خريطة جديدة للشمال السوري

فاطمة ياسين

 

بعد تراجع الرئيس ترامب، في العام الماضي، عن قراره بسحب القوات الأميركية من الشمال السوري، حيث قال إنه قُضي على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بشكل كامل، وأصبحت الحرب السورية سخيفة بالنسبة إليه، قلَّص من حجم انتشار قواته ومساحته، فاقتصرت على الوجود بالقرب من حقول النفط.
ترك الجيش الأميركي قواعد كان يتمركز فيها في ريف حلب، ومقابلها أنشأ قواعد جديدة باتجاه الحدود العراقية التركية في القحطانية وحيمو في شرق القامشلي وغربها، على التوالي، حيث حقول النفط، في تأكيد أن ترامب يريد حماية هذه الحقول وحرمان النظام منها، وتفعيل أسلوب الضغط الاقتصادي الذي تؤمن به السياسة الأميركية لتصفية أعدائها أو إضعافهم. سارع الروس حينها لملء قواعد جديدة أيضاً في المنطقة بقوات وتجهيزات عسكرية ومروحيات عمودية، عبر اتفاقات مع تركيا برّرت وجودها قبل أن تبدأ الدوريات الروسية بالظهور علناً، اعتباراً من منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي في منبج وجوارها، ومن ثم تمددت ببطء باتجاه الشرق.
والآن تنتشر أخبار التوسع الروسي الكبير بظهور دوريات روسية في مناطق جديدة في أقصى الشمال السوري، بالقرب من مثلث الحدود السوري التركي العراقي، ترافقت مع غطاء جوي انطلقت مروحياته من مطار القامشلي. لم تعترض الدوريات الأميركية وجودها هذه المرّة، وكانت دورية روسية قد جرّبت التحرّك على هذا الطريق في العام الماضي، فأجبرتها دورية أميركية على التراجع. أما اليوم، فتبين الحركة السلسة للدورية الروسية مواطئ قدم الروس في المنطقة، في ما يبدو أنه الحجر الأساس لقاعدة عسكرية ثالثة لروسيا في سورية، بعد قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية. التحرّكات الروسية لا بد أن تترافق مع تفاهمات روسية كردية، وقبلها أُنجِزَت تفاهمات أيضاً مع الأتراك في أعقاب عملية نبع السلام التركية في الشمال السوري، وقد تعطي هذه الخطوة تفسيراً لترقية السفير الروسي في دمشق إلى درجة مبعوث، وهو بهذه الصفة يستطيع أن يقيم حواراتٍ سريعة، واتخاذ قراراتٍ عاجلة مع كل الأطراف التي يجب على روسيا محاورتها لترسيخ أقدامها في الشمال، وهي النظام والأكراد وتركيا.
تمتلك روسيا الآن قاعدة جوية في القامشلي متداخلة مع المطار المدني الذي يقول النظام إنه سيبدأ رحلات جوية إليه قريباً، كما تمتلك قاعدة جوية صغيرة أخرى في مطار الطبقة، واحتلت مواقع اللواء 73 التابع للفرقة 17 التي أبادها تنظيم داعش في فورة هجومه على الشمال، بالإضافة إلى قاعدة أخرى في صرين على الضفة الشرقية للفرات مقابل منبج، وكانت القوات الأميركية قد أخلتها في وقت سابق، بالإضافة إلى قاعدتها في عين عيسى. وبهذه الشبكة من القواعد، تستطيع روسيا أن تجد لها موطئ قدم في أي محادثات أو ترتيبات أمنية يمكن أن تبدأ بين الكرد والنظام السوري، وتتيح لها علاقاتها المميزة مع تركيا أن تكون وسيطاً مع الكرد، وقد افتُتِح هذا التعاون بإعادة تشغيل طريق عين عيسى - تل تمر، ويحمل هذا الطريق الاسم المتداول 4M، وكذلك الطريق الذي يصل بين اللاذقية وإدلب. وبوصول الدوريات الروسية إلى حدود نهر دجلة، في قسمه السوري في الشرق، يعلن الروس أوج تمظهرهم في الشمال السوري.
في مقابل ذلك، توجد قوة أميركية في الباغوز شرقي الفرات على مقربة من الحدود العراقية، وهناك وجود عسكري أميركي قوي في قاعدة أخرى رئيسية قرب حقول رميلان الغنية بالنفط، وقد أضحى التقاسم بين أميركا وروسيا واضح الحدود، حيث ترغب الولايات المتحدة في كبح جماح الاختراق الإيراني، وقفل كامل الحدود السورية العراقية، والقبض على مفاتيح النفط، والاستمرار في خطة الضغط الاقتصادي، فيما يتولى الروس أمر الكرد وتنسيق علاقاتهم مع النظام وتركيا، مع الاحتفاظ بشبكة الطرق الحيوية في الشمال، والتي تطلب السيطرة عليها مزيداً من الجهد العسكري المضني.

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك