مسار حركة الأديان في العالم، تأثيرات الإنترنت على الدين، والحركات الدينية الجديدة(*

مسار حركة الأديان في العالم، تأثيرات الإنترنت على الدين، والحركات الدينية الجديدة(*

حُسام تَمّام(**

(سيكون القرن الحادي والعشرين قرن الأديان أو لن يكون!)، هذه نبوءة الفيلسوف الفرنسي أندريه مالرو في القرن الفائت، ويبدو أنها تتحقق.

يبدو الدين حاضراً وبقوة في كل الأحداث والقضايا الكبرى في عالم اليوم، وكان على العالم أن يتجه مرة أخرى للبحث والتنقيب في مسارات الصعود الجديد للظاهرة الدينية بعد أن أفلت مقولة المدنية العلمانية، التي ظلت زمنا تحكم مسار دراسات الاجتماع الديني.

وفي (مرصد الأديان) (Religioscope) -في مدينة فريبورغ السويسرية دار هذا النقاش-، مع عالم الاجتماع السويسري جان فرانسوا مايرMayer، حول أهم القضايا التي تتصل بالظاهرة الدينية في العالم، والتي يحاول هذا الحوار التطرق إليها.

أي مسار لحركة الأديان في عالم اليوم؟ وهل ثمة خيط واحد ينتظم حركتها على اختلافها ما بين سماوية ووضعية؟ وهل يستقل الإسلام بمسار مختلف عن غيره من الأديان؟

وهل يمكن أن نتكلم عن توجه عام مشترك في حركة الأديان في الفترة التي درسها التقرير؟

ماذا فعلت الثورة المعلوماتية في الأديان؟ وهل مايزال الإنترنت وسيلة لنقل محتواها أم أنه صار يتدخل في مضمونها من عقائد وطقوس؟ ما الأديان التي استثمرت في الإنترنت وما التي أحجمت؟ وهل سيؤدي الحضور الكثيف للدين على الشبكة إلى انتشاره أم سينتهي بتفكيكه؟ هل يمكن فعلا أن يستغني الدين عن الواقع ويتحول إلى الفضاء الافتراضي؟

التصور التقليدي للإنترنت في علاقته مع الدين أنه وسيلة لنقل المحتوى الديني، لكن إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الإنترنت في المضمون الديني نفسه من عقائد أو طقوس؟

كيف نفهم الحضور المتعاظم للدين؟ هل نحن بإزاء ظاهرة عودة الدين أم هي حركات دينية جديدة؟ وكيف سيتفاعل القديم والجديد في حقل الأديان؟ ولماذا الخوف من الإسلام في الغرب؟

وجان فرانسوا ماير Jean-François Mayer (ولد عام 1957م) هو باحث سويسري في الأديان. حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة ليون Lyon في فرنسا سنة 1984م. اهتماماته الأساسية كانت حول الأشكال الدينية غير التقليدية والحركات الدينية الجديدة، حيث يمتزج البحث التاريخي مع البحث المتخصص. كتب أكثر من عشرة كتب بالفرنسية ولغات أخرى، وعدداً من المقالات بلغات مختلفة. عمل ماير بين 1987 و1990م مع المؤسسة السويسرية للعلوم الوطنية. كما عمل كمحلل للشؤون الدولية في الحكومة الفدرالية السويسرية وكمستشار ومحاضر في الدراسات الدينية بجامعة فرايبورغ. وأطلق في سنة 2002م موقعه مرصد الأديان مزدوج اللغة، وهو يشغل حاليا منصب مدير مرصد الأديان في فرايبورغ.

حالة الأديان

-نشرتم- وهذا لأول مرة - في يناير 2009م تقريرا عن حال الأديان أو أهم الأحداث ذات الصبغة الدينية خلال سنة 2008م. ما فكرة التقرير وما أهمية نشر تقرير سنوي حول الأديان؟ وهل سيصبح هذا تقليداً سنوياً دائماً؟

لقد اعتاد Religioscope (مرصد الأديان) أن ينشر بعض المقالات الدورية عن تطورات المجال الديني خلال السنة الماضية، ونحن نعتزم القيام بذلك خلال العام 2010م. الفكرة ليست بالضرورة تغطية كل التطورات التي يشهدها الحقل الديني في العالم أجمع، إن أمرا كهذا يتطلب مشاركة عدد من الخبراء المعتمدين وفي مناطق مختلفة من العالم، وعبر مختلف التقاليد الدينية.

الأمر في الواقع يتعلق برصد بعض المؤشرات الخاصة بالاتجاهات الدينية الحالية، إلى جانب ذلك تسهم مراجعة التطورات خلال السنة الماضية في توفير رؤية لما هو آت من خلال متابعة تطورات الأحداث التي تم رصدها وتسليط الضوء عليها.

نحن نعيش في بيئة معولمة تنتقل فيها المعلومات بحجم هائل يوميا،وأتصور أن موقعا متخصصا في رصد المعلومة الدينية وتحليلها في عالم اليوم يجب أن يكون قادرا على حصر المعلومات ذات الصلة، ليس فقط المعلومات التي شكلت العناوين الرئيسة في السنة الماضية؛ لكن أيضا كل الحالات التي لم تُوالها وسائل الإعلام الأهمية المطلوبة. إضافة إلى مرصد الأديان، فنحن نصدر كل شهرين نشرة مراقبة الأديان (Religion Watch) والتي تلقي الضوء على مختلف الاتجاهات داخل الحقل الديني، لذا فالأمر اعتيادي جدا بأن يصدر المرصد هذا التقرير؛ باعتبار أن ذلك هو نتاج ملاحظة دؤوبة للتطورات الدينية حول العالم.

- ما هي أهم القضايا أو الأحداث التي يغطيها التقرير؟

الحق أنَّه من حيث الحجم هو أشبه بنشرة أكثر منه تقريرا تعمدنا إلى أن يكون قصيرا نسبيا؛ بحيث يمكن لأكبر عدد من القراء الاطلاع السريع على محتوياته والاستفادة منها. الأهم من ذلك لابد أن نتذكر أن الأديان لا تشهد تغيرات سريعة كما هو الحال لدى الرأي العام مثلا، الأديان تمتد على مساحات زمنية واسعة؛ لأنها مرتبطة بالمخيال الجماعي، على عكس الرأي العام الذي يتغير بسرعة؛ لذلك لا يجب أن نتوقع تغييرات جذرية داخل حركة الأديان في بضعة شهور، وبالتالي فإن تطورات المجال الديني يمكن أن تأخذ وقتا طويلا، بالرغم من أن بعضها يمكن فعلا أن يتأثر بتسارع وتائر الحياة في بعض الميادين.

ما نحاول القيام به أولاً هو كيف يمكن للأحداث أو الاتجاهات التي تم تسجيلها في كراسة 2008م أن تتأكد أكثر؛ مثلا يمكن أن نلاحظ أن عددا من الزعماء الدينيين استمروا في إعطاء أهمية خاصة لأزمة البيئة حول العالم. هذا أمر موجود لدى الكثير من الوجوه العلمانية من سياسيين ومفكرين وعلماء؛ لكنه شهد نموا مطردا لدى مفكري الأديان، بما في ذلك بعض الأديان التي كان ينظر إليها وحتى وقت قريب باعتبارها غير مهتمة بقضية كهذه، كما هو الحال لدى الإنجيليين الأميركان. وكما يمكن أن يلاحظ أي شخص فهناك جهود متعاظمة تبذل في العالم الإسلامي كما في الدول الغربية لمواجهة ما تم اعتباره الفهم المتشدد للإسلام، والذي ينظر إليه كتهديد. هذه المواجهة لا تعني بالضرورة الحرب على الإرهاب؛ بل أيضا تنمية متزايدة لعمل أيديولوجي مواجه، إن هذا الملف سيشهد حتما تطورات دقيقة، والمرصد بالتأكيد سيتابع ذلك خلال السنوات القليلة المقبلة.

كما رصدنا أيضاً ظاهرةً انتشرت في أنحاء متعددة من العالم، وهي مسألة النشاطات التبشيرية، وقد عبرت الأحداث العنيفة التي وقعت في إقليم أوريسيا بالهند خلال صيف 2008م (حيث تمت مهاجمة مجموعات مسيحية وقتل عدد من الأشخاص) عن أهمية مثل هذا الموضوع.

هناك موضوع لم نعطه أهمية في تقرير 2008م وبدا أنه مهم جدا بعد ذلك، وهو الأزمة الاقتصادية وردود فعل الجماعات الدينية عليها. في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية كان للأزمة أثر مباشر على الجماعات الدينية نفسها ونشاطاتها، مثل المؤسسات التعليمية وبعض القطاعات المتصلة بعالم الأعمال. لكن الأكثر أهمية كان ملاحظة كيف ربطت الجماعات الدينية بين الأزمة المالية وبين تقلص الاهتمام بالجانب الروحي أو الأخلاقي داخل قطاع المال. لقد نبه كثيرون كيف استطاع قطاع المال الإسلامي أن يثبت قوته خلال الأزمة؛ إذ استطاع أن يقدم الطريقة التي يمكن من خلالها منع حدوث مثل هذه الكوارث. تقاليد دينية أخرى بدأت تشعر أنها يجب أن تسهم في تقديم التوجيهات الأخلاقية التي تساعد في رسم مجموعة من المبادئ الحاكمة في قطاع المال، هذا مثلا كان مضمون الرسالة التي قدمتها الكنيسة الكاثوليكية في روما، والتي طورت قائمة من المبادئ الاجتماعية لغرض توجيه (المؤمنين) في المجتمع: (بناء الحياة على أساس من الجانب المادي دون توجيه أخلاقي، هو كمثل البناء على الرمال)، هكذا قال البابا بنديكت السادس عشر.

ألقى التقرير الضوء كذلك على التوترات داخل المجموعات الدينية داخل الأديان، فمثلا تشهد المجموعات الإنجيلية مزيدا من الانقسام بين المحافظين في الغرب، والذين يتحدون مع الكنائس الإنجيلية في الجنوب من جهة، وبين الاتجاهات الليبرالية الناشطة في الغرب من جهة ثانية. وفي حين تحاول بعض المجموعات القيام بجهود توحيدية عبر الحوار، تسعى أخرى لتكريس مزيد من الفرقة والاختلاف.

- لكن ما هو -برأيك- الخيط الناظم للتقرير؟ وهل يمكن القول مثلا: إن هناك توجها عاما مشتركاً لحركة الأديان ولو خلال الفترة التي غطاها التقرير؟

يمكنني أن أقول: إن الاختلافات الكبيرة داخل الحقل الديني تجعل من الصعب القول: إننا قد نرصد خطا مشتركا يجمع بينها، ولا أظن أن القيام بذلك ممكن أصلا. من جهة ثانية أرى سؤالكم مشروعا جدا؛ ففي سياق العولمة تتأثر جميع الأديان وإن بصيغ مختلفة؛ لذا ليس غريبا أن نجد بعض القضايا المشتركة بشكل أكبر أو اقل عبر عدد من التقاليد الدينية؛ نلاحظ أن هناك تقاربا بين الزعماء والجماعات الدينية الذين ينخرطون أكثر فأكثر في مسار الحوار ليروا ما يمكنهم تقديمه بشكل مشترك، وكيف يمكنهم -في بعض الحالات- مواجهة تحديات العلمنة. يهتم بطريرك روسيا الجديد Kirill (كيريل) مثلاً بهذه القضية كثيرا ويحاول -على الرغم من وجود اختلافات مع الكنيسة الكاثوليكية- إيجاد طريقة لمواجهة آثار العلمنة على جماعات المؤمنين.

من المثير أن نلاحظ كذلك كيف يسهم المفكرون الدينيون في تقليص التوترات من خلال النقاشات الدينية؛ هناك بيان نشر في أكتوبر 2007م شارك فيه 138 عالما مسلما عنوانه (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) يمكن أن يشكل مثالا جيدا على مثل هذه الجهود.

يعني أننا نحاول أن نرصد كل الاتجاهات؛ التي تسهم في تحقيق التوافق، كما تلك التي تؤدي إلى التوتر؛ ذلك أن دور وعمل الجماعات الدينية يمكن أن يكون غامضا ويتحرك في الاتجاهين كما يلاحظ أغلب الدارسين.

- هل من السهولة أن نجمع في دراسة حركة الأديان بين الديانات السماوية الثلاث وبين الديانات الوضعية أو الآسيوية؟ أليس ثمة خصوصية للدين السماوي عن الأديان الوضعية؟

إن ذلك يمكن أن يفرز مجموعة من القضايا والاعتراضات لدى بعض العقائد،فالمؤمن بعقيدة ما يشعر أن اتجاهه الديني لا يجب أن يجمع مع أديان أخرى طالما هو يعتقد أن دينه هو الأوحد.

صحيح أن الأديان التي تشترك في الأصل الإبراهيمي تجتمع حول مشتركات، ويمكن أن تتم دراستها سوية، وصحيح أيضا أن مفهوم الدين كما هو متداول داخل هذه الأديان لا يمكن تعميمه على باقي الأديان. في يناير 2008م شاركت في ندوة أكاديمية في نيودلهي جمعت دارسين كانوا يؤكدون -وإن ليس بإلحاح كبير- أن تطبيق مفهوم الدين على الهندوسية مثلا يؤدي إلى حالة تعميم تحجب مضمون هذه الديانة وحشرها داخل خانة تحول دون فهمها؛ لهذا فسؤالك يمس فعلا قضايا هامة.

مع ذلك، فما ألاحظه أن هناك عددا كبيراً من الناس في مختلف مناطق العالم يوجهون حياتهم وفق معتقدات، ليس فقط في الجانب المادي، وإنما في أبعاد يرونها تفوق فهم الإنسان. هؤلاء الناس ينتظمون في جماعات، بل أكثر من ذلك يمكن أن تمنحهم معتقداتهم الشعور بهوية مشتركة، وحتى لو لم يكونوا معتنقين أقوياء فإن هذه الهوية تستطيع جمعهم داخل جماعة واحدة.

أخيرا، نستطيع أن نلاحظ أيضاً أنّ مفهوم الدين كما هو متداول في الغرب انتشر في جميع أنحاء العالم؛ في بيئة معولمة يتم استخدام نفس التصنيفات في أي مكان من العالم. إذن، فالعوامل السابقة بالتحديد يمكن تحليلها من خلال جميع التقاليد الدينية. وذلك على الرغم من وجوب الإقرار أننا يجب أن نكون حذرين؛ حتى لا نصل لدرجة الخلط الناتج عن حالة فجة من التبسيط.

- ماذا وجدتم بخصوص الإسلام؟

سنقول مرة أخرى: إن الهدف من التقرير لم يكن تغطية أهم القضايا في العالم الإسلامي خلال العام 2008م، ولكن جرى لفت الانتباه إلى بعض الاتجاهات المفتاحية، وتطورات بعض القضايا المطروحة في التقرير.

بالإضافة إلى ما ذكرته في إجاباتي السابقة يمكن الإشارة إلى النقاشات الدائرة في الغرب حول إمكانية إضافة بعض العناصر من القوانين الإسلامية لأجل المسلمين المقيمين في الغرب، في سياق يتميز بتنامي ظاهرة المجتمعات المتعددة الثقافات؛ وفي حين لا يمكن التعويل كثيرا على إمكانية حدوث هذا الأمر، فإن انطلاق هذه النقاشات في حد ذاته يبدو مثيرا.

يمكن أن أشير أيضا إلى مبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان والثقافات خلال المؤتمر الذي عقد في يوليو 2008م. في نفس الاتجاه نظم مؤتمر كاثوليكي/ إسلامي في روما في نوفمبر. والتوترات الكبيرة التي حصلت في أندونيسيا.

(وأيضا ماليزيا) ضد الطائفة الأحمدية تمت الإشارة إليها، خاصة وأن الحكومات هناك حاولت تقييد حرية هؤلاء في توسيع نشاطات الطائفة.

لماذا أشرنا إلى هذه التطورات طالما لا تشكل حدثا قائما بذاته؟ لأن هذا يعد مؤشرا مثيرا للفت الانتباه حول قضايا تنامت بفعل التعددية الدينية ونشاطات الجماعات الدينية المعارضة في العالم الإسلامي، وحيث تحاول الحكومات استمالة بعض النشطاء الدينيين من خلال الاستجابة لبعض مطالبهم. هذا مثال مهم يمكن من خلاله استنتاج العديد من المؤشرات والدلالات وإطلاق كثير من النقاشات.

الأديان والإنترنت

- تركز العلاقة الكلاسيكية بين الدين والإنترنت على دراسة دور الإنترنت كوسيط أو أسلوب لتوصيل ونشر المعلومة الدينية. نحتاج أن نعرف إلى أي مدى يستطيع الإنترنت التأثير على المحتوى الديني سواء في جانب المعتقدات أو جانب الممارسة؟

كل التطورات التكنولوجية لها تأثير على الدين. لا أريد أن أضخم فكرة أن الانترنت غيّر من طبيعة الأديان، على الرغم من أنه لا يمكننا على الأقل أن ننفي أن الإنترنت قادر على إحداث تغيرات في المظاهر التنظيمية للأديان من خلال قدرته على خلق قنوات جديدة للاتصال، وفتحه نوافذ وفرص لفاعلين جدد لا ينتمون لمؤسسات. أكثر من ذلك يمكن أن نلاحظ محاولات داخل العديد من الجماعات الدينية لتطوير طقوس دينية على الإنترنت، إن هذا يتعدى مجرد نشر للمضمون الديني إلى حالات يصلي فيها الناس معا على النت، أو تقدم خدماتهم الدينية الخاصة على الإنترنت مباشرة، وإلا ماذا يعني مثلا حين يقوم بعضهم بإنشاء كنيسة افتراضية أو مسجد افتراضي في العالم الافتراضي في الحياة الأُخرى؟ هل تشكل العوالم الافتراضية أيضا فضاءات حيث يمكن توصيل وانتشار الرسالة الدينية؟ هل يمكن للناس أن يتحولوا دينيا داخل هذه العوالم الافتراضية؟

هذه فقط عينة من القضايا التي يطرحها وجود الإنترنت.. ما يمكنني تأكيده وأظن أني أوضحت هذا في كتابي (في الإنترنت والدين)، هو أنّ الإنترنت أصبح أكثر فأكثر يشكل مفتاحا لمستقبل الاتصال بالنسبة للأديان، وهذا لا يشمل فقط الباحثين عن التدين أو المحتاجين روحيا (Spirituel Seekers) فحسب؛ بل كذلك للصحافيين وأي شخص يبحث عن معلومة فيتوجه إلى الإنترنت، طبعا على الأقل في المناطق التي يمكن الوصول إلى الإنترنت فيها بسهولة، وهو الشيء الذي أصبح متاحا للجميع الآن؛ الأمر الحاسم اليوم يكمن في كيفية تطوير نظام اتصالات يتسم بالفعالية.

- الأطروحة السائدة أيضا أن الإنترنت يؤدي إلى تفكيك الأديان، ويكسر المراجع الدينية التقليدية، ويؤدي إلى تفاقم الفردانية...فما رأيك وهل توافق على ذلك؟

هناك بعض الصحة في هذه الافتراضات، على الرغم من كونها تميل إلى مبالغة واضحة. يشجع الإنترنت بشكل أساسي على الاتصال الأفقي بدل الاتصال العمودي أو الهرمي. ثم إنّ أي شخص يستطيع الذهاب إلى الإنترنت والحصول على جمهور، حتى الجماعات الصغيرة والهامشية يمكنها بناء واجهة كبيرة وتحقيق الانتشار.. هذا ما حصل بشكل كبير عند بداية استخدام الإنترنت في العالم العربي عندما لم تستطع المؤسسات الدينية الرسمية أن تواكب سرعة الفاعلين الجدد على الإنترنت.أما اليوم فقد استطاع الكثير منهم مواجهة هذا التحدي.

قبل ظهور الإنترنت كان هناك خط واضح بين منتجي ومستهلكي الميديا، لكن الإنترنت يسمح بالتحول السريع من مستهلك إلى منتج وبأقل تكلفة.. طبعا هذا لا يتضمن وسائل الميديا الثقيلة لذا هناك حدود لهذا الأمر، لكن نجاح بعض المدونين يوضح كيف يمكن للأفراد أن يصبحوا مصدرا للمعلومات والتعاليق، وهو ما يجعل الفروق في هذه الحالة غير واضحة تماما.

في حالة الإسلام لفتت الدراسات المتعلقة بالفتوى على الإنترنت انتباهي كثيرا؛ لأن هذا يعني أن الفتوى تنفصل عن المكان وعن السياق؛ بحيث أن الشخص الذي يقدم الفتوى يمكنه أن يوجد بعيدا عن الشخص الذي يتلقاها بآلاف الكيلومترات، ودون أن يكون بينهما معرفة سابقة. الأصعب في الأمر هنا ليس أن نتجاهل بأن هذا يشكل تحديا كبيرا للمؤسسات الدينية التقليدية؛ ولكن بأن يتم الرد على هذا التحدي بنبذ استخدام الإنترنت بدل التكيف مع هذا الواقع الجديد.

فيما يخص موضوع الفردانية فلدي مقاربة مختلفة قليلا؛ فمن جهة يمكن القول فعلا: إن بعض التطورات التي تحدث على الإنترنت تسرع من مسار الفردنة، لكن من جهة ثانية أرى تطورات مثيرة تحدث في نفس الوقت، وتؤدي إلى إنشاء (تجمعات) Communities جديدة على الإنترنت، أو دعنا نسميها على الأقل (شبكات) Networks طالما أن استخدام كلمة تجمعات قد تحتاج لنقاش على الرغم من أني أفضل استخدامها. لكن أن تكون هذه الشبكات افتراضية، فهذا لا يعني أنها ضعيفة: التضامنات القوية والتفاعلات يمكنها أيضا أن تحدث داخل هذا النوع من البيئات.

- ما الأديان التي ربحت من الإنترنت وما التي خسرت؟ بمعنى؛ أيها استثمر بنجاح في الإنترنت وأيها فشل أو تجاهل ورفض الاستثمار فيه؟

ليس هناك اليوم دين يرفض التعامل مع الإنترنت، لكن صحيح فعلا أن بعض الجماعات الدينية لا تزال تمانع في استخدامه باعتبار أنه يحتوي على مضمون قد (يلوث) معتقدات الاتباع. جماعات مسيحية قليلة تحاول نبذ استخدام الإنترنت، لكنها إما صغيرة أو هامشية، بعض الجماعات الدينية اليهودية المتشددة تشجع أتباعها على تقليص دخولهم إلى مواقع محددة، لكن هذه الأمثلة تُعدُّ استثناءً في العالم الصناعي.

فعلاً، فليس كل الأديان تنجح في التكيف أو في تنمية وعي عميق بالتحديات والفرص التي يطرحها هذا الوسيط الجديد، لكن كلها الآن أصبحت تدرك بشكل أكبر أو أقل بأنها تحتاج إلى الحضور على الإنترنت كما أكدت ذلك مرارا.

لكن الحضور على الإنترنت لا يتعلق فقط بنشر المحتوى الديني؛ إنه يعني أيضا نشر مضمون قادر على الجذب والحفاظ على وجود الموقع على السيرفرز، وسط بيئة شديدة التنافس حيث تحضر مواقع أخرى على بعد (نقرة) واحدة. إن هذا يعني أيضا القدرة على الرد السريع والتعليق في حالة حدوث أزمة أو حوادث ما. ويعني أيضا تحديث المحتوى دوريا وإلا فقد الموقع زواره. إن إدراك هذا كله يحتاج إلى تنمية مستمرة.

يصعب الحديث عن رابح وخاسر على الإنترنت، أستطيع أن أقول: إن الإنترنت أصبح يشكل الفرصة الذهبية؛ أولاً لتلك المجموعات الخارجة عن سيطرة المؤسسات،وكذا المجموعات الجديدة أيضا. فجأةً أصبح الوصول إلى الناس في كل أنحاء العالم ممكنا ً(بشرط أن يكونوا راغبين في زيارة موقعك طبعا)، وفي نفس الوقت الربط بين الأشخاص عبر الحدود. في فرنسا مثلا وفي السنوات الأخيرة بدأ بعض الكاثوليك المحافظين في استخدام الإنترنت كطريقة فعالة لطرح رؤاهم المعروفة، والربط بين الناس الذين يحملون نفس هذه الرؤى والتحرك للحصول على مزيد من الدعم لتحقيق أجندتهم (في هذه الحالة: الحصول على (رعايا) حيث يمكنهم ممارسة شعائرهم وقداسهم على الطريقة الكلاسيكية القديمة التي تعود إلى ما قبل مجمع الفاتيكان الثاني)، هذا طبعا مثال صغير على هذا النوع من التطورات.

عندما بدأت أهتمّ بالدين على الإنترنت اهتممت أولا بالحركات الدينية الجديدة؛ اعتقدت أولا أنهم وجدوا في الإنترنت طريقة جديدة لتقاسم معتقداتهم، هذا كان صحيحا في البداية ولكن لاحقا وجدت أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك: الإنترنت يمنح لهؤلاء الفرصة للتعريف بالانتقادات التي يوجهونها إلى الجماعات التي تعارضهم وتنتقدهم. بهذا الشكل يصبح الإنترنت فضاء للجدل بين الحركات الدينية "cult controversies"، وهو مجال خلافي متنوع لا يمكن الحفاظ داخله على الأسرار الداخلية حال تسربها على الإنترنت. إن هذا لا يتعلق بالأديان فقط؛ بل بالمجموعات الدينية نفسها.

- صار الإنترنت ساحة الباحثين عن الدين فما هو حدود التحول الافتراضي للدين؟ هل يمكن فعلا أن يستغني الدين عن الواقع (المساجد والكنائس والمعابد، والدعوة والعظات المباشرة) ويتحول تماما إلى الافتراضية؟

مثلما أنا متأكد جدا من أن الإنترنت سيصبح مهما جدا للأديان، فأنا اعتقد أيضا أنه لن يمتد إلى درجة التخلي عن الواقع؛ الناس سيستمرون في التلاقي المباشر. الإنترنت هو فضاء إضافي للأنشطة الدينية؛ لكنه لن يحتل الفضاءات الموجودة. يمكن أن نلاحظ باهتمام أن الأشخاص الناشطين والفاعلين على النت هم أشخاص ناشطون وفاعلون أيضا في السياقات الواقعية غير الافتراضية. في حالة النشاطات الدينية القليلة التي لاحظتها، لفت انتباهي أن الناس تواقون للالتقاء المباشر بعد فترة من المشاركة إذا ما أتيحت لهم الفرصة لذلك. لكن ما هو صحيح فعلا هو أن الإنترنت اليوم ظاهرة حديثة، وقد تعلمنا نحن استخدامه كبارا أو في جماعات، لكن ربما ستتغير بعض الأشياء عندما يصبح استخدامه يبدأ مع سنوات الطفولة الأولى لدى عدد أكبر من الناس، ربما سيتم حينئذ استخدامه بطريقة مختلفة عنا.

لا أعتقد أن الدين سيصبح افتراضيا، ولست قلقا حيال ذلك؛ لكني لا استطيع أن أنفي أن هناك أشكالا جديدة وافتراضية من الأديان هي قيد التشكل. أعتقد أن نفس الشيء حدث في حالة الكتاب الإلكتروني إذا ما أخذنا هذا المثال من مجال آخر؛ أكيد أن الكتاب الإلكتروني سيستمر لكن ذلك لن يعني قطعاً نهايةً للكتاب المطبوع.

الحركات الدينية الجديدة

- أنت أهم أقطاب دراسة الحركات الدينية الجديدة.. فما مدى فاعلية هذا المفهوم وأهميته؟ وكيف تدخل ابتداء في فضاء علم الاجتماع الديني؟

استخدم الأنتروبولوجيون دائماً مصطلح الحركات الدينية الجديدة خلال العقود السابقة.

ويستخدم اليابانيون مصطلح الأديان الجديدة "new religions" (shin shukyo) منذ عدة عقود لتوصيف مجموعة من الحركات الجديدة ذات أصول ترجع إلى الديانة اليابانية (الشنتو / Shinto) أو إلى البوذية أو إلى معتقدات تلفيقية Syncretic

في الغرب استعملت مصطلحات من مثل ديانة Cult أو طائفة Sect حتى سنوات السبعينيات، لكنهما كانا يطرحان مشكلتين:

أولاً، في حين يمكن أن يستخدم مصطلح ديانة Cult لتوصيف واقع ديني جديد، فإن مصطلح طائفة Sect كان يرتبط بشكل واسع بالسياق المسيحي والفهم المسيحي للحياة الدينية والتنظيم الديني: لكن ماذا يمكن أن نفعل إذن مع حركات قادمة مثلا من الهند أو اليابان أو حركات ليس لها أي علاقة جينيالوجية مع المسيحية؟

ثانياً الديانة أو الطائفة كانت تميل لأن تكون ذات حشو مبالغ فيه في فترة السبعينيات والثمانينيات حيث كان سياق الجدل الطائفي "cult controversies" سائدا. شكل هذا مشكلا حقيقيا أمام الدارسين؛ لقد كانوا يستخدمون هذه المصطلحات بشكل تقني بأقل أو أكبر قدر من الحيادية؛ لكنها كانت ترتبط في أذهان الناس بمعاني سلبية للغاية،كما لو أنها سيئة أو مصدر للخطر؛ لقد شكل هذا مصدراً مستمراً لسوء الفهم.

ورغم أنه لا يزال هناك استخدام لهذه المصطلحات، يظهر مصطلح الحركات الدينية الجديدة كتوصيف أكثر حيادية ويتوسع استخدامه تدريجيا في الخطاب الأكاديمي؛ بل أصبحنا نلاحظ أن استخدامه بدأ ينتشر في بعض وسائل الإعلام أيضا.

طبعا هذا المصطلح ليس كافيا تماما؛ فإلي أي مدى تصل حركة ما لتوصف بأنها جديدة؟ ثم إنه مفهوم يجمع تحته مجموعةً كبيرةً من الحركات التي لا تجمع بينها أي صلة سوى أنها تشترك في كونها لا تندرج مباشرة تحت أي تقليد ديني مؤسس ومعروف.

في جانب آخر توضح العبارة أن هذه الحركات هي بشكل ما حديثة الظهور وأننا نشهد (إبداعا) دينيا هائلا في عالم اليوم. إن هذا يشكل على نحو ما اقترابا سوسيولوجيا وتاريخيا: رؤية عالم الدين وبالتالي معتنق المعتقد يمكن أن تنسحب إلى جوانب أخرى.

وبالنظر إلى أن هذا المفهوم يعتبر فضفاضاً فلا بأس من تعميمه على أشكال جديدة تنحدر من الأديان الكلاسيكية والحركات الجديدة المنشقة عن الأديان المعروفة دون أن تكون على قطيعة معها تماما. حاليا وبالتعاون مع أكاديميين جزائريين، يخطط مرصد الأديان لتنظيم ندوة في سنة 2010م غرضها فحص مختلف الاقترابات التي تتطرق للحركات الدينية الجديدة في العالم الإسلامي كما في الغرب. ونأمل أن يمكّن هذا من توفير مجال خصب لإنتاج مقاربات مقارنة توضح لنا الإدراكات المختلفة التي يولدها استخدام هذا المفهوم، بل أكثر من ذلك سيكون ذلك فرصة لملاحظة أشكال التجديد الديني والتغيرات التي تحدث في سياقات مختلفة.

- وهل نحن نشهد ظاهرة (العودة إلى الدين) أم انبثاق لحركات دينية جديدة؟

بحكم أني مختص في التاريخ فأنا حذر جدا عند استخدام شعارات من مثل (العودة إلى الدين) لسبب بسيط هو أن الدين لم يختف أبدا من الصورة، وذلك على الرغم من الرؤى النظرية العلمانية والماركسية التي حاولت أن تصور للناس أن الدين إلى زوال. وكما نعلم فالواقع قد فند مثل هذه التوقعات على الرغم من وقوع بعض التغييرات فعلاً.

في نفس الوقت لا أنكر أن العديد من أشكال الدين أو السلوكات ذات الصبغة الدينية أصبحت تلعب دورا متناميا أكثر مما كانت عليه قبل ثلاثين سنة مثلا... تنامي العلمنة في أشكال مختلفة وأماكن مختلفة لا يعني أبدا أن الدين اختفى، بل بالعكس فإن تحديات العلمنة ربما هي التي دفعت بعض الجماعات الدينية إلى أن تصبح أكثر فعالية في المجال العام.

فيما يخص ظهور الحركات الدينية الجديدة نعم هذا صحيح: هناك عدد كبير من الحركات الدينية الجديدة ظهرت، وستستمر في الظهور؛ لكن هذا لا يعني أنها ستحتل مكان الأديان الكلاسيكية..حركات دينية جديدة كثيرة لا تزال متواضعة وبعضها سيتلاشى مع الوقت، لكن أيضا هذا لا يمنع أن تشكيلة متنوعة من الديانات ستستمر في التزايد.

ظهرت الحركات الدينية الجديدة في كل وقت من التاريخ، لكن القرون السابقة لم تكن مواتية لتطورها؛ لأن مبدأ الحرية الدينية لم يكن مقبولا على نطاق واسع، والتحول إلى ديانة أخرى كان عملا غير محمود العواقب من الناحية الاجتماعية. وهذا الأمر لا يزال ساريا في بعض الحالات في أنحاء مختلفة من العالم وبدرجة أقل في العالم الغربي.

الحركات الدينية الجديدة لا تظهر فقط في الغرب أو في الهند أو اليابان؛ في الصين نحن نشهد ولادة تشكيلة من الحركات الدينية، مثال على ذلك حركة Falun Gong التي ليست حركة دينية بالمعنى الكامل، ولكنها تحمل بعض الخصائص المشابهة.

حركات كهذه ستظهر أيضا في العالم الإسلامي على الرغم من وجود بعض المعارضة؛ المثال الكلاسيكي على الحركات الدينية الجديدة التي ظهرت في المحيط الإسلامي هي المعتقدات البهائية التي نشأت متأثرة بالأفكار الألفية وفكرة المهدوية لدى الشيعة، لكنها تطورت إلى واقع لا يمكن اعتباره بأي شكل فرعا من الإسلام الكلاسيكي؛ بل أصبحت شيئا مختلفا حين أصبحت تطالب بإدماج معتقدات سابقة.

- ما هو الفرق بين الحركات الدينية الجديدة وبين الأديان التقليدية؟ وما هو رد المؤسسات الدينية الرسمية على مثل هذه الحركات؟ هل هناك منافسة بين الطرفين؟ وهل تؤثر الحركات الدينية الجدية فعليا على الأديان الكلاسيكية؟ وكيف يتفاعل القديم مع الجديد؟

لا بد من التفريق هنا بين نوعين من الحركات الدينية الجديدة؛ أولاً هناك جماعات تنحدر مباشرة من التقاليد الدينية الموجودة، وتبني عليها، ومن ثم تطالب بأنها اكتشفت ماهية هذه الأديان وأنها تمتلك الفهم الصحيح لها.

وإذا أخذنا السياق المسيحي سنجد أن (أقدم) الحركات الدينية الجديدة حركتان: شهود يهوه، والمورمون. وهاتان جماعتان لا علاقة بينهما، ومختلفتان تماما، تدعيان الدعوة إلى المسيحية الحقة، وهو مصدر اعتقاد قوي لدى أتباعهما على الرغم من أن ادعاءً كهذا ليس مقبولا من طرف الكنائس المسيحية الكلاسيكية جميعها. لكن هذه الجماعات تسعى لبناء محتوى يقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها بقية الكنائس، في نفس الوقت الذي تبقى فيه منفصلة عنها ومالكة لفهم مختلف للكثير من مظاهر المعتقدات المسيحية.

ثانيا، هناك جماعات أخرى لا تنحدر مباشرة من تقليد ديني مؤسس بالرغم من أنها يمكن أن تحتوي على عناصر من الأديان الموجودة...هذا يمكن أن يكون مثال العديد من الديانات اليابانية الجديدة مثلا.

وسواء تعلق الأمر بانشقاق عن تقليد ديني موجود أو بشكل جديد من الجماعات الدينية فإن ذلك يشكل تحديا للمؤسسات الدينية التقليدية. ففي أي مجتمع هناك أناس يمكن وصفهم بالباحثين عن التدين أو المحتاجين روحيا، والذين يبحثون عن الأجوبة وعن الممارسات الدينية. التحول الديني باتجاه حركة دينية جديدة يمكن أن يحدث تحت تأثير مجموعة من العوامل مثله مثل أي تحول ديني آخر.

بالنسبة لردود الفعل تجاه الحركات الدينية الجديدة فهي لا تأتي فقط من التقاليد الدينية الأقدم والغالبة التي تحاول فعلا أن تحمي (سوقها الديني)؛ فمثلا في آسيا الوسطى يمكنك أن تلاحظ جماعات دينية مسيحية ومسلمة في آن واحد وفي أماكن متعددة يتخذون مواقف لمواجهة المجددين الدينيين الذين ينظر إليهم باعتبارهم يثيرون قلقا في المجتمعات المحلية.

في الغرب، وبشكل مثير، نرى في بعض الدول كيف أن حكومات الدول ترد على الأشكال الجديدة من الجماعات الدينية مثلها مثل الكنائس. في فرنسا وبلجيكا مثلاً هناك مؤسسات تابعة للدولة مكلفة بمراقبة نشاطات الحركات الدينية الجديدة. هذه ليست سياسة تتبعها كل الدول الغربية، ولكنها منتقدة من بعض المدافعين عن مبدأ الحرية الدينية ويتوجسون من تدخل الدولة في هذا المجال.

بشكل أساسي، فإن تغيير قواعد اللعبة من طرف لاعب جديد هو أمر لا يمكن منع حدوثه؛ لذلك فردود الأفعال هذه ليست مفاجئة. وكل دولة لديها سياق ديني واجتماعي وسياسي هو الذي يحكم ردود الفعل الخاصة؛ في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا من المسلَّم به جدلا أن هناك حرية في السوق الديني تحصنه ضد تدخلية الدولة من قريب أو بعيد.

- بما أننا نتكلم عن الحركات الدينية الجديدة، هل يمكن اعتبار الإسلاموفوبيا أو النقد الموجه إلى الإسلام في الغرب امتدادا للفوبيا التي كانت تثيرها الحركات الدينية الجديدة بشكل عام، والطوائف الدينية بشكل خاص، والتي انتشرت في الغرب خلال العشرين سنة الأخيرة؟

إلى حد ما يمكن القول: إن هذا ينبع من نفس الإدراكات، فهو يعدّ أمرا غير معروف ومصدرا محتملا للتهديد. لا يمكن هنا إحداث توازن؛ لأن الإسلام يرتبط أيضا بالمخاوف المتعلقة بالهجرة كما بتراث تاريخي صدامي، لذا فهناك فعلا تشابه ما، وصحيح أنه في عالم ما بعد 11 سبتمبر تراجع الجدل الطائفي في نفس الوقت الذي تصاعدت فيه حدة المخاوف من الإسلام. في نهاية التسعينيات مثلا كانت وكالات حماية القانون في دول عديدة مهتمة بالمشاكل المحتملة التي ستحدثها الحركات الألفية أو حركات نهاية العالم.

في بداية سنوات الـ 2000م تراجع مثل هذا الاهتمام لدى هذه الوكالات ويبدو أنه تحول ليشمل الناشطين الإسلاميين. جماعات عديدة من التي كانت تنتقد الطوائف الدينية حاولت أن تعمم نفس المقاربة على الجهاديين الإسلاميين (مثل أطروحة غسيل الأدمغة..)، لكن الأمر كلل بقليل من النجاح. أعتقد أنه إذا كان هناك بعض أوجه الشبه بين الجماعات من حيث القدرة على التجنيد وقوة النضال، فلا يمكن أن يتم سحب التحليل من شكل جماعة ما إلى شكل أخرى.

بشكل عام لا يمكن أن ننظر ببساطة إلى النقد الموجه إلى الإسلام والإسلاموفوبيا وكأنهما امتداد للجدل الطائفي؛ بعض الحجج قد تكون متماثلة وبعض المخاوف قد تحمل نفس الخصائص؛ لكن الإسلاموفوبيا لها جذورها الخاصة أيضا.

- لكننا نلاحظ في الغرب الآن أن هناك تخوفا واسعا من الإسلام، ورغبة في إعادة جذب المتحولين إلى الإسلام، والذين ينظر إليهم كضحايا لعملية غسيل الأدمغة. ألا توافق أن الإسلام صار يبدو كمصدر للخوف الديني الجديد الذي يخلف الخوف القديم من الطوائف الدينية في الغرب؟

من خلال تجربتي وعبر البحوث التي أجريتها حول التحول الديني إلى الحركات الدينية الجديدة يمكنني أن أقول: إن هناك بعض التشابهات؛ التحول إلى الإسلام أو التحول إلى الحركات الدينية الجديدة قد يكون مرعبا لبعض الناس طالما يتم ربطه بمشاعر الخوف من شر ما، وخطر محتمل.

أتذكر أني كنت أنتظر افتتاح ندوة إسلامية قبل سنوات قليلة مضت، وذلك في إطار أحد مشاريعي البحثية حول التحول الديني إلى الإسلام: أخبرتني سيدة شابة كانت تعتزم التحول إلى الإسلام بعد أن زارت العراق قبل سنة من ذلك التاريخ، قالت: إنها لا تجرؤ على إخبار عائلتها أنها تحضر ندوة إسلامية: لان ذلك قد يتسبب في حالة من الهلع داخل العائلة. يجب الاعتراف أنه في سياق زيادة حالات التحول نحو أشكال متشددة من الإسلام والحركات الجهادية بشكل خاص، لا تساعد على تهدئة مثل هذه المخاوف.

من منظور عام يمكن القول: إن حالات التحول الديني ينظر إليها كتهديد من حيث عدِّها نوعا من الخيانة للجماعة الأصلية، وقد يكون رد الفعل عنيفا. في مصر أو في أي مكان آخر يمكن أن يكون هذا مماثلا في حالة تحول مسلم إلى جماعة دينية أخرى. هذه قضية واسعة وتحتاج إلى نقاش كبير لا يتسع له المقام، لكني أعتقد أن البحث في ردود الأفعال المترتبة عن التحول الديني والأنشطة التبشيرية هي موضوع مهم جدا.

لننظر إلى الأمر بواقعية؛ في عالم اليوم حيث يسافر الناس بسهولة، وفي وجود الإنترنت حيث يتصلون بكم هائل من المعلومات بسرعة فائقة توفرها الاتصالات الحديثة، سنشهد باستمرار حالات لأشخاص يتحولون من اعتقاد إلى آخر. سيحدث ذلك مرات ومرات؛ وفي حين يمكننا أن نتفهم أن حالات التحول الديني يتم اعتبارها كخسارة لفرد من المجموعة الدينية؛ وأن أعضاءها سيحاولون إقناع بعضهم بألاّ يفعلوا، فان هذا سيولد توترات أحيانا، ولا يوجد ما يمكن عمله للحيلولة دون وقوع ذلك.

النقد الموجه للإسلام في الغرب لن يمنع الناس من الاهتمام بالإسلام وبالتحول الديني للإسلام، وهذا ينطبق على باقي الأديان. بالنسبة للباحثين في حقل الأديان فإن هذا يمثل مجالا خصبا للبحث. أنا بنفسي أجريت بعض المقابلات مع متحولين إلى الإسلام وبدا مثيرا جدا الاستماع إلى قصص هؤلاء، وبالمثل كان مثيرا الاستماع إلى قصص المتحولين إلى الحركات الدينية الجديدة.

مهما كانت اعتقاداتنا، فإن هذه القصص تسوِّغ البحث العميق والطويل الذي يكتنف الوجود الإنساني في محاولته العثور على أجوبة لأسئلة الحياة المختلفة.

**************************

*) حوار مع عالم الاجتماع الديني "جان فرانسوا ماير"، وهو عالم اجتماع ديني من سويسرا، ومدير مرصد الأديان هناك.

*) باحثٌ في علم الدين، ومدير في برنامج: Islam on Line.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=636

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك