الحـوار الراقـي
أضافه الحوار اليوم في
أ. علي بن نيمان القـرني
بسم الله الرحمن الرحيم
-
تمهيد :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد :
الحوار : من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام .
والحوار والجدال ذو دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
-
الغاية من الحوار :
الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو تعاون من المُتحاورين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق وهذه هي الغاية الأسمى من الحوار .
-
الغايات الفرعية من الحوار :
- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف .
- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى ، وهو هدف تمهيدي هام .
- البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ ، ولو في حوارات تالية .
-
الخلاف بين الناس سُنَّة إلهية :
الخلاف واقع بين الناس مُنذ الأزل ، وهو سنَّة الله في خلقه ، فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومُدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ، وكل ذلك يدل على آية من آيات الله ، نبَّه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}(الروم:22) وهذا الاختلاف دالُّ على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأغراض . وكتاب الله العزيز يقرر هذا في غير ما آية ؛ كقوله سبحانه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119ـــ 118).
ومعنى الآية لو شاء الله جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة لا رأي لهم فيه ولا اختيار وإِذَنْ لما كانوا هذا النوع من الخلق المُسمّى البشر ؛ بل كانوا في حيلتهم الاجتماعية كالنحل أو كالنمل ، ولكانوا في الرّوح كالملائكة ؛ مفطورين على اعتقاد الحقِّ والطاعة ؛ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، لا يقع بينهم اختلاف ولا تنازع ولكنّ الله خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا مُلْهَمين عاملين بالاختيار خلقوا مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ، وما يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم ، ومن ذلك الإيمان ، والطاعة والمعصية .
-
كسب الثقة مواطن الاتفاق :
إنّ بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة وفُشُوِّ روح التفاهم بل يصير به الحوار هادئاً وهادفاً الحديث عن نقاط الاتفاق وتقريرها يفتح آفاقاً من التلاقي والقبول والإقبال ، مما يقلّل الجفوة ويردم الهُوَّة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ، كما يجعل احتمالات التنازع أقل وأبعد والحال ينعكس لو استفتح المُتحاورون بنقاط الخلاف وموارد النزاع ، لجعلوا ميدان الحوار ضيقاً وأمده قصيراً، ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشويش الخواطر ، ويحمل كل طرف على التحفُّز في الرد على صاحبه مُتتبِّعاً لثغراته وزَلاته ، ومن ثم ينبري لإبرازها وتضخيمها ، ومن ثم يتنافسون في الغلبة أكثر مما يتنافسون في تحقيق الهدف .
-
توصيات من الواقع :
دَعْ صاحبك في الطرف الآخر يوافق ويجيب بـ (نعم) ، وحِلْ ما استطعت بينه وبين (لا)؛ لأن كلمة (لا) عقبة كؤود يصعب اقتحامها وتجاوزها ، فمتى قال صاحبك : (لا)؛ أوجَبَتْ عليه كبرياؤه أن يظلّ مناصراً لنفسه .
إن التلفظ بـ ( لا ) ليس تفوُّها مجرداً بهاذين الحرفين ، ولكنه تَحفُّز لكيان الإنسان بأعصابه وعضلاته وغدده ، إنه اندفاع بقوة نحو الرفض ، أما حروف ( نعم ) فكلمة سهلة رقيقة رفيقة لا تكلف أي نشاط جسماني .
ومما يُعين على هذا المسلك ويقود إليه ؛ إشعارك مُحدثَّك بمشاركتك له في بعض قناعاته؛ والتصريح بالإعجاب بأفكاره الصحيحة وأدلته الجيدة ومعلوماته المفيدة ، وإعلان الرضا والتسليم بها . وهذا كما سبق يفتح القلوب ويُقارب الآراء ، وتسود معه روح الموضوعية والتجرد .
إن أكثر الجهل إنما يقع في النفي ؛ الذي هو الجحود والتكذيب ؛ لا في الإثبات ، لأن إحاطة الإنسان بما يُثْبتُه أيسر من إحاطته بما ينفيه ؛ لذا فإن أكثر الخلاف الذي يُورث الهوى نابع ؛ من أن كل واحد من المختلفين مصيب فيما يُثْبته أو في بعضه ، مخطئ في نفي ما عليه الآخر .
-
كيف نجعل الحوار راقياً :
الحوار الراقي هو مناقشه هادفة بين شخصين أو عده أشخاص بغرض الوصول الى رأي معين يتفق عليه الطرفان باستخدام أسلوب حوار راقي وهادي وهادف دون الوصول للنزاع والخصومة أو استخدام أسلوب الجدال والخروج عن أسلوب الحوار الطبيعي بعض البشر يمتلكون أسلوب راقي فالحوار لديهم أسلوب متفرد عن غيرهم فـالكلام ذو خلق دمث الوقت يمضى سريعا معهم وكل ذلك بسبب متعه الحوار معم وقدرتهم على أيصال المعلومة لنا سريعا يستخدمون أسلوب الاقناع وآداب الحوار معنا يتركون بصمات مميزه فـحياتنا وقد تكون مده الحوار معهم دقائق معدودة ولكن ذكريات الحوار تظل فحنايا الذاكرة الحوار الراقي ليس محدود لفئه محدده فـهو ينطبق على الجميع الصغير قبل الكبير والمثقف والجاهل الجميع باستطاعته أن يمتلك هذا الرقي بشرط أن لا تصر على أثبات وجهة نظرك أن لم يقتنع الجميع بكلامك أن تكون مرح وتتقبل النقد .
-
الآداب العلميّة للحوار :
الآداب العلميّة لنجاح أيّ حوار لا بد من الالتزام بالمبادئ العمليّة للحوار، وتتلخص فيما يلي :
-
العلم : إنّ الخلفية العلميّة مطلبٌ أساسيّ لإيجاد حوارٍ ثريّ وخالٍ من الأفكار الخاطئة غير المبنية على أساسٍ علميّ. والدخول في حوار دونَ اعتمادِ الأفكار العلميّة يعرّض المتحاورَ للإحراج وعدم التقدير، ويبيّن الوهن في الأفكار التي يعرضها المحاور
-
البدء بالأهـم : فيكون الحوار منطلقاً من المحاور المهمّة استغلالاً للوقت .
-
الـــدليــــــــــــــــــل : لأنّ كلّ معلومة تحتاج لبرهان يدعمها، فعلي المتحاورين إيجاد الدلائل والحجج القويّة، التي تقوّي بدورها الفكرة أو الرأي المطروح .
-
طرح الأمثلة : فعادةً ما تكون الأمثلة مرآةً تقريبيّة للأفكار، وتجعلها أكثرَ واقعيّة وفهماً للطرفِ الآخر.
-
الحوار العقيم :
هناك فئات من البشر لا تجد المتعة فـي الحديث معهم يطيل الحديث معهم وأنت تشعر بالملل لا تجد فائدة من الحوار معهم أو قد يكون المتحدث غير لبق بالحديث وأحياناً يحتدم النقاش معهم وترغب بالانسحاب من الحديث بسبب إصرارهم على أثبات وجهات نظرهم ليصل الامر الى الجدال المذموم وقد تكون غير منطقيه وجهات نظرهم بالنسبة لنا ولكنهم يحاولون بكل الطريق أثباتها ولا يمتلكون أسلوب الحوار مع الاخرين.
-
نموذجٌ من حوار الرسول صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ صَدَقَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ . رواه مسلم
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
المصدر: https://units.imamu.edu.sa/shis/malaz-inst/EduArticles/Pages/4-3-1440-m.aspx
الحوار الخارجي: