضع قضية الطاء في إطار آخر ، وهو احتمال الخطأ في وصف صوت الطاء بالجهر ، لكن النصوص السابقة لا سيما قول سيبويه (لولا الإطباق لصارت الطاء دالا ) تقف في وجه هذا الاحتمال بقوة تجعل الدارس يُحس بالحاجة إلي كثير من البحث قبل أن يعطي رأيا قاطعا في قضية الطاء .)ا.هـ212

 

وأيضا لم يضع رأيا قاطعا في هذه المسألة وهذا يتضح من قوله : تجعل الدارس يُحس بالحاجة إلي كثير من البحث قبل أن يعطي رأيا قاطعا في قضية الطاء .)

 

والقضية الوحيدة التي قطع فيها د/ غانم قضية الجيم حيث قال : ( ولا يعنينا هنا البحث في الأصل القديم للجيم العربية هل هو الجيم القاهرية أو الجيم القرشية (الفصيحة) أو الجيم الشامية لأننا علي يقين كامل من أن الجيم التي كان ستخدمها جمهور العرب وقت نزول القرآن هي الجيم التي ينطقها قراء القرآن وكثير من الناطقين للعربية اليوم ، وهي التي تحدث عنها علماء العربية وعلماء التجويد ووصفوها بأنها صوت شديد انفجاري يخرج من وسط اللسان مع ما يليه من الحنك الأعلي )ا.هـ 244

 

وكما تري أخي القارئ أن د/ غانم لم يجزم في كتابة برأي قاطع في المسائل التي قمت بعرضها من كتبه وليس من كتب الآخرين ثم نجده في لقاء في ملتقي أهل التفسير يقول د/ غانم : ، وأحسب أن المنهج العلمي يقتضي إعادة تعريف الصوت المجهور والصوت المهموس على نحو ما أكَّده علم الأصوات اللغوية المعاصر ، وإعادة النظر في عدِّ كل من القاف والطاء والهمزة أصواتاً مجهورة ، فليس من الإخلاص للعلم والنصح لطلبته الاستمرار في تلقينهم ما قام الدليل على عدم صحته . ))ا.هـ

 

أقول: إذا كان فضيلته لم يضع لنا قولا فصلا في المسألة كيف يقول لنا : وإعادة النظر في عدِّ كل من القاف والطاء والهمزة أصواتاً مجهورة ، فليس من الإخلاص للعلم والنصح لطلبته الاستمرار في تلقينهم ما قام الدليل على عدم صحته . ))ا.هـ

هل يصح هذا القول ؟؟؟؟؟؟

 

وله قول في جوابه علي د/ عبد الرحمان ("، أقول : أثْبِتْ لنا أوَّلاً ما تعتقد جازماً أنه الحق حتى ندع ما تصفه بأنه باطل .))

فهل يثبت لنا فضيلته صحة هذه الأحرف ؟؟

 

ثم نأتي إلي قضية الضاد :

 

في تعقيب للدكتور غانم قدوري علي ما أورد د/ عبد الرحمان الصالح في مسألة الضاد . وأنقل إليكم نصه : بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أما بعد فإني اطلعتُ على ما كتبتَ - بالحرف الكبير - حول ترجيحي نُطْقَ الضاد الجاري على ألسنة جمهور القُرَّاء في بلاد المسلمين الذين نسمع تلاواتهم صباحَ مساءَ ، فجزاك الله تعالى كل خير على اهتمامك وحرصك ، ونصحك لي بالتخلي عما ترجَّح عندي أنه أولى من غيره ، وتحسبه أنت باطلاً ، ودعوتِكَ لي إلى متابعة ما قرره علماؤنا السابقون حول نطق الضاد ، وأشكر أيضاً الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري الذي أعلمني بمشاركتك مع رغبته بالتعليق عليها ، وكنت متردداً في بادئ الأمر في الكتابة حول الموضوع ، ولكني عدت لقراءة المشاركة مرة ثانية وترجح عندي أهمية مناقشة بعض الأفكار المتعلقة بموضوع الضاد ، وقد لفتت نظري حماستك للدعوة إلى اعتماد نطق الضاد التي وصفها سيبويه في قراءة القرآن ، وتركِ الضاد التي ينطقها جمهور القراء في زماننا ، ولعل الجميع يشاركك هذا الشعور ، ولكن أين هو ذلك النطق ؟

 

وتواردت على ذهني بعض الملاحظات حول الموضوع ، من غير خوض في التفاصيل ، لأنها أوسع من أن تستوعب في مثل هذا المقام ، ولكني أشير إلى ما يتعلق بالمبادئ التي يجب أن تعتمد في دراسة الموضوع ، والقواعد التي يمكن أن نستند إليها في ترجيح صورة ما من صور نطق الضاد .

 

(1) وجدتكم تشككون في أداء قراء القرآن من المصريين والشاميين ومن تابعهم في نطقهم من قراء العالم الإسلامي ، وتنسبونهم إلى العُجْمَةِ ، وهذا ما صرحتم به في قولكم :

 

" فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم".

 

وقلتم في موضع آخر من مشاركتكم :"وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو رخاوة بل يُقلدون كما عُلِّموا ، ولا نلومهم بعد.

 

ولا يخفى عليكم أن قراء مصر والشام هم أعلى الناس إسناداً في القراءة ، وليس من السهولة تخطئتهم بناءً على دعاوى غير مسندة ولا مُتَيَقَّنَة ، وإذا كنا نشكك في ضبط أكثر أصحاب الإجازات في القراءة فعلى من سنعتمد في ضبط القراءة ؟! وقولك عنهم :إنهم "يقلدون كما علِّموا" ، هو المنهج الصحيح في تلقي القراءات ، وقد جاء في الأثر :" اقرؤوا كما عُلِّمْتُمْ ".

 

) لا نختلف في أن نطق جمهور القراء اليوم للضاد لا يتطابق مع وصف سيبويه ومن تابعه في ذلك من علماء السلف ، والقول : إن بعض القراء اليوم ينطق الضاد القديمة الرخوة التي وصفها سيبويه يحتاج إلى دراسة وتحقيق قبل القطع بأنه عين ذلك النطق القديم الذي يجب التحول إليه ، وأحسب أن مثل هذا الأمر لم يتحقق بعد ، فلم يتيسر لنا سماع ذلك النطق ، وهذه محطات التلاوة القرآنية تعمل ليل نهار ولم ألحظ في القراءات المقدمة فيها مثل ذلك النطق ، وأنا لا أنكر أنه بالإمكان تكلف نطق الضاد القديمة لمن يحاول ذلك ، لكننا لا يمكن الجزم أنه عين الضاد القديمة الرخوة الحافيَّة المجهورة المستطيلة ، مع ما في هذا الصوت المصنوع من غرابة وصعوبة تمنع من تعلمه وترداده بالسهولة المطلوبة في نطق القرآن ، ومن ثم فإن المسارعة إلى إطلاق الأحكام في هذا الموضوع الذي شغل العلماء قديماً وحديثاً قبل التحقق منه أمر لا يخلو من المجازفة غير المحمودة ، وإذا تحققنا من وجود من يروي الضاد القديمة بصورة لا تقبل الشك لزمنا المبادرة إلى تلقيها عنه واعتمادها في قراءتنا للقرآن الكريم .

 

(3) قد لا نختلف في الإقرار بأن هناك إشكالية تتعلق بنطق الضاد اليوم ، وبطريقة وصف الضاد في كتب تعليم التلاوة وكتب علم الأصوات ، والخروج من هذه الإشكاليات لا يتحقق بالدعوة التي أطلقتموها بقولكم :" وها أنا ذا أنسخ للإخوة القراء قولكم أستعديهم وأستنصرهم لما أعتقد جازماً أنه الحقّ على رأيكم الذي بان بطلانه، والذي أدعوكم أن تضربوا عنه صفحاً وتثنوا عنه عِطفاً ، فما يليقُ بمثلكم ارتكابه"، أقول : أثْبِتْ لنا أوَّلاً ما تعتقد جازماً أنه الحق حتى ندع ما تصفه بأنه باطل .

 

وأود أن ألفت نظركم ونظر القراء إلى أن الأمر لا يمكن أن يقرره شخص واحد أو مجموعة أشخاص ، وكنت قديماً قد دعوت إلى ضرورة التقاء ذوي الاختصاص والاهتمام بالموضوع للتباحث بشأنه وبلورة رأي يحظى بالإجماع حتى تتبناه المؤسسات العلمية و التعليمية ، ولكن لم يتحقق من ذلك شيء إلى الآن ، واكتفى المهتمون بالموضوع بالتحاور والتجادل على صفحات المواقع الإلكترونية ، و كثير مما كُتِبَ فيها يفتقر إلى المعرفة العلمية بالموضوع ، أو المنهجية في تناوله .

 

ولا أنكر أهمية الآراء الفردية في إنضاج الموضوع وبلورة موقف موحد حوله ، لكن ذلك لن يكون بديلاً عن عقد الندوات العلمية أو الحلقات النقاشية ، للوصول بالموضوع إلى نهايته المرجوة ، لطي صفحة الجدل حول الضاد التي طال أمدها .

 

(4) لا أجد ما يؤيد قولكم : إن سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين في نطق الضاد ما ورد في بعض كتب الفقه من تشديد على وجوب التفريق بين الضاد والظاء ، فيبدو لي أن ذلك النطق عميق الجذور في مصر الشام ، ويجري على ألسنة العامة هناك من دون كلفة ولا مشقة .))ا.هـ كلامه حفظه الله .

 

هناك قواعد استخدمها د/ غانم في التعليق علي ما كتبه د/ عبد الرحمان الصالح .

أولا : (ولا يخفى عليكم أن قراء مصر والشام هم أعلى الناس إسناداً في القراءة ) استدلال بما عليه قراء مصر والشام أي ما اعتمده قراء المدرستين لعلو الإسناد في القطرين دون غيرهما .

أليست هذه الأحرف فيها إجماع قراء مصر والشام ؟؟

 

ثانيا : (وقولك عنهم :إنهم "يقلدون كما علِّموا" ، هو المنهج الصحيح في تلقي القراءات ، وقد جاء في الأثر :" اقرؤوا كما عُلِّمْتُمْ ".)

صحة منهج القراء وأن التلقي أساس في هذا العلم

 

ثالثا : (، فيبدو لي أن ذلك النطق عميق الجذور في مصر والشام ، ويجري على ألسنة العامة هناك من دون كلفة ولا مشقة .)

سليقة نطق القراء للأحرف فيه دلالة علي قدم الأحرف ورسوخه .

 

ولو وضعنا لفضيلته نفس القواعد وطالبناه بتطبيق هذه القواعد التي وضعها لردِّ الضاد مع إقراره بعدم مطابقة الوصف القديم للوصف الحالي ، فكيف يكون تعقيب فضيلته ؟؟

 

وأنا شخصيا أعتقد أن الاستدلال بكلام أهل الأصوات مثل الاستدلال بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ما دام لا يخالف أصلا .

فكذا يكون التعامل مع علم الأصوات .

 

وأسأل الله أن يجعل ما نكتبه خالصا لوجه وألا تكن علينا ترة يوم القيامة

 

المصدر: https://majles.alukah.net/t68088/

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك