وباء كورونا بين الترهيب واللامبالاة
علي حسين عبيد
حالة من الهلع تجتاح العالم منذ أن ظهر فايروس كورونا المتجدد في الصين قبل بضعة أشهر، والغريب أن الخوف الأكبر تولَّد عند الشعوب الأكثر تقدما وقدرة على السيطرة عليه كاستراليا مثلا حيث أخبرني صديق مقيم هناك بأن محالّ التسوق قد فرغت من المواد الغذائية بمجرد ظهور الإصابة الأولى في بيرث! وهي مدينة تقع غرب أستراليا، فما هو هذا الفايروس القاتل؟
يقول المختصون إن فيروسات كورونا(1) هي مجموعةٌ من الفيروسات تُسبب أمراضًا للثدييات والطيور. يُسبب الفيروس في البشر عداوَى في الجهاز التنفسي والتي تتضمن الزكام وعادةً ما تكون طفيفةً، ونادرًا ما تكون قاتلةً مثل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وفيروس كورونا الجديد الذي سبب تفشي فيروس كورونا الجديد 2019-20 وقد تُسبب إسهالًا في الأبقار والخنازير، أما في الدجاج فقد تُسبب أمراضًا في الجهاز التنفسي العلوي.
والمشكلة الأكبر التي تضاعف من المخاوف والهلع تتمثل بعدم وجود لقاحاتٍ أو مضاداتٌ فيروسية موافقٌ عليها للوقاية أو العلاج من هذه الفيروسات، حتى لحظة كتابة هذه السطور، وكل ما ظهر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لا تعدو كونها مسكّنات لا ترقى إلى الحلول والمعالجات الحاسمة.
تنتمي فيروسات كورونا إلى فُصيلة الكوراناويات المستقيمة ضمن فصيلة الفيروسات التاجية ضمن رتبة الفيروسات العشية. تُعد فيروسات كورونا فيروساتٍ مُغلفة مع جينومِ حمضٍ نووي ريبوزي مفرد السلسلة موجب الاتجاه، كما تمتلك قفيصة منواة حلزونية متماثلة. يبلغ حجم جينوم فيروسات كورونا حوالي 26 إلى 32 كيلو قاعدة، وهو الأكبر بين فيروسات الحمض النووي الريبوزي (RNA virus).
يُشتق اسم "coronavirus" (عربيًا: فيروس كورونا. اختصارًا CoV) من (باللاتينية: corona) وتعني التاج أو الهالة، حيثُ يُشير الاسم إلى المظهر المميز لجزيئات الفيروس (الفريونات) والذي يظهر عبر المجهر الإلكتروني، حيث تمتلك خُملًا من البروزات السطحية، مما يُظهرها على شكل تاج الملك أو الهالة الشمسية.
بين العالم المتقدم والعالم الثالث
في مقابل حالة الهلع التي انتشرت كالنار في الهشيم في بعض الدول الغربية، ذات القدرات الهائلة قياسا إلى العالم المتأخر أو الثالث، هناك حالة مناقضة تماما، سادت أو عُرفت بها الشعوب والمجتمعات والدول الأكثر ضعفا، والأقل قدرات، حيث تم التعامل فيها مع وباء فايروس كورونا بحالة من اللامبالاة تشبه كثيرا ذلك الإنسان الذي يستسلم لقدره القادم من دون أية مقاومة.
ففي الوقت الذي فرغت فيه الأسواق والساحات العامة والشوارع وحتى أماكن المشاريع والأعمال الضخمة والتجمعات الكبيرة في أوربا التي باتت اليوم (مركزا لتفشي فايروس كورونا)، بعد أن نجحت الصين من فرض حالة تراجع متواصلة لتفشي هذا الفايروس، نلاحظ أن الحياة في الدول المتأخرة تمضي بشكلها العادي وكأن هذه الدول الضعيفة وشعوبها يعيشون في كوكب غير كوكب الأرض العليل بفايروس كورونا!.
حالة اللامبالاة التي تعاملت بها الدول والشعوب المتأخرة لها أسبابها ونتائجها أيضا، من أسباب اللامبالاة في مواجهة كورونا في الدول الضعيفة:
- شعوبها ذات وعي سطحي وتسودها سذاجة التفكير.
- عدم توافر القدرة الشرائية (الفقر) لشراء مواد التعقيم وسواها.
- ضعف الحكومات وعدم قدرتها على أدارة أزمات من هذا النوع المعقد والكبير.
- فساد الحكومات وانشغالها بالمغانم والامتيازات وإهمالها التام لشعوبها وعدم شعورها بمسؤولياتها وبقيمة المواطن وحياته في هذه الدول.
- ومن الطبيعي أن هذه الدول المتأخرة الضعيفة لا تمتلك نظاما صحيا فعالا قادرا على معالة المصابين ومحاصرة الفايروس.
- كذلك ضعف الأجهزة المعنية في الدول المتأخرة في المراقبة وإبداء رد الفعل السريع والصحيح لإقامة الحجر الصحي المناسب للمصابين.
نتائج الفشل في مواجهة الوباء
نتائج هذه الأسباب وسواها جعلت من الدول المتأخرة الضعيفة عاجزة عن مواجهة وباء فايروس كورونا، والعجز من النوع المشترك (الحكومي / الشعبي)، وأمر طبيعي أن العجز يمثل أهم الأسباب وأولها في صناعة (اللامبالاة) بمواجهة الأزمات الصحية أو سواها.
ولكن يبقى السبب الأول والأكبر لانتشار هذا النوع من اللامبالاة تجاه الأزمات هو الأنظمة السياسية التي تقود تلك الدول، وقد يقول قائل إن هذا الوباء المرضي لا يفرق بين الناس، ولا يضرب دولا دون غيرها، ولا يختار أو يفرق بين الأغنياء والفقراء، ولا يعرف من هم الأقوياء ومن هم الضعفاء، وهذا طرح منطقي وتساؤل يستحق المناقشة، فهذا الفايروس أو سواه بالفعل لا يفرق بين إنسان وآخر ولا يضرب دولة دون غيرها!.
لكن الفارق الكبير سوف يظهر للمراقب والمهتم والمتابع في النتائج التي تتمخض عنها مواجهة أزمة هذا الوباء أو الأزمات الأخرى بكل أنواعها، فالأنظمة الديمقراطية مثلا واجهت هذا الفايروس الخطير بإجراءات حاسمة وضخمة ورادعة أظهرت نتائج جيدة في المواجهة، السبب هو امتلاكها القدرات المطلوبة، ولو أنها لم تكن أنظمة ديمقراطية تتحمل المسؤولية كاملة تجاه شعوبها لا يمكن أن تحقق النتائج المطلوبة.
ولنعكس الأمر ونبحث المشهد الفايروسي ونتائجه في الدول ذات الأنظمة السياسية الفاشلة، فما هي النتائج التي حدثت على الأرض، وما هو المتوقع منها؟، الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة فشلت وسوف يبقى فشلها قائما في مواجهة وباء كورونا وفي مواجهة جميع الأزمات القادمة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية) وسواها.
لذلك فإن الخوف من الفايروس على الرغم من كون الخوف غريزة موجودة لدى الجميع، نجده قد ظهر بصورة أقوى في الدول المتقدمة، ورافق الخوف شعور حكومي بالمسؤولية، أما اللامبالاة فقد كان مركزها الدول والشعوب المتأخرة، لذلك واجهتها الحكومات الفاسدة والفاشلة بلامبالاة أيضا.
وقد يكون هذا الوباء الفايروسي درسا لمن يريد أن يستفيد ويتطور ويحلل ويصل إلى المخرجات الصحيحة، أما إذا مرّ هذا الوباء كما تمر الأزمات الاقتصادية والسياسية مرور الكروم خصوصا على الدول والشعوب المتأخرة، فإننا سنبقى معرّضين لمثل هذا الوباء ومثل هذه الأزمات، لكن الصحيح هو أن نتعلم الدرس ونتخلص من اللامبالاة، ونعمل على بناء حكومات ديمقراطية قادرة على تحمّل مواجهة الأزمات الفايروسية وغيرها.