العرب والمعلوميات
محمد الشارخ
· المعلوميات ومدرسة المستقبل
· هل تهدد العولمة اللغة العربية؟
· هل هناك منافسة إسرائيلية للعرب في مجال البرمجيات؟
المعلوميات ومدرسة المستقبل
س- يقال إن الشارخ ينوي تغيير الشكل المتعارف عليه في تشكيل المدرسة، بحيث تختصر مساحة المدرسة وعدد المدرسين وأسلوب نقل المعلومة.. لنصل إلى أن العملية التعليمية لن تحتاج إلى مساحة أكبر من مساحة بيت عادي.. هل هذا طموحك؟
ج- هذه الرؤية ليست رؤية شخصية خاصة بي، بل هي منطق التطور العلمي على المستوى العالمي، وحتى أكون واضحًا منذ البداية أقول إنني لست مختصًا في موضوع التربية والتعليم، ولكني سأتكلم كمواطن معايش للتطور التقني. هناك -بالتأكيد- تغيير كبير يحدث في العالم على المستوى التقني ليس في مجال التربية والتعليم فحسب، بل في كل المجالات، وهناك عالم جديد يتشكل هو عالم المعلومات، وهو يختلف عن العالم الصناعي الذي عرفته البشرية في القرون الأخيرة، وربما كنتم في مجال الصحافة من أكثر الأشخاص إدراكًا للتطور الهائل في هذا المجال، فقد أصبح بالإمكان الحصول على أي معلومة أو صورة من أي مكان في العالم في أي وقت، وهو أمر لم يكن متوافرًا قبل عشر سنوات فقط، من هنا أقول نحن على مشارف عالم جديد ما زال يتكون، وهذه مجرد بداياته.. فإذا تحدثنا عن التعليم.. سنجد أن الهدف الأساسي للمجتمع من التعليم هو خلق أفراد قادرين على أن يديروا المجتمع ويسيروه نحو المستقبل بطريقة تتلاءم مع وضع هذا المجتمع ضمن العالم، والتقنية الحديثة، وأعني تحديدًا تقنية الحاسب ستفرض نفسها على النظام التربوي، بمعنى أنها ستؤدي إلى تغييرات فيه؛ لأنها وسيلة لابد أن يستخدمها هذا النظام، وبالمقابل ستستجيب هذه التقنية لمتطلبات التربويين.
لذلك فنحن نشهد تقنية مغايرة لما عهدناه في التربية. فبالضرورة ستكون العملية التربوية مغايرة لما عهدناه سابقًا، وأيضًا المجتمع سيكون مغايرًا لما نعرفه الآن. إن الطفل العربي اليوم يستطيع أن يحصل على كم هائل من المعلومات بواسطة الحاسوب. بل إنه يستطيع أن يتصل بأمثاله في أميركا عن طريق الحاسوب ليسألهم ويتحاور معهم في أي موضوع. وربما كان الأمر مكلفًا بعض الشيء، لكننا لا نستطيع أن نتخيل بعد بضع سنين مدى رخص تكلفة هذه العملية.
أريد أن أخلص إلى أن كمية المعلومات التي يعرفها أبناؤنا اليوم، والتي يستطيعون الحصول عليها أضعاف مضاعفة لما كنا نعرفه عندما كنا في عمرهم.. ليس فقط بسبب السفر، واطلاعهم على ثقافات الآخرين؛ بل لأن توفير المعلومة أصبح ممكنًا.. وهذا الأمر يفرض أسئلة كبيرة في مسألة التعليم.. هل يستطيع المعلم القادم مواكبة هذه الوفرة من المعلومات لدى الطلبة؟! وهل يستطيع أن يحافظ على دوره الحالي التقليدي كملقن ومصدر وحيد للمعلومات؟! وهل سيكون المعلم الآن موجهًا مشاركًا؟! من المؤكد أن العملية التربوية ستنطوي على تغيير في دور المعلم، فالشباب اليوم أصبح لديهم كم هائل من المعلومات لا يستطيع المدرس أحيانًا أن يقول لهم لا تتعلموا هذا أو تعلموا هذا، فكثرة المعلومات ستفرض على المدرس في المستقبل أن يكون ليس مدرسًا للمعلومات، وإنما مدرس لأسس المعرفة فقط.. لأن المعلومات ستكون موجودة في ذهن الطلبة، وعلى المدرس أن يعلم كيفية الحصول على المعلومة وأسس المعلومة.
وسأعطي مثالاً آخر.. اليوم يوفر الحاسب الآلي للمتعلم وسائل لزيادة إنتاجه الفكري، فبينما كنا نحن نستخدم الآلة الكاتبة لطباعة موادنا، هم يستخدمون اليوم الحاسب الآلي، وبمقارنة إمكانات الحاسب بالآلة الطابعة التقليدية ستجد أن النسبة تفوق 1:50، فالحاسب الآلي يستطيع أن يخزن المعلومات، ويستطيع أن يعمل الهوامش بشكل أدق وأسرع، ونستطيع عن طريقه اختيار نوع الخط الذي نريده، وتغيير وتحرير النص بسرعة، وفي النهاية نستطيع استرجاع المعلومة التي كتبناها وحفظناها، كل هذا -من المؤكد- أنه يزيد من إنتاجية الطالب، وعليه سيكون الطالب مختلفًا عما ألفناه.
س- ألا ترى أن هناك من سيقف ضد هذا التطور، إما خوفًا من التطور أو لمصلحة؟!
ج- أنا أعتقد أن الأهم أن نكون متفائلين بهذه التطورات التقنية، فهي في النهاية لخدمة البشرية، وهي التي ستصنع إنسانا أفضل، ويجب ألا نخشى من أن المدرس وأن البيروقراطية ستمنع أو ستعطل هذا التقدم، نعم قد تعطل سنة أو سنتين، أو حتى ثلاث سنوات، ولكن ليس إلى ما لا نهاية، وأنا -شخصيًا- أشعر بالسعادة لأن أحفادي بالتأكيد سيتعلمون أفضل مما تعلم أبنائي.
ليس هذا وحسب بل هذه التقنيات الجديدة تخلق معها حقلا جديدا للعمل هو حقل المعلوميات وهو حقل لم يكن له وجود في شبابنا.
س- ماذا تقصد بحقل المعلوماتية بالتحديد؟!
ج- أقصد مشغلي الكمبيوتر.. مبرمجي كمبيوتر، مدرسي كمبيوتر، طلبة كمبيوتر، صيانة كمبيوتر، تجار كمبيوتر… إن استحداث هذا الحقل في مجتمعات متقدمة مثل أميركا أو فرنسا أو ألمانيا… عمل على تغيير هيكل العمالة، وتحوله من الزراعة، والصناعة التقليدية إلى أعمال جديدة وهي المعلومات، وسأضرب مثالاً على هذا التغيير في حقل السينما. قبل سنوات كان الشخص لكي يحصل على فيلم معين أنتج من مدة كبيرة يحتاج إلى وقت كبير، لكنه اليوم يستطيع أن يشتري عدة أعمال سينمائية على أسطوانة واحدة تحتوي -مثلاً- على تاريخ الولايات المتحدة والخطابات الرئيسية بالصوت للرئيس كينيدي، أو لعاصفة الصحراء، ومن المؤكد أنكم شاهدتم هذه الأسطوانات، ولكم أن تتخيلوا عدد الأشخاص الذين يعملون في هذه الصناعة حتى تنتج هذه الأسطوانة، من مصورين وفنيين ومخرجين.. الخ، هذه هي صناعة المعلومات. بشكل عام يجب أن ننظر إلى أن تاريخ التطور التقني بالنسبة إلى البشرية منذ القدم وحتى الحرب العالمية الثانية بوصفا كان منصبًا على اختراعات بديلة للطاقة الجسدية للإنسان، فالسيارة مثلاً هي توفير للطاقة البشرية، والفأس والبندقية.. كلها توفير للطاقة الجسدية، الآن -ولأول مرة في تاريخه- بدأ الإنسان يفكر في تطوير الطاقة الذهنية، فلا داعي للحفظ الآن، فالكمبيوتر يحفظ بصورة أفضل، وبكم أكبر، وليس عليَّ سوى أن أتعلم كيف أسترجع المعلومة بدقة وبأسرع وقت والاستفادة منها بشكل أفضل. أعود وأقول إنه عالم جديد يتشكل.
س- في حوارات صحفية سابقة لك لمسنا نظرة متشائمة جدًا بالنسبة إلينا كعرب في هذا المجال، فأين موقعنا من كل هذا التطور، وهل كتب علينا أن نكون في آخر القائمة إلى ما لا نهاية؟!
ج- المتفق عليه أن الفجوة بين العالم المتقدم والعالم النامي ستزداد، هذا ما يقرره كل الباحثين، ومع ذلك نحن نتقدم، ولسنا واقفين في مكاننا، وسأضرب مثالاً فيَّ بحياتي الشخصية، أنا الآن أفضل مني قبل ثلاثين سنة وأفضل مني قبل أربعين سنة، ومازلت أتذكر بيتنا القديم والحي القديم. إذن أين المشكلة؟ تبرز المشكلة عندما نقارن أنفسنا بالدول المتقدمة، فالتسارع في تقدمهم أسرع من التسارع في تقدمنا وأنا أرى أن المشكلة الحقيقية في الأفكار غير الواقعية التي نعتنقها، كأن نعتقد أن العرب يمكن أن يكونوا مثل أميركا، فهذا تفكير غير عملي وغير واقعي، فالتعاون البشري-كما أراه- يحتاج إلى منظور آخر.. فأنا لست محكومًا بتلك النظرة التي كانت سائدة عندي قبل عشرين عامًا.
س- هل يعني هذا أن "التراتبية" الموجودة في العالم حاليًا ستبقى، بمعنى أن الولايات المتحدة هي دولة عظمى أولى لا منافس لها، ألمانيا قوة اقتصادية أولى لا منافس لها.. اليابان على نفس المستوى.. هكذا في جدول يقسم الدول إلى درجات، وليس هناك مجال لأي أحد أن يغير ترتيبه في هذا الجدول ؟
ج - أنا لم أقل هذا الكلام… وسأعبر عن هذا الأمر بطريقتين: من المؤكد أنني متحيز للوني ولطقسي ولديني وللغتي ولتراثي، وهذا شيء طبيعي.. وهنا أذكر قول الشاعر بدر شاكر السياب: "الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام". وهذا شعور إنساني طبيعي، ولكن ما اعتبرتموه تشاؤمًا في أحاديثي الصحفية السابقة أراه واقعيًا وليس أكثر، فهل تسمية الأشياء بأسمائها يجعل الإنسان متشائمًا؟! وهل من الأفضل ألا نعرف الحقائق؟! إن كلامي ليس به تشاؤم، فأنا أقول إنهم في فرنسا -مثلاً- يشترون سنويًا مليونًا ونصف مليون كمبيوتر شخصي، وهم (60) مليونًا فقط.. بينما العالم العربي (200) مليون ولا يأخذون أكثر من (100) ألف كمبيوتر.. فهل في كلامي تشاؤم؟! هذا هو الواقع.. فهل هناك حل لهذه الدول؟
س- إذن أنت ترى أن البداية تكون بتطوير التعليم؟
ج- نعم، وأنا حزين من أجل الحالة التي وصل إليها التعليم لدينا، وأنا لا أعتقد أن هناك حلولاً عملية واقعية لتطويره في ظل الإدارة البيروقراطية، فمثل هذه الإدارة لا تستطيع أن تنتج تعليمًا جيدًا، وربما كان الحل في أن يشارك القطاع الخاص في تحمل مسؤوليات التعليم العام، فطلبتنا في الكويت مثلاً يشتكون من تعلم اللغة الإنجليزية، فكيف تفكر البيروقراطية في وزارة التربية لحل هذه المشكلة، إنهم يأتون بواضعي المناهج والخبراء لعمل دراسة قد تأخذ مثلاً ثلاث سنوات، ولكن العالم يتغير ولن ينتظرنا، والأمرُّ من ذلك أنه بعد السنوات الثلاث يكتشفون أنه لا توجد ميزانية لتنفيذ مقترحاتهم، أو تصدر قوانين جديدة للإقامة.. وهكذا يتوقف كل شيء! أنا أعتقد أن القطاع الخاص عليه مسؤولية، وله دور يستطيع أن يلعبه، كأن يأخذ تعليم الرياضيات كمقاولة كأي عمل آخر.. أو التعليم الإنجليزي، بحيث يحضر المدرسين لأنه يستطيع أن يعطيهم رواتب جيدة..
أعتقد أن قطاع التعليم العام مثقل بمشكلاته التي لا تجدي معها الحلول المؤقتة بل إنها بحاجة إلى حل شامل. لا أقصد طبعًا أن القطاع الخاص سيحل المشكلات إن هو استخدم الكمبيوتر، فالكمبيوتر ما هو إلا وسيلة، لكنني على يقين بأن استخدام القطاع الخاص، للمدرس أو للكمبيوتر، أو لغيرهما من الوسائل التعليمية أكفأ؛ لأن الإشكال هو في طريقة الإدارة البيروقراطية والتي تقع فيها الحكومة عندما تكون منفذة.
س- وماذا يمكن أن نضيف إلى التعليم بخلاف فكرة الخصخصة؟
ج- حتى لا أفهم بشكل خاطئ، ما عنيته في هذا المجال ليس أن يدخل التعليم مجال الخصخصة، لكنني أقول إن القطاع الخاص له دور في العملية التربوية، كأن يدخل تعليم الرياضيات والإنجليزية؛ لأن القطاع الخاص يستطيع بالفعل أن يأتي بأحسن مدرسين ومن أي مكان، وأنا أعتقد أنه أرخص للدولة مما تدفعه الآن بسبب البطالة المقنعة لدى البيروقراطية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك نوع المادة التعليمية، ففي التعليم الآن هناك شيء يسمى التفاعلية، فبعد أن كنا في السابق نذهب إلى المدرسة لتلقي المعلومة أصبح الآن يوجد ما يعرف بالتعليم الذاتي.. فالمدرس يشرح عمليات الحساب، لكنك تأخذ برنامجك معك إلى البيت، ولقد أصبح التعليم الذاتي متوافرًا الآن، ولابد أن ندخله في قلب العملية التعليمية.. والآن بوجود التفاعلية وبسبب إتاحة التفاعلية في كسب المعرفة بين الطالب والمادة العلمية أصبح هناك عملية إبداع أكبر عند الطالب؛ لأنك تأخذ المعلومة وتستطيع أن تقوم بتجارب عديدة لشاشة الحاسب الآلي، بالتأكيد إن هناك تغيرًا كبيرًا في العملية التربوية، ودور شركتنا هو أن نجعل هذا الأمر يسيرًا وباللغة العربية، مستغلين تقنيات الغرب.
في الحقيقة إن لدينا برامج لأعمار مختلفة، وهناك أشياء مثل اللغة العربية وخطوطها غير موجودة في الغرب، ولا تهمهم، لذلك يجب علينا أن نقوم بها بأنفسنا.
س- كيف نسيطر على التكلفة العالية والسعر المرتفع للسلعة المعروضة حتى يسهل دخولها لكل بيت.. فالتكاليف مرتفعة جدًا، وحتى أحضر لابنتي الكمبيوتر، التي هي بالفعل بحاجة إليه، فإنه سيكلفني مبلغًا لا يقدر عليه الجميع؟
ج- نحن جزء من العالم.. وصناعة الحاسب ستقدم أجهزة أرخص، وسنستفيد نحن من اقتناء مثل هذه التقنيات المنخفضة، وأنا لا أفهم لماذا نتحدث عن التكلفة المرتفعة، فالتلميذ يستطيع أن يشتري كل المعدات اللازمة لسنه وتعليمه بمبلغ لا يتجاوز 450 دينارًا. والآن في الغرب تستطيع أن تشتري حاسبًا آليًا بـ (1200) دولار مع الشاشة والصوت والسماعات والأسطوانات، وفي الولايات المتحدة الآن -يقال- إن 39% من المنازل دخلها الحاسب الآلي. أما في منطقتنا فالمشكلة ليست في السعر فقط، بل يجب أن تتوافر في الزبون شروط لكي يقتني جهاز كمبيوتر، بحيث يكون متعلمًا ومقتدرًا ومطلعًا، فإذا كان لديه مال لكنه غير متعلم فلن يشتري الكمبيوتر، وإذا كان تعليمه تقليديًا فلن يشتري كمبيوترًا.. وإذا كان غير مقتدر فهو أيضًا خارج الصورة، وعلى الرغم من ذلك أعتقد أن على مدى السنوات المقبلة ستتغير الصورة وهي تتغير شيئا فشيئا في كثير من الأقطار العربية.
س- إذن فأنت تعتقد أن القطاع الخاص قادر على أن يقوم بنفس الدور الذي لعبه القطاع الخاص الأوروبي، في عصر النهضة وعصر الثورة الصناعية؟
ج- أنا في شبابي صدقت أنه يمكن أن تأخذ أموال الناس -سواء بالضرائب أو التأميم أو غيرها- وتعمل لها توزيعًا أفضل حسب احتياجات المجتمع.. ولكن ما شاهدته في حياتي العملية أكد أن هذا غير صحيح، فهم لا ينفقون الأموال بشكل أفضل.. لأنه لا يوجد لديهم مقياس للكفاءة. وأنا أتكلم عما حدث في منطقتنا، حيث تم الإنفاق بشكل كبير على بناء الهيكل الاقتصادي، لكنه كان مكلفًا. مثلاً المستشفيات والتعليم كانت كلفتها مرتفعة جدًا. فإذا كان سؤالك هل يستطيع القطاع الخاص إدارة البريد بكفاءة.. فبالتأكيد يستطيع.
هل تهدد العولمة اللغة العربية؟
س- وماذا عن عولمة اللغات؟ ألا تعتقد أن العولمة تهدد بعض اللغات بالاندثار؟
ج- هذا جانب ليس لي أمر الحكم عليه. لكني أقول إن عولمة اللغات والمعلومات هي هنا الآن. هناك لغات ستصبح جزءاً من عملية العولمة وستلتحم بما يجري، لكن هناك لغات ستخرج من دائرة الاستخدام العالمي؛ لأنه لم يستثمر فيها، لم يستثمر خصوصًا في خلق الأدوات التي تجعلها تلتحم بالعملية الكبيرة. البنى الأساسية لهذه العملية هي الأقمار الصناعية والربط الشبكي Networking. القضية في النهاية هي السرعة ثم السرعة ثم السرعة. الذي لم يستثمر في أدوات تمكنه من الإفادة من السرعة لن يلحق القطار. والحال، هذا ما تفعله "صخر" بالتحديد للغة العربية، الأدوات التي ولدناها هي التي ستسمح للعربية بأن تأخذ مكانها في قطار ثورة المعلومات. ماذا نعني بالأدوات: أولاً البحث باللغة الطبيعية، ثانيًا الترجمة الآلية، ثالثًا تحويل النص إلى نطق والنطق إلى نص. كل هذه منتجات قادمة، لكن لا يمكنك أن تطورها من دون إنجاز بحوث اللسانيات.
س- وما ذا عن صلاحية اللغة العربية كلغة علمية من خلال عملك في الكمبيوتر؟ هل فيها قصور وكيف استكمال هذا القصور؟؟
ج- تقنية الحاسب "الميكروبروسيسور" هي تقنية مستقلة عن اللغة أي تصلح لأي لغة. هذه التقنية لا تخص لغة دون أخرى. فإذ، هذا السؤال حول صلاحية اللغة العربية أو عدم صلاحيتها لا علاقة له بلتقنية "الميكروبروسيسور"، وهي التقنية التي نتحدث عنها في صناعة الحاسب.
ما هو الكمبيوتر؟ الكمبيوتر هو جهاز مؤسس أو مبني على تقنية "الميكروبروسيسور" وهو عبارة عن قطعة صغيرة من شرائح "السليكون" في "الميكروشيبس" وهي عبارة عن خزان معلومات كبير يمكن تنظيم البيانات فيه بدقة كبيرة وفهرستها فيه بدقة كبيرة ويمكن استرجاع هذه البيانات من هذه الأرفف أو "السيلس" بسرعة بعد إجراء عمليات حسابية عليها أو عمليات ارتباطية فيما بينها. هذه هي التقنية. لقد تمكن الإنسان من أن ينتج جسما لا يزيد عن سنتم مربع ويضع فيه كمية من المعلومات تزيد على عشرة ملايين كلمة، وتستطيع أن تبحث في هذه الكلمات وتجري علاقات في المعلومات المتوفرة في هذا الحيز. مثلاً عمر الإنسان وجنسيته ومستوى تعلمه ومكان ميلاده. هذه التقنية ليس لها علاقة باللغة. اللغة تأتي بعد ذلك بالبرمجيات، فاللغة العربية مثلها مثل أية لغة أخرى تستطيع أن تستفيد من هذه القنية. ولكن لكل لغة طرق خاصة للتعامل بها. مثلاً في اللغة العربية عملية استرجاع المعلومات أصعب؛ لأن اللغة العربية لغة فيها حركات أي بمعنى أن كل حرف يحتمل واحدا من خمس حالات: مضموم أو مكسور أو منصوب أو عليه شدة أو سكون. هذا ليس موجودًا في اللغات الأخرى. فأنت لكي تسترجع (ع ل م)، يجب أن يعرف الحاسب آليًا هل يسترجع علِّم أو عَلِمَ أو عَلَمْ أو عِلْم أو عُلِم أو علَّمَ أو عَلِّم أو… هناك صعوبات تتعلق بالحركات، وهناك صعوبة أخري تتعلق بالصرف… اللغة العربية مبنية على أساس صرفي، وهذا تنشأ عنه صعوبة في عمل البرامج المناسبة. وهذا ما اختصت به "العالمية" أيضًا. فنحن مدركون بأن هذه اللغة لصعوباتها ولضيق السوق فيها، لن يكون هناك حافز للشركات الدولية أن تستثمر في مجالاتها،فلا السوق كبير يغري بالاستثمار دوليا ولا المشاكل التي تجابهها كتقنية سهلة الحل فلماذا تقوم الشركات الدولية بإنفاق أموال طائلة من أجل سوق صغيرة! عمومًا اللغة العربية تصلح مثل أية لغة أخرى، طبعًا لها صعوباتها التي ذكرناها.
هل هناك منافسة إسرائيلية للعرب في مجال البرمجيات؟
س- حديث الساعة هو مفاوضات السلم، فقد تؤدي المفاوضات إلى علاقات اقتصادية بين العرب وإسرائيل، في هذه الحالة يكثر الحديث عن التكنولوجيا الإسرائيلية ومنها ربما تكنولوجيا البرمجيات. فهل هناك تخوّف من دخول برمجيات من صنع إسرائيلي إلى الأسواق العربية إذا قصرنا الحديث على المجال الذي تعملون فيه؟
ج- أنا على التصاق وثيق بتقنية الحاسب والبرمجيات الدولية، وكذلك مدراء "العالمية" الذين يحضرون كافة المعارض والمؤتمرات الدولية في هذا المجال، في الولايات المتحدة، وأوروبا وآسيا منذ أكثر من 15 سنة. نحن لا نرى وجودًا لإسرائيل في هذا المجال، إسرائيل غير موجودة في هذه التقنية. أضف إلى ذلك شاهدًا آخر: خذ المجلات المتخصصة في حقل البرمجيات أو الحاسب، فلا ترى إعلانًا واحدًا عن شركة إسرائيلية في البرمجيات، هناك شركة واحدة تنتج برنامجًا للحماية اسمها "علاء الدين". وهذا لا يشكل أي نسبة مهمة في الصناعة. إذن ليس لدينا أي خوف من هذه الناحية. وحين أقول ذلك، لا أقصد أنه لا يوجد في إسرائيل مبرمجون يعملون على التطبيقات، هؤلاء موجودون في إسرائيل، وفي مصر، ولبنان، واليونان… لكن أنت تتكلم عن الصناعة وتقصد بالصناعة، الصناعة الدولية التي لها منتجات تُباع بالأسواق باسم تجاري معين، وهكذا إذا تساءلنا هل في إسرائيل شركات مثل "لوتس" أو "ميكروسوفت"؟ فالجواب هو كلا. أما إذا عنيت إمكانية قيام صناعة برمجيات فأقول إنه يمكن أن تُقام في إسرائيل صناعة برمجيات، وهذا احتمال قد يحصل أو لا يحصل، فالذي يعمل في حقل البرمجيات لا يتطلع إلى السوق العربية فقط، وإنما يفكر في السوق الأميركية واليابانية، فهذه هي طبيعة صناعة البرمجيات.
س- الشركات البرمجية العالمية تمتنع حتى الآن عن التعامل مع مبرمجين إسرائيليين، خاصةً لتطوير برامجها العربية؛ بحكم قوانين المقاطعة العربية، فإذا ألغيت هذه المقاطعة يومًا ما، ربما تستعين شركات أجنبية من أجل تعريب برامجها بمبرمجين إسرائيليين ملمين باللغة العربية.
ج- أنت تتحدث عن منتجين ومقاطعة فعّالة، وعشرات الشركات الأميركية وتقول إنهم قد يلجئون إلى "مبرمجين" إسرائيليين ليقوموا بعمليات التعريب لبرامجهم. فهل من المنطق أن تعين الشركات الدولية موظفين لديها، أم تتركهم في تل أبيب أو في بيروت؟ أعتقد أن خيار تل أبيب ضعيف. إنما قد يكون لبعض الشركات خيارات معينة. عمليًا الآن لا توجد شركات تتصرف على هذا الأساس، وأعتقد أن ما يمكن حدوثه هو الآتي: شركات أميركية، ربما، تختار موزعها الرئيسي في تل أبيب، كما كان الحال عليه بالنسبة للدور الذي كانت تلعبه بيروت قبل الحرب. وقد انتقلت مكاتبها الآن إلى ذبي أو قبرص. وهذا الانتقال المفترض إلى تل أبيب قد يحدث لأسباب عديدة أهمها: ليس عدم ملاءمة بيروت، وإنما لأن المدير الذي يتخذ مثل هذا القرار في هيوستن مثلاً؛ لكونه يهوديًا، قد تربطه علاقات خاصة بأشخاص في إسرائيل. أعتقد أن هذا قد يحدث، ولا أرى فيه تهديدًا طالما كان هناك سلام. لكن هل سيكون هناك سلام؟ ومتى؟ فإذا حدث السلام، يعني القبول والاقتناع وطيب الخاطر والتعامل العادي، وهذا ما أتمناه؛ لأنه الأفضل للمنطقة. أما إذا لم يتم هذا السلام فأعتقد أن هذه الأسئلة سابقة لأوانها. ولا توجد تقنية لإسرائيل في البرمجيات، وهذه تخوّفات ليس لها أساس.
س- تكلمت سابقًا عن المعيار الموحّد (Standard) والمنافسة حاليًا تدور حول نظام "وندوز" أو النوافذ. هذا النظام هو الذي سيحدد التطبيقات التي تستخدم وتدور حوله المنافسة في الأساس؟
ج- الموضوع ليس كذلك من وجهة نظري. خذ مثلاً "النوافذ" نحن لا نعمل "نوافذ". بل نستخدم النوافذ المنتجة ونضيف إليها التعريب، هل تعريبنا أو تعريب ميكروسوفت هو الأفضل؟ هذا هو السؤال. وأود أن أضيف، كان نظام "دوس" قبل سنتين هو السائد، فهل "النوافذ" هي التي ستسيطر مستقبلا أم ستكون الهيمنة لبيئة أخرى؟
رأينا في السابق شركات كان لديها أنظمة وأتى نظام آخر وتخطاها. واليوم في الأدبيات والمعارض الدولية يبدو نظام 2/OS من "ا ب م" متقدمًا على المشروع الذي أنفقت عليه ميكروسوفت 150 مليون دولار وهو "NT" وقد فشل فشلاً ذريعًا، "العالمية" لا تطور أنظمة تشغيل، فهذا من تبعات الشركات الدولية، أمثال "ا ب م"، و"نوفيل"، وميكروسوفت، ولوتس وغيرها. "العالمية" (صخر) تطور طبقة تعريبية على أنظمة التشغيل (Shell). "العالمية" تعمل على أساس أنها ستقدم الأفضل لكل أنظمة التشغيل. نحن نستثمر في تقنية اسمها تقنية التعريب ونطمح في بناء هذه التقنية بحيث إن الأثر التراكمي لتجمع التقنيات في التعريب يؤدي إلى أن يتمكن أي مستخدم عربي من استعمال أية برامج لاتينية أو إنكليزية. مثل هذه التقنية تحتاج إلى استثمارات كبيرة ومستمرة. إن تقنياتنا أفضل بكثير مما لدى ميكروسوفت في التعريب. سنعطي الطالب العربي والمهندس ورجل الأعمال حزمة يستخدمها في أي برنامج إنكليزي أو فرنسي أو ما إلى ذلك؛ ليشتغل عليها باللغة العربية. هذه هي الغاية الأساسية في تقنيتنا. فنحن لسنا مرتبطين بشركة معينة أو نظام معين. نحن نقدم تعريبًا موحدًا لكل الشركات، لكل الأنظمة، لكل الأجهزة. وهذا مبني على استثماراتنا الكبيرة في التعامل مع اللغة العربية. وهو ليس التعامل السطحي والخارجي الذي لدى الشركات الأخرى.
على أن دورنا ليس في نظام التعريب فقط، بل في تطوير التطبيقات العربية، وخصوصًا تلك التي لا تعنى بها الشركات الدولية، مثلاً التعليم العربي والتراث والثقافة العربية، وكذلك الدين الإسلامي، وكذلك البحث الحر في النصوص العربية. هذه ثلاثة مجالات ليس لنا فيها منافس. أما في ما يتعلق بالبحث اللغوي العربي فقد عملت فيه "ا ب م" لفترة ونعمل في هذا الحقل منذ عام 1985، وقد وضعنا فيه أموالاً طائلة. والهدف الوصول إلى منتج يسمى الماكينة اللغوية العربية (Arabic Engine) التي سيحتاجها الجميع من شركات وحكومات ومؤسسات لاسترجاع المعلومات المكتوبة باللغة العربية بطريقة البحث الحر (Free Search). وهذه التقنية مبنية على أبحاث العالمية الأصيلة في حقل اللغات الطبيعية (Natural Language Processing).
المصدر: http://www.aljabriabed.net/n31_06charikh.(2).htm