جدل الأنا والآخر في رواية «ليون الإفريقي»

جدل الأنا والآخر في رواية «ليون الإفريقي»

الحسين الإدريسي(*

بين يدي الروائي

لم يكن أمين معلوف صاحب رواية (ليون الإفريقي) خريج دراسات أدبية بالقدر الذي كان فيه رجل اقتصاد، بعد دراسته وتخريجه من مدرسة الآداب العليا بالجامعة اليسوعية في بيروت، لكن الظاهر أن وطأة الاغتراب في الديار الفرنسية وبعده عن الوطن إبان الحرب الأهلية قد دفعه لدخول الأدب من بوابته الروائية وبقلم فرنسي متمرس، وقد كانت (الحروب الصليبية كما رآها العرب) أولى رواياته. والظاهر من هذه الرواية أنها تتكئ على عناصر التاريخ اتكاء رئيسا، مع أنها ليست تاريخا خالصا، إنما توظف التاريخ لاستخلاص رسائل للمجتمع الإنساني المعاصر بشرقه وغربه جوهرها التسامح والإخاء والمحبة، وبنفس نقدي لكل الجرائم التي تذرعت في الحروب الصليبية بالصليب لتصل إلى الاستيلاء والسيطرة عبر آليات البطش والقتل، ولو أن اللباس الخارجي للرواية يقدمها في مجموعة قصص متتابعة تحكي واقع الحروب الصليبية في المنطقة بداية من القرن الثاني عشر، وداخل هذا السياق الروائي الجامع بين المرتكزات التاريخية والسير ذاتية يمكن إدراج روايتي سمرقند وحدائق النور حيث تضم الأولى سيرة عمر الخيام في البلاد الفارسية إبان القرن الحادي عشر الميلادي، وتقدم الثانية سيرة (ماني) في علاقته بالأباطرة الساسانيين إبان القرن الثالث، ولا تتوقف منهجية البناء السردي الروائي عند معلوف على استرجاع التاريخ، فحسب، بل تمتد لاختراق المستقبل واستشرافه، وذلك ما نقرأه في رواية القرن الأول بعد (بياتريس) ليبرهن على أن الذهنية الروائية ليست حبيسة الموروث، تحمل منه الزاد لتنثره في الحاضر، إنما هي قادرة على استنباط الإفادات من تخييل روائي إيجابي، ومهما أبحرت الرؤية الروائية لأمين معلوف في الشرق والغرب، فإنها لا تغيب عن انشغالات الوطن اللبناني الذي خصصت له رواية (صخرة طانيوس)، متمحورة حول إحدى شخصيات جبل لبنان إبان القرن التاسع عشر، ثم رواية (بدايات) التي جعلها تحكي عن سيرة عائلته منذ القرن التاسع عشر، وحينما نصل إلى رواية (ليون الإفريقي)، نجد بطلها الحسن بن محمد الوزان، الذي لا يمكن التجني عليه بنسبته إلى منطقة قد يتبرأ منها، حسب المؤلف ولذلك فلا يوجد تعريف أفضل من ذلك الذي افتتح به أمين معلوف هذا العمل الروائي على لسان ليون: (ختنت أنا حسن بن محمد الوزان، يوحنا- ليون- دومديتشي، بيد مزين وعمدت بيد أحد البابوات وأدعى اليوم (الإفريقي)، ولكنني لست من إفريقية ولا من أوروبة ولا من بلاد العرب، وأعرف أيضا بالغرناطي والفاسي والزياتي، ولكنني لم أصدر عن أي بلد، ولا عن أي مدينة ولا عن أي قبيلة، فأنا ابن السبيل، وطني هو القافلة وحياتي أقل الرحلات توقعا(1). مع أن هذا التعريف مليء بالتبرؤ ونفي الانتماء، إذ لا يكاد المتلقي يخرج بصفة انتماء ولا هوية محددة لبطل الرواية، ولو أنها شكلت بأكملها مشارب متعددة، إفريقية، عربية، غرناطية، أوربية، فاسية وزياتية، وحتى حينما نقف على الاسم نجد عجنا لاسم متعدد اللغة والانتماء والديانة في قوله: (ختنت أنا حسن بن محمد الوزان، يوحنا- ليون دومديتشي، بيد مزين، وعمدت بيد أحد البابوات)(2)، وإذا كانت هذه العبارة التي أوردها معلوف على لسان الحسن الوزان تعتبر نسيجا من السجاد الروائي الإبداعي، فإنها تجد مصاديقها في ترجمة حياته حيث ينتسب الحسن بن محمد الوزان إلى قبيلة بني زيات الزناتية… وولد هو بمدينة غرناطة قبيل سقوطها بيد الإسبان… انتقل مع أسرته صغيرا إلى فاس(3)، وأول ما يلفت النظر هو تكدس هذه الثنائيات التي تلبست بالحسن الوزان جبرا لا اختيارا، لكن تدبيرها وتشخيص مسالكها كان إبداعا والتماعا من ذهنية الحسن الوزان، وهو ما يثبته الدكتور محمد حجي في ترجمته: (الحسن بن محمد الوزان شخصية عربية إسلامية فذة، اجتمع له من الخصال العلمية والإنسانية ما جعل الغربيين المسيحيين يقدرونه حق قدره)(4).

وما رسخ خصال التعددية في سلوك الحسن الوزان حركيته المدهشة، بعد أن أسند إليه سلطان فاس محمد الوطاسي مهام سياسية خطيرة دفعته إلى القيام برحلات عديدة داخل المغرب وخارجه، ومنها تسع رحلات فصل القول فيها في (وصف إفريقيا)، وهي:

- رحلة إلى الشواطئ الغربية القريبة من فاس.

- رحلة إلى وسط المغرب.

- رحلة إلى بلاد السودان، صحب فيها عمه (أورد معلوف في روايته خاله).

- رحلة إلى الأطلس الكبير.

- رحلة إلى بلاد حاحا.

- رحلة من مراكش إلى سوس.

- رحلة إلى الحجاز.

- رحلة إلى الأستانة.

- الانتقال إلى البلاد الليبية والتونسية(5).

ثنائية الوزان بين الظاهر والباطن

قبل ملامسته هذه الثنائيات داخل العمل الروائي من الأجدر الإطلال على معالجة المحقق لأصل العمل الروائي (وصف إفريقيا)، الذي لم أستطع الانفصال عنه، وأنا أقرأ رواية معلوف حتى أستطيع تمييز بصمات معلوف عن بصمات الحسن الوزان، وإذا كان أمين معلوف قد عجن هذه الثنائيات معتبرا إياها مظهرا من مظاهر التسامح والانفتاح، فإن المحقق الراحل محمد حجي يعتبره ذكاء وسرعة تأقلم من الوزان مع البيئة المسيحية،، مدركا أنه لا يمكن أن يعيش عيشة إسلامية في بؤرة المسيحية، فتظاهر بالتمسح وحمل اسم مالكه وحاميه البابا، فصار يدعى Leon أو يوحنا الأسد الغرناطي، أو الإفريقي تسترا وعملا بقوله تعالى: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾(6) لكن هذه القراءة قد يرفضها البعض من منطلق أنها تلبس التجربة الوزانية تأويلا متعسفا من الخارج، وهي بذلك تنفي الحقيقة عن إيمان الوزان بثنائياته لتدخلها في لعبة الظاهر المخالف للباطن، مع أن الراحل محمد حجي قد دعم وجهة نظره هذه ولم يتركها عارية، والتي يقدمها في أربعة أدلة بقوله: (ولنا أكثر من دليل على استمرار إسلام الحسن الوزان طوال السنين الثلاثين التي قضاها أسيرا في إيطاليا)، من ذلك؛

- الصبغة الإسلامية المتجلية في كتاب (وصف إفريقيا)، كلما تحدث المؤلف عن عادة أو عيد أو غير ذلك مما يخص المسلمين نسبه إلى نفسه مع جماعة المسلمين قائلا: (عندنا) وهذا كثير في الكتاب، بينما لم ينسب نفسه للمسيحيين، وإنما عبر بقوله: (عندنا هنا في إيطاليا).

- اهتمام الكتاب بالملامح الإسلامية في المدن والقرى التي زارها المؤلف واعتزازه بالشريعة ولو أنه يحكي وقاعا قبل انتقاله للبيئة المسيحية، إذ تنصر لا تستهجن ذلك.

- التواريخ المذكورة في وصف إفريقيا كلها هجرية إلا مرات قليلة جدا ورد فيها التاريخ الميلادي، وقد أحصى ماسنيون التواريخ المذكورة في القسم المتعلق بالمغرب الأقصى من كتاب (وصف إفريقيا) فإذا هي 72 تاريخا منها 67 هجري وأربعة بالميلادي وواحد مؤرخ بسنة طرد اليهود من إسبانيا.

- تمسك المؤلف باسمه الإسلامي رغم مرور سنين على أسره وتداول اسمه المسيحي فهو يوقع في نابولي أو روما يقول: (العبد الفقير إلى الله مؤلفه يوحنا الأسد الغرناطي المدعو قبل الحسن بن محمد الوزان الفاسي) بل نلاحظ أن نسبه (الغرناطي) يأتي بعد اسمه المسيحي اعتبارا بأن غرناطة أصبحت آنذاك حاضرة مسيحية، وكأنه أرغم على ذلك أو اصطنعه تسترا وتقية، في حين تأتي النسبة القديمة إلى فاس مع اسمه الإسلامي تذكيرا بالوسط الإسلامي(7)، وتبقى هذه الاستدلالات تخريجات تأويلية من المحقق تخلو من تعبير من الوزان نفسه للمصادقة المباشرة والصريحة على هذه الاستنباطات، وما يغذي رأيا مغايرا للمذهب الذي ذهبه المحقق محمد حجي في تأكيد طرح الظاهر والباطن في ثنائيات الإفريقي، وإن كان توقف بهذا التخريج في البعد العقائدي بين اعتباره الإسلام باطنا حقيقيا والمسيحية ظاهرا متصنعا وطارئا، وما يغذي معارضه ذلك، هو أن هذه العناصر نفسها التي بنا عليها قراءته قد أوردها أمين معلوف نفسه، ليسوق قراءتها في اتجاه خاطئ، وإن كان هروب الحسن الوزان واختفاؤه يجعل القراءتين في حيرة من أمرها، فلا هو بقي في روما المسيحية، ولا هو أعلن عن نفسه في الوطن الإسلامي الذي هرب إليه!!

- تجليات جدل الأنا والآخر في الرواية

مظاهر الجدل العقائدي:

قبل أن يقدم الروائي على لسان (ليون الإفريقي) الاسم الذي اختاره أمين معلوف دون (الحسن الوزان) في العنوان، الهوية المتعددة والغير حاسمة في خانة واحدة، نجد عبارة صغيرة تتوسط بياض صفحة كاملة، للشاعر الإيرلندي و.ب، ييتس، في قوله: (لا ترتب مع ذلك بأن ليون الإفريقي، ليون الرحالة، كان أيضا أنا)(8)، وهو ما يخرج ليون الإفريقي من شخصيته التاريخية إلى رمز يخترق المستقبل، وإذا تجاوزنا ذلك إلى كتاب غرناطة فإن أول ما يواجهنا أسفل العنوان هي التواريخ المزدوجة الهجرية والميلادية، مبتدأ بالتاريخ الهجري مجملا، يتلوه التاريخ الميلادي مفصلا يشمل اليوم والشهر والسنة (894هـ/5 كانون الأول (ديسمبر 1488/24 تشرين الثاني (نوفمبر) 1489)(9)، ولا يفوت استدراك الروائي بإيراد الشهر الإسلامي على سبيل التوافق، بقوله: (وافق وقوع شهر رمضان المبارك)(10) وإذا ما تجاوزنا الثنائية المطلة من التواريخ لنقف على ألفاظ في الرواية ذات حمولة عقائدية في قوله: (اللامبالي بمصير المسلمين… ومهددة من الكفرة)(11)، ورغم ورود هذا القول على لسان ليون الإفريقي، إلا أنه مسند لضمير الغائب الغير محدد في الحديث، مثلما هو منتشر على طول الرواية، ذلك بأن الثنائيات المشيرة للتمايزات العقائدية لا تصوب سهامها إلى عقيدة وديانة دون غيرها، كما أنها لا تتبنى هوية عقائدية بصورة عمياء، ومما يساعد عملية التلوين التعددية انزلاقات المحادثة على ألسنة متعددة، فنجد قسما منها يمارس تقريعه للمسيحيين في مواقع متعددة، من ذلك ما نقرأه: (مثل (بسطة) المدينة المسلمة الواقعة في شرقي غرناطة، وكان الروم يحاصرونها ويضربونها بالمدافع منذ خمسة أشهر، وقد رفع الملوك المسيحيون -ليهدم الله ما بنوا ويبين ما دمروا- أبراجا من الخشب...)(12)، فالسارد هنا يصبغ المدينة بصباغة دينية تحت تأثير التضاد وسط ثنائية عقائدية تتسم بالعنف المتبادل، ولا يجد من وسيلة هنا لصد هذا العنف المسيحي غير الدعاء بالهدم والتدمير، وكثيرا ما اقترنت هذه المغايرات الدينية بلغة حربية تستحضر المعجم القائم على (داري الإسلام والكفر)، من ذلك ما نقرأه في قوله: (وألحفت سلمى قائلة: (ولكنك تخاطر بالبقاء طويلا في دار الكفر!)(13)، وكلما تغلغل السارد في أكناف الأحداث إلا وزادت الثنائية العقائدية القائمة على الرموز الدينية المتغايرة اشتغلا وتمايزا في التعبير الروائي: (ورفع راهب صليبا فوق برج المراقبة فهتف له الجنود ثلاثا (قشتالة، قشتالة، قشتالة)(14)، وقد كان يلجأ الهاربون من بطش التدين القسري القائم على نظرة الإلحاق إلى خيار النفي، وهو ما يجعل الذات منشطرة بين المنفى والتعميد إذ يقول: (أحمد الله كل يوم أن هداني سبيل المنفى لأن الذين اختاروا العمادة هم الآن ضحايا أسوأ أنواع الاضطهاد، سبعة من أبناء عمومتي وخؤولتي في السجن، وبنت أخ وزوجها أحرقا حيين بتهمة البقاء على اليهودية في السر)(15)، فلم تنفع المدارات ولا الحيل من مقص الرقابة العقائدية (العمادة والتعذيب)، وما يمكن التقاطه هنا أن النظرة العقائدية للآخر لم تركز على المسلمين فحسب، كما لم تستثن اليهود من الرقابة التي تغلغلت في عبارات كثيرة إلى الدماء، بصوت خافت هذه المرة: (وأنزلتني إلى الأرض قبل أن تتابع بصوت أكثر خفوتا: (جميع الذين غيروا دينهم متهمون بالبقاء على يهوديتهم، وليس في وسع إسباني النجاة من محكمة التفتيش مادام لم يثبت أن (دمه نقي) أي أنه ليس في أجداده مهما ابتعدوا في الزمن يهودي أو عربي، ومع ذلك فإن في ملكهم فرديناند نفسه دما يهوديا، وكذلك المفتش (توركمادا) لاحقتهم نيران جهنم إلى أبد الآبدين)(16)، وما يمكن تسجيله على هذه العبارة الواردة على لسان يهودية أنها أشارت إلى أصحاب محاكم التفتيش، بالصفة الوطنية (إسباني) وليس بالصفة الدينية (كاثوليكي مسيحي) ومع أنها وضعت مفاصلة عقائدية وقومية (يهودي، عربي) فإنها وضعتهما في صورة واحدة من جهة المعاناة والتفتيش أمام المحاكم وأدوات الرقابة، مع طرح استدراك استفهامي لم يتم تحديد الجواب عنه، فيما يتعلق بالدماء اليهودية الممزوجة بدماء ملكهم فرديناندو المفتش (توركمادا) ولا يغادر السارد هذه الثنائية الدينية القائمة على المفاصلة بدون حشوها بمشاهد متراكمة تؤكد سياسة العزل في حديثه عن (سارة اليهودية): (…. سارة المبرقشة، كنت حتى ذلك الحين كثيرا ما أسمع الحديث عن اليهودية، بيد أن قسماتها لم تكن تعني لي شيئا… ومطت سارة شفتيها متضاحكة، وقالت: (هذا ما يردده حاخامنا باستمرار… كان كل ما فيها يبدو لي غريبا، ثيابها التي بجميع الألوان، وضحكتها المتواصلة، وأسنانها الذهبية، وأقراطها الضخمة، ولا أنسى عطرها الخانق…)(17)، كما أن الشيء الجدير بالتسجيل جنوح السارد إلى نوع من التماهي العقائدي بين اليهود والمسلمين قائم على المنافرة القائمة بين المسيحيين من جهة والمسلمين واليهود من جهة مضادة، وهو ما يتعزز في الإشارة إلى نوع من التساند والمواساة بين سلمى المسلمة الغرناطية وسارة اليهودية، وذلك لتشابه وضعيتهما(18)، وفي سياق آخر كان قد وصل فريق من المفتشين إلى غرناطة، وهم رجال دين متزمتون أعلنوا على الفور أن يعود جميع المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام إلى دينهم الأول…. وأذعن بعض الأشخاص للأمر، ولكن الأكثرية عارضته، وقد أقيمت بعض المحارق كما فعل باليهود لإلقاء الرعب في قلوب المعاندين(19)، ولم تتوقف هذه الثنائية وتبعاتها على الأرواح فحسب، بل تعدتها لتشمل دور العبادة أيضا في قوله: (أحرقت كنيسة كانت قد بنيت حديثا، واقتصاصا لحرقها عبث فسادا في مسجدين)(20)، لكن السارد هنا لا يمر إلا بعد إدانة الحدثين في قوله: (لقد كان شخص سطحي الإيمان)(21)، وسرعان ما اكتظت الأسطر بعبارات الصدام والذبح والتعميد القسري والقتال (…. لم يعد في مقدور أحد قراءة الفاتحة على جثمان أبيه في العلن على الأقل؛ لأنَّ هؤلاء المسلمين المرتدين تحت وطأة القوة كانوا يرفضون جحد دينهم وأخذوا يرسلون إلى فاس رسائل تقطع نياط القلب وطلبوا الفتوى والمشورة في ما بين التعميد القسري والمواجهة، عقد المهاجرون الغرناطيون الذين رقت قلوبهم عدة اجتماعات في ذلك العام وأذكر على هذا أني شاهدت حضور مفتي وهران)(22). وتتغلغل الثنائية الضدية إلى الممارسة العقائدية للنجاة على شكل فتوى على لسان الوهراني بقوله: (فكروا في أنه بالإمكان إشكال محرقة بالرسالة التي ترسلون، لا تلوموهم على عمادتهم، بل ادعوهم فقط أن يظلوا مخلصين للإسلام، وإذا أكره هؤلاء المساكين على شرب الخمر؟ وإذا ادعوا إلى أكل لحم الخنزير للتأكد من أنهم ليسوا مسلمين؟ قال المفتي: (فليفعلوا إذا أكرهوا، ولكن ليحتجوا في قلوبهم) وإذا عرض عليهم أن يشتموا النبي e؟ وكرر قائلا: (فليفعلوا إذا أكرهوا، ولكن ليقولوا العكس في قلوبهم)(23)، وقد جاء تدخل مفتي وهران مناسبا لتخفيف غلواء الثنائيات الضدية العقائدية وضغوطها على طرف دون آخر، ولتنقل مستوى الثنائية من الظاهر إلى الباطن، فيبدو الظاهر متوحدا على مستوى التمثيل والتظاهر النائم على ثنائية عقائدية صارخة، لكن هذه الوضعية المتأزمة للمسلمين كان يقابلها نوع من التشفي الإسلامي في الآخر العقائدي حينما يكون في موقع وموقف قويين، وهو ما نقرأه في مواجهة الموروث القبطي في مصر على لسان السارد في حديثه عن فيضان النيل المرتبط بالسنة القبطية: (إن (مسري) هو في السنة القبطية الشهر الذي يبلغ فيه فيضان المياه مداه، وهمست: لمصر فضل كبير في البقاء إسلامية بينما لا يزال النيل والطاعون يتبعان تقويم الفراعنة، وفهمت من الطريقة التي غض بها من بصره، ومن ابتسامته المرتبكة أنه لم يكن هو نفسه مسلما، ولم يلبث أن انهمك قائلا: (تأخر الوقت وأظن أن علينا نشر الأشرعة...)(24) فقد أطلق ليون الإفريقي زفرته العقائدية التي احتفظ بها ونقلها من الأندلس في اتجاه مصر، إذ كان ينتظر من مخاطبه نوعا من التأكيد والغبطة من منطلق التماثل العقائدي، لكن برودة المتلقي أثبتت عدم سروره بهذا الخطاب، نظرا لمسيحيته، وهو ما عبر عنه في جواب ضمني موجه لليون الإفريقي (... وشد على يدي ولم ينس أن يضيف قائلا: (في البيت صليب وأيقونة بإمكانك نزعهما إذا كانا يجرحان شعورك ووضعهما في صندوق حتى عودتي(25)، ويمكن أن نستشف من هذا الرد نوعا من التهدئة ونهج البرودة في الرد على مناوشة عقائدية مضادة، لكن الرد يحمل نوعا من استبطان الموقف وتجميده ريثما تتم العودة من جديد، يختصرها قوله: (حتى عودتي)، فنزع الرموز المسيحية لن يكون نزعا جذريا واقتلاعا تاما، إنما هو ظرفي ومؤقت، إلى أن تمضي ساعة الحرج هذه، وربما أحس الإفريقي بالحرج وبنوع من النقد الذاتي، مما دفعه إلى الرد بلطف ومحبة قائلا: (...ووعدته بأنه على العكس مما يقول، لن يزاح شيء من مكانه، وشكرته على اهتمامه البالغ... وبينما كنت أتحدث إلى ذلك القبطي كان البحريون قد وقفوا بعيدا...)(26)، وقد تبين في تفاصيل سردية مقبلة أن هذا الوعد لم يكن رياء عابرا سيتم نسخه، بل هو وعد مكبل شكل لصاحبه إحراجا مع ضيوف من حجم العدول الذين أبدوا تشددا إزاء هذه الرموز الدينية الكنيسة، إذ يقول: (… وفي لحظة كتابة العقد لاحظ هذا وجود الأيقونة والصليب على الجدار، ورجاني أن أنزعهما فقلت: (لا أستطيع ذلك، فقد وعدت صاحب هذا المنزل بأن لا أمسهما حتى يعود) وبدا الحرج على الرجل وسائر المدعوين إلى أن تدخلت نور قائلة: (إذا كنا لا نستطيع نزع هذين الشيئين فلا يمنع من تغطيتهما) ومن غير أن تنتظر جوابا قربت من الجدار ساترا مكسوا بالدمقس فسر الكاتب بالعدل وبدأ علمه(27)، وإذا كانت هذه العملية التي نحتها المرأة قد عملت على سلك نهج وسطي يرضي الطرفين، فإن عبارات أخرى أوردها السارد تزيد الوضع العقائدي تأجيجا في دعوة للمواجهة نقرأها في قوله: (….ولقد خضعنا حتى الآن لشريعة الكفار الذين استولوا على غرناطة ومالقة، ثم على طنجة ومليلية ووهران وطرابلس وبوجي ونحن بحاجة لكي نواجههم)(28)، وقد تحققت هذه المواجهة فعلا عبر أساليب انتقامية ملونة حسب ألوان القوة الجغرافية العقائدية، وهي مواجهة تعوض المواجهة العسكرية الغير ممكنة في المواقع المذكورة والمسؤولين عليها، ومن مظاهر تلك المواجهة الدينية التي وعد بها السارد العمل على تحويل كاتدرائية إلى مسجد في قوله: (... مدينة غريبة هي القسطنطينية، إنها مثقلة جدا بالتاريخ ففي أقل من ستين سنة من الاحتلال التركي كان وجهها قد تغير تماما، لا تزال هناك بالطبع آيا صوفيا التي تحولت من كاتدرائية إلى مسجد من عادة السلطان الذهاب إليه في موكب يوم الجمعة)(29)، ويبين ليون في مواقع أخرى أن هذه الثنائية القائمة على المغايرة العقائدية الدينية لم تكن بدوافع إيمانية صادقة لخدمة الدين، بل كثيرا ما كانت أقنعة لأغراض سياسية وسلطوية واجتماعية مثلما هو الحال في حديثه عن الحروب الصليبية بقوله: (….وكنت منذ وصولي إلى رومة كثيرا ما سمعت بالحملات الصليبية، حتى من ضم ليون العاشر بالذات، ولكن ذلك كان بالطبع شعارا بغير طائل يشبه إلى حد كبير ما يرفعه بعض الأمراء المسلمين عندما يتحدثون على الجهاد لإزعاج خصم أو تهدئة مراء، وكان الأمر مختلفا جدا مع أدريان لعنه الله وجميع المفرطين في الغيرة! فقد كان يعتقد جازما أنه بحشد المسيحية لمحاربة الإسلام يضع حدا لانشقاق لوثر ويصالح الإمبراطور شارل وملك فرنسا)(30)، وقد كشف هذا التصريح عن أن البواعث الصدامية القائمة على ثنائية الذات والآخر لا تنطلق من منطلقات عقائدية خالصة حتى وإن تلبست لبوسا دينيا على مستوى الشعار والممارسة الحربية؛ لأنَّها محكومة بخلفيات دنيوية لادينية، وهو بهذا يبرئ الدين من تلك الذهنيات والوقائع الصدامية، ليضع الوزر على النوازع المصلحية الإنسانية.

مظاهر الجدل القومي

لا تتوقف ثنائية الذات والآخر على المستوى العقائدي فحسب، وإن كانت السمة العقائدية هي الطاغية في هذا العمل الروائي، إنما نقرأ نوعا من المفاصلة على المستوى القومي أيضا في مواقع متعددة، وقد افترش لها السارد في المدخل فرشا يحيل على التعددية اللغوية في قوله: (...تسمع في فمي العربية والتركية والقشتالية والبربرية والعبرية واللاتينية والعامية الإيطالية)(31). وهي تعددية لا تعبر في جوهرها عن مفاصلة بين الذات والآخر؛ لأنَّها تعددية منبعثة من ذات واحدة وعلى لسان واحد، لصاحبه ليون الإفريقي الذي يعتبر الشخصية المحورية والنموذجية المرجو الوصول إليها كمقصدية معنوية وحضارية، لتجاوز تلك الثنائيات التي تعمل على التفكيك والتصادم بناء على المفاصلة القومية التي كانت تخترق الحجاب الديني نفسه على سمكه، من ذلك ما نقرأه في قول السارد: (وقد كنت قد عرفت الحقيقة الجائرة عن (بسطة) من ضابط بربري شاب في الحرس يقيم بعض أفراد أسرته في المدينة المحاصرة)(32)، وهو ما يبين عدم الاكتفاء بالصفة العقائدية في تحديد الهوية، بل يتم تشريح صورها القومية الصغرى، مما يتأكد في مواضع أخرى كقوله: (…وذهب بعضهم إلى التأكيد بأن أسطولا مسلما كبيرا قد ظهر في عرض الرابطة جنوبي غرناطة، وأنه انضم إلى المصريين أتراك ومغاربة)(33). لكن هذه الثنائية القومية الأمازيغية التي يسمها (البربرية) في عملية النهب وقطع الطريق في قوله: (…. ويكون مع ذلك تحت رحمة النهابين عربا وبربرا، أحيانا يعيشون في البلاد فسادا)(34)، وهو ما يجعل السارد في موقع الواصف المحايد، ومن ذلك ما نقرأه في وصفه إحدى القبائل الأمازيغية (وينتمي أهل هذه المنطقة إلى قبيلة من البربر مرعوبة الجانب معروف أفرادها بـ(الزناغا)، وهم رجال أشداء يلبسون فوق جلودهم تبانات من الصوف إن كمية هائلة من الأفاعي تزحف بين بيوتهم وادعة أليفة كالهرر أو الكلاب الصغيرة، وعندما يجلس أحدهم للطعام تتجمع الأفاعي حوله لتتبلغ بفتات الخبز وفضلات الأطعمة التي يدعها لها(35) وإن كانت هذه الصورة الوصفية على براءتها تومئ إلى نوع من الصداقة الأمازيغية مع الأفاعي، وهي ذات دلالات قد تكون سلبية إن تم النظر إلى الأفعى كحيوان قاتل سام، وقد تكون الصورة الوصفية إيجابية توحي بالطبيعة المسالمة للإنسان الأمازيغي حتى مع الحيوانات السامة وعطفه عليها، وهو الجانب الملفت حقا في هذا الوصف، والذي يعطيه قيمة التميز وسمة الغرابة والمغايرة عن باقي الأقوام. ولعل ما يؤكد الطابع الإيجابي للعنصر الأمازيغي (البربري) هو عدم استعدائه الآخر على معيار قومي، بل إنه يطرح الترجمة كآلية للدفاع عن الذات المغايرة قوميا ولغويا وذلك ما نقرأه في قوله: (وطلب مني الشخص أن أعذر مواطنيه على نزقهم وأمر الحشد بأن يفسحوا لي الطريق شارحا باللغة البربرية أني لست جاسوسا ولا مبعوثا لفاس، وإنما مجرد تاجر أندلسي يعمل لحساب الجنويين، وهكذا تمكنت من دخول المدينة والتوجه إلى الفندق)(36)، وقد لازمت السارد الإشكالية اللغوية الملازمة للمغايرة القومية، إذ لم تتوقف على الأمازيغية فحسب، بل وجدناها في موقع آخر محيلة على التركية في قوله: (وكان في الإمكان بدء المحادثات ولم أشارك فيها إلا بالنزر اليسير، إذ كان علي أن أعرض لا أن أفاوض على الإطلاق؛ لأنَّ المحادثات التي كانت قد بدأت بالعربية لم تلبث أن استكملت بالتركية وهي لغة لم أكن أجيدها قبل إقامتي في رومة)(37)، وبالقدر الذي طال فيه النعت القومي المتمايز العامة من الناس، نجده يطال الأمراء أيضا تميزا لهم، وهو ما نقرأه في إشارة السارد للأمير البربري في قوله: (وكانت محطتنا التالية في المنشية التي زرت فيها الأمير البربري الذي يحكمها)(38)، كما تعمد السارد في إشارة ذكية منه إلى التنبيه على أن المسيحية قد استمرت في القومية الأمازيغية إلى جانب إسلامهم في حديثه عن الاحتفال المسيحي بعيد الغطاس في قوله: (كان البابا مزدهيا تحت تاجه وهو يقول: في عيد الغطاس هذا الذي نحتفل فيه بعمادة المسيح بيدي يوحنا المعمدان ونحتفل أيضا بحسب السنة المتبعة، بالمجوس الثلاثة الذين أتوا من بلاد العرب لعبادة ربنا، أية سعادة تفوق سعادة استقبالنا في حضن كنيستنا المقدسة مرزبانا جديدا قادما من أطراف بلاد البربر لتقديم قربانه في بيت بطرس)(39).

ولا يكتفي هذا النص الشاهد بالإحالة على مسيحية الأمازيغ فحسب، بل يشير إلى الأصول المسيحية للعرب أيضا في حديثه عن المجوس الثلاثة الآتين من بلاد العرب، التي لم يحدد موقعها بدقة، ولعل هذا الالتقاء القومي المتعدد في المقر البابوي لروما تحت العنوان المسيحي يومئ إلى التوزيع الأصولي للمسيحية على الجغرافيا والتاريخ والأعراق، وإن كان يسكت على تحويل المرجعية المسيحية على مستوى الجغرافيا من الشرق –كنيسة المهد- إلى الغرب -البابوية بروما-، وإذا كانت هذه التعددية القومية من داخل المسيحية في الرواية لم تؤد إلى اصطدام داخلي، فإنها في الوسط الإسلامي تشير إلى صدامات عنيفة في الشرق، وكان طرفا النزاع هم الجراكسة والعثمانيون في قول السارد: (كان الجراكسة أول الضحايا، وسواء أكانوا مماليك أو من نسل المماليك فقد كانوا يطاردون بلا هوادة ولقد استعيدت العاصمة شارعا بعد شارع، وأخذ الجراكسة يطاردون العثمانيين بمساعدة الشعوب النشيطة، وإذ غدا الضحايا جلادين فقد بدوا بلا رحمة، ولقد رأيت بنفسي غير بعيد من منزلي مصرع سبعة من الأتراك كانوا قد احتموا بالمسجد، فإذ كان حوالي العشرين قاهريا يلاحقونهم فقد لجئوا إلى أعلى المئذنة، وشرعوا يطلقون نار بنادقهم على الحشد، لكنهم ما لبثوا أن قبض عليهم وذبحوا روموا مسربلين بدمائهم من أعلى المبنى)(40)، فالظاهر أن إسلام القوميات لم يمح مفاصلاتهم لاتنية، وظل الجراكسة يختزنون آلامهم التي عانوا منها تجاه الأتراك إلى أن جاءت ساعة الانتقام للتفريج عن النفس، وهو ما يؤكد أن العلاقة كانت محكومة بموازين القوى، التي لم تسنح للوحدة العقائدية بأن تمحو آثار تلك الجراح، بل إن تلك الروح الكنسية التي جمعت الروم والعرب والأمازيغ من داخل الكنيسة، ما كانت لتتحقق بين الجراكسة والأتراك من داخل المسجد، فما تحقق داخل الكنيسة، نسف داخل المسجد من خلال النص الشاهد إذ لم ينفع الأتراك احتماؤهم بالمسجد من أن ينالوا القتل على يد مطارديهم الجراكسة كما لم تراع حرمة المئذنة التي غدت منبرا لإطلاق نار البنادق على الحشد والإلقاء بهم من أعلاها بالجثث مسربلة مذبوحة، وقد تصل المفاصلة والمغايرة القومية أقصاها في ذلك الواقع من خلال تصوير الرواية، حينما يتم تحويل السود إلى عبيد بناء على ألوانهم في حديثه عن عاهل غاوو المسمى الأسكيا الذي كان يعتبر أقوى رجل في بلاد الزنج بقوله: (...بيد أنه أعطاه خمسة عبيد وخمسة جمال ومائة من أنياب القيل الضخمة)(41)، هكذا يتحول الإنسان الأسود إلى سلعة تهدي إلى جانب الجمال وأنياب الفيل الضخمة، ولو أن المفاصلة القومية هنا لا تنبني على أساس لوني فحسب، إنما هي قبلية وطبقية بالأساس؛ لأنَّ المستعبد لهؤلاء يشترك معهم في اللون والزنجية أيضا، وتبقى السمة القومية مطبوعة على لسان السارد، حينما يصف بلاد هؤلاء بالسمة الزنجية في حديثه عن أقوى رجل في بلاد الزنج(42).

مظاهر الجدل على المستوى الجنسي

بالإضافة إلى المغايرات العقائدية والقومية داخل الرواية والقائمة على جدل الأنا والآخر في السلوكات الفردية والجماعية نجد ثنائية تنبني على الجنس ليس كمعطى بيولوجي عادي تتطلبه طبيعة الإنسان حسب تكوينه ووظيفته التي لا تحدد موقعه الاجتماعي والفكري، إنما تقوم هذه الثنائية على أن نوعية الجنس هي امتياز فوق طبيعي، تعكس بالأساس طبيعة التفكير السائدة والأنماط الاجتماعية المؤسسة على ذلك التفكير، والتي كانت تمتزج تارة بأغطية دينية متداخلة مثلما نقرأ في قول السارد في أول فصل من فصول الرواية المعنون بـ(عامر سلمى الحرة): (... حتى إن محمدا رجع ذات يوم ومعه فتاة مسيحية ذات شعر أسود مضفور اشتراها من جندي كان قد أسرها في غزاة بجوار (مرسية)، وقد سماها (وردة) وأسكنها حجرة صغيرة مطلة على صحن الدار، وذهب إلى حد القول بأنه سيرسلها إلى إسماعيل لتعليمها الضرب على العود والرقص والكتابة مثلما يفعل بمحظيات السلاطين، وقد قالت لي أمي: (كنت حرة وكانت جارية، ولم يكن الصراع بيننا متكافئا. كان بوسعها أن تستخدم على هواها جميع أسلحة الغواية، وأن تخرج من دون حجاب، وأن تغني وترقص وتصب الخمر وتغمز بعينيها وتتعرى، في حين كان لزاما علي بحكم وضعي ألا أتخلى قط عن وقاري، وألا أظهر كذلك أي اهتمام بملذات أبيك، وكان يدعوني (بنت عمي)، وإذا تحدث عني قال بإجلال (الحرة) أو (العربية)، وكانت وردة نفسها تبدي لي الاحترام الواجب على خادم حيال سيدتها، وأما في الليل فكانت هي السيدة)(43). وما يمكن أن نستشفه من هذا الشاهد هو تحويل الفتاة المسيحية إلى سلعة اشتراها محمد من الجندي الآسر لها، وبما أن هذه السلعة تختزن الأنوثة رأسمال لها، فإن المشتري لها سيدخرها للترفيه (الرقص، الموسيقى، المتعة) على اعتبارها أنها تنتمي للحريم، لكن هذه السمة يبدو أن لها امتيازات تغبطها عليها الزوجة الحرة، وتتمثل في حرية التعري والخروج من دون حجاب، والغناء والرقص وصب الخمر والغمز، وذلك ما يجعلها في العمق هي السيدة، وهذا ما يصور معاناة المرأة المسلمة من قيود داخل حريتها وتحررها إزاء الحريم، وبذلك تصبح كل الامتيازات التي كانت تتمتع بها الزوجة الحرة من قبيل التسمية (الحرة) أو (العربية)، ومن قبيل كل الإجلال الذي كانت تبديه الأمة (وردة) لسيدتها، كل هذا الامتيازات تصبح ساقطة أمام أسلحة الغواية للأمة (وردة) والنتيجة هي أن المتعة الليلية أعطت للأمة المسيحية السيادة، وسلبت من المرأة الحرة سيادتها التي تحولت إلى قيد مثقل، وهو ما عبر عنه بالعبارة الملخصة: (من دون أن ترفع عينيها نطقت على مهل بهذه الكلمات التي لا أزال أذكرها: (نحن نساء غرناطة حريتنا عبودية مستورة، وعبوديتنا حرية بارعة)(44)، وكثيرا ما كانت هذه المفاصلة تتكرر في الرواية على شكل شكوى من النساء المسلمات تجاه أزواجهم من السلاطين الذين مالوا إلى الإماء المسيحيات ميلة واحدة في قول السارد: (كانت جريمة السلطان التي لا تغتفر في نظر أمي هي هجره زوجته الحرة… من أجل سبية مسيحية اسمها (إيزابيل دوسوليس)، وقد سماها هو ثريا)(45). فاسم المرأة المسيحية هنا -باعتبارها آخرا ليس ملكا لها إنما هو (ملك للمالك الجديد)- لابد من تغييره حتى يتأقلم مع خصوصيات (الذات الأنوية)، ولا يتوقف الأمر هنا بل يتجاوزه إلى تعرية المرأة –باعتبارها آخرا- جسديا أمام الحاشية، حيث يقول: (يروى أن السلطان جمع ذات صباح أفراد حاشيته في ساحة الريحان ليشاهدوا هذه الرومية وهي تستحم)(46)، وكثيرا ما كان السارد يستل إلى الأماكن الشديدة الخصوصية والحساسية في المفاصلة الجنسية، وهي الحمامات في قوله: (ثم إن هناك النساء، وعدد من الحمامات مخصصة لهن وحدهن، بيد أن معظمها هو لخدمة الجنسين، وفي الأمكنة نفسها، ولكن ليس في الأوقات ذاتها، والحمام الذي كنت أعمل فيه يؤمه الرجال من الثالثة صباحا حتى الثانية بعد الظهر، وأما سائر اليوم فيستبدل فيه صبيان حجرة التجفيف بزنجيات كن يشددن حبلا إلى عرض الباب لإشعار الرجال بأنهم لا يستطيعون الدخول، وإذا احتاج أحدهم إلى قول كلمة لزوجه فما عليه إلا استدعاء إحدى القيمات بشؤون الحمام لنقل الرسالة)(47) فالظاهر أنه لا توجد أداة للحجز والفصل بين النساء في أجواء الاستحمام وبين الأجواء الخارجية سوى الزنجيات، وهي مفاصلة تجمع بين المغايرة العرقية والأنثوية، وهنا يتم وطئ أنوثة الزنجيات على اعتبار أنهن دون مستوى السيدات المستحمات، عبر إسناد أعمال دونية لهن، لكن السارد يبين أن معاناة المرأة ومفاصلتها لا تجد لها وعيا ذاتيا لدى المرأة، ولا أدل على ذلك من إشارته إلى ذلك الصراع الناشب بينهن لتقديم خدمات للسيد في قوله: (فإنهن لسن أقل من مائة امرأة، يدبرن المكائد على الدوام للخطوة بليلة مع السيد، أو بالامتيازات لأبنائهن أو بسجادة لغرفتهن، أو بحلية أو عطر أو إكسير….)(48)، وتتعد مظاهر المغايرة الجنسية إلى الحد الذي تصل فيه إلى ظاهرة احتفالية حينما يقدم السارد قصة الخرقة المتعلقة بليلة الزفاف عند العروس، بإطلاق الزغاريد(49)، وهي حالة تلخص نوعا من المفاصلة والتمايز القائمة بين الأنا المتجلية في الذكورة، والتي تقف في درج أعلى من صفة وخصائص الآخر التي تتلبس لبوس الأنوثة مقرونة بضرورة إثبات العزوبة وإثبات مظهر خرقها وكسرها من الذات العليا (الأنا) نوعا من الامتياز الذي يوجب الإشهار والاحتفال، والظاهر أن الروائي يوظف في هذا السياق ويعرض صورا من الصور التي قدمها ليون الإفريقي في (وصف إفريقيا)، وهي اقتباسات وتوظيفات ترمي إلى بلورة رسائل معينة بعضها نقدي للموروث الثقافي والاجتماعي، وبعضها الآخر ذو دلالة نقدية للواقع المعاصر.

ولا تتوقف الثنائيات الضدية بين الأنا الذاتية والآخر على المستويات العقائدية والقومية والجنسية فحسب في رواية (ليون الإفريقي)، إنما نقرأ صورا ونماذج متعددة من ثنائيات سياسية واجتماعية تعكس مشاهد من التنوع المحكوم بثنائية الشد والجذب، وتؤطرها ذهنيات صدامية في الغالب، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الرواية نفسها تضم مشاهد تمحو هذه الثنائيات الضدية لتؤسس مشهدا واحدا وذاتا واحدة، وهو ما يمكن تقديم نماذج منه.

نقائض الثنائيات الضدية ودلالاتها

لم يكن الغرض من استخراج مشاهد الجدل بين الأنا في مختلف تلاوينها والآخر في صوره المتعددة في رواية (ليون الإفريقي) هو قطع القول بأن هذا العمل مؤسس على ثنائيات ضدية أساسا، فبالقدر الذي قدم فيه الروائي هذا الجدل من خلال أطراف متصارعة، فقد قدم مشاهد عملت على محو ذلك الجدل، لتؤكد النتائج على أن الثنائيات الضدية لم تكن سلطة عليا شاملة لكل الفئات والجهات والمواقع والمواقف، بل كانت تتحرك بجانبها مواقف تنقض هذه الثنائيات حسب خصوصياتها الدينية على سبيل المثال التي كانت تتأجج في الكانتونات الطائفية، نلاحظ أنها تنقض وتمحى حينما نجد (الآخر الديني) طبيبا في نظام سياسي للأنا الدينية الإسلامية وهو ما نقرأه في حديثه عن السلطان الذي انصرف إلى الملذات على الرغم من تحذيرات طبيبه إسحاق حمون(50)، فالظاهر أن هذا المنصب قد منح للآخر دينيا على أساس الكفاءة العلمية والمهنية، ولم تمنع مخالفته العقائدية من منحه وتقليده هذا المنصب، ومن المظاهر الساطعة في نقض الجدل العقائدي بين ثنائية الأنا والآخر ما نقرأه في قوله: (ففي أجمل الدارات، وفي أكثر دكاكين الأسواق رواجا، يرى على الأخص الأرمن واليونان والطليان واليهود الذين كان بعضهم قد أتى من الأندلس بعد سقوط غرناطة، ولا يقل عددهم عن أربعين ألفا، وهم متوافقون على امتياح عدل مولانا السلطان، وفي الأسواق تتراصف عمائم الأتراك مع قلنسوات المسيحيين واليهود بلا ضغينة ولا بغضاء)(51). وهي صورة حضارية راقية حقا تعكس نوعا من الوحدة الاجتماعية الغير ملتفتة للمغايرة العقائدية التي لم يكن التعايش والتواصل نتيجة سقوطها، بل ظل كل طرف متحفظ بمخزونه العقائدي وبرمزياته الدينية (العمائم والقلنسوات)، مما نقرأه في نص آخر من الرواية في صورة من صور التداخل المسيحي الإسلامي: (... لمح الأمير وهو يجيل ناظريه حول الأيقونة والصليب القبطي على الجدار فابتسم وهو يحك رأسه بشكل ظاهر، وكان له ملء الحق في أن يثور فضوله: مغربي بزي مصري متزوج من جركسية أرملة، أمير عثماني يزين منزله على الطراز المسيحي! وهممت أن أقص عليه كيف حصلت على هذه الدار عندما قاطعني قائلا: إن منظر هذين الشيئين لا يضايقني، وإذا كان صحيحا أنني مسلم بفضل من الله فإنني ولدت مسيحيا وعمدت مثلي مثل السلطان وجميع المماليك)(52)، ولو أن إسقاط هذه الثنائيات الجدلية الدينية يلاحظ أنها تتلبس لبوسا من التخوف والتوجس، إلا أن السارد سرعان ما يخفف وطأة هذا التخوف بطمأنة فجائية، ليبين أنه حتى وإن كانت القاعدة في العلاقة الدينية قائمة على الجدل والثنائية، فإن مشاهد التحالف تعمل من حين لآخر على خرق تلك القاعدة، ولو بشكل استثنائي، وهذه الاستثنائية في خرق المغايرة لا تلازم الدار الإسلامية فحسب في حكي السارد، إنما تحل أيضا بالديار المسيحية البابوية، حينما يحكي الحسن الوزان عن حالته وهو في السجن البابوي تحت العنوان الإسلامي، وهو ما نقرأه في قوله: (...وما إن خرج حتى أقبل ضابط من الحرس على زنزانتي يسألني إذا كنت في حاجة إلى شيء وطلبت بشجاعة بملابس نظيفة ومنضدة صغيرة ومصباح، وأدوات للكتابة، وقد حصلت عليها جميعا في اليوم نفسه، وفي المساء كان الغذاء المألوف قد تبدل، فعوضا عن الفول والعدس قدم إلى لحم ولازانيا ونبيذ أحمر مصنوع (تربياتو) شربت منه دونما إفراط)(53)، لكن هذا التحول الفجائي في معاملة البابوية للحس الوزان القائم على تخلي الطرف المأسور والضعيف على هويته الدينية التي كانت دافعا رئيسيا للجدل بين الذات والآخر، كما أنه مقدمة لتبادل الخدمات فيما نقرأ قوله: (عندما قابلت البابا بعد أسبوع كان قد حضر لي برنامجا حافلا: سوف أقسم وقتي بعد اليوم بين الدراسة والتعليم، فلسوف يعلمني كاهن اللاتينية، وآخر للتعليم المسيحي وثالثا لإنجيل واللغة العبرية، وسوف يتولى كاهن أرمني إعطائي في كل صباح درسا في اللغة التركية، وكان علي أن أعلم بدوري سبعة طلاب العربية، وسأتقاضى عن هذا العمل أجرا مقداره (دوكا) ذهبية في الشهر، ومن غير أن أكون قد عبرت عن أدنى احتجاج اعترف ولي نعمتي ضاحكا أن الأمر كان صيغة ملطفة عن الأشغال الشاقة، مضيفا ذلك أن هذا البرنامج يعبر عن حماسته حيالي وشكرته ووعدته ببذل ما في وسعي كيلا أقصر في استحقاق فضله)(54)، فالظاهر من خلال هذا الشاهد، أن الجدل بين الذات والآخر قد تمت جدليته في برنامج عملي اكتسى صيغا تعليمية، تقوم على التلقين الممزوج بآليات ومضامين تحيل على الآخر، لكنها في الآن ذاته تفتح باب التلقي من الآخر مقابل التلقين، ويقوم أساسا على فتح الاستفادة من هذا الآخر السائر في طريقه إلى الذوبان القسري في هذه الذات الأخرى الآسرة والمستوعبة له. لكن الأنا المعبرة عن السارد لم تكن في إيرادها لهذه المشاهد التي يتم فيها إسقاط الجدل والجدران بين الأنا والآخر منذ مرة، بل عبرت في كثير من المواضع عن سعادتها القصوى، ومدى تأثرها ببعض تلك التفاعلات الصادقة، مثلما نقرأ في قول السارد: (... واستدعاني البابا مساء يوم التعميد، وبدأ بأن أعلن أني أصبحت بعد اليوم حرا،... ثم تناول من على منضدة كتابا منمنما وضعه في راحة يدي المبسوطة وكأنه قربان وإذا فتحته فقد وجدته مكتوبا بالعربية، (اقرأ بصوت مرتفع يا بني!) ونفذت الأمر وأنا أقلب الصفحات بحيطة وحذر كبيرين: (كتاب دعاء الأيام... وقاطعني حامي بصوت مرتجف غير واثق بقوله: (هذا أول كتاب باللغة العربية خرج من مطبعة وعندما ترجع إلى أهلك احمله معك بعناية فائقة). ورأيت في عينيه أنه يعلم أنني سأرحل ذات يوم، وبدا من التأثر بحيث لم أتمكن من منع دموعي أن تسيل، ونهض وانحنيت لتقبيل يده، فضمني إليه بقوة ضمة أب حقيقي. والله لقد أحببته منذ تلك اللحظة على الرغم من الاحتفال الذي فرضه علي قبل قليل، فلأن تهتز مشاعر رجل بهذا النفوذ، وبهذا الإجلال من نصارى أوربا والبلاد التي خارجها، لرؤية كتاب صغير باللغة العربية وقد خرج من محترف طباع يهودي، فذلك ما بدا لي جديرا بخلفاء ما قبل عصور الانحطاط، كالمأمون بن هارون الرشيد تغمدهما الله برحمته)، هكذا تغطي العواطف الجياشة الفوارق الجدلية الدينية واللغوية لتعترف بالقيمة العلمية التي يرى السارد إحالتها الساطعة على زمن التقدم والازدهار، خلافا لعصور الانحطاط التي أصبح فيها تضخيم الذات وعزلها عن الآخر عنوانا للتفوق والوجود والامتياز.

خلاصة

عمل أمين معلوف ببراعة على استلال نصوص ومشاهد وشخصيات جاهزة من (وصف إفريقيا) عبر ما سمته جوليا كريسفا: (فسيفساء من الاستشهادات)، ومثل: (امتصاص لنص آخر)(55)، وقام بإلباسها ألبسة السرد المتنوعة الألوان والمختلفة المشارب، ومن هذه الألبسة المتعددة أطلت الثنائيات الضدية التي حاولنا الوقوف عليها فيما يتعلق بجدل الأنا والآخر في مستوياته المتعددة، معتمدا بالأساس ما سماه عبد المالك مرتاض بـ(لغة المناجاة)، عبر (تضمن خطاب ضمن داخل خطاب آخر يتسم حتما بالسردية: الأول جواني، والثاني براني، ولكنهما يندمجان اندماجا تاما... لإضافة بعد حدثي، أو سردي أو نفسي إلى الخطاب الروائي... وتندس هذه اللغة الحميمة ضمن اللغة العامة المشتركة بين السارد والشخصيات، وتمثل الحميمية والصدق والاعتراف والبوح...)(56)، وهو ما يلمسه المتلقي بوضوح على لسان السارد الذي يتشتت في شخصيات متعددة ليبوح ما يتمنع عليه في ذاته الواحدة الأولية، وتبرز مكامن الاختراق في القدرة المدهشة على إذابة الفروق الزمنية والسردية بين السارد والشخصية والزمن ويستطيع التوغل إلى أعماق النفس البشرية فيعريها بصدق ويكشف عن نواياها بحق ويقدمها(57). كما أن ضمائر (المتكلم) أو (الأنا) ظلت في الرواية وسيلة لتعرية دواخل النفس وكشف النوايا أمام المتلقي، لكن هذا الكشف يبقى زئبقيا ومتحولا، لا يستقر على حال، مما يجعل المتلقي يتمسك أكثر ويتتبع للوقوف على الوجه النهائي للشخصية التي تكتسي صبغة التدوير مع ليون الإفريقي، (إن تدوير الشخصية واضح الدلالة من المعنى الذي تمنحه اللغة، فإنما الشخصية المدورة أو المكثفة إذا واكبنا (طودوروف) و(ديكرو) على مصطلحهما المترجم، أصلا عن فوستر –هي تلك المركبة المعقدة التي لا تستقر على حال، ولا يستطيع المتلقي أن يعرف مسبقا ماذا سيؤول إليها أمرها؛ لأنَّها متغيرة الأحوال ومتبدلة الأطوار، فهي في كل موقف على شأن، فعنصر المفاجأة لا يكفي لتحديد نوع الشخصية ولكن غنى الحركة التي تكون عليها داخل العمل السردي، وقدرتها العالية على تقبل العلاقات مع الشخصيات الأخرى والتأثير فيها…. إنها الشخصية المغامرة المعقدة، بكل الدلالات التي يوحي بها لفظ العقدة، والتي تكره وتحب، وتصعد وتهبط، وتؤمن وتكفر، وتفعل الخير كما تفعل الشر(58). وهو ما جعلنا نعيش التموجات المتقلبة للسارد علنا نمسك بخريطة المسالك الطرقية التي ينحوها السارد، لكن هذا التموج لا يقوم على الإلغاء والتنافي مهما تضادت مشاهده، إنما يقوم على التعدد النقدي ولا أدل على ذلك أننا نجد ترسيخا للثنائيات الضدية التي يحكمها الجدل من داخل العناوين الدينية والقومية والجنسية، لكن السارد يعود لنقد هذا الجدل الذي سبق عكسه وترسيخه بمواقف معاكسة تدل على الوحدة والاندماج النافي للجدل، مما يسمح لمختلف العناصر التفاعل داخل النص الروائي، وفي تأثير مباشر بالتطورية والسيميائيات الدينامية، ولعل هذا ما يوافق ما قدمه (كريزنسكي) في مقارنته بين الرواية والخلية: (فكما أن الخلية مكونة من جزئيات، فإن الرواية توظف معطيات وراثية تحدد نمذجاتها(59) وما يزيد هذه النظرة موافقة مع المشاهد المنعكسة في نصنا المدروس ومع ما وضحه الباحث من أن إنتاج الرواية ينشأ عن توترات تتم ضمن حركة مراوحة بين سيناريوهات إيديولوجية وإحالية وأخلاقية وتناصية واستيطيقية ونزوية)(60)، ولا يمكن الوقوف على تحديد موقف نهائي خارج الثلاثي المكون للعمل الروائي (السارد، المؤلف، المتلقي) ذلك بأن هؤلاء يظلون مهيئين في كل لحظة من لحظات التشكيل السردي بتبادل المواقع والأدوار، وعليه فقد تحكمت في حركية الشخصيات ثنائية (الإفراغ والإملاء)، حسب ما حدده (فيليب هامون) للشخصية، ذلك بأنه: (اعتمادا على مفهوم العلامة اللسانية يمكن تحديد الشخصية بأنها مرفيم فارغ، أي بياض دلالي لا تحيل إلا على نفسها، إنها ليست معطى قبليا وكليا، فهي تحتاج إلى بناء تقوم بإنجازه الذات المستهلكة للنص زمن فعل القراءة، هذا المورفيم الفارغ يظهر من خلال دال لا متواصل، ويحيل على مدلول لا متواصل، فكما أن المعنى ليس معطى لا في بداية النص ولا في نهايته، وإنما يتم الإمساك به من خلال النص كله، كما يقول (بارث)، فإن الشخصية لا تكتمل ملامحها (لا تتلقى دلالتها النهائية) إلا مع عملية التلقي (القراءة)(61).

***********************

الحواشي

*) باحث من المغرب.

1- ليون الإفريقي، أمين معلوف، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، سنة 2001م، الجزائر، ص9. ترجمة عفيف دمشقية.

2- نفسه، ص9.

3- وصف إفريقيا، للحسن بن محمد الوزان الفاسي، ترجمة، محمد حجي، ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، ط2، سنة 1983م، الصفحة 6-7.

4- نفسه، ص5.

5- نفسه، ص8-10.

6- نفسه، ج1، ص11.

7- وصف إفريقيا، ج1، ص11-12.

8- ليون الإفريقي، لأمين معلوف، ص4.

9- نفسه، ص13.

10- نفسه.

11- نفسه.

12- ليون الإفريقي، ص33.

13- نفسه، ص83.

14- نفسه، ص62.

15- نفسه، ص102.

16- نفسه.

17- نفسه، ص101-102.

18- نفسه، ص103.

19- ليون الإفريقي، ص121.

20- نفسه، ص122.

21- نفسه.

22- نفسه، ص122-123.

23- نفسه، ص124.

24- نفسه، ص244.

25- نفسه.

26- نفسه، ص244-245.

27- ليون الإفريقي، ص266.

28- نفسه، ص278.

29- نفسه، ص280.

30- نفسه، ص336.

31- نفسه، ص9.

32- نفسه، ص35.

33- ليون الإفريقي، ص37.

34- نفسه، ص

35- نفسه، ص170.

36- نفسه، ص205.

37- نفسه، ص282.

38- نفسه، ص299.

39- نفسه، ص319.

40- ليون الإفريقي، ص290-291.

41- نفسه، ص236.

42- نفسه، ص235.

43- نفسه، ص14.

44- ليون الإفريقي، ص14.

45- نفسه، ص24.

46- نفسه.

47- نفسه، ص129.

48- نفسه.

49- نفسه، ص210.

50- ليون الإفريقي، ص25.

51- نفسه، ص280.

52- نفسه، ص286.

53- نفسه، ص313.

54- ليون الإفريقي، ص316-317.

55- لذة النص –عمر أوكان، إفريقيا الشرق 1996م- الدار البيضاء، ص29.

56- في نظرية الرواية، عبد المالك مرتاض، عالم المعرفة 240/1998م، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، ص137-138.

57- نفسه، ص185.

58- في نظرية الرواية (م س)، ص101.

59- دينامية النص الروائي، أحمد اليبوري، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط1/ 1993م - الرباط، ص19.

60- نفسه، ص20.

61- سيميولوجية الشخصيات الروائية، فيليب هامون، ترجمة سعيد بنكراد، دار الكلام، الرباط 1990م، ص9.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=631

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك