حوار الذات

حنافي جواد

 

إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 

وبعدُ:

وجَدتني - أنا الباحث عن الحقيقة - لا أستطيع كتابة سيرتي الفكرية والوجدانيَّة والشعورية وغير الشعورية بصورة مباشرة، فأمْرُها عليَّ صعبٌ، ورأيتني قادرًا على نَسْجها في شكل يَختلط فيه الأدبي والمقالي والعلمي، والفلسفي والرمزي، فاحْتَلْتُ على نفسي، فخاطَبتُها وحاوَرْتها، وسَبَرت بعض أغوارها، سابحًا طورًا، وغائصًا آخرَ، وطائرًا تارة، وماشيًا أحيانًا، غير مُنضبط لتسلسُل زمني، ولا آبِهٍ بأدبيَّات الكتابة؛ إذ كان همِّي - كل همِّي - استخراجَ حقيقة ضائعة، وفكرة تائهة، أشعر بها ولا أشعر بها، في ركام العقل والنفس والوجدان.

 

كنتُ أسأل نفسي فتُجيبني، وتسألني فأُجيبها، فما ضننت عليها بشيءٍ، فاستخْرَجت منها واستخرَجَتْ مني ما تيسَّر من بنات الفكر والوجدان، بأسلوب امتزَج فيه الواقع بالخيال، والظاهر بالباطن، وذلك ما أسْمَيتُهحوار الذات لسَبْر الأغوار، ولا أزعم أني استخرَجت كلَّ شيءٍ، وأعلم عِلْمَ يقينٍ أنَّ ما تبقَّى من الغوامض في البواطن والظواهر كثيرٌ غير يسيرٍ، وقد تَعجِز العباراتُ عن نَقْله من القوة النظريَّة إلى القوة العمليَّة، ولا أشكُّ أنَّ نَسْجَ العبارات قد يفشل في نَسْج الأفكار، فتَضيع الحقيقة وسط كثرة القيل والقال.

 

فإليكم الحوار:

• قالهل ترى أسلوبي في التفكير سليمًا أم لا؟ أَجِبْني، ولتكُن صريحًا؛ فإني شَبعتُ من الكذب في واقعٍ يَعِجُّ به!

• قلتأسلوبكَ غاية في الروعة، وإن كان يَعتريه من النقصان الجمُّ الغفير، والنقصان من علامات البشريَّة.

 

• قاللَم أفهم، وَضِّح مقالكأين يبدو لكَ النقصانُ الذي عنه تتحدَّث؟

• قلتليست لكَ منهجيَّة واضحة في الحياة.

 

• قالكيف ذلك؟ أفْصِح عن الجواب واضحًا، ودَعْني من المُعَمَّى، فإني لا أجيدُ فكَّ الشفرات، ولا التعاملَ مع العلامات.

• قلتإنك تتأثَّر بالوقائع والأحداث، فأنتَ كالهباء المنثور في الرياح.

 

• قاللا أرى في الأمر إشكالاً.

• قلتبل ذلك عينُ الإشكال وأنفه، أجتهدُ إذا حفَّزَني حافز، ولا أبذل المجهودات إلاَّ من قبيل المنافسة، لستُ راضيًا عن نفسي؛ إذ لستُ صاحبَ منهجٍ واضح مُؤَثَّل.

 

• قالما ذكرته عاملُ إيجاب، وليسَ عاملَ سلْبٍ.

• قلتلا أرى ذلك الذي تَرَى، ثم هناك مسألة أخرى.

 

• قالما هي؟

• قلتلا أفهمُ الواقعَ.

 

• قالأنا كذلك، لا أفهم منه إلاَّ القليل، والكثيرُ منه يغيبُ عني، فليس من السهل أن تفهمَ واقعًا معَقَّدًا كثيرَ الشِّعاب، طويلَ الذَّيل، اختلطَ فيه الحابلُ بالنابل، وسَيْطَرت عليه المفاهيم السياسيَّة.

• قالكيف ذلك؟

• قلتمن مقولاتي الأساس - أقصد مقولاتي الفكريَّة -: الغير، إنه يحضر معي ظله في كلِّ أطوار تفكيري، ويتدخَّل في صُنع قراراتي، حتى العظيمة منها والحقيرة، فيسكنني على نحو عجيبٍ.

 

• قالكيفَ يتَدخَّلُ في صُنع قراراتك؟!

• قلتهل عَجِبتَ من الأمر؟ لا تَعْجَبْ.

 

• قالالأمر حقًّا يَستدعي عجبًا، فهذا مرض، حالة تستدعي منكَ التدخُّل الفوري للإصلاح، وطلب العون من أهل الصلاح، قمينٌ بهم ذلك.

• قلتهل أنا مُطالب بإقصاء غيري من ذهني إقصاءً، والانطلاق في مسيري انطلاقًا، غير آبهٍ به؟ وهذا لا أظنُّه ممكن الحصول!

 

• قالإلى حدٍّ ما؛ لَئِلاَّ يستحوذ عليك بظلِّه في صُنع قراراتك ومُجرياتك وحركاتك.

• قلتما حدود ذلك وما صُواه؟

 

• قالينبغي أن تحترمَ غيرك، فتؤدِّي له حقوقه كلها غير منقوصة، ولا ينبغي أن يتدخَّل في قراراتك؛ فهذا غير مقبول: عقلاً وشَرعًا.

• قلتما أصلُ مرَضي يا تُرَى؟

 

• قاللستَ مريضًا، حالُكَ جيدة، وأحسن حالاً من غيرك، لكن حاوِلْ ثم حاول ألاَّ تجعل غيرك يَضرب بسهمه في صُنع قراراتك، يُسيطرُ عليك بظلِّه، ويسكنك على نحو عجيبٍ.

• قلتإنكَ قلت قبلُ: إني سقيمٌ، هل نَسَخت قولك؟ أو تَدعمني نفسيًّا لَئِلاَّ يحصل المحذورُ؟ لا تَنسَ أنَّ لي منَ الخِبرَة في ذلك الميدان ما يكفيني لفكِّ ألغازك.

 

• قالبل الحقَّ أقول، وما عَهِدت إلاَّ قوله.

• قلتربما لَم تَفهم قصدي، فأنا صانعُ قرَاراتي، لكن يتدخَّلُ غيري فيها من نواحٍ، ربما قَصرت لُغتي عن البيان، وعَجَز لساني عن التِّبيان، فأنا الآن بين المِطرقة والسَّندان، فأخشى ما أخشاه ألاَّ أفهمَ!

 

• قالفهمتُ جيدًا حُجَّتَكَ،وأعي ما تقولُ، فأنتَ أقربُ الناس مني، ولا أظنُّ أحدًا يُدانيني في فَهمكَ ومقاصدك.

• قلتإذا كنتَ كذلك، فما رأيك في طرائق تفكيري؟

 

• قاللا أنقِمُ عليك شيئًا.

• قلتقل الحقَّ ولا تَخجل، فصدري أرحبُ من السماء.

 

• قالبل السماء أرحبُ من صَدْرَيْنا معًا، بل أرحب من صدور بشر الأرض كافة ؛ ما تقدَّم منهم وما تأخَّر.

• قلتأنتظر جوابك.

 

• قالتبدو غيرَ واضحٍ، غامضًا مجهولاً، لكنَّك لستَ كذلك في الحقيقة، وهَزلُك لا يختلفُ عن جدِّك، في هَزْلك جدٌّ كثير، تَهزِل وتَقصد، وجل أقوالك - إن لَم أقل: كلها - مدروسة، ومن ورائها مقاصدُ محدَّدة، إلاَّ ما شذَّ منها فخَرَجَ عن سيطرتك.

 

أنت غريب الأطوار، تبدو بادئ الأمر ساذجًا، لكنَّك لستَ كذلك.

 

قد تكونُ سَاذجًا في بعض الأحيان، لكنَّكَ تَدري ما تصنع، وذا مهم أيُّما أهميَّة.

قد تكون في نظر بعضهم ساذجًا، والحقيقة أنَّ الحاكمَ عليكَ هو الساذج.

 

إنما سذاجتك من تقديرك غيرَك، بل من شدَّة التقدير، وهو ما أشرتَ إليه سالفًا، وقد تحدَّثنا عن ذلك، يراكَ بعضهم مُتَعالِمًا متَفَيْهقًا، ويراك آخرون داهيةً محتالاً، وآخرونَ متكبِّرًا، وآخرون مجنونًا متهوِّرًا، وآخرون كثيرَ الانتقاد متشائمًا.

 

• قلتواصِل، ملاحظاتك وجيهة أي وجاهة، ويُعجبني سماعُ ذلك من غيري.

 

• قالرُبَّما أكثرتُ عليكَ.

• قلتكلاَّ، كل ما قلتَه جميل، أفادني كثيرًا، واصِل - بارَك الله فيك.

 

قالمما يَخصُّك ويُمَيِّزك عن كثيرين، سرعة اندماجك، فأنت سريع الاندماج بغيرك، أقصى ما يمكن تَصَوُّره، تغوص في أعماق غيرك، فتَختلط بدمائه وكُرَيَّاته، وهو لا يدري وقد يدري، والأمران عندك سِيَّان، ترسم في ذِهنك جدولاً تُصَنِّف فيه عباراته وتَدرس مُعجمه، وتَستنتج الاستنتاجات، وهو لا يدري وقد يدري، والأمر عندك سِيَّان، تَفهم العبارات والإشارات في ضوء تقاسيم الوجه وتغيُّراته، تَستخرج منه الأسرار، وهو لا يدري وقد يدري، عُمدتك في تحقيق قَصْدك تمكنك من تقنيات حُسن الاستماع، ولن أنسى تلك الابتسامة الجميلة المزهرة في وجهك وأنت تَستمع وتخاطب، تَجعل المخاطب يَفيض كالغيث الطلِّ النافع، وأعْجَبني قولك يومًا: "إنَّ الكلام عاكس للحقيقة".

• قلتلَم أفْهم منك مسألة سرعة الانْدِماج.

 

• قالفسرعان ما تندمجُ بغيركَ، تَلقاه أوَّل ساعة، وتبدو كأنَّك تعرفه منذ زمن معرفة، تصرُّف منكَ جميل، ودالٌّ على كثير، وإن كنتُ أرَى بعضهم سينقمُه عليك.

• قلتما رأيك؟

 

• قالمن خلال معرفتي بك،أنْصَحك ألاَّ تفعل، فقد يساءُ فَهمكَ.

الناس لا يُفَكِّرون كما تُفَكِّر، إن ذلك يُسهل عليهم عمليَّات الاقتحام، سيقتحمونك، ومما قد يكون وبالاً عليكَ كثرة مُزاحك، أقْلِل منه ما أمْكَنك.

 

أقول هذا، وأستشعرُ صعوبةً في التخلُّص من عادة قديمة ورثتها في صغركَ قبلَ نعومة أظافرك، لستُ أدعوكَ إلى العبوس، فهذا سلوك غير مطلوب، وأنا على يقين أنَّكَ لن تستطيعَه؛ لسببَيْن: لأنه ليسَ من شِيَمك أولاً، ثم لأنكَ ألِفْتَ، وسلطةُ الإيلاف ليستْ تَخفى عليك، فأنت مَن سَطَّرتَها، وكتبَ عباراتها، ورَسَمَها في كتابك: "مقالات رؤيتي الوجودية".

 

• قلتحقًّا تعرفني جيدًا، هل من مزيد؟

 

• قاللن ننام الليلة، دَعْنا نسمِّيها: ليلة سَمَرٍ، عنوان جميل حقًّا، أليس كذلك؟

• قلتبلى، إنها حقًّا وصِدقًا ليلة سَمراءُ على زِنَة فَعلاء، واصِل مسيركَ - بُورِكْتَ.

 

• قال: (تبسَّم ضاحكًاألَم تَشبع؟

• قلتأَوَيُشبعُ من كلامك؟

 

• قالسجَّلت عليك شيئًا آخر، ذكَّرتني به الآن، أنتَ شخص زئبقي، سريعُ التغيُّر والتقلُّب، حربائي، ولستَ منافقًا، تكون على حال ونجدك في حالٍ آخرَ، يحصل ذلك في لمحة بصرٍ، ويظهر ذلك كلُّه في وجهك، رُبما لاحَظْت ذلك؟

• قلتصحيح، لاحظتُ ذلك أكثر من مرة، أخبرني بعض من تلامذتي بذلك، هل تعرف سبب ذلك؟

 

• قالأهلُ مكةَ بشِعابها أدرَى.

• قلتاليوم في زمن العولمة، قد يكون غيرنا أدرَى منَّا، فغيري أدرى مني بذاتي.

 

• قالهذا الذي تقول غير معقول، هل تَمْزَحُ معي؟

• قلتلا أمْزَح، أقول ما أقتنع به.

 

• قالهل الغيرُ ضروري؟

• قلتسؤال فلسفي، نعم، وفي مثل هذه الأحوال على وجه الخصوص.

 

• قالربما لسببٍ ذكرته في أوَّل كلامنا: أنَّك تتأثر بالآخَرين.

• قلتقد يراكَ بعضهم متَشائمًا؛ ولستَ كذلك، إنمَا جهلُ الناس بأحداث الواقع جعَلهم يصفونك بالتشاؤم، وهذا حال كلِّ جاهل بحقيقة ما يجري، بل بخفايا ما يُكمَى في طَيِّ الأحداث والمُجريات، ولا ننفي أنَّ منهم مَن يعي قولكَ ويوافقك، لكنَّه يُنكر عليك؛ خوفًا، أو طلبًا للخلاف، فيَصْدُق عليه قول القائل: ما أردتَ إلاَّ خلافي.

 

• قاللا أُشاطرُكَ الرأي؛ فإنَّ لي من التشاؤم نصيبًا، وقد يكون قولهم سديدًا.

• قلتلا نُنَزِّه أنفسنا عن نصيب من التشاؤُم؛ لكلٍّ منَّا حظُّه فيه، وتشاؤمك - إن صحَّ قولك - لا يضرُّ، ثم اعْلَم أنَّ الذين ينتقدون الواقع، ويصفون فسادَه وشرَّه، يُرَون متشائمين، أمَّا الذين يمدحون الفساد، ويُثنون على الشرِّ، فهم المتفائلون، وأقول: إنهم الكذَّابون، وسينكشف أمرهم قريبًا، فلا تَكُن في عَجَلة من أمرك.

 

• قالهل تراني مُنعَزلاً أحبُّ الانفراد؟

• قلتإننا بطبعنا كائنات اجتماعيَّة في أحيانٍ، وانفراديَّة في أخرى.

 

• قالكلام جميل، إذًا لسنا اجتماعيين بإطلاق، ولا انفراديين بإطلاق، ننعزل في أماكنَ، ونجتمع في أُخَر.

• قلتكم عدَد أصدقائكَ؟

 

• قالليس لي أصدقاء، ولي إخوة، عدُّهم عليَّ صعبٌ مِن وفرَتهم.

• قلتمن هم هؤلاء الإخوان؟ ذكِّرني بأسماء بعضهم.

 

• قالكُثُر، يَصعبُ عدُّهم، كجعوان، وحموان، وصفوان، وكل مَن كان على زِنة "فعلان".

• قلتهل أنا منهم؟

 

• قالأنت مني، وأنا منك، فلا تُفْشِ سرَّنا.

• قلتهل تُجَدِّد أفكارك ومواقفك؟

 

• قاللستُ أهلاً للإجابة، أنتَ لها.

• قلتإنكَ تتجدَّدُ باستمرار، لكنَّ تَجَدُّدَك في اتجاه واحد.

 

• قالوضِّح أكثر.

• قلتاللغة عاجزة، والعباراتُ غير مُسعفة.

 

• قالفهمتُ ما تقصدُ.

• قلتأنتَ داهية.

 

• قالأريدُ أن أتعرَّفَ على أخطائي، أريد أن أُصلحَ حالي.

• قلتنسيتُ، تذكرتكَ، إنك لا تُحسنُ الظنَّ، الأصل عندَك: سوءُ الظنِّ، والفرع: حُسنه، ورغم ذلك فإنكَ لا تؤذي تصريحًا ولا تلميحًا.

 

• قالهل هذا عام؟

• قلتلا، بل خاص؛ إذ منهم - أقصدُ الذين عرَفتهم وخَبَرتهم من إخوانك - مَن تَجعل الأصل في التعامل معهم حُسن الظنِّ.

 

• قالفسَدَ الواقعُ، بل أفسدناه، فالحيطةُ مطلوبة عُمُومًا، وفي عصرنا خصوصًا.

• قلتأشرتُ في كلامي السابق إلى أنَّك وإن كنتَ تُسيءُ الظنَّ - نظرًا لفساد في الواقع مما صنعتْ أيدينا - لا تُظهرُ ذلكَ، ولا تُشْعِر الآخر أنَّكَ أسأْتَ به الظنَّ، بل يُدْرك خلافَ ذلك؛ أي: إنَّك ساذجٌ مُحسن للظنِّ، وهذا من حسناتك.

 

• قالأتدري ما الأَوْلى بي فِعله؟

• قلتلا.

 

• قالأن أُحْسِنَ الظن وأحتاطَ؛ فالاحتياطُ مطلوب.

• قلتلا فرقَ بينَ قولك: أُسيءُ الظن والحيطة.

 

• قاللا، بل هناك فَرْق.

• قلتلا مشاحة في الاصْطِلاحات.

 

• قالالقول ليس على عواهنه، بل للاصطلاحات فوائدُ.

• قلتما العمل إذًا؟

 

• قالالأحوَطُ إحسانُ الظنِّ، والاستثناءُ إساءَته.

• قلتأحْسَن الله إليك، هل يمكن أن أعرفَ جذُورَ سلُوكك هذا؟

 

• قالعَلَّمَني أبي، وعَلَّمتني مدرسة الحياة من خلال قنواتها الكثيرة.

• قلتكيف ذلك؟

 

• قالأبي يشكُّ في كلِّ شيء، إنه تجاوَزَ ديكارت في شكوكه، ثم إنَّ مدرسة الحياة وبيئة الأسرة والمحيط، جعَلَت مني ذلك الرجلَ.

• قلتإذًا أين هو العقل، أقصدُ: عقلك؟

 

• قالإنَّ العقلَ يا سيِّدي مجموعة من العادات والتقاليد وَرِثناها كابرًا عن كابر، وتعلَّمناها، فنحن ضحايا التربية التي تلقَّيناها.

• قلتيمكنُ للإنسان أن يغيِّرَ، أن يَتصرَّفَ، إنه مُخَيَّر في ذلك، أليس كذلك؟

 

• قالالتغيير ليس سهلاً، وليس مُستحيلاً، إنه رياضَة وتداريبُ وترويض، والإنسان في أيَّامنا مُسَيَّر، تُسيِّره الآلاتُ ويَخضعُ لسُلطتها، ومَن لَم تُسَيِّره الآلات، سيَّرته زوجه إلى ما تحب وترضى الآلات.

• قلتتُوجزُ كثيرًا، هلاَّ فصَّلت، وهذا مما يعابُ عليك، لقد سَمِعت ممن تحب قوله: إيجازك مُخِلٌّ.

 

• قالزمننا زمنُ الإيجاز، ويكفينا ما فصَّلنا وأطنَبنا، فالحق أبلجُ، والباطلُ لجلجُ، صِبياننا بالجرائم أعلم، وكبارُنا من الفضائح لَم يَسلموا، فَكِّر وتأمَّل، ترَ الحقَّ في النفوس عَمَر.

• قلتلا أُشاطرك الرأي.

 

• قالالاختلاف رحمة، اختلافُ التنوُّع لا التضاد، والخلاف مذموم، خلاف الأصول والجواهر، فإذا أوْجَزت ففصِّل، والحوار مَطلب ضروري.

• قلتسُجِّلَ عليك أنَّك لا تُحاورُ.

 

• قالمن ذا الذي قال لك ذلكَ؟ مَن قالهُ أخطأ.

• قلتربما لَم تَفهم قصدي، أقصد أنك لاَ تُجادل.

 

• قالفهمتُ قصْدكَ الآن، بالفعل لا أُجادلُ إلاَّ لمامًا، وأكون مُخطئًا في ذلك، وأعلمُ أنَّ الجدل لا يأتي بنَفعٍ حسبما أظنُّ، فالاقتناع قابليَّة قبل أن يكون حُججًا وبراهينَ.

إذا توافَرت القابليةُ العقل - قلبية، فإنَّ الإنسان يقتنع، أمَّا إذا لَم تتوافَر، فلا.

الاقتناعُ وما أدراكَ ما الاقتناعُ؟

• قلتلكن، حاول أن تقنع.

 

• قالأحاولُ قدرَ الإمكان، ولكن هَيْهاتَ هَيْهَاتَ، كثيرة هي الأمور التي أقتنع بها اقتناعًا لكني لا ألْتَزِمها؛ لهذا فإن الاقتناع - في نظري - هو أن تفعلَ ما تَقتنع به.

• قلتشكرًا؛ لأنك صريح.

 

• قالبل هذا واجب، وما فسَد الزمان إلاَّ من...

• قلتبمَ تفسِّر ذلك؟

 

• قالالاقتناع ليس مجرَّد قوَّة نظريَّة، بل عمليَّة، أقصدُ أنَّ الاقتناعَ الحقيقي هو الفعل، أو هو الذي يسوقكَ إلى أن تفعلَ سوقًا، فلو أخَذوا برأيي، جعَلنا الاقتناعَ يُرادف الفعل.

• قلتمَن هؤلاء الذين سيأخذون برأيك؟

 

• قالأهلُ المعاجم.

• قلتما أثرُ التغيير: جعل الاقتناع يُرادف الفعلَ؟

 

• قالهل يَخفى عليك أنَّ العقولَ تَشتغل بالمفاهيم والمصطلحات.

إن الذي يدورُ في عقولنا ليس إلاَّ كلمات ورموز ومصطلحات، ومدلولُ المصطلح في ذِهنك يصنعُ الفكرة، فتتحوَّل لسلوك، ومَن قالَلا مُشاحة في الاصطلاحات، قلنا له: بل يجب ذلك؛ سدًّا منيعًا لذرائع الفساد.

• قلتما سندُك الذي عليه اعتمادُك؟

 

• قالالأحداثُ والتجارِبُ، ألا ترَى أننَا لو قُلنَا: إنَّ الفَهمَ هو حفظ المعاني عن ظهر قلبٍ، أكان ذلك مؤَثِّرًا على مُعتَقد ذلك أم لا؟ وأنَّ الذكي هوَ الذي يُحسنُ الرياضيَّات فقط؟ وأن الأُمِّي الحقيقي هو الذي لا يحسنُ القراءةَ والكتابةَ؟ ستتأثَّر بذلك بلا ريب وقد يقلبُ منهجكَ قلبًا.

• قلتفعلاً، لكن الأمي الحقيقي هو الذي لا يكتب ولا يقرأُ، ما الإشكالُ في ذلك إذًا؟

 

• قالالأُميَّةُ الحقيقيَّةُ أُميَّة أخلاقيَّة، وآفةُ العصر ليسَت أُميَّةَ القراءة والكتابة والحساب، إنها أُميَّة أخلاقية، والشهادات في يومنا ليست مُحَدِّدَة للوعي.

• قلتكلامكَ يختلفُ عما في المعاجم العربية، فإنا نجدُ في المعجم الوسيط مثلاً، أنَّ الأُمية هي الغفلة والجهالة، وقالَ بالحرف الواحد: "الأُميةُ مؤنث الأمي، ومصدر صناعي معناه: الغفلة أو الجهالة، وقال كذلك: الأمي نسبة إلى الأُمِّ أو الأُمة: مَن لا يقرأُ ولا يكتب، والعييُّ الجافي".

 

• قاللا اختلاف ولا تناقُض، فما ذكرته حُجَّة لي لاَ عليّ، إن المعنى الذي يروجُ في أذهان الأغلبية الساحقة منا عندما نذكر كلمةَ الأُميَّة، هي الجهل بالقراءة والكتابة، وهل هذا يكفي؟ لا يكفي؛ فالأُمية حسبَ مَا ذكرتَ من كلام المعجم: جهل بالكتابة والقراءة، ثم الغفلة والجهالة والعِي، وهو قصور الفَهم مع الجَفاء، أزيدك أمرًا، إن الذي ذكرناه الآن معنًى لغويٌّ، وهناك معنًى آخرُ يجب التحقيقُ فيه، وهو المعنى الاصطلاحي.

• قلتماذا تستنتجُ إذًا؟

 

• قالالمصطلحات والكلمات تصنعُ الأفكار، والخَلَلُ في تحرير المصطلح وضَبْطه يؤثر بالأثر البالغ على الفكر، وهذه على السلوك، وليس يَخفاكَ أننا في هذا العصر نُعاني من الاستعمار المصطلحي.

• قلتالذي عَنَّ لي من توضيحك أن المُصطلح يؤثر في الفكر، إنْ إيجابًا أو سلبًا، وينتقلُ ذلك إلى التصرُّف والسلوك، من خلال معاني المصطلحات المستدخلة.

 

• قالهذا ما اصطَلحَ عليه بعضُ الكتاب بأزمة المصطلح.

• قلتقد يقصدونهوقد يقصدون غيره.

 

• قالكم الساعة الآن؟

• قلتالثانيةُ ليلاً وثلاثون دقيقة.

 

• قالالنوم يُداعبُ أجفاني.

• قلتدَاعِبه أنتَ كذلك.

 

• قالكيفَ ذلك؟

• قلتلن أوَضِّحَ؛ لأن بَيانها من الواضحات، هل أعجبكَ تدخُّلي الأخير؟

 

• قالنعم أعجَبَني.

• قلتلماذا؟

 

• قالذكَّرتَني.

• قلتبماذا ذكَّرتك؟

 

• قاللن أُفصِحَ ولَن أوضِّحَ.

• قلتفَهِمتُ، هذه بتلك.

 

• قالكيفَ هي علاقتكَ بهم داخل الأُسرة؟

• قلتالجَواد القديم هو الجواد الجديد، وكأني في المهد صبيٌّ.

 

• قالمن كانَ له حظُّ الأسد في بناء فكركَ، وصُنع شَخْصك؟

• قلتأبي.

 

• قاللماذا؟

• قلتإذ كان يَصطحبني معه حيثما حَلَّ وارتَحَلَ.

 

• قالوما علاقة ذلك بفِكركَ وشَخْصكَ؟

• قلتآنئذ برمَجني، لا أنفي تأَثُّري بوالدتي، لكنه قليل، وقليل جدًّا.

 

• قالهل تَتَعصَّبُ لفِكر أبيك وسلوكه؟

• قلتبل أنقِمُ عليه كثيرًا منها، قد أُشاطره الرأي في بعض وأُخالفه في أخرى، والاختلاف بيننا ليس اختلافَ تضادٍّ مذمومًا.

 

• قالما سببُ الاختلاف؟

• قلتربما الكتب التي قرأتُ، ربما كثرة انتقادي، ربما كثرة تساؤلي، ربما...، اللائحةُ طويلة الذيل.

 

• قالهل يمكنُ تحديدُ ذلك تحديدًا وضَبْطه ضبطًا؟

• قلتلا يمكنُ، وذا مَا يُخطئ فيه علم النفس والاجتماع، وكل العلوم التي تتعامل مع الإنسان.

 

• قالكيفَ يخطئُون؟ أَوَأنت أهل بالتخطئة؟!

• قلتعندما يُؤصلون لظاهرة بشرية من أخص خَصَائصها، ومن أركن أركانها: المرُونة والتعدُّد والتغيُّر، والهدم والبناء، ومن حقي أن أُخَطِّئ؛ لأني بشرٌ لي نصيب من الفكر.

 

• قالإذًا أنت تنادي بعلم اجتماع - نفس جديد.

• قلتلِمَ لا؟

 

• قاللن يعترفوا بكَ؛ فإنكَ لا تَحمل شهادة جامعيَّة، ولَم تدخل لُعبة الإشهار، وليستْ لك يدٌ تَرفعك إلى عل.

• قلتيكفي أن تعترفَ بي أنتَ.

 

• قاللا تُفش السرَّ، دعنا نَستخرج الحقائقَ، ونَستجلي الغوامض.

• قالهل لَكَ أسرار؟

• قلتأسراري قليلة، على رؤوس أصابع اليد الواحدة معدودة، وتَجعلني أضطرُّ لإفشائها في سياقات هزليَّة لا يُؤبَه لها، أصبَحتُ اليوم - بفَضْل التدَاريب المكثَّفة - قادرًا على فَضحها فضْحًا.

• قلتهل ضمنتَ كلامكَ السابقَ أسرارًا؟

 

• قالبلا شكٍّ، ابْحَث ونَقِّب في هزلي، تجدها، وكذا في السطور وورائها وخلفها، وقُدَّامها وتحتها، هنالكَ بياضات جَعَلتها لك لتملأَها.

• قلتفيمَ يُفيدني ذَلك؟

 

• قاليمكن أن يُفيدكَ إن أنتَ أردْتَ ذلك، ولا يُفيدك إن أنتَ أبَيتَ، وآخر الكلام لكَ.

• قلتسَمِعتُ أنَّ عقلكَ أقوَى من قلبكَ.

 

• قالوهل يُميز بين العقل والقلب؟

• قلتلا فَرْقَ بينهما، هما شيء واحد، وإن مَيَّز بعضٌ بينهما، فزَعموا أنَّ العقل للمنطق والحساب واللغة، والقلبَ للمشاعر والأحاسيس، قالوا: لغة القلب غير لغة العقل، غير لغة الجسد، ويقولون غير ذلك، دَعْهم فهم رجال ونحن رجال.

 

• قالوهذا صحيح بدون شكٍّ.

• قلتأشكُّ في ذلك؛ فالعقلُ قلب، والقلبُ عقل، أو قل: عقل القلب، وقلب العقل.

 

• قالهناك دراسات علميَّة تؤكِّد أنَّ القلبَ يفكِّر وله ذاكرة.

• قلتأتظُنُّ أننا لو اسْتَعَرنا من الكافر قلبه، فوضَعناه في هيكل مؤمن، أيَكْفر المؤمنُ أم لا؟

 

• قالسؤال فلسفي!

• قلتبل هو أوضحُ من الشمس.

 

• قالبل الشمس أوضحُ منه.

• قلتالنقاشُ في المثال، ليسَ من دَأبِ الرجال.

 

• قالبل نُناقش كلَّ شيء.

• قلتفلنَعُد لِمَا كنَّا فيه؛ لئلا نَتيه في فيافي النقاش.

 

• قالعُدنا.

• قلتإننا لو بَدَّلنا قلبًا مُؤمنًا بقلب كافرٍ، لا يكفرُ المؤمن.

 

• قالهل ترى أنَّ عقلَ الإنسان في رأسه؟

• قلتلا أرَى ذلكَ، فعَقلُ الإنسان خارج رأسه، أمَّا ما في الرأس، فأجهزة رَبْطٍ واستقبال وإرسال.

 

• قالكلامُكَ عجيب غريب جدًّا.

• قلتإنَّ العقول الصغيرة تستمدُّ بياناتها من العقل الكبير.

 

• قالفما هو هذا العقل؟ وأين هو؟

• قلتالإجابة عن سؤالك صعبة، لا أدري فالناس في استمداد البيانات من العقل الكبير ليسُوا سواءً؛ فمنهم ذُو الحظِّ الكبير، وذو الحظ الصغير، ومَن لا حظَّ له، فيقعُ عليه مصطلح المستهلك.

 

• قالهل يمكن تحسين الأداء؟

• قلتممكن.

 

• قالكيف؟

• قلتباسْتِدخال عناصرَ جديدة، ووسائلَ حديثة، تؤهِّلك للتواصُل مع العقل الكبير، ألاَ تُلاحظ أننَا لا نَفهم من المسائل إلاَّ ما توافَر لنا منه نصيبٌ؟

 

• قاللَم أفهم مقالكَ؛ وضِّح.

• قلتإذا كلَّمتكَ مثلاً بالإنجليزية، لن تَفهمني؛ لأنَّك لا تَفهمها، وإذا سُقْتُ لكَ قواعدَ من الفيزياء النوويَّة، فلن تَستوعبها؛ لأن بِنْيَتَكَ التحتيَّة في الموضوع قليلة أو منعدمة، لكن لو حدَّثتُكَ عن الاشتقاق في الصرف، لفَهِمتني؛ لأن لَكَ بنيةً تحتيَّةً في الموضوع، تَجعلكَ أهلاً للتواصل، وهذا بالنسبة لا الإطلاق، فلكل ميدان فرسانه، ومن الناس مَن لا يصلح لشيءٍ، فلا تَعْجَب!

 

• قالهل الأمرُ يُشبه أمرَ الإرسال في الشبكات؟

• قلتإلى حدٍّ كبير جدًّا، ولعلهم استمدُّوا فكرة شبكة الشبكات؛ أي: الشبكة العنكبوتيَّة من العقل الكبير والعقول الصغيرة.

 

• قالهل هذا الذي بيَّنتَ الآن من بنات فكركَ الخالصة؟

• قلتبناتُ الفكر الخالصة من أعظم الكذب، إن الناس يعتمدون في الإنتاج على تجارب غيرهم؛ شاؤُوا أم أبَوا.

 

• قالمن أين استمدَدْت ذلك؟

• قلتلا أذكر بالضبط، اخْتَلَطتْ عليّ الأمور، حضَرتني الآن فكرة.

 

• قالما هي؟

• قلتالعقل الكبيرُ هو الواقع، الواقع الفيزيائي والاجتماعي المصدر الأكبر للمعلومات.

 

• قالكيف ذلك؟ أظنُّك أصبتَ عينَ الحقيقة، واصِل.

• قلتأراني كذلك، والله أعلم بالغيب، إن الواقع الفيزيائي والاجتماعي والمحيط المحيط بنا عمومًا - يتضمَّن أفكارًا ومعلوماتٍ وحقائقَ - يتضمَّنها بالقوَّة لا بالفعل - ليستْ في متناوَل كلِّ الناس، بل بعضها في متناول الجميع، وبعضها - وهو الغالب - في متناول الخاصة وخاصَّتهم، وهي معلومات مختلفة كثيرة من مختلف المجالات.

 

• قالهل هذه المعلومات والحقائق حكْرٌ على أحد، أو على بعضٍ دون آخرين؟

• قلتليست لأهل الشرق ولا لأهل الغرب، هي للناس كافة، لكن لا يفيدُ منها إلاَّ مَن امْتَلكَ ناصية التواصُل وأجهزةَ الاستقبال، أو القن السري بلغة العصر.

 

• قالهل هو قن مستقر، أو مُتجدِّد؟

• قلتسؤال وجيه، إنه يتجدَّد باستمرار، فنحنُ العربَ فقدنا حلقات كثيرة، ليس الأمر أمرَ غباءٍ أو سذاجة، أو تخلُّف عقلي، إنما فِقدان الحلقات، وهي عناصرُ التواصل والاستقبال.

 

• قالهل يمكن أن نستردَّ ما ضاعَ؟

• قلتممكن ذلكَ، غيرُ مستحيل.

 

• قالكيف؟

• قلتبالاختراق.

 

• قالماذا تقصدُ؟

• قلتالبحث عن طريق جديد.

 

• قالهل الحل في التكنولوجيا؟

• قلتقد يكون، ولا أظنُّ ذلك.

 

• قالأخطأتَ خطأً فاحشًا، لَم تخطِئ مثله قطُّ.

• قلتساهَمت التكنولوجيا في حلِّ مشاكلَ كثيرة.

 

• قالوساهَمت كذلك في صُنع مشاكل جديدة، هذا الذي يظهر في بادئ النظر، أمَّا عند التحقيق فالنتائج سلبيَّة خطيرة.

إن بريق التكنولوجيا أعمى عيونَ البشر، ونهاية العالَم ستكون بيدها.

• قلتهل يجب أن نعود إلى الخيل والبغال والسيوف.

 

• قاليجبُ العودُ إلى الفضيلة، فالعلمُ بغير أخلاق وفضيلة مصدرُ دَمارٍ شامل، هل تظنُّ الغرب متقدِّمًا حقيقةً؟

• قلتيقولون ذلك.

 

• قالبالمقاييس الحقيقية غير متقدِّم.

• قلتوما هي هذه المقاييسُ الحقيقية؟!

 

• قالالمصلحة الآجلة والعاجلة، فكل صناعة وكلُّ فكرٍ وكل سلوك، لا يَأخذ بعين الاعتبار الصلاح في العاجل الآن، والآجل غدًا، فاحْكُم عليه بالضلال وصاحبه بالجهالة والخُسران.

• قلتهل أنت مُستهلك للتكنولوجيا؟

 

• قالنعم، أستهلكُها وأحاول التقنين ما أمْكَنني ذلك سبيلاً.

• قلتإذًا أنتَ تقول ما لا تفعل؟

 

• قالسلطة التكنولوجيا أقوى.

• قلتماذا تقصد بسُلطتها؟

 

• قاللأني أضطرُّ لاستعمالها، الأصل الواجب أن أُسَيِّرها وأتحكَّم فيها، لكنَّ ذلك لَم يَحصل، فسيَّرتنا وأخْضَعتنا ذُلاًّ لنظامها صالحًا وطالحًا.

• قلتهل أنت ضحيَّة؟

 

• قالقلْ بملء فيك ذلك، لاَ يفضض اللهُ فاكَ.

• قلتما الحل إذًا؟

 

• قالالحل عمل جماعي، والأمرُ يتعلَّق بنَسق عام، وسياق متكامل، ليس للأفراد يدٌ في الموضوع إلاَّ أن يتَّحدُوا، والاتحاد لا يكون إلاَّ في ظلِّ قيادة، وقانون الردع والزَّجْر مطلوب.

• قلتوهل تَخفى خطورةُ التكنولوجيا على العلماء والخُبراء وأهل الميدان؟

 

• قاللا يَخفى شيء من ذلك، يعرفونه حقَّ المعرفة، ومطَّلعون على حقائق لا نَعرفها، فلو عرَفَها الفردُ منا ذُو القلب، أُغميَ عليه، فبعضهم ينسَاقُ مع الأموال والأرباح، وبعضهم مَغلوب على أمره، لا حول له ولا قوة!

المسألة ليست سهلةً كما قد نتصوَّر، والسببُ الرئيسُ فصلُ الأخلاق عن العلم؛ إذ لا قيمة للعلم بلا أخلاق، والمدرسة تَمنحكَ الشهادة بصَرف النظر عن أخلاقك، وبصرف النظر عن شهادات ذَوِي الخِبرة في الأخلاق، المهم عندهم أنَّكَ (كُفءفي تخصُّصكَ، وتلكَ والله ليستْ كفاءة حقيقيَّة.

• قلتوهذه مسألة خَطِرة.

 

• قالبل هي عين الخطر وأنفُه ومِنْخارُه!

• قلتكيف العملُ؟

 

• قاليجب ألاَّ نَفصلَ العلمَ عن الأخلاق، والعلمُ بغير أخلاق أعورُ.

• قلتلكن، قد نختلف في تعريف الأخلاق، فلكلِّنا توجُّهاته ومُنطلقاته وأولويَّاته.

 

• قالتدَخُّلكَ في محلِّه، وهنا مربط الفَرَس، والموضوع طويل الذيل، كثيرُ الشِّعاب، فيه أكثرُ من بضع وسبعين شُعبة، سنوجزه في عبارات: ينبغي أن يؤخَذ الإسلام مصدرًا في الأخلاق، ثم ما وافَقَ العقولَ السليمة الناظرَة في المصالح في الآجل والعاجل، وكذا العادات الجميلة إذا قِيسَت إلى الأصول الشرعيَّة.

• قلتلن يسلموا لك بهذا.

 

• قالإذًا سيبقى الحال على ما هو عليه!

• قلتوسَنَهلِك بما فَعَل السُّفهاء منا.

 

• قاللا مَحالة.

• قلتعندي حلٌّ أرَاه مفيدًا.

 

• قالأَدْلِ بدَلْوِكَ.

• قلتتأليف كتاب أو كتب في الأخلاق وفَضْلها وعلاقتها بالعلم.

 

• قالأُلِّفت في الموضوع المكتبات العريضات وليس الكتب، ولَم يُجدِ ذلك نفعًا.

• قلتلماذا؟ لا بدَّ أن يكون لذلكَ آثار، وإن لَم تظهر الثمار اليوم، فلا تستعجل القطاف قبل الأوان، ومَنِ استعجَل الشيء قبل أوانه، عُوقِب بحِرمانه.

 

• قالإذا غلبَ تيَّارُ الفساد موجَ الصلاح، كانت النتيجة - كما ترَى - فاحشةً، فالمسألة مسألة غلبة كميَّة وكيفيَّة.

إن الطفل الذي ترَعرَع في بيئة تَعِجُّ بالفساد، يستَنشق الفسادَ حيثما حلَّ وارتَحلَ، لا تنتظر منه إلاَّ أن يكون مفسدًا، إلاَّ أن يشاء الله، فيُجري عليه أسبابَ الصلاح، فيَنصلح.

• قلتيا هذا، إنَّ هذا الذي توضِّحه الآن نعرفهُ ويعرفُونه، نريد الحلول، وهذه آفتنا جميعًا، نفسِّر فنَتِيهُ عن المطلوب.

 

• قالهل تقصدني؟

• قلتأنت مني وأنا منك، لا تُفشِ سرَّنا.

 

• قالسأستلقي هنالك لأُفَكِّر، وسآتيك بالحلول.

• قلتإذًا أنتَ تريد النومَ؟

 

• قالإذا سَمَحت لي بذلك.

• قلتنَمْ قليلاً، ولا تَغِطَّ فيه.

نام شريكي، نام أخي الذي أستنبطُ منه ومني يَستنبطُ الكلام، يَعْسُر عليّ استخراجُه الآن، ربما سأوقِظه لنُتِمَّ مسيرنا، نرحَل في الفيافي سالكين طريقَنا.

 

• وهل سيُرضيه ذلك؟

• لا أظنُّ ذلك سَيُرضيه.

• فلنومه غَطيط.

 

• ما هذا؟

• ماذا أسمعُ؟

 

يكلم نفسه، يخاطبهاهل هذه أضغاثُ أحلام؟ لا أكاد أصدِّقُ سَمعي، ماذا يقولُ صاحبكَ؟

 

يقولنحن ضحايا تربية فاسدة تلقَّيناها عَبر قنوات الثقافة وشِعابها، نحن ضحايا بيئة فاسدة ترَعْرَعنا تحتَ أجنحتها، نحن ضحايا آبائنا وأُمَّهاتنا، والحُقَن التي حُقِناها، نحن ضحايا أحداث عالَميَّة، سَاقتها ريَاح العَوْلَمة وأمواجها العاتية، أمَّا عقولنا فهي ضحيَّة برامجَ فاسدةٍ تلقَّتْها في الصغر، فأثَّرت فيها في الكبر، فترسَّبت عليها كترسُّبات كلسية في الآنية التي يَغلى فيها الماء في المناطق الغنيَّة بالكلس.

 

وهنا في هَذا السياق يَجدُرُ بي أن أطرحَ إشكالاً مشكلاً؛ تلك الطفلة الصغيرة البريئة المُترعرعة في بيئة فاسدة، في بلد كافر مُلحد، تسمعُ لِمامًا عن الإسلام والحجاب، والصلاة والزكاة والحج، فلا تكادُ تصدق ما يقرعُ سَمْعها، مما يساق في سياقات الذم والقدح، أو في أحداث عابرة؛ لأنهم عَلَّموها الانتقادَ والشك في كلِّ شيء، ورسَّخوا في ذُهَينها الصغير أنَّ الإسلام دينُ الإرهاب والإرهابيين.

 

كلنا - نحن المسلمين - مسؤولون؛ لأننا لَم نوصل لها الإسلام النقي الصافي من الشوائب كما أنزلهُ ربُّنا - سبحانه وتعالى.

 

وأعظم أساليب الدعوة: الدعوة بالقدوة الحسنة، الدعوة بالعمل الصالح.

 

إنَّ أقوالنا في وادٍ، وأفعالنا في وادٍ آخرَ، بل إنَّ من بين أزمات عصرنا تناقض أقوالنا وأفعالنا.

 

• قلتأتُراكَ مِن هؤلاء؟ وظَنَنته لن يُجيبني؛ إذ هوَ نائم.

 

• قالأنا منهم، فلا أُبَرِّئ نفسي، أنا ضحيَّة.

إن النفسَ لأَمَّارة بالسوء إلاَّ مَن رَحِم ربي.

• قلتكيف حَصَل ذلك؟ وظننتهُ لن يُجيبني.

 

• قالسبَقَ تفسيرُ ذلك، فلن أكرِّر، أم أنكم ألِفتُم التَّكرار.

• قلتلا بل أريدُ التأكد للتبيُّن، ولا أتَّهمكَ بالفِسق.

 

• قالإذا فَسَدَ واقعُ الناس ودَبَّ الشرُّ في صُفوفهم، فانعَزِل، قد يقول المُفرِطون في التفاؤُل، لا تَنعزل، بل خالِط الناسَ وانْصَحهم وعِظْهم، أقول لك: أنا المتفائل العاقل ابن العاقل المتفائل، ابْتَعد عنهم ما أمْكَنك ذلك سبيلاً.

 

إنَّ الأغلبيَّة الساحقة من أبناء جِلدتنا مرضى، تراكَمت فيهم الأمراض والعِلل، وَرِثوها كابرًا عن كابر، من أُسَر فاسدة، وأجواء طالحة، وَرَّثوهَا أبناءهم ومَن يَقتربون منهم، فانْعزِل عنهم أيُّها الرجل تَسْلم، وفسادُ السلوك والأقوال دالٌّ دلالة قويَّة على بَوَار العقول والقلوب، وكنا بعد ذلك قومًا بُورًا.

 

إنهم مُسَيَّرون غير مُخَيَّرين، ومَن قال لكَ: إنهم مُخَيَّرون، فقل له بملء فيك: أنت كذَّاب، خرَّاص، أَشِر، مُفتَرٍ.

 

إن التنشئة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، والسياسيَّة والفكريَّة والتربويَّة، التي تَلَقَّوها - جعَلَت منهم أشرَارًا، بل إن الشر يتدفَّق منهم تدفُّقَ الماء من القِرْبة المنخرقة.

 

• قلتإنَّ من الناس صالحون وطالحون.

 

• قالأكثرهم طالحون، ولا تفهم من قولي هذا أني مَلَكٌ لا أُخطئ، إني بشرٌ لي من نوازع الشر نصيبٌ، لكنني أحْسَنُ حالاً من هؤلاء الذين وصَفتُ لك، وتعرف عنهم كثيرًا.

الانعزال موقفٌ أتشبَّث به وأقْتَنع به تمام الاقتناع، ما دام الفساد قائمًا، يَنصحني أبي بذلك دائمًا، ولَم أكُ أستوعبُ مقاله لخِفَّة كانت في عقلي، وقِلَّة في تجاربي، لكني اليوم أقتنعُ به، أُفٍّ لكم!

• قلتمَن هؤلاء الذين تَقصد بتأفُّفك؟ وما ظننتُه سيُجيبُ.

 

• قالكلُّ مَن لا يتحكَّم في لسانه ويده ولُبِّه وجَنَانه، وكلُّ مَن تُسَيِّره تربية فاسدة وعادات قبيحة.

• قلتومَن المسؤولُ؟

 

• قالكلهم مسؤول: الفاعلُ والمفعولُ به، والحال والمحل، المسؤوليَّة الكبرى على عاتق المُجرم الفاعل.

• قلتهل تصفه بالإجرام؟

 

• قالنعم، ويحقُّ عليه الوصف، وينطبقُ انطباقًا.

• قلتهل أنت غضبان؟

 

• قالنعم غضبان - على وزن فعلان.

• قلتما سببُ غَضَبِكَ؟

 

• قالسوءُ تصرُّف من الرجل أزْعَجني، وعن مَضجعي قَضَّني، وعن فعلي صَرَفني.

• قلتمَن هو؟

 

• قاللن أذكرَ اسمهُ.

• قلتهل كنت تنتظرُ منه ذلك؟

 

• قالكنتُ أنتظر منه الكثيرَ.

قلتكيفَ عرفتَ ذلك؟ وهل تعلمُ الغيب؟

 

• قاللا أعلمه، ولو كنتُ أعلمه لاستكثرتُ من الخير، إنما بالقياس عرَفته، ومن خلال ما يَحكيه من تجاربَ يسُوقها افتخارًا استشعَرته، وهي تجاربُ تُبَيِّن الفشلَ - فَشَله - بيانًا وهو لا يدري، تكشفُ عوَارًا وارتْه الأحداث والزمان، ومن خلال فلتات اللسان، ومن خلال قرائن الأحوال، وهي كثيرة يصعبُ ضَبطُها، ويُمكن للذكي أن يُدركها من تقاسيم الوجه، وحركات اليد، وتحرُّكات العين.

• قلتلا تَغضب؛ أنت قوي، أقوَى منَ المؤثرات، اصْمُد وتحكَّم في مشاعرك.

 

• قالأظنُّني أقوَى من كثيرين، لا أقولُ ذَا على سبيل الافتخار، إنما الحق أقول، وربي يشهدُ بذلك - سبحانه - ثم بشهادة زُمرَة صالحة من الناس، ومن مصادر قوتي إدراكي لنفسي، أكادُ أجزم - وليس الجزمُ بمنطقٍ في العلم - أنَّ جلَّ الذين يُدركون أنفسَهم كلَّ الإدراك، مُدركون غيرهم بعضَ الإدراك؛ لأن عناصر النفوس واحدة مشتركة، وإن اخْتَلَفت في أبعاض تفاصيلها وجزئيَّاتها.

 

الاستدلال بالتماثل قد يكونُ صحيحًا في أكثر الأحيان، أمَّا الذين يَنفُونَه ففَهْمُهم للتماثل مُختَلٌّ، إنهم يرَون فيه جعلاً للذات مركَزًا للعالم، وهذا لا يمكن تعميمه في كلِّ استدلال بالتماثُل.

 

أقولإن المدركين لأنفسهم إدراكًا، قادرون على فَهْم غيرهم فَهمًا، ولست أقصد بالفهم - في هذا السياق - الفهمَ المطلقَ الذي لا يَعتريه نقصٌ، فهذا غير مُمكن، والعجيب في الظاهرة البشرية خُصوصًا - والعلم عمومًا - أنَّكَ كلَّما ازدَدْتَ فيها علمًا، ازدَدْتَ جهلاً، واحْتَجْتَ للمزيد.

 

وفي هذه الأثناء استيقظَ الراوي وفي عينيه دموع ظاهرة، كفْكَفَ منها ما استطاع، فانْطَلَقت منها قَطَرات آخذة مسارها إلى فمه عبر الجِهة العلويَّة من أنفه.

 

• قلتكنت تُكَلِّمني وأنت نائمٌ.

 

• قالهل كان ذلك فعلاً؟

• قلتأتظنُّني أكذب، كنتُ أسألك، فتُجيبني.

 

• قالما جرَّبتُ عليكَ كذبًا، كنتُ أُجيبكَ؟ عجبًا كيف حصل ذلك؟

ولا أظن أنَّ أحدًا لَم يكذب إلاَّ أن يكون معصومًا، أمَّا ما يدَّعيه الناس من الصدق، ففي أساسه كذبٌ!

• قلتهل يؤخذُ عنكَ ما قلتَ مأخذَ الجِد؟ أم مأْخَذ الهَزْل؟

 

• قاللا يَخلو الهَزْلُ من جِدٍّ، فتِّش في رُكام الهزل بقَناديل العقل، تَجِد منه جِدًّا كثيرًا، لقد بِتُّ على وضوء.

• قلتحُلمُكَ رؤيا صالحة، وليس أضغاثَ أحلام، وزَنتُ مقالَك في موازين عقلي، فأَلْفيتُ جلَّ ما تضمَّنه صحيحًا صريحًا، فلو كان منه غَلَطٌ أو أغلاط، انتَقَدتُها عليك.

 

• قالما تفاصيل حُلمي؟

• قلتيطول التفصيل، ثم إنَّكَ من مُحبِّي الإجمال والإيجاز.

 

• قالاجْمَع ذلك في كلمات مركَّزة، وهو الإيجاز، أو ليَكن المعنى كاللفظ، وهو المساواة.

• قلتسأُخبرك بذلك غدًا أو بعده، لا تَعْجل، فغَمَزَه بعينه: لن أُخبركَ الآن؛ لئلاَّ نُثقِلَ على أخينَا المتلقي، فقد يَقنَط فيَنصرف.

 

• قالهل لك فلسفة في الوجود؟

• قلتسؤال صعب، صعبٌ على أمثالي الإجابة عنه، ثم إن ضَبْطَ الأمر أقربُ من الاستحالة منه إلى الإمكان، الأمرُ هنا يَتَعَلق بظاهرَة بشريَّة من أخصِّ خصائصها وأرْكَن أركانها: الحرية والتَّعدُّد، والمُرُونة والعموميَّة.

 

• قالهل أنتَ أديبٌ؟

• قلتيمكنُ أن أكونَ، فأنا الأديب الكذَّاب، لكني أكذب الكذبَ المباحَ، أحرصُ الحرصَ كلَّه على الإفادة والخير والصلاح، فلا يُعتَرَفُ بي.

 

• قالولماذا لا يعترفون بكَ؟

• قلتفإني لَم أدخل لُعبةَ الإشهار والإعلام.

 

• قالما قصدُك بقولك؟

• قلتالإشهَارُ يجعلُ الإنسانَ أديبًا وناقدًا وشاعرًا، وفيلسوفًا ومُجرمًا وإرهابيًّا وعالِمًا، يصنَع الأحداثَ كما أرادَها المُخرج، إنه وسيلة مُوصلة إلى التدليس والكذب والدعاية، وتحفيز الجيوب على الإنفاق، وبكلمة موجزة: "إنه السلطة السحريَّة السلميَّة في الظاهر الحربيَّة في الباطن، فهو اليد اليُمنى للسلطة".

 

قاللا تخفى عليّ سلطةُ الإعلام، فهو أداة للتلاعُب بالعقول والقلوب، ونَشْر المفاهيم والسلوكيات التي أُريدَ لها أن تُذاعَ وترفرفَ عاليةً في سماء الدنيا، واستقلالُ الإعلام من أكبر الكذب على الإطلاق.

هذه الكذبة أشبه ما تكون بكلام الناس: إنَّ زمنَ الإيديولوجيَّات ولَّى!

• قلتما قَصدُكَ باستقلال الإعلام؟

 

• قالدعكَ من هذا؛ فذلك لا يَخفى على أضرابك.

• قلتسلطة الإعلام لا تَخفى على أحد، حتى السوقة من الناس.

 

• قالالمشكلُ في كيفيَّات التخلُّص من الآفة، وفي وسائل التصدِّي للسلطة والمُعمَّى من اللُّعبة.

• قلتما العمل إذًا؟

 

• قالالمشكلُ في النَّسَق العام والسياق الذي أخذَه المجتمع، والحل كامنٌ في العمل الجماعي المنسق من جهات لها حقُّ الرَّدع وأخْذ الحقوق من سالبيها، ورَدها إلى أيدي أهلها، وهذا الحديث لا يُشبه حديث حقوق الإنسان؛ لأن الحديث عن حقوق الإنسان والمُصالحة بعدَ وقوع الواقعة، ليس له معنى في نظر العُقلاء؛ فهو استغفال واستحمار، أما إذَا كُسِرت الأنُوف والجماجم والأسنان، ووئِد البشر، فلا حديث آنئذٍ عن الحقوق ولا عن الإنسان!

 

ثم اعْلَم - رَحِمكَ اللهُ - أنَّ القاعدة - الأغلبية الساحقة - هيَ التي تُفرزُ النخبَةَ الحاكمةَ المسؤولة، وصَلاح هذه متَوقِّف أساسًا على صلاح القاعدة، إنما تُعاملُ الجهاتُ الحاكمة القاعدةَ بالطريقة التي تليقُ بها، فإذا تغيَّرَت القاعدةُ تغيَّرَت الجهاتُ الحاكمة المسؤولةُ بطريقة آليَّة.

 

 

• قلتتصورُكَ يُباينُ تصَوُّر الناس اختلافًا.

 

• قالوما تصوُّر الناس؟

• قلتيرون أنَّ حاكميهم يَظلمونهم، يعاملونهم بما لا يَليق، يقولون ما لا يفعلون.

 

• قالما قلتُه أراه وما قالوه لا، إنَّ البَعرة تدلُّ على البعير، والدُّخَانَ على النار.

• قلتمثالك في مَحَله، أنت حكيم.

 

• قالأين أنا من الحِكمة؟ حكيم لا يُحافظ على صلواته، حكيم لا يَصِلُ رَحِمه، حكيم لا يؤدِّي واجباته.

• قلتقيل أنتَ مَغرور.

 

• قالرآني بعضُهم مغرُورًا، وهم قِلَّة، ولست أراني كذلك، وهذا هو المُهم عندي وعند العُقلاء من أبناء جنسي، فحكمُهم لا أشكُّ آيِلٌ إلى سُوء فَهْمهم أبعاضًا من طباعي.

 

المغرور - أعزائي - لا يعتَرفُ بأخطائه، وأنا أعترف بها، المغرور راكد آسِنٌ، وأنا متغيِّر، المغرور يتعالَم وأنا لا أتعالَم، المغرور يرفضُ الانتقادَ ولستُ أرفضه - بل أقبَله وصدري له رحب - أكان في طبق ذهبٍ أم طين، متأكِّد أني لستُ مغرورًا ولا أُشبه المغرورين، لكن لماذا وصفت بذلك؟ رُبَّما اختلطَ عليهم أمري، ربما عَسُر عليهم فَهْمُ طباعي، ربما لأنَّ طريقتي في التعبير والحركة والتفكير بذلك توحي.

 

الاحتمالات كثيرة، وهي شُبهات لن أُكَلِّف نفسي عناءَ الردِّ عليها؛ لأني مُطَّلع على نيَّتي وقصدي، ولأني أَنْبِذ الغرورَ وأُدْرك مفاسده، زِدْ على ذلك أنَّ سوءَ فَهْمهم لا يَهمني، ولن يُقلقني.

 

• قلتألا زِلتَ تتمادى في غرورك؟

 

• قالأكَّدتُ لكم بالمعقول أني لستُ مَغرُورًا ولا شبيهًا به،ولا يَهمني وصفُكم ما بِتُّ غير مغرور، أمَّا أنَّكم لَم تَفهموني، فالمُشكل مشكلكم، يكفيني شرفًا أني أُدركُ من نفسي الكثير، فعلمي قاطع أني لستُ مغرورًا، تِلكم ألْسِنتكم، فقولوا بها ما شِئتم، إيَّاك أعني فاسْمعي يا جارَة.

• قلتولماذا تكتبُ؟

 

• قالأحببتُها صغيرًا، وتعلَّقَ قلبي بأستارها، فما استطَعتُ فِراقها ولا التفكير فيه؛ لأنه مؤلِمٌ. وجَدتُ فيها الأنيسَ والشِّق الثاني، الزوج المُكَمِّلَ، فيها سكن ومودَّة ورحمة، علاقتي بها قديمة. أخْبَرتني أُختي ذاكرتي بزمن يكادُ يكونُ مضبوطًا، قالت: "علاقتك بالكتابة بدأتْ قبل العاشرة؛ إذ كان أبوك يحثُّك على الكتابة حثًّا، قد يصل به الأمرُ في أكثر الأحيان إلى مُعاقبتكَ إن أنت تخلَّيْت أو أخطأتَ أو أهْمَلت، يَضربكَ ضربًا شديدًا أحيانًا ووسطًا أخرى، يأمرك ملزمًا بإعادة كتابة دروسك؛ ليَسْهل عليك فَهْمها وحِفظها. وتقرَّر أمرُ الكتابة بعد العاشرة في المرحلة الإعداديَّة، فكان احتكاككَ بالقلم كثيرًا، وأثَرُ ذلك كان واضحًا ظاهرًا في إصبعك الوسطى من شدَّة الضغط على القلم، فتمرَّست اليدُ وتقوَّى الفؤادُ.

 

وقد نَضِجت التجربة في المرحلتَين الثانوية والجامعيَّة، فأَصْبَحتَ سائقًا بارعًا في المنخفضات والمرتفعات، والطرق المعبَّدة وغيرها، في المدن الكبرى والصغرى، والأحياء والأزِقَّة.

 

ظننتُ أني بعد الأستاذيَّة - كما ظن كثيرون - لن أواصل سياقَة قلمي لأُرِيحه، ولكنَّ الخلاف هو الذي حصل؛ إذ زادَ تعلُّقي به وحبِّي لها (الكتابة)، فخُضْتُ به في عوالِم مختلفة؛ قصصيَّة ومقاليَّة، وشعريَّة ومسرحيَّة وفلسفيَّة؛ بحثًا عن الحقيقة".

 

قلتلِمَن تكتبُ؟

 

قاللنفسي جَعلتُ الكتابةَ أولاً، وعقلي ثانيًا، والمتلقي النجيب ثالثًا، إنه المتلقي من النوع الممتاز، الذي لا يربط الأفكار والإنتاجات بأصحابها، بل بقيمَتها الفنيَّة والعلمية، أمَّا القُرَّاء المرضى، فليس عندي دواؤهم، ولا أقبلهم شركاءَ في عمليَّتَي الاستيراد والتصدير، وتِلْكُم تجارتي المفضَّلة.

• قلتما مرَضُهم؟

 

• قالالتعلُّق.

• قلتبِمَن يتعلَّقون؟

 

• قالبأفراد وأشخاص.

• قلتولماذا؟

 

• قاللأنهم دخَلوا لُعبة الإشهار.

• قلتكيف فعَلوا؟

 

• قالتسلَّقوا فوصَلوا.

• قلتإذًا عليك أن تتسلَّقَ لتَصِل، تسلَّق وتسلَّق، وكرِّر المحاولة ولا تيئَس، فليس اليأس من شيَم الرجال طَالِبي الحقيقة، أعرف بعض المتسلِّقين الذين أدركوا بُغيتهم ممن لا يستحقون، ولسنا في حاجة إليهم، بل إن وجودَهم في تلك المقامات ما زادهم إلاَّ شقاءً إلى شقاء.

 

أصدقك يا صديقي إن قلتَ لك: إنَّك تفهمُ اللعبة وتُدركُ الشفرات، وتَفهم لُغة السياسيين فَهْمًا، ولا أدَّعي أنَّ الذي يَنقصكَ قليلٌ، فكثير مما يَنقصك، احْرِص على ما ينفعك.

 

• قالوماذا بعد التسلُّق؟!

• قلتقبله مجهود وبعده شُهرة، ولكلِّ امرئ ما نوى؛ فمن كان قصده الشهرة، عُذِّبَ بها، ومَن كان قصدُه الإصلاحُ، فله الجزاءُ الحسنُ في الدنيا والآخرة، ينسى الناس أنَّ هناك يومًا للحساب والجزاء، وأنَّ هذه الدنيا دارُ ابتلاءٍ وعملٍ، ونسيانهم أو تَناسيهم قادَهم إلى التَّهافُت على الدنيا؛ طلبًا للمال والشهرة والحُطام، ومتاع الدنيا قليلٌ، وخير متاعها التقوى والعمل الصالح.

 

• قالدَعني أسألك سؤالاً - وإن كان في غير السياق الذي نحن فيهما تَصوُّرُك للكتابة الأدبيَّة؟

• قلتالأدب هو الحريةُ، وشَرطها أن تكون مقرونة بالصلاح وداعيةً إليه، اكْتُب أيَّ شيء، ولا تَهتَمَّ بالقوالب الجاهزة، والأنماط المتداولة، والشروط المسطَّرة؛ فذلك كله من وضْع بشرٍ، والْتَزِم الخُلُقَ الفاضل، فالأسبقيَّة للنص لا للقوالب!

 

• قاللكن سيقولون: إنَّ هذا لشيءٌ عُجاب!

• قلتدَعْهم يقولوا ما شاؤوا، واقْتَنع بإنجازكَ، ولا تهتمَّ بإرضائهم؛ فإنه لو اجْتَمَعت الجنُّ والإنس لإرضائهم، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، شُقَّ طريقك إلى أهدافك ومراميك، وتخلَّص من جراثيم الإحباط بمناعتك الطبيعيَّة؛ فإنها قويَّة تُغنيك عن المكتسبة، أرْسِل عليها جيشًا عَرَمْرَمًا من المضادَّات، تَقضِ عليها وتُدَمِّرها تدميرًا.

 

• قالمَن علَّمكَ هذا؟

• قلتعلَّمتني مدرسة الحياة أن أمشي على جُرحي، مرفوعَ القامة أمشي، منتصبَ الهامَة أمشي، في كفي قلمي منطلقًا ولا أُبَالي، علَّمتني الحياة دروسًا ما تعلَّمتُ مثلها في المدارس الرسميَّة، أذكر أنني فَقَدت الثقة يوم اكْتَشَفت أنَّ الكذب أصلٌ أصيلٌ في بشر هذا الزمان، ظنَنتُهم يصدُقُونني الحديث، فإذا بالجزء الأكبر من كلامهم كَذِبٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، صدَمَتني هذه الحقيقةُ صدْمًا، وأفَادتني أيَّ إفادة؛ إذ جعلتني أُعيدُ بناءَ منهجي وترتيبَ أوراقي، فكانت لذلك ثمار نضرة عَطِرَة مُنتشرة، فنعم الصدمة ونعم الفائدة.

 

تُزَوِّدنا مدرسة الحياة بعدَدٍ كبيرٍ من التجارب والدروس، فمنا مَن يفيد منها ويتَّخذ وقائعها عِبرةً وأحداثها مواعظَ، ومنا آخرون لا يهتمُّون ولا يَنتَبهون، وعن دروسها غافلون، فهم أضلُّ من الأنعام، مدرسةُ الحياة أكبرُ المدارس على الإطلاق، أسفارُها ومُجَلَّداتُها عِظام معروضة على كلِّ القُرَّاء إلاَّ مَن أبى.

 

إنها تراكماتُ الماضي، وتجاربُ العالَم، وعمليَّة نَقْل الإرث الثقافي عبر المسالك المختلفة، ومن خلال التنشئة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية - أُهِّلَ ابن اليوم للتواصُل مع إخوانه من الأقوام الأولى.

 

• قالإذا كانت الحياة مدرسة، فما هي نظرتُك للموت؟

• قلتالموت مدرسة من المدارس، فهو الذي أعطى الحياة قيمتها، وأبرز مكانتها، ووضَّح معالِمهَا، وحَدَّ من شرور الإنسان، فَرَدَعَه، هو هادم اللذَّات، ومُفَرِّق الجماعات، وبدايةُ النهايات، فله قيمة نفسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة مهمَّة، ويخشى الناسُ الموتَ؛ لأنه يَقطَعُ طموحَهم، ويَهدِم تواصُلَهم.

 

كنت أخشى الموت، لكني لا أخشاه اليوم؛ لأني أدرَكتُ أنه مرحَلة من المراحل وشوط من الأشواط، كلُّ مَن عليها - أي: الأرض - عابِرُه، فمَن عَمِل صالحًا في دنياه، لَم يَشْقَ في موته.

 

• قالأدرَكتُ من كلامكَ إيمانًا.

• قلتإيماني أخي ناقص، أسألُ اللهَ أن يُقَوِّيني ويُعينني على ذِكره وشُكره وحُسن عبادته.

 

• قاللماذا؟

• قلتإذا عُدْت إلى التربية التي تَلَقَّيتها، فَهِمْت السرَّ؛ إذ إني لَم أنشَأ في أسرة ملتزمة كل الالتزام، لقد الْتَزَم أبي بعد أن بلَغتُ من العُمر الحاديةَ عشرة، فكان يُعَلِّمني الصلاة والفرائض والنوافل وأعمال الخير، ويَمنَعني من مُصافحة الأجنبيَّات، فاستقرَّت بعض الفرائض في نفسي، وانْمَحى بعضها مع بقاء الأَثَر.

 

• قالأراك أحسنَ حالاً من غيرك؟

• قلتذلك من فضل ربي، أحرصُ ما أمكَنَ لأكون خَيِّرًا مؤمنًا صالحًا، وأراني في حاجة إلى مزيد من التداريب الرياضيَّة لأتقوَّى، وسأُحاول جهد المستطاع.

 

• قالحدِّثنا عن حالكَ الاقتصادي قبل العاشرة وبعدها قليلاً، فحكايتها شيِّقة.

• قلتأخْجَل والله أن أُحَدِّثكُم عنها، فقد كانت قاسيةً.

 

• قالأفْصِح، وصِحْ بالحقيقة، ولا تَخْجل؛ فإن حكايةَ تجربتك مُفيدٌ.

• قلتلا أستطيعُ، فقد عَجَزتُ، أحْسَستُ بثِقَلٍ يعتري لساني، وألَمٍ يُخَامر قلبي.

 

• قالحدِّثني عن الأعمال التي زاولْتَها صَبيًّا؟

• قلتاشتغلتُ في البناء عاملاً متعلِّمًا أيَّامًا معدودةً، وفي محطة البنزين صيفًا كاملاً عند رجل يُدْعى: سُليمان، وبائعًا للملابس الجديدة والمستعملة في أوقات، وكنت ألقى تشجيعًا كبيرًا وتعزيزًا عظيمًا من والدي، وأخصُّ بالذكر "زهرةأمي، هذه التي كانت تُشجعني من خلال قصَص تَرويها محفِّزةً عن ناجحين في التجارة والأعمال، وكانا لا يهتمَّان بدراستي، فلا يهُمُّهما نجاحي وتفوُّقي، فقد كانا يفرحان، لكنَّ فرحهما مفقودٌ فيه الأملُ.

 

ولَمَّا انتقَلتُ إلى المرحلة الجامعيَّة، مُتجاوزًا المرحلة الثانوية بتفوُّق محفوف بالتحدي، أشارَ عليّ أبي ألاَّ أرتَادَ الجامعة بمكناس كل الأوقات، فاقْتَرح علي أن أسافرَ إليها أحيانًا؛ لاجْتِلاب الدروس فقط، ويرمي من قوله هذا إلى أمور فَهِمْتُها آنئذٍ، إنه يخشى عليّ الانحرافَ والزيغَ؛ لأنه يعرف عن الجامعة كثيرًا، وأصل معرفته السماع.

 

إني نشأتُ في حضن أسرة جَمَعت بين الصغَر في العدد والفَقر في العُدَّة، تتنازَل عن كثيرٍ من الضروريَّات، دَعْ عنكَ الكماليَّات والتحسينيات، ومن أجمل أيَّامنا يوم نتغذى فيه على لَحمٍ قليل منه.

 

التغلُّب على المشاكل الاقتصادية ممكن، لكنَّ التغلُّبَ على الاجتماعيَّة المترتِّب جزء منها عن الاقتصادية، صعبٌ محفُوف بمخَاطرَ، فقد شَهِدتُ صراعًا؛ بل صراعات بينهما، كانَ لها وقْعٌ كُبَّار على نفسي وتحصيلي ومسيرتي، كنتُ سأطمئنُّ لو كان صراعًا من أجْل أمرٍ يستحقُّ أن يكونَ موضوعَ صراعٍ، لكنَّه كان للأسف الشديد لأسباب تافهة كل التفاهة.

 

• قاللقد انْحَرفتَ عن طريق الموضوع، احْذَر.

• قلتلَم أنْحَرف، إنما طبيعةُ الأمور مترابطة، يُفهم بعضها في سياق بعض.

 

• قالواصِل سَيْرَك، لا فُضَّ فوك.

• قلتكان الأمرُ يصلُ بينهما في بعض الأحيان إلى الطلاق والفِرَاق.

 

• قالوماذا كان رَدُّ فِعلكَ آنئذٍ؟

• قلتكنتُ أحاولُ أن أكونَ حَكَمًا بينهما فيصلاً، رغمَ حَدَاثة سنِّي، فلا تُجدي محاولاتي فَتيلاً؛ لأن الجوانبَ الخافيةَ من أسباب الصراع أعظمُ من الظاهرة، فكنت أعجِزُ ولا أفهم، عندئذٍ يَنطلق شلاَّل دموعي؛ عسى أن تحنَّ القلوب وتعود، فلا تحنُّ ولا تعود إلاَّ أن يشاء الله لها، فتعود.

 

لقد جرَرْتَني إلى ما لا أحبُّ ذِكرهُ وتذكُّره، فحصلَ لي من الجرِّ ألَم، أُدْرك الآن أماراته، ثم إن العبارات قاصرة عن إبلاغ المقصد، عاجزة، فوراء عباراتي حقائقُ أخرى مُضْمَرة عن الأنظار مُستترة، ولا أشكُّ أنَّ تجاربَ الناس تكادُ تشتبه ببعضها، فكل مَن حكَيتُ له أقصُوصَتي، حَكَى لي قَصَصًا مثيرةً مُفزعة، تُخَفِّفُ عنِّي وطءَ ماضٍ قاسٍ.

 

إنما سُقْتُ لك هذا الذي سُقْتُ؛ لتَفهمَ عني كثيرًا، ولأني أدْرَكتُ فيكَ رغبة في المعرفة ملحَاحةً؛ فصَدَى الماضي يظهر في السلوك، ويفهم به، فارْبطْ ماضيَّ بحاضري لتستوعبَني، ولا تَنسَ ذِكر الله، وتقديرَ المحذوفات، وخيانةَ الذاكرة، ولا تَنسَ أني كائنٌ مَرِنٌ متجدِّد، متفاعل مع الواقع والمواضيع، والأحداث والجمادات في الزمان والمكان، إنني ضحيَّة التربية التي تلقَّيْتُها، والبرامج التي عُلِّمْتُها قبل نعومة أظافري!

 

• قالأراكَ أحسنَ حالاً من غيرك؛ فلا تَحزَن.

وحضرَ حاضرٌ، فجَفَّ قلمُ الكاتب، وطارَ طائره.

المصدر: https://www.alukah.net/literature_language/0/38124/#ixzz6UkGXdLd5

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك