أركيولوجيا العلمانية في المسيحية والإسلام

سيف الشرجبي

 

مقدمة

يعاني العرب المسلمون اليوم معاناة كبيرة بلا شك، على الصعيد المعرفي والهووي. إننا نعيش لحظات تاريخية مفصلية يملأها الضياع والتيه، لقد صرنا غرباء عن عالم اليوم، فلا شيء يميزنا سوى اندهاشنا السطحي، وقلقنا المستمر، نواصل العيش بلا هوية واضحة تعمل كالقلعة الحصينة التي نحتمي خلف جدرانها في اللحظات الحرجة، وننطلق من أبوابها فاتحين في لحظات الرخاء. وفي وسط كل هذا الغبار، نحاول البحث عن حبل لنجاتنا وعن أسباب هذا التراجع الحضاري من أجل ردم الهوة الكبيرة التي باتت تفصلنا عن العالم المتقدم. وفي سياق البحث عن حلول جذرية تكاثرت المعالجات الفكرية، وهي تحاول رصد علل هذا الهوان وتجاوز العقبات، ولكن وللأسف الشديد، فإن كثيرا من تلك المقاربات زادت الطين بِلّة وأغارت من جروحنا الصدئة فقط.

فبين أصوليين إسلاميين وآخرين ليبراليين[2] نجد نمطين سائدين من الحلول يتسمان بجاهزيتهما وتبسيطهما لأساس المشكلة. كلا الفريقين يتفقان حول وجود مشكل عميق يشد هذه الأمة إلى الوراء، ويمنعها من إثبات وجودها بين الأمم اليوم، ويختلف الفريقان بعد اتفاقهم الأولي حول التنظير لهذه المشكلة ورصد أسبابها ووضع الحلول المقترحة بشأنها. فالإسلاميون ببساطة شديدة وبإصرار أكبر، يجادلون أن الأمة بحاجة ماسة إلى العودة إلى دينها القويم وعدم الإخلال به وبأدبياته قيد أنملة، وهم بهذا يضمنون انتشال الأمة من وعثاء تيهها بعد أن نسيت ربها، فأنساها نفسها وقذف بها في لجج الجنون. أما الليبراليون والحداثيون، فهم بمماثلة في البساطة واختلاف في المضمون يغامرون دون شعور بالخوف من خسارة ما، ويذهبون بضرب من المقامرة إلى استيراد حل العلمانية كدواء لأمراضنا الثقافية بعد أن تم تجربته في الغرب، وأثبت نجاعة كبيرة في علاج كثير من مشاكلهم المحتدمة. وليس بخاف مطلقا ما في هذا السلوك المعرفي من التجاهل المقصود للاختلافات الكبيرة بين علوم الإنسان المضطرة دوما إلى بعد التفسير ومثيلتها علوم الطبيعة المكتفية بالفهم إلى حد ما. وبمقارنة تنزع إلى منطق المشابهة المحضة بين أحداث بعينها في الثقافة العربية وأخرى تناظرها لدى الغرب، فإنهم أحلوا مفهوم العلمانية (كما تشكل في الغرب وبعلاته المعرفية التي كونته) المكانة نفسها في ثقاتهم العربية الإسلامية شديدة الاختلاف.

إنها لعنة التشابهات حين تقود منفردة الباحث إلى ساحات الحقيقة، فإذا بنا نجد أنفسنا داخل متاهات هرمسية "تنتقل من مدلول إلى آخر، ومن تشابه إلى آخر ومن رابط إلى آخر دون ضابط أو رقيب"[3] ومن هنا فنحن نحذر من التعامل مع النصوص المعرفية بسطحية تفتقر إلى تحليل إبستيمولوجي قادر على تحويل تلك الجمل اللغوية الصرفة إلى مناطيق معرفية تنتمي إلى تشكيلات خطابية مختلفة محكومة بـ"مجموعة من القواعد الموضوعية والتاريخية المعينة والمحددة دوما في الزمان والمكان"[4]، وهو الأمر الذي من شأنه معالجة الثقافة وفق رؤية تكاملية لا تقترف إثم الفصل المخل بين تشكيلاتها الخطابية المختلفة، فيتم معالجة نصوص تلك الحقول من دينية ونقدية وتاريخية ولغوية وفق خلفية رؤيوية واحدة. فما غمض في أحد تلك الحقول قد يفسره ويبينه نص آخر تشكل وفق وجهة نظر سردية مختلفة قادرة على إيضاح ذلك الغموض.

ونحن على ثقة تامة بأن إصلاحا كبيرا يجب أن يبدأ، لينتشل هذه الأمة من الضحالة التي وصلت إليها، وأن هذا الإصلاح لا يجب أن يقتصر على مجرد أفكار من قبيل العودة لكذا أو التمسك بكذا أو حتى ترك شيء والتخلي عنه! فليست العلمانية، كنموذج جاهز، هي العصا السحرية التي بمجرد توجيهها إلى الجسد العربي المشلول، فإنه سينهض وكأن شيئا لم يكن، وليست كما تصور أركون بأنها: (الوسيلة العظمى أمام المجتمع الإسلامي لتحقيق التقدم والحداثة)[5]؛ بل إن الإصلاح يجب أن يكون عملية إعادة للنظر كليا في المعارف التي تصدر منها الذات المسلمة وفقا لمقتضيات الحياة والواقع اليوم، يجب أن نكتب كل شيء من جديد بالجهد والدموع في عملية بعث كلي للتراث بعيون ليست غافلة عن خطوط وألوان لوحة العصر الجديد الذي نعيشه.

مع مفهوم المفهوم

إننا حين نحاول مقاربة مفهوم العلمانية وما الذي يعنيه ويحيل إليه، فعلينا أولا أن نبين الآلية التي نتعامل بها مع مفهوم المفهوم أساسا؛ فهل يوجد المفهوم بشكل مكتمل ونهائي في لحظة ما ومكان ما كما لو كان أمرا ألقت به الطبيعة بين أيدينا وغاية جهدنا تكمن في الكشف عنه والإمساك بجوهره الثاوي في أبعاده العميقة. أم إنه، وهو ما نتبناه، ليس شيئا سوى تاريخه الممتد وطبقاته المتراكمة بفعل العقول التي تعاورته بالنظر والاختبار. لهذه النظرة التاريخية القدرة على التخفيف من وطأة المصطلح وصرامته المتحكمة بالإنسان تحت مبرر موضوعية الوجود الإنساني، فصرامة نظرية إقليدس الرياضية كانت نموذجا وجد فيه فلاسفة الأنوار الفرنسيون غاية تبريرية للمستبد المستنير؛ وهكذا فإن كل صرامة ستنتج استبدادا بشكل أو بآخر. وقد عاد الأسلوب الصارم في فهم العلمانية علينا بأطروحات حدية تقف على الطرف النقيض تماما لحدية رجال الدين الذين واجهوا تلك الدعاوى بضراوة لا تقل عن مثيلتها لدى خصومهم.

ونجد مثل تلك الصرامة قد تبدت في العمل الكبير للأستاذ عادل ضاهر "الأسس الفلسفية للعلمانية"، والذي يعد أحد أفضل الأعمال الفكرية في هذا المجال، ففي سياق تفريقه بين معنى المفهوم التاريخي، وهو الجانب المتحول منه وبين معناه الثابت والجوهري أطلق على الثاني مسمى السمات الضرورية للمفهوم أو (النواة السيمانتية)، وهي تلك السمات المتخارجة عن إطار الزمان والمكان وغير الخاضعة للظروف التاريخية أو الثقافية، والتي ينبغي توظيفها في تأسيس المفهوم بشكل أساسي ونهائي، وقد كان لهذا التصور العام أثر كبير على مجمل الدراسة التي قام بها الأستاذ عادل ضاهر.[6]

الخلفية المعرفية للمفهوم

في البدء، لا بد من تأثيث الخلفية المعرفية الواسعة التي تبلور مصطلح العلمانية في رحابها وصار جزءا عضويا لا ينفصل عنها لما تمثله الخلفيات المعرفية من سياقات قرائية كبرى تساعد في تحيين قراءة ما لمفهوم بعينه وتحد من الطاقات التأويلية غير المحدودة أن تذهب بنا كل مذهب. ظهر مصطلح العلمانية في الغرب المسيحي كحل لإشكالياته المتكثرة التي تمثلت بصراع شديد بين الطوائف الدينية من جهة وبين بعض تلك الطوائف والسلطة السياسية في جهات مختلفة من أوروبا.

هناك مسلمة في العرف الفلسفي تشير إلى أن أقصر الطرق إلى الحقيقة هو أطولها، ولهذا يتعين علينا المضي أبعد من المسيحية ومن الفترة التي تشكلت فيها إلى تلك الفلسفة الأولى التي استمدت المسيحية منها بعض وجودها من خلال الجدال الكبير الذي استمر بينها وبين تلك الفلسفة القديمة "ولقد تعلم المسيحيون سريعا كيف يصبون لاهوتهم في قوالب فلسفية، والحق أنهم إنما تعلموا هذا الصنيع من الفلاسفة الوثنيين، الذين كانوا في أغلب الأحيان أساتذتهم"[7]، ومن ينظر إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى لا يخطئ تأثرها الكبير بالفلسفة اليونانية، حتى إن الدراسات الدينية انقسمت إلى قسمين كبيرين، جزء منها كان يقع تحت تأثير فلسفة أفلاطون المثالية، وخصوصا في بداية الفلسفة المسيحية والجزء الآخر تأثر بدراسات أرسطو الواقعية مقارنة بالرؤية الأفلاطونية؛ فمن رجالات التيار الأول أوغسطين، ومن رجالات التيار الثاني توما الإكويني.

هناك مسلمة في العرف الفلسفي تشير إلى أن أقصر الطرق إلى الحقيقة هو أطولها

لقد جاءت المسيحية بنموذج معرفي ديني يختلف في عمقه مع نموذج الفلسفة اليونانية التي سبقته؛ فالإله كان حجر الأساس والركيزة الأهم في مدار الخطاب الديني، بينما في الفلسفة كان اللوجوس في ذاته هو مدار البحث الذي يجب أن يفهم حتى الإله في إطاره. ولردم هذه الهوة العميقة بين نموذجين مختلفين كل الاختلاف ظهرت لنا أسماء كبيرة في العصور الوسطى أسست للفلسفة الدينية، وحاولت بجهد كبير أن تصقل أي نتوءات ممكنة جراء هذا الدمج الكبير بين الدين والفلسفة.

الفصل بين المقدس المتعالي والأرضي الإنساني هو سمة طبيعية في الثقافة اليونانية التي قدمت العقل المتجوهر دوما وأبدا في رتبة المعرفة الإنسانية؛ فالعقل عند أرسطو كما يقول الفارابي هو على أربعة أنحاء عقل بالقوة وعقل بالفعل وعقل مستفاد وعقل فعال[8]، وحين تحصل المعقولات في العقل بالقوة يصير عقلا بالفعل، ولا يكاد يكون هناك فرق بين المعقولات بالفعل والعقل بالفعل، فهي شيء واحد بعينه[9]. هذا المعنى المتعالي للعقل، والذي يجعله وجودا في ذاته له مهمة رصد ماهيات الأشياء حتى يكاد يكون هو وهذه الماهيات شيئا واحدا- ظل علامة بارزة في فهم العقلية اليونانية، وقد ترك آثاره العميقة في المسيحية التي فصلت بين (الإله/ الإنسان) كعنصرين لهما آثار من التحقق في الوجود، وظل التعامل مع العنصر الثاني في المعادلة كبنية تستمد قيمتها ومعناها من الأول العقلاني ذي الرتبة العليا في التصور المعرفي وقد: "واكب بزوغ اللاهوت العلماني رفض الفصل بين ما هو مقدس وما هو علماني أو بالأدق تكييف المقدس للعلماني بدعوى أن الله محايث وباطن في المجال الاقتصادي كما هو محايث وباطن في المجال الكنسي"[10]، فاللاهوت العلماني حاول أن يجعل من الكلي المتعالي مجرد قانون يستمد تحققه من الواقعي والجزئي.

تمدد هذا الفصل في المسيحية بشكل عميق، ليصل إلى الفصل بين مستويين معرفيين لكل منهما مخرجات محددة تتخللها اختلافات أساسية بسب تغاير مرجعيات كل مستوى منهما، الأمر الذي أوجد صراعا متجددا بدون إمكان قيام حل جذري لمثل تلك العلاقة المتوترة والمفتقدة إلى مبدأ التلاؤم. يتمثل المستوى الأول في المبدأ العقلي ذي النزعة المتعالية عن العالم المتغير، والمستوى الثاني هو المبدأ الواقعي المدرج في حدود الزمان والمكان؛ وبسهولة شديدة نستطيع رصد حضور هذه البنية في أشكال كنسية عديدة، سواء كانت على الصعيد المعرفي والعقائدي أو على الصعيد الوظيفي المناط برجال الكنيسة والرتب المختلفة لهم. فمن جهة، هناك رجال الدين الذين تفرغوا لخدمة الرب، وظلت أعمالهم محصورة داخل جدران الكنسية، ويمثلون الرتبة الأعلى في المنظومة الكنسية ويعرفون بالإكليروس، ويقابل الإكليروس العلمانيون، وهم في الأساس رجال الدين العاملين في المجال الدنيوي، والذين يتقلدون مهاما خاصة تستدعي الاحتكاك المستمر بالعامة والرعية[11]. وفي الفرنسية نجد أن مصطلح العلمانية "laicité" اشتق من أصل يوناني، ويعني شعب أو عامة والمقصود به كل من لا ينتمي إلى الدين[12]، وهذا لا يعني بأن العلمانية في الاستعمال الفرنسي فكرة شعبوية عامة في مقابل النخبوي، ولكن هي استعارة لما هو متغير ومتحول وواقعي في الجانب الشعبي والعام المعيش بعيدا عن معايير الكنيسة الدينية الغارقة في ثبات مكين.

وعلى الصعيد المؤسسي للكنيسة، تظهر هذه البنية المتعالية في شكل الدعوى التي حافظت عليها الكنيسة الكاثوليكية جاهدة: (كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية)[13] بدون الاعتراف بأية إمكانية للتعددية الدينية المذهبية خارج إطار الكاثوليكية، وهذا بسبب الواحدية الأصيلة في بنية الرؤية العقلية المثالية التي تحد من التغير الناتج عن النظر في الأشياء وفق سياقات تحققها في الواقع، ذلك الواقع الذي حمل الإمام الشافعي على إعادة كثير مما كتبه في العراق حين رحل إلى مصر بسبب تغير المكان والظروف التي تحيط به من عادات وطرائق للتفكير وأساليب للحياة، وقد كان البيهقي في كتابه مناقب الشافعي يقسم ما كتبه الشافعي إلى قسمين: كتب كُتبت في القديم، وهي أكثر كتبه وأخرى أعاد تصنيفها في الجديد[14]، وهو دليل كبير على صدور العلماء المسلمين في تشريعاتهم من واقعهم المعيش كأساس للمنهجية التي انتهجوها، وهم في صدد تأسيس العلوم الإسلامية "فهي شريعة منطقية، لا تفرق بين متماثلين، ولا تسوي بين مختلفين، ولهذا كان "القياس" أصلا من أصولها المعتبرة لدى جمهرة الفقهاء المسلمين، ولهذا قال أحد من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به)".[15]

المصطلح وعلاقته بالثقافة الإسلامية

إن مصطلح العلمانية باشتقاقه اللغوي من اللفظ اللاتيني "saeculum" يعني أن العالم متزمن بالزمان؛ أي أن له تاريخا وأن التغير بهذا المعنى حادث للعالم وليس حادثا فيه فقط[16]، وهو ما كان يمثل مشكلة رئيسة في الفلسفة اليونانية ووريثتها العقيدة المسيحية التي وقعت تحت إسار العقل الكلي ومنطق الضرورة المترفع عن الزمان والمكان معا. إن مفهوم الحق الطبيعي في التصور اليوناني قد تم تبنيه من التقليد المسيحي (ويقوم هذا التصور على أن الحق الطبيعي هو المعايير التي تطابق ماهيات وجواهر الأشياء، وبالتالي فإنه يصدر عن الحالة الطبيعية الأصلية للإنسان التي هي الحالة التي تجسد جوهره الخلقي العقلي باستقلال عن أي تواضعات اجتماعية)[17]، فالماهيات تسبق المجتمع بله أن تتأثر بأي تواضعات فيه، وتسبق الوجود المادي كله فهي تصور معرفي لا يخضع للزمان ولا لتراتبيته الخطية بقدر ما يكون خضوعها للمنطق الصوري وطرائق استدلال المقدمات. إن الزمن في هذه الحالة مجرد مظهر على حد تعبير والتر ستيس؛ فالله وهو الصورة المطلقة والمحضة وليس علة العالم التي تسبقه في الزمان ولكن تسبقه في الرتبة فقط الأمر الذي يجعل من إمكان استنتاج تفسير للعالم بواسطة الإله أمرا ممكنا.[18] وبالنظر إلى هذه النسقية، نجد مبدأ الفصل[19] بين العالم والإله الذي يقبع خارج العالم كلية: يتفاعل أكثر في المنظومة العربية التي جعلت الإله كائنا لا مثيل له وخالقا مطلقا سبق هذا العالم بما شاء من السنين، واختار بإرادته الحرة أن يخلق العالم في لحظة ما وهو ما يجعل تفسير العالم بالإله أمرا مستحيلا.

إن مصطلح العلمانية باشتقاقه اللغوي من اللفظ اللاتيني يعني أن العالم متزمن بالزمان؛ أي أن له تاريخا وأن التغير بهذا المعنى حادث للعالم وليس حادثا فيه فقط

ومن المسلمات التي لا غبار عليها في الخطاب الديني الإسلامي، هو أن كل شيء سوى الله حادث؛ أي زمني، ووحده الإله هو القديم الذي يسبق الزمان والمكان، الأمر الذي يجعل اشتراك الإنسان والرب في بعض الصفا ت من قبيل الاشتراك الاسمي فقط فـ"كون القديم تعالى حيا في حكم المخالفة لكون الواحد منا حيا، وكذلك كونه عالما. ثم ساوى كونه عالما، كون الواحد منا عالما، في أنه مشروط بكونه حيا"[20]؛ فالمساواة في النسبة فقط لا في جوهر الصفة الطبيعية للإنسان، فعلمنا علم مختلف عن علم الله المطلق ولكن شرطه بالحياة واحد في الإنسان والرب. وبالنسبة إلى الماهيات، فإن جمهور المسلمين على أن لا وجود للماهيات في الخارج بشكل مستقل، وإنما كل ما هنالك قوانين فكرية وماهية تصورية في العقل الإنساني عن الأشياء. الأمر الذي يجعل من أسبقية الماهية على الواقعي والزمني متعذرة للغاية، ولهذا نجد الشهرستاني مثلا قد احتفظ بمفهوم الوجود المتعلق بالأعيان، لأنه الأساس الذي شكل مفهوم الوجود الذهني[21] وما اعتبره الدكتور أحمد العلمي، في بحثه الشيق عن نظرية الحال[22] عند الأشاعرة، من أن الشهرستاني فشل بالظفر بحل أصيل لهذا الإشكال الذي أثارته نظرية الأحوال، إذ اقتصرت على الجانب الطبيعي من الوجود لديه ولم تتجاوز ذلك إلى الجانب اللاهوتي[23]، نراه أصلا معرفيا راعاه الشهرستاني باستثناء القديم دوما من منطق المحدثات من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هذا الوجود الذهني يبقى مجرد اعتبار، إذ إنه لم يرتبط بماهيات لها وجود عياني وليس متصلا نظريا على الأقل بالجانب اللاهوتي الذي قد يضمن له ثباته المطلق.

وما خلص إليه الدكتور مراد وهبة من تعريف للعلمانية بعد تحليله للمسار التاريخي لها بأنها: (التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق)[24] – ليس بالأمر الغريب عن المنظومة الدينية الإسلامية التي لم تصدر عن المطلق في ذاته، ولم تتعامل مع مفهوم المطلق كجزء من هذا الوجود ومفصول عنه في الوقت ذاته. فالإله في التصور الإسلامي مطلق بشكل كلي، ولكنه من جهة أخرى {ليس كمثله شيء}[25] وهو مبدأ يفصل إبستيميا بين الإله الماورائي والإنسان المتسم بالمزايلة والتغير، ويمنع من تداخل الغيبي بالواقعي والصوري المطلق بالمادي المعيش من خلال هذا الفصل الحاد في الرؤية المعرفية بين كمال الإله والنقص الإنساني، أحدهما يقبع خارج العالم والآخر داخل العالم. ومن هنا، فإن كثيرا من تصورات الفلاسفة المسلمين عن المطلق، والتي تجسدت في نظرية الفيض التي تناوب في صياغتها الفارابي وابن سينا بتأثر كبير بالأفلوطينية، قد واجهت رفضا قاطعا من جميع الفرق الإسلامية معتزلة وأشاعرة وزيدية وسلفيين، ووجدت تلك النظرية لدى الإسماعيلية ومتأخري الاثني عشرية مكانة كبيرة لأسباب تتعلق بتساوقها مع كثير من تصوراتهما المتعلقة بالإمام المعصوم وكونه ضامنا لاستمرار الاتصال بين الإله والإنسان، والذي يقترب كثيرا مع بعض الرؤى الكاثوليكية المتشددة. كما نجد ذلك التواصل في المسيحية، فهم: (يؤمنون باستمرارية الوحي إلى يومنا هذا إذ لم ينقطع الوحي عندهم؛ لأن الكهان واللاهوتيين إذا امتلأوا بالروح القدس كان نطقهم وحيا من الله، وكان كلامهم كلاما من الله جرى على لسانهم)[26].

العلمانية والدين

يظن البعض بأن العلمانية يجب أن تكون مفهوما يناقض الدين كلية، ويحارب جميع الرؤى التي تناسلت منه، أو على الأقل هذا ما تؤول إليه كثير من الدراسات التي عالجت مشكل العلمانية من منطق الدفاع عن الإسلام وقيمه الكونية؛ فالقرضاوي يشير بطريقة غريبة جدا إلى محاولة العلمانيين أن يجعلوا العلمانية مرادفة للعلم، ليحققوا بذلك مكاسب أيديولوجية على صعيد العامة، ثم يفسر بطريقة المنقذ الفرق بين العلمانية والعلم ويوجب العمل بالعلم وينفي العلمانية وإمكان العمل بها[27]، ويرى القرضاوي أن الدفاع عن العلمانية يستلزم المعاداة الصريحة للشريعة الإسلامية[28]. وقد تجاهل أصحاب هذا الطرح كون العلمانية والدين ليسا ثابتين في صورة واحدة أو متجوهرين لا يطالهما مزاج التاريخ المتقلب.

ومما ينفي هذا التصور عن التعارض الكلي بين العلمانية والدين في عمومهما ما نجده عند هارفي كوكس في كتابه المدينة العلمانية، إذ يحدد نشأة الإنسان العلماني بظهور الدين اليهودي، حيث انفصلت الطبيعة عن الله والطبيعة عن الإنسان، ومن ثم انتفت الرؤية السحرية للطبيعة كما لو كانت آلهة[29]. في هذه الرؤية العميقة لمفهوم العلمانية، نجد أن الدين كان هو المساهم في ظهور العلمانية، وأن العلماني في أساسه ليس نقيضا لما هو ديني بقدر ما هو نقيض لما هو متعالي عن الواقع والإنسان. وليس من شروط الديني اللازمة مفهوم التعالي مطلقا، وإنما تختلف درجة التعالي من دين إلى آخر؛ فالبروتستانتي وعالم الاجتماع الكبير ماكس فيبر: (لم يحدد الدين على الإطلاق بأنه لا عقلاني، بل شدد بقوة على عقلانية المنطق في الأعمال التي تناولتها الأديان)[30]. ومن هذا المنطلق، لسنا في صدد الترويج لدين مثالي كلي الوجود نعيد إليه باستمرار جميع الديانات التي خبرناها من خلال مبدأ التحقق الواقعي، فهناك سلم متدرج من الخصائص التي يتميز بها دين عن آخر، وتتواجد في طائفة دون أخرى، وعليه فإن تلك الفروق يجب أن تؤخذ في الحسبان في عملية البحث العلمي.

في الأسطر التالية، نودّ التركيز على الفوارق الرئيسة بين الكاثوليك والبروتستانت كطائفتين دينيتين مسيحيتين، وبيان علاقة كل طرف منهما بالعلمانية وأطروحاتها ومدى التنافر أو التلاؤم معها، لأن ما هو ثابت أن العلمانية لا تدخل مع الأديان في علاقة من حيث هي أديان، وإنما تتحدد العلاقة بين العلمانية وأي دين كان من خلال ما تتضمنه تلك الأديان من خصائص ونزعات استعلائية أو واقعية.

نادى المصلح البروتستانتي مارتن لوثر بهدم ثلاثة أسوار ظلت تحيط بالكنيسة الكاثوليكية، إذا أريد للإصلاح الديني أن يبزغ، السور الأول يتعلق بالسلطة الدينية للكنيسة الكاثوليكية وتحكمها بما هو علماني وأرضي، والسور الثاني هو قسر تأويل الكتاب المقدس على الكنيسة بدون إعطاء حق التأويل لأي كان من خارج المؤسسة، وثالث تلك الأسوار هو ادعاء العصمة للبابا، وهو الأمر الذي يتنافى كليا مع الديمقراطية والمساواة بين البشر جميعا[31]. إن تلك المطالب التي ناضل لوثر من أجل تحقيقها ليست سوى مطالب علمانية بلا أدنى مجال للشك، فمحاربة سلطة الكنيسة كانت الدعوى الأساسية للعلمانية، إذ تستحوذ الكنيسة على صلاحيات الدولة، وتعوقها عن إتمام أعمالها بكل حرية، بالرغم من عدم خبرة الكنيسة بكثير من تلك الأعمال وعدم اقتدارها على التعامل معها، وأما ما أثير حول رفض فكرة العصمة البابوية، فهو من صميم ما تنادي به العلمانية من المساواة الكاملة بين الناس جميعا وخضوعهم كلية إلى قانون الدولة ودستورها. يظهر جليا الفرق الكبير بين الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية، إذ كانت البروتستانتية مساهمة في دفع عجلة العلمنة في المجتمعات في الوقت الذي ظلت فيه الكنيسة الكاثوليكية حجر عثرة في طريق الإصلاح.[32]

اختبر عالم الاجتماعي الفرنسي أليكسي دو توكفيل نماذج دينية مختلفة في أماكن مختلفة توزعت بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكان مسكونا بهاجس التوفيق بين الدين والمطالبات الحقوقية الحديثة في عالم اليوم من ديمقراطية وبناء نموذج الدولة السياسية، وبالنسبة إلى العقيدة الكاثوليكية، فقد كان توكفيل شديد التفاؤل بإمكان انفتاحها على روح الحرية والديمقراطية، وكان يصر على أن العقيدة الكاثوليكية تدفع باتجاه حرية البشر جميعا وتدعو إلى المساواة التامة بينهم في حال استثنينا رجل الدين الذي هو فوق باقي المؤمنين، ويشبه الكاثوليكية بالنظم الملكية التي ما إن تستبعد منها الأمير ستجدها أكثر حرية من النظم الجمهورية![33]

وهذا التصور من توكفيل كان في منتهى الغرابة حقا وواضح أن الأهداف النبيلة التي كان يحملها قد جعلته يتخفف قليلا من عبء الصرامة العلمية التي لا تخدمه هنا، فلو أن مثل هذا الطرح يصح لسقط من أساسه مبدأ التكذيب المنطقي، والذي جعله كارل بوبر أساسا لمنهجه العلمي في ما بعد، لأن التكذيب هو الإمكان الوحيد للعلم على عكس منطق الإثبات، وحين نتجاهل معطى لتكذيب تصور ما، فإننا بهذا أزلنا المعيار الأساسي الذي يستند إليه مبدأ التكذيب ويكتسب من خلاله رجاحة إمكان منطقية. وبعد كل تلك المحاولات شبه اليائسة من جانب توكفيل للتوفيق بين روح الدين وروح الحريات تظهر خيبة أمل كبيرة في خطاب لتوكفيل في 1845 يرى فيه صعوبة تبني الكاثوليكية رؤى ومعتقدات المجتمع الجديد؛ فالتنظيم العقدي الكاثوليكي يحمل في داخله بذور التنافر مع الحرية والديمقراطية التي يدعو إليها المجتمع الجديد، ولا شيء أسوأ من فكرة العصمة البابوية التي ظلت الكنيسة تدافع عنها وتعقد الندوات للمجادلة حول حجيتها! وقد شارك توكفيل في أحد تلك الندوات معارضا لهذا الطرح الكارثي عام 1945 وكانت لهجته في رده على كاردينال مدينة ليون لهجة حادة يملأها الغضب.[34]

في الجهة المقابلة للكاثوليكية، كانت ردة فعل توكفيل مختلفة تماما، يقول توكفيل: "عند وصولي إلى الولايات المتحدة، كان العامل الديني في هذه البلاد هو الذي لفت انتباهي بقوة منذ البداية... لقد رأيت روح الدين وروح الحرية عندنا في أوروبا تسيران دائما في اتجاهين متعارضين تقريبا. أما هنا، فلقد رأيتهما متحدتين في حميمية الواحدة مع الأخرى: إنهما تتربعان معا على عرض الأرض نفسها"[35]، هذا التناغم الكبير بين الحرية والدين في المجتمع الأمريكي كان صادما جدا لتوكفيل القادم من فرنسا، حيث الصراع على أوجه بين الدين والحرية حتى على الصعيد الشعبوي العام. لقد كانت الحرية الدينية هي العامل الأساسي الفاعل في الحرية السياسية في الولايات المتحدة.[36] وبلغة واضحة، يصرح توكفيل بأن البروتستانتية: "لم تكن مجرد مذهب ديني فقط، لقد انصهرت في العديد من المواقف مع النظريات الديمقراطية، والجمهورية الأكثر مثالية".[37] وبالنسبة إلى الوضع في المملكة المتحدة، فإن البريطانيين لم يكونوا بحاجة إلى مشروع تنويري كالذي شهدته فرنسا، لقد كانت العلاقة بين السياسي والديني جيدة والتسامح بينهما كبيرا بسبب فكر الإنجليكانيين السائد وقتها.[38]

بين البروتستانتية والإسلام

هناك تشابه كبير بين معتقدات الطائفة البروتستانتية والمعتقدات الإسلامية في جوانب كثيرة جدا، الأمر الذي حدا ببعض الباحثين في المجال العقدي إلى تبني وجهة نظر تقول بتأثر مباشر للبروتستانت بتعاليم الدين الإسلامي، الأمر الذي انعكس في جوانب كثيرة من العقيدة البروتستانتية كرفض البابوية وعصمة البابا في الكنيسة الكاثوليكية؛ كما سعت البروتستانتية جاهدة إلى استبدال النص الإنجيلي بالكنيسة، فبالرغم من كون الكتاب المقدس هو أحد مصادر المعرفة عند الكاثوليك، إلا أنه كان الأقل أهمية بين مصادر المعرفة الأخرى، وهي التقليد الرسولي والعقل[39]. إن هذا النزوع إلى النصية عند البروتستانت والتخلص من كهنوت الكنيسة ومعقولاتها الأولية يشبه إلى حد كبير النزعة اللغوية الأساسية في الإسلام، إذ إن القرآن هو المصدر الأول للتشريع بإجماع المسلمين، كما إن علم اللاهوت في الإسلام عرف بعلم الكلام تأييدا لمكانة الكلام واللغة في البنية المعرفية العربية. وفي تشابه آخر حطم البروتستانت التماثيل التي كانت رائجة داخل الكنائس الكاثوليكية وحرموا كذلك صور الأحياء، الأمر الذي حدا ببعض الباحثين العرب إلى القول بتأثر مباشر وواضح للبروتستانت بالمسلمين وعقيدتهم، ومن أهم أمثلة أولئك الباحثين أمين الخولي الذي حاول جاهدا تبرير كل ظاهرة من تلك الظواهر على حدة، لإيمانه المسبق بكل تأكيد بأن البروتستانتية، إنما كانت حركة إصلاح متأثرة بالإسلام وتعاليمه التي انعكست في المطالب الكبرى لتلك الحركة الإصلاحية.

ومن الأمثلة الموغلة في التعقيد والتحكم لبيان الطرق التي تسربت بها العقيدة الإسلامية إلى البروتستانت ما حكاه أمين الخولي عن رفض مارتن لوثر لسلطة الكنيسة الكاثوليكية بسبب قراءته الكبيرة للفيلسوف الاسمي أوكام الذي كان يناهض وبشدة تلك السلطة الكنسية، وكان أوكام من جهته أحد أكبر المعجبين بالرشدية في أوروبا![40]. فليس بخاف حجم هذا التحكم في البيان السالف، والذي يعكس مدى تورط الخولي في تفصيل تلك الطرق على جسد جاهز مسبقا في إطار إيمانه الأولي بفكرة الأثر والتأثير. وعلى الطريقة ذاتها سارت أطروحة الماجستير للباحث وجيه زكريا عمران، وهي بعنوان: "الحركة البروتستانتية وأثرها على النصرانية ومدى تأثرها بالإسلام"، وعنوان الرسالة صريح إلى حد الفجاجة بتبني موقف المدرسة الفرنسية في دراسة الأثر والتأثير دون إيلاء المحيط العام والوظائف الفكرية للمنطوقات المعرفية؛ أيّ دور يذكر في الدرس والنظر. وأشار وجيه زكريا إلى تأثر جون كالفن بالمسلمين عن طريق الأثر الجغرافي المتمثل في مدينة نويون المكان الذي ولد فيه المصلح البروتستانتي جون كالفن، ومدينة نويون كانت عرضة للغزوات المستمرة من جيوش المسلمين نظرا لموقعها الجغرافي وبالتالي، فإن كالفن قد تأثر بالأفكار التي غرسها المسلمون في نفوس الناس هناك![41]

من الواضح سلبية منطق الأثر والتأثر الذي يختزل التصورات الممكنة معرفيا إلى مجرد تأثر فج وسطحي يخفي نزعة استعلائية ومركزية في أي بحث يقارب المسائل وفق آلياته وإجراءاته. لهذا، فإن ما نحاول أن نبينه هنا هو أن النموذجين الدينيين الفائتين (إسلامي/ بروتستانتي) هما في الأصل نموذجان يتخللهما نظامان معرفيان متقاربان للغاية، يصدران في الأساس من الواقع المعيش دون خلطه بعقلانية جاهزة وناجزة تسبق التحقق المادي للوجود عامة.

إن التقريب بين البروتستانت والإسلام على أساس من المنطق العميق لعمل كل منهما والتفريق بين الكاثوليكية وبينهما من أجل بيان التقارب بين البروتستانتية والتصور العلماني، ليس بالأمر المسلم به دائما عند الجميع. فعالم الاجتماع الأمريكي ستاثيس كاليفاس يقول: "لا يبدو أن الدافع وراء السلوك السياسي المتباين لدى كل من الكاثوليك والبروتسانت هو دافع ثقافي بحت؛ فالدليل على ذلك أنهم عندما واجهوا التحديات الخاصة بالتشريعات المناهضة للإكليروس، جاء رد فعل البروتستانت في هولندا مشابها لرد فعل الكاثوليك".[42] إننا متفقون تماما مع كاليفاس من حيث إن الدافع الثقافي بالتأكيد ليس هو من يصنع شكل العلاقة بين الدين والدولة مطلقا، لأنه برأينا لا يوجد أنبوب نيوتن الخالي من الهواء تماما "حيث تصح معادلات سقوط الأجسام فيه تجريبيا" إلا في المختبرات العلمية وليس في الواقع المعيش.

للواقع المعيش قوانينه وعناصره المؤثرة على سير المعادلة دائما، وبالرغم من هذا تبقى طبيعة المنظومة البروتستانتية منظومة إصلاحية جاءت للتوافق مع معطيات العصر الحاضر وخارجة على ممارسات الكنيسة المتجاوزة لسقف الممكن والمحتمل. وفي النماذج التي واجهت البروتستانتية فيها مقاربات العلمنة كما حدث في هولندا في مثال كاليفاس، فإن مصادمتها للعلمنة تختلف اختلافا جذريا عن مثيلتها لدى الكاثوليك، ففي حين تحتاج الكنيسة الكاثوليكية لبتر عضو من أعضائها كي تنخرط في عملية إصلاح علمانية في المجتمع، فإن البروتستانتية تكتفي بالتنازل عن بعض ممتلكاتها للمشاركة في علمنة الدولة.

الفصل بين الدين والسياسة

يصر كثير من الإسلاميين أن العلمانية مفهوم له إرهاصات ومقدمات في الكتاب المقدس عند المسيحيين، وفي التراث الفلسفي القديم الذي أفادت المسيحية منه أيما فائدة، وأن القوم حين يتبنون إجراء الفصل بين الديني والسياسي لحل الكثير من مشاكلهم، فإنهم يتواصلون بطريقة تراكمية مع إنجيلهم ومرجعياتهم الفكرية. يقول القرضاوي: "إن المسيحية- نفسها- تحتوي من النصوص ما يؤيد فكرة العلمانية، أي الفصل بين الدين والدولة، أو بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية"[43]، وهو بهذا يشير بالطبع إلى العبارة الشهيرة في الإنجيل، والتي جاءت على لسان المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"[44]، ولا ندري كيف يؤيد هذا النص فكرة العلمانية بذاتها كما يصرح بذلك، وواضح أن النص إنما يؤيد التمايز بين سلطتين دينية من جهة وأخرى دنيوية متمثلة بالقيصر، و"العلمانية هي موقف من هذا التمايز لا التمايز ذاته"[45]، وهو موقف تم تبنيه تحت ظل بردايغم جديد ومختلف جدا في الثقافة المسيحية لمعالجة وضع الكنيسة والدولة في إطار المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الحياة هناك. ويتبنى المفكر الإسلامي محمد عمارة المحاججة ذاتها حذو القذة بالقذة، ويضيف إلى دور التصور المسيحي، لعلاقة الدين بالدولة، في قبول العلمانية واحتضانها في الغرب، مساهمة التراث الروماني ذي البعد المنفعي في التحرر من الأخلاق الدينية![46]

يصر كثير من الإسلاميين أن العلمانية مفهوم له إرهاصات ومقدمات في الكتاب المقدس عند المسيحيين، وفي التراث الفلسفي القديم

وليس بخفي عن عين المتوسم المضمون الإبستمولوجي التواصلي في تلك المقاربة الفائتة التي تتكئ على عناصر الثبات وتميل إليه مع تهميش وإهمال عناصر التحول التاريخية بطريقة لا واعية أثناء الانهماك في التنظير العلمي للمسألة، وتفترض هذه المعالجة أيضا "تمازجا بين نص الإنجيل وواقع الحياة المسيحية، تماما كما يطيب للبعض افتراض التطابق بين تاريخ الإسلام ونصوصه"[47]. فالعلمانية في منطق المحاججة تلك ليست شكلا من أشكال التجدد المعرفي الذي أراد أصحابه التواصل مع الحداثة والتناغم مع معطيات الحياة الجديدة بقدر ما هي فكرة بعينها يؤيدها الكتاب المقدس والتراث الروماني. ويبلغ هذا الفعل مداه وتظهر سوءاته بالفعل حين يبالغ محمد عمارة بصناعة أمثلة جديدة تضاف إلى رصيد المحاججة تلك مقترفا خطأ إبستمولوجيا كبيرا صرفه عن الإحساس به انشغاله بالتنسيق المنطقي لمحاججته تنسيقا خارجيا تبدو معه متلائمة وصلبة، وبالتالي تحقق درجة عالية من الإقناع في حرب جدلية غايتها تحقيق انتصار أيديولوجي بحت. هذه المرة يحاول عمارة أن يؤسس للعلمانية بما هي نظرة الإنسان الدنيوية لعالمه المعيش من خلال تصورات أرسطو الفلسفية بخصوص الإله المفارق لهذا العالم المكتفي بالأسباب والمسببات المودعة فيه فلا يحتاج هذا العالم إلى أي تدخل من قبل الإله[48].

نشأت المسيحية الكاثوليكية كما بينا آنفا في حرم الفلسفة اليونانية ونمت وتطورت بالحوار المستمر معها، وكانت المطالب العلمانية في الأساس تمثل خروجا على الفلسفة اليونانية الأرسطية والكنيسة الكاثوليكية في آن. ولا أعلم كيف تجاهل عمارة بأن عملية دحض أرسطو في التفكير الغربي كانت جزءا من تاريخ مفهوم العلمانية كمواجهة مباشرة مع الكنيسة الأوروبية، فأرسطو مثَل العتبة التي كان يعني تجاوزها نقل المعركة داخل القلعة الكنسية ذاتها، ومن هنا فقد استماتت الكنيسة في الدفاع عن أرسطو بطريقة تبعث على الغثيان فعلا. ففلاسفة أمثال بيكون ولوك وهوبز وهيوم في الجانب التجريبي شيدوا خطابا فلسفيا مغايرا تماما لسابقه الأرسطي. والأدهى من ذلك، فإن فلاسفة محسوبين على التيار المثالي فعلوا الأمر نفسه، من خلال إعادة النظر في الميتافيزيقا الأرسطية عموما بالتوازي مع ما حققه الخطاب العلمي مع كوبرنيكوس وجاليليو في تلك الفترة. ولا ننسى ذلك العنت الشديد الذي لقيه سبينوزا جراء نقده لأرسطو الأمر الذي تسبب بمحاولة صريحة لاغتياله من قبل أحد المتطرفين الدينيين، ولكنه نجا من تلك المحاولة. كما تذكر لنا كتب التاريخ الفلسفي توصل ليبنتز فيلسوف الموناد ومبدأ السبب الكافي إلى معادلات منطقية تدحض ما قدمه أرسطو، ولكنه آثر الاحتفاظ بها لنفسه لمعرفته التامة بما سيترتب على إفشائها من أحداث مريرة سيواجهها حتما.

لم تكن العلمانية في تاريخها مجرد فصل محض بين الدين والدولة على جميع الأصعدة وبدون تحديد معين لمجال الفصل المقصود، ففصل الدين عن الدولة هو فصل تم بينهما من جهة السلطة التنفيذية التي ظلت الكنيسة الكاثوليكية تشارك الدولة فيها كمؤسسة، إذ مثلت الكنيسة دولة بإزاء الدولة، لها ممتلكاتها الكبيرة[49] ونفوذها غير المحدود إلى الدرجة التي جعلت الناس يرسلون أبناءهم إلى المدارس الكنسية القادرة على ضمان ترقيات سريعة لهم في سلم وظائف الدولة. وهذا بالضبط ما يعنيه كارل شميت حين قال: "إن العلمانية لا تعني في الحقيقة الفصل بين الدين والدولة، وإنما تحويل المفاهيم اللاهوتية إلى مقولات سياسية إجرائية، حيث يتحول الحاكم السيد إلى الإله المطلق. فالمقاييس المحايثة لا تتناقض ضرورة مع القيم الدينية المتعالية، بل هي ترجمة لها في النسق السياسي المعاصر"[50] وفي حديث شميت نقطتان مهمتان تتعلق الأولى بنزع السلطة من الكنيسة والثانية بإعادة إدراج المسيحية في الواقع المعيش، وإنزال القيم المتعالية إلى العالم السفلي الذي ظل يدعى في المخيال الفلسفي الغربي "عالم الفساد".

وهذا الفصل على صعيد السلطة التنفيذية، يعود بالخير الكثير للدين نفسه من حيث إعادته إلى وضعه الطبيعي في عالم الفكر والنظر والبحث، ليعود مؤثرا في حياة الناس من خلال سلطته المعرفية لا من خلال تسلطه القمعي البحت. ومن هنا، نجد في العلمانية معنى مهما في نقل الخطاب الديني من أفق السلطة التنفيذية القامعة إلى السلطة المعرفية التي تصدر من إرادة الناس وواقعهم وأحلامهم. فيعود الدين مشاركا في الحياة السياسية أيضا، ولكن من جهة كونه ناصحا ومرشدا وخطابا صادرا من مجموعة من العلماء الذين يتقصدون الحقيقة والخير أينما كانا. وفي هذا السياق يقول يرغن نيلسون: "في بريطانيا لا يوجد فصل بين الدين والسياسة أبدا. وأنا أذكر أنه في انتخابات عام 1987 أصدرت الكنيسة الكاثوليكية وثيقة مهمة جدا تتضمن مشروعا عن العدالة الاجتماعية. وقد كان صدورها خلال الانتخابات يعتبر تدخلا للدين في السياسة"[51] ولكنه بكل تأكيد ليس إحلالا للديني محل السياسي من خلال تدخل سلطة تنفيذية تجاري السياسي وتحد من إمكاناته. أما ما ذكره القرضاوي من أنه "ليس في الإسلام فصل بين ما هو ديني وما هو سياسي. والدين عندنا سياسة، والسياسة دين، ولم يعرف المسلمون هذا الفصام النكد"[52] فهو صحيح من جهة أن الإسلام لم يمثل سلطة تنفيذية مطلقا، لكي تنشأ معه حاجة إلى الفصل بينه وبين السياسي، ولكنه كارثي من جهة أخرى إذا أريد به دمج الإسلام في السياسة وسواها دمجا قسريا يجعل من الدين قوة متحكمة في أصول الخطابات الأخرى.

في كل ثقافة تتموقع الخطابات المختلفة بطرق تراتبية من الأهم إلى الأقل أهمية، ولا يشك شاك أبدا في أن الخطاب الديني في ثقافتنا العربية هو الخطاب ذو المكانة العليا بين جميع الخطابات المعرفية الأخرى، وأن كثيرا من الذين تسحرهم السلطة ببريقها ويفقدهم النفوذ صوابهم واتزانهم يجدون في الدين السلاح الأهم من أجل بسط السيطرة على العامة والتحكم بهم. كل تلك المكانة للدين كمنظومة معرفية في المخيال العربي دفع كثيرا من الباحثين بدون تريث إلى البحث عن أسباب النكوص الكبير للأمة داخل هذه المنظومة المحدودة بعينها، وغدا الدين الشماعة الأساسية التي نعلق عليها فشلنا المستمر وآلامنا المتراكمة. ونريد هنا أن نشدد على فكرة في منتهى الأهمية، حيث إن أهمية الخطاب الديني في ثقافتنا لا تنبع من ذاتية الخطاب الديني كما هو الحال مثلا مع نموذج الفلسفة اليونانية، وكل ما هنالك إجرائيته وتداوله بين العامة، حيث يملك الدين لمعتنقيه حق ضمان الجنة في الآخرة والهدوء والسكينة في الدنيا؛ ولا علاقة لذلك مطلقا بأهمية إبستمية معرفية تفرض نفسها على الخطابات الأخرى كحال الفلسفة اليونانية التي ظلت ترفد جميع الحقول المعرفية المغايرة بمعيار الحقيقة وتمثلها.

لقد تأسست الحقول المعرفية داخل الثقافة العربية بطرائق علمية بحتة، لكل علم أدواته وطرائقه وصناعته الخاصة، ولم يسيطر نظام محدد لخطاب ما على الخطابات الأخرى، بل إن المتتبع للصناعات المختلفة عند العرب سيجد شكلا من أشكال الانعتاق والحرية التي لا يتحرج معها أصحابها من معارضة بعض المسائل الدينية ذاتها حين تصطدم مع معطيات صناعتهم الخاصة، وهو الأمر الذي سبب بعض الجفاء بين النحويين والقراء في فترة ما على سبيل المثال؛ وفي تأصيل لهذه النظرة الجذرية في الثقافة العربية يقول الجمحي في طبقاته: (وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات: منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان)[53]. ففكرة الصناعات هي في أساسها فصل واضح بين الخطابات المختلفة، والتي يختص كل منها بخصائص لا يميزها ولا يضطلع بأسرارها إلا المتخصصون وأهل العلم نفسه. هذا الفصل المعرفي في بنية الثقافة هو ما يهمنا التركيز عليه هنا، فهو أساس مهم لفهم جانب من جوانب النظرية المعرفية في الثقافة العربية، والتي تميزها تمييزا كليا عن مثيلتها اليونانية أو سليلتها الثقافة الرومانية. ونتوقف هنا عند قراءة جون والبيردج للمناظرة التاريخية بين النحوي أبي سعيد السيرافي والمنطقي متى بن يونس، إذ لخص جون والبيردج وجهة نظر أبي سعيد السيرافي في وجهين اثنين؛ كان أولهما: أن المنطق اليوناني يتعلق بنحو ولغة اليونان نفسها، والوجه الثاني: "أنه على التحقيق ليس هناك قوانين كونية للتفكير ذات جدوى. ولكي يفكر المرء تفكيرا صحيحا، فعليه أن يتعلم مبادئ كل علم من العلوم على حدة".[54]

هذا شكل عميق من أشكال الفصل الجاهز في الثقافة الإسلامية، والذي سيجعل من عملية المناداة بعلمانية ما في داخل المنظومة الإسلامية غير مكلفة إطلاقا، لأن الثقافة الإسلامية تضمن مثل ذلك الفصل الإبستمولوجي على الصعيد الواقعي، حيث يمكن للباحث اللبيب تغيير زوايا النظر المعتاد إلى علاقة السياسة بالدين في الإسلام، والتي ظلت أسيرة لممارسات ذات منحى منفعي بحت من قبل بعض المجموعات. وقد تلمس الدكتور رضوان السيد بعض جوانب ذلك الفصل بين السياسة والفقه وبين السياسة والشريعة أحيانا في قراءته لتاريخهما الممتد داخل الثقافة الإسلامية[55].


 

[1]- نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 49.

[2]- أطلق الدكتور كمال عبد اللطيف على نتاج هذين النمطين كتابة التشنج والتصامم الأيديولوجي. انظر: "كمال عبد اللطيف، التفكير في العلمانية، ص. 57

[3]- أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ص. 118

[4]- ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ص. 109

[5]- مراد وهبة، الأصولية والعلمانية، ص. 62

[6]- عادل ضاهر، الأسس الفلسفية للعلمانية، ص. 46

[7]- جون والبريدج، الله والمنطق في الإسلام، ص. 52

[8]- الفارابي، رسالة في العقل، ص. 12

[9]- المرجع نفسه، ص. 15

[10]- مراد وهبة، الأصولية والعلمانية، ص. 55

[11]- عزمي بشارة، الدين والعلمانية، ج. 2، مجلد. 1، ص. ص. 50- 51

[12]- المرجع نفسه، ص. 71

[13]- المرجع نفسه، ص. ص. 51 - 52

[14]- البيهقي، مناقب الشافعي، ص. 255

[15]- القرضاوي، الإسلام والعلمانية، ص. 61

[16]- مراد وهبة، العلمانية والأصولية، ص. 45

[17]- السيد ولد أباه، الدين والسياسة والأخلاق، ص. 124

[18]- والتر ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص. 233

[19]- حين نتحدث عن الفصل في الثقافة الإسلامية فهو فصل من حيث القديم والمحدث أو العالم والإله المطلق. أما الفصل في الثقافة المسيحية، فهو فصل في العالم نفسه بين المطلق المتحقق والجزئي المتحقق.

[20]- الجويني، الشامل في أصول الدين، ص. 684

[21]- دراسات في تاريخ علم الكلام والفلسفة، إشراف: رشدي راشد، أحمد العلمي، موقف مدرسة الأشعرية من نظرية الأحوال، ص. 152

[22]- الحال هنا هو عند الشهرستاني الوجود الذهني للماهيات.

[23]- دراسات في تاريخ علم الكلام والفلسفة، إشراف: رشدي راشد، أحمد العلمي، المرجع السابق، ص. 152

[24]- مراد وهبة، الأصولية والعلمانية، ص. 58

[25]- الشورى، آية: 11

[26]- محمد عبدالرحمن عوض، الخلاص من الخطيئة، ص. 28

[27]- القرضاوي، الإسلام والعلمانية، ص. 57

[28]- المرجع نفسه، ص. 14

[29]- مراد وهبة، الأصولية والعلمانية، ص. 56

[30]- دانيال هيرفيه وجان بول، سوسيولوجيا الدين، ص. 107

[31]- مراد وهبة, الأصولية والعلمانية ص. 50

[32]- السيد ولد أباه، الدين والهوية، ص. 27

[33]- دانيال هيرفيه وجان بول، سوسيولوجيا الدين، ص. 53

[34]- دانيال هيرفيه وجان بول، سوسيولوجيا الدين، ص. 54

[35]- المرجع نفسه، ص. ص. 63-64

[36]- هناك سببان رئيسان لهذا التناغم الكبير بين الديني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية. الأول: يتعلق ببنية العقيدة البروتستانتية، بالرغم من أن بعض المعالجات الحديثة للموضوع في الغرب تتخفف كثيرا من تأثير البنية الإيديولوجية للبروتستانتية أو الكاثوليكية في نسج العلاقة مع السياسي، والثاني: يتعلق ببعد وظيفي وتاريخي يتمثل في اللحظة الثورية الشعبية وموقع الدين منها، وفي هذا الجانب انظر الدراسة الرائعة التي قام بها أحمد ت كورو بعنوان "العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين" وفي جمع السببين معا تقول غيرترود: "إن شعور الفلاسفة الفرنسيين بالعداوة ضد الدين كان نتيجة ثانوية لعدائهم للكنيسة الكاثوليكية، الكنيسة التي رأوها مستبدة، وقمعية في ذاتها، بل أكثر من ذلك متواطئة مع دولة استبدادية وقمعية" انظر "الطرق إلى الحداثة" ص. 160

[37]- المرجع نفسه، ص. ص. 67- 68

[38]- انظر: غيرترود، الطرق إلى الحداثة، ص. 55

[39]- جون والبيريدج، الله والمنطق في الإسلام، ص. 58

[40]- أمين الخولي، صلة الإسلام بإصلاح المسيحية، ص. 63

[41]- وجيه محمد عمران، الحركة البروتستانتية وأثرها على النصرانية ومدى تأثرها بالإسلام، ص. ص. 121- 122

[42]- أحمد ت كورو، العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين، ص. 45

[43]- القرضاوي، الإسلام والعلمانية وجها لوجه، ص. 47

[44]- إنجيل مرقس، 12: 12-17

[45]- عزمي بشارة، الدين والعلمانية، ج. 2، م. 1، ص. 41

[46]- محمد عمارة، العلمانية بين الغرب والإسلام، ص. 8

[47]- عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف، ص. 5

[48]- محمد عمارة، العلمانية بين الغرب والإسلام، ص. ص. 7- 8

[49]- إن أحد معاني العلمانية هو نزع الممتلكات الكبيرة التي كانت بحوزة الكنيسة وإعادتها للدولة كسلطة شرعية وحيدة ذات بعد دنيوي. انظر في ذلك: الدين والعلمانية في سياق تاريخي، عزمي بشارة، ج. 2، م. 1، ص. 56

[50]- الدين والهوية، السيد ولد أباه، ص. 26

[51]- العلمانية في المشرق، العلمانية والتحديات الجديدة، يرغن نيلسون، ص. 87

[52]- القرضاوي، الإسلام والعلمانية، ص. 81

[53]- الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المدني بجدة، ص. 5

[54]- جون والبيريدج، الله والمنطق في الإسلام، ص. ص. 164-165

[55]- رضوان السيد، الجماعة والمجتمع والدولة، ص. 412

 


 

المصادر والمراجع:

1-     أحمد ت.كورو، العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين "الولايات المتحدة فرنسا تركيا"، ترجمة: ندى السيد، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، طبعة أولى، 2012

2-          إشراف: رشدي الراشد، دراسات في تاريخ علم الكلام، مركز دراسات الوجدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2014

3-          إمام الحرمين الجويني، الشامل في أصول الدين، تحقيق: على سامي النشار/ فيصل عون/ سهيل مختار، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1969

4-          أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، بيروت، طبعة ثانية، 2004

5-          أمين الخولي، الأعمال الكاملة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993

6-          البيهقي، مناقب الشافعي، تحقيق: أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، طبعة أولى، 1970

7-          جون والبريدج، الله والمنطق في الإسلام، ترجمة: تركي المصطفى، مركز نماء للبحوث للدراسات، بيروت، طبعة أولى، 2018

8-          دانيال هرفيه، جان بول، سوسيولوجيا الدين، ترجمة: درويش الحلوجي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، طبعة أولى، 2005

9-     رضوان السيد، الجماعة والمجتمع والدولة: "سلطة الأيديولوجيا في المجال السياسي العربي الإسلامي"، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة ثانية، 2007

10-      السيد ولد أباه، الدين والسياسة والأخلاق: "مباحث فلسفية في السياقين الإسلامي والغربي"، جداول، بيروت، طبعة أولى، 2014

11-      السيد ولد أباه، الدين والهوية: "إشكالات الصدام والحوار والسلطة"، جداول، بيروت، طبعة أولى، 2010

12-      عادل ضاهر، الأسس الفلسفية للعلمانية، دار الساقي، بيروت، طبعة ثانية، 1998

13-      عزمي بشارة، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، طبعة أولى، 2015

14-   غيرترود هيملفارب، الطرق إلى الحداثة "التنوير البريطاني والتنوير الفرنسي والتنوير الأمريكي"، ترجمة: محمود سيد أحمد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2009

15-      الفارابي، رسالة في العقل، تحرير: الأب موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1938

16-      كمال عبد اللطيف، التفكير في العلمانية "إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي"، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، طبعة أولى، 2007

17-      مجموعة باحثين، العلمانية في المشرق العربي، دار بترا، دار أطلس، دمشق، طبعة أولى، 2007

18-      محمد عمارة، العلمانية بين الغرب والإسلام، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الكويت، طبعة أولى، 1996

19-      محمد عوض، الخلاص من الخطيئة في مفهوم اليهودية والمسيحية والإسلام، دار البشير، القاهرة، 1998

20-      مراد وهبة، الأصولية والعلمانية، دار الثقافة، القاهرة، طبعة أولى، 1995

21-      ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة: سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت، طبعة ثانية، 1987

22-   وجيه محمد عمران، الحركة البروتستانتية وأثرها على النصرانية ومدى تأثرها بالإسلام، رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة الأزهر، 1413ه

23-      ولتر ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة: مجاهد عبد المنعم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984

24-      يوسف القرضاوي، الإسلام والعلمانية وجها لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، 1997

المصدر: https://www.mominoun.com/articles/%D8%A3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-6168

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك