الإسلامويّة والدولة بعد الانتفاضات العربية: بين سلطة الشعب وسلطة الدولة

 

ترجمة: محمد صلاح علي

 

 

  1. مقدمة: الإسلاموية والدولة والتغيُّرات الاجتماعيّة التاريخيّة[1]:
لقد بدت الإسلاموية لوقت قصير خلال الانتفاضات العربية عام 2011 بعيدة عن الواقع إلى حد ما. لكن بعد عام واحد، وعندما حققت العديد من الحركات الإسلاموية انتصاراتٍ انتخابية في المناخ الديمقراطي التي اتسمت به المنطقة ساعتها، ظهر الإسلامويون مرةً أخرى على رأس الأجندة السياسية وتحكموا فيها. ووقت كتابة هذه الورقة، دارت العجلة إلى الخلف، ولم يستمر لا التطور المؤسسي الإسلاموي ولا الديمقراطي. يتمثل جزء كبير -وربما الأكبر- من صعوبة توضيح العامل الإسلاموي في تعريف وتفسير الإسلام السياسي/الإسلاموية.



وأياً كانت الإسلاموية –وحتى المنظورات التي سنقدمها هنا هي مجرد تمييزات تحليلية وليست "الوجه الحقيقي" للإسلاموية- فإن التمثلات الأصيلة الخاصة بهذه الظاهرة التي تسيطر على الجدال السياسي يتم قولبتها عادةً لتلائم تفسيرات مسبقة للسلوك السياسي والمؤسسي
[2]. وعلاوة على الإشارة إلى أن الإسلام السياسي له أوجه متعددة[3]، نحن نزعم أن إرساء تمييزات تحليليّة داخل الإسلام السياسي لتعكس تنوعات المسار التاريخي [لكل تيار] هو أمر جوهري لفهم دور الإسلاموية ومصيرها أثناء الانتفاضات العربية وبعدها. وتعكس أوجه الإسلاموية المتعددة هذه على وجه الخصوص نماذجَ مختلفةً من أنماط الحكم الدولتي التي سيطرت على منطقة الشرق الأوسط (وغيرها) على مر السنين.



وهذا بالذات هو حال الإسلامويين ممن نطلق عليهم "دولتيين" كي نشدد على العلاقة الوثيقة التي تربط بين بِنى الحكم القومية وبين استراتيجيات الناشطين [السياسيين] في [إطار] ظروفهم الاجتماعية-الثقافية والاجتماعية-الاقتصادية. وهؤلاء الإسلامويون الدولتيون هم من تأثروا بشكل واضح بتغير النظم أو إصلاحها أو تصلبها أثناء الانتفاضات العربية، ذلك نظراً لسعيهم للحصول على سلطة الدولة.


 
من البدهى أن الإسلاموية لا تكون معرّفة أحسن تعريف عند تعريفها عبر علاقتها بالدولة. لكن بالنسبة للإسلامويين "اللادولتيين"، كانت الانتفاضات وما تلاها ذات أهمية مختلفة، على الرغم من أنهم أيضاً تأثروا بتغير علاقة الإسلامويين الدولتيين بالدولة. إننا نميز الإسلامويين اللادولتيين عن الدولتيين بتقديم هؤلاء الأوائل علاقتَهم بالمجتمع على علاقتهم بالدولة. تشتمل هذا التصنيف الواسع على أكثر الحركات الجماهيرية هدوءاً سلفية الهوى جنباً إلى جنب مع التنظيمات الجهادية العنيفة العابرة للحدود، على الرغم من الاختلافات المهمة فيما بينهما.



وما إذا كانت تسعى إلى تجنب السياسة تماماً أو لديها رؤيةً عن مجتمع سياسي غير محدود بحدود الدولة القومية الحديثة، فإن هذه المجموعات تتنافس مع الإسلامويين الدولتيين على الزعامة الإسلامية، وبالتالي يقومون بشكل غير مباشر بتشكيل الأوضاع السياسية القومية. لكن الأمر الحاسم هو أن أشكال النشاط السياسي الإسلاموي هذه لا تعني دائماً انقسامات بين مجموعات مختلفة، إذ قد تتعايش جنباً إلى جنب في منظمة واحدة؛ فجماعة الإخوان المسلمون على سبيل المثال تحتوي اتجاهان: دولتي ولادولتي، على الرغم من أن الأول يهيكل الثاني غالباً. لكن على العكس من ذلك، انخرطت التشكلات السلفية اللادولتية في السياسة على المستوى الدولتي بعد الانتفاضات العربية (وحزب النور المصري هو الأكثر بروزاً في هذا السياق).


 
نقدّم فيما يلي منظوراً تحليلياً لتطور العلاقة فيما بين الإسلامويين والدولة بناءً هذا على التمييز بين تشَّكُلَين للإسلاموية المعاصرة، مُعتمِدَين على مسارٍ سابق. وسنناقش في القسم الثاني بالأسفل كيف أثّرت أشكال الحكم والنهج التنموي (developmentalism) [الذي اتبعته الحكومات] على الإسلام السياسي في العقود السابقة. ثم في القسم الثالث نركز بشكل أكثر تفصيلاً على تفاعلات الإسلاموية الدولتية في سياق التطورات السياسية فيما قبل الانتفاضات العربية وأثناءها وبعدها. ويوظّف القسم الرابع المقاربة نفسها لتوضيح الأنماط اللادولتية للنشاط السياسي الإسلاموي. وفي القسم الخامس، نقدّم بعض التفسيرات لاختلاف النتيجة النهائية للثورات بين مصر وتونس.

 
  1. الإسلاموية وأنماط الحكم والتنمية الناشئة

     
عند النظر من زاوية مسار سياسة الدولة القومية، فإن تطور وتنوع الإسلاموية يعكس منعطفات تشكل الدولة والتنمية الاجتماعية الاقتصادية في الشرق الأوسط وبقية العالم النامي. لكن في الجدالات التي ثارت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والتي هيمنت عليها نظرية التحديث والتحليل الطبقي، نادراً ما تم التركيز على الإسلاموية في التحليلات السياسية الخاصة بالدول الشرق أوسطية والدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة.



وحتى عندما يتم النظر إليها، كان شائعاً أن يتم تجاهلها باعتبارها معركةً رجعية مع قوىً اجتماعية تتجه إلى مزبلة التاريخ
[4]. وقد ركّز بناة الدولة على تطوير مؤسسات قوية ونظام اجتماعي اقتصادي حديث، مستلهمين غالباً النماذج الليبرالية أو الاشتراكية. فنظام عبد الناصر الحداثي والتسلطي الشعبوي قام بقمع جماعة الإخوان المسلمين المصرية -التي كانت أكبر حركة إسلاموية في المنطقة- في النصف الثاني من الخمسينيات. إلا أن النموذج الناصري -الذي يُنظر إليه عادةً باعتباره مثالاً على كيف كان الوضع في المنطقة- لم يدُم إلا عقدَين من الزمان. وبحلول منتصف السبعينيات، كانت الاشتراكية تتداعى في معظم دول المنطقة، في حين كانت الأنظمة "البالية" التي عفى عليها الزمن كالمملكة العربية السعودية ودول الخليج قد بدأت في الترويج لنموذج تنموي مختلفيجمع بين الحداثة الاقتصادية والحكم الأبوي والاستراتيجيات الدينية لإضفاء الشرعية.


 
وفي الثمانينيات بعد الثورة الإيرانية، كان يُنظر إلى الإسلاموية باعتبارها تهتم أساساً بتأسيس "دولةٍ إسلامية". لقد اعتُبِرت إلى حد ما نوعاً من الحركات القومية الثورية التي تسعى للسيطرة على مؤسسات الدولة لبناء نظامها الاجتماعي الجديد من الأعلى، بالضبط كما فعلت الحركات الأخرى -من اليسار واليمين- قبل ذلك في جميع أنحاء المنطقة. وفي الواقع، يرجع الاستقلال المتنامي للحركات الإسلاموية وتصدعاتها الداخلية إلى الثورة الإسلامية [في إيران]. فقد هللت جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام للثورة، واعتبرتها دليلاً على أن الإسلاموية يمكنها النجاح في الوصول إلى سلطة الدولة[5]، في حين عارضها السلفيون من ناحية المبدأ، وانتقدوا الخومينية لأسباب طائفية.



إلا أن الأنظمة العربية استطاعة مواجهة هذا التحدي، بسبب قدراتها القمعية من ناحية، وبسبب إدراك الحركات الإسلامية الرئيسية عدمَ امتلاكها القاعدة الشعبية التي تسمح لها بإشعال ثورة على النموذج الإيراني
[6]. إذ أدى فشل الجهاد في مصر في إشعال تمرد شعبي واسع النطاق بعد اغتيال الرئيس السادات عام 1981م إلى إدراك العديد من النشطاء الإسلامويين أن المجتمعات العربية غير مستعدةٍ بعد لثورةٍ إسلامية. وافترض بعض الباحثين أنه عندما فشلت الإسلاموية الثورية في تجاوز حدود إيران، انتهى التحدي الذي كان يمثله الإسلامُ السياسي للدولة.


 
 
 


ومع تزايد فشل النهج التحديثي والتنموي الدولتي وتنامي تأثير النموذج السعودي، دخلت الدول العربية مرحلة "ما بعد الشعبوية"[7]. ودُعِّم ذلك في الثمانينيات والتسعينيات مع انتشار النيوليبرالية في المنطقة تحت ضغط صندوق النقد الدولي. مثّلت ما بعد الشعبوية آليات يمكن بها للأنظمة التسلطية تقوية نفسها حتى مع تجاهل العقد الاجتماعي الشعبوي القديم، ذلك عبر تنويع جماعاتها الزبائنية وتخفيف المعارضة السياسية المحتملة في المجتمع المدني.



تضمنت هذه الآليات الجمع بنسب مختلفة بين الاعتماد المتزايد على مصادر دخل خارجية (أو "ريوع") وانفتاح سياسي محدود و"تعهيد" بعض [وظائف] الحكم لفاعلين من غير الدولة كالجمعيات الخيرية الإسلاموية. ومن وجهة نظر الأزمة، كانت الإسلاموية تخدم أيضاً أهداف الإصلاح النيوليبرالي البعيدة عندما تعزز استراتيجيات الاعتماد على الذات لدى السكان عندما تقدّم دعماً تعليمياً وطبياً ومالياً إلى جانب الخدمات الروحية.


 
أنشأ هذا التحول ما بعد الشعبوي نحو النيوليبرالية بيئاتٍ داخلية جديدة للنشاط الاجتماعي والسياسي. إذ حققت الحركات الإسلاموية تقدماً في المجتمع لأنها مثّلت نموذجاً للتكافل الاجتماعي الذي استجاب لتقليص دور الدولة في جميع أنحاء المنطقة وتكيف معه. وبدخول الخطاب الديمقراطي إلى المنطقة بعد عام 1990م، صوّرت بعض الحركات الإسلاموية انخراطها في الانتخابات باعتباره محاولة بناء مجتمع مسلم "صالح" (في مناورة يمكن ربطها فكرياً بتشديدهم الأيديولوجي على سيادة الله [الحاكمية]).

 
وبالتوازي، تبنت الأنظمة ما بعد الشعبوية صوراً أكثر تعقداً من سياسة "فرِّق تسُد" سعت من خلالها للسيطرة على الإسلاموية الصاعدة، وذلك خصيصاً عبر إثارة "الحروب الثقافية"[8] فيما بين الإسلامويين والعلمانويين أو استغلالها. ومع غياب وظيفة تجميع المصالح والتوسط الديمقراطي، أصبحت المنافسة في المجتمع المدني والسياسي تدور في مساحة الأخلاق والهوية، وأصبح المجال الثقافي (أي التأثير على التعليم والإعلام والإنتاج الثقافي) هو الوحيد الذي تحوّل إليه الأنظمة التسلطية أي قوةٍ معتبرة. أدى ذلك إلى نزع الطابع السياسي عن الخطاب العام تماماً في العديد من الدول الشرق أوسطية، وتقوية الحركات التي تُعلي من الثقافة والهوية، كالإسلاموية[9].

 
لقد عمِلت "الحروب الثقافية" التي أشعلها الناشطون الإسلامويون في وجه المجتمع المدني العلمانوي –والعكس بالعكس- ضد [بناء] معارضةٍ موحدة في وجه الأنظمة في العديد من الدول العربية. وكانت الحركة الإسلاموية نفسها منقسمة على العديد من الجبهات منذ الثمانينيات، بين من يفضّلون الوصول إلى تسوية مع النظام والمشاركة في السياسة الديمقراطية الزائفة (الإخوان المسلمون والأحزاب الإسلاموية الأخرى) ومن يسعون للانفصال عن السياسة الدولتية تماماً (السلفيون) ومن يسعون لفرض رؤيتهم لنظامٍ إسلامي عبر إسقاطٍ عنيف للنظام الاجتماعي والسياسي القائم (الجهاديون)[10]. وكانت هناك انقسامات أخرى حول الاستراتيجيات والوسائل داخل هذه التصنيفات.



ومع ذلك، نمت الإسلاموية طوال التسعينيات لتشكّل البديل الأساسي (إن لم يكن الوحيد) للتسلطية العلمانوية في معظم المنطقة، وهي الحقيقة التي ضخّمتها الأنظمة -لكن لم تخترعها- لإثارة الفزع لدى الديمقراطيات الغربية كي تبقيهم في السلطة.


 
لكن بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، اتجهت التحليلات التي استلهمت "الحرب على الإرهاب" إلى تصنيف الحركات الإسلاموية أساساً بناءً على علاقتها باستخدام خطاب العنف أو ممارساته، غاضين بذلك النرظ عن تشكلات الإسلاموية ومنعطفاتها [التاريخية] المتنوعة[11]. لكن كما أشار فرانسوا بورجا، أدى التركيز على نوع واحد من الإسلاموية العنيفة إلى التعمية على أشكال النشاط السياسي الإسلاموي الأخرى[12].



فاستخدام العنف باعتباره المـُمِّيز الوحيد بين الحركات الإسلاموية يطمس مواطن تشابه والتقاء بنيوية مهمة بين الجماعات الجهادية والسلفية، وخاصةً نفورهما من السياسة على المستوى الدولتي، ومحاولتهما العمل خارج الدولة أو في وجهها. والتحولات في العلاقات بين الدولة والمجتمع لا تؤثر عليهم بنفس الطريقة التي تؤثر بها على الإسلامويين ممن يسعون للوصول إلى سلطة الدولة. وترافق التركيز على العنف الإسلاموي الموازي لتركيز المجتمع الدولي المتزايد على القضايا الأمنية "الصُلبة" مع "تصلب" لدولِ الشرق الأوسط وللخطاب السياسي الذي تسيطر عليه الأمننة. وقامت الأنظمة في محاولةٍ منها للاستفادة من الدعم الخارجي المـُقدّم تحت عنوان "الحرب على الإرهاب" بقمع المعارضة الإسلاموية العنيفة والسلمية على حد السواء.


 
ومثّلت الانتفاضات العربية عام 2011 إعادةَ تشكلٍ جديد للعلاقة بين الدولة والإسلاموية. إذ استمرت عملية "إضعاف الدولة" على المستوى الإقليمي بدءاً من الصدمة الخارجية بالاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003[13]، ثم تغير الأنظمة في ليبيا واليمن والحرب الأهلية في سوريا. أدى إضعاف قوة الدولة في كل هذه الحالات إلى زيادة بروزِ الجماعات السلفية والجهادية اللادولتية. ففي مصر وتونس، تحدت الانتفاضات العربية بقوة استراتيجيات التنمية القائمة على "المحسوبية" التي كانت تنتهجها أنظمة مبارك وبن علي.



لكن لم يقدّم أيٌ من الإسلامويين المنتفعين من هذه الانتفاضات أي بدائل مقنعة لهذا النموذج الاقتصادي. فقد ظلت حركة النهضة في تونس -والطبقة السياسية بالكامل- معرّضةً للضغط من أسفل من قِبَل المهمشين، ممن نظروا إلى السلفية باعتبارها طريقاً أكثر قدرةٍ على دمجهم اجتماعياً
[14]. وفي مصر، أُسقِطت جماعة الإخوان المسلمين على يد الجيش بعد سنة راكدةٍ في السلطة أثارت الشك حول مدى قدرة أقدم حركةٍ إسلامية على تطبيق شعار "الإسلام هو الحل"، إن لم تكن قد أثبتت بطلانه بالكلية. وتحول الخطاب السياسي هناك إلى الخطاب المألوف عن "الحرب على الإرهاب"، إذ اعتمدت الدولة أكثر من أي وقتٍ مضى على قوة قمعية مطلقة العنان تقريباً للتعامل مع "التهديد الإسلاموي".


 
  1. التنوعات الإسلاموية

     
سنتتبع في هذا القسم تطور النشاط السياسي الإسلاموي الدولتي واللادولتيفي المنطقة في ضوء تفاعلات الدولة المتغيرة. لكننا لا ندعي أن هذه التصنيفات ستجمع شتات تعقد النشاط السياسي الإسلامي المعاصر بكامله، ولا أنها ستحتفظ بدلالتها وأهميتها مع مرور الزمن. ويعد اهتمامنا بمؤسسات الدولة القومية باعتبارها نقطة تركيزنا أداةً استكشافية تسمح لنا برسم خريطة أنماط التفاعلات المعاصرة فيما بين أنظمة الشرق الأوسط والنشاط الإسلاموي، وفهم كيف أن منعطفات الحكم الدولتي والإسلاموي قد تعمل معاً من أجل تقوية كيان دولةٍ ما أو إضعافه.

 
  • الإسلاموية الدولتية

     
يعني "الإسلام السياسي" لدى بعض الباحثين تلك الجماعات والحركات التي تشتبك بنشاط مع الدولة وفي الانتخابات القومية، على عكس "الأصولية" التي تتحاشى السياسة الرسمية وتركز على المجال الاجتماعي[15]. ونحن نشير إلى المشاركة المـُمأسسة في سياسة الدولة القومية باسم "الإسلاموية الدولتية" لإدراكنا أن "السياسي" يعني أعمق من مجرد المستوى الدولتي وأن لمصطلح "الأصولية" إشكاليات مفاهيمية راسخة[16].



تعد جماعة الإخوان المسلمين مثالاً على هذا النوع من الإسلاموية، وإن كان قد تجاوزها في شكلها التنظيمي. فنموذج الفعل السياسي والمخطط الأيديولوجي الذي وضعه حسن البنا ­-وطوّره مؤخراً يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وغيرهما- كان له تأثير كبير وتم اعتناقه وتكييفه في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ ففاعلون كالنهضة في تونس أو حركة "الصحوة" السعودية أو الإصلاح في اليمن لهم جذور أو صلات إخوانية.



ويعد هذا التيار الأقرب أيديولوجياً من التوفيق بين المبادئ الإسلامية والشريعة باعتبارها مصدر التشريع وبين صور الديمقراطية الليبرالية. ومن الناحية الاجتماعية، نام هذا التيار بين الطبقات الوسطى في العالم العربي، وارتبط جوهرياً بانتشار التعليم والتمدن وجوانب "التنمية" الأخرى التي مرت بها المنطقة طوال القرن العشرين
[17].


 
غالباً ما يكون الإسلامويون الدولتيون غير ثوريين، بمعنى أنهم لا يسعون إلى إسقاط النظام الاجتماعي القائم. بل تطورت إسلامويتهم في هيئة خطابٍ إصلاحي مكّن النشطاء -القادمين غالباً من أدنى الطبقة الوسطى- من الارتباط بقاعدة شعبية أوسع ومن تحدي المؤسسات التي تتحدث باسم الأمة، والتي تكون أكثر تعلمناً عادةً.



وعبّروا أيضاً عن طموحات ومخاوف الطبقات الوسطى الساخطة، والتي كانت تسعى بشكل عام إلى تحسين النظم القائمة وليس هدمها. وبالتالي، لم تُقدّم مزاعم الإسلاموية على أساس تحدي التراتبيات الاجتماعية والنموذج الاقتصادي [السائد]، بل في شكل هجوم على ظواهر الفساد والانحلال الأخلاقي ونبذ الدين، والتي أدت -في نظرهم- إلى الأمراض الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها المجتمع. وحل المشكلات الاقتصادية لا يكمن في نظامِ حكم جديدٍ كلياً أو إعادة توزيعٍ للثروة، بل في تقدير النخب لأحكام الإسلام والشريعة والالتزام بها.


 
لقد ترافق صعود الإسلاموية الدولتية مع تغيرات نماذج الحكم الدولتي بالتزامن مع تغير أشكال النشاط الاجتماعي. فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر -وفي غيرها- "معتدلةً" في الغالب لدرجة الاستعداد للعمل في إطار النظم القائمة إن سُمِح لها، وكانت تقبل بشكل عام مركزيةَ الدولة القومية باعتبارها أساس الهوية السياسية[18].



إذ كان يرفض حسنُ البنا السياسة الحزبية باعتبارها تقسيمية ونخبوية، متفقاً في ذلك مع بقية الحركات القومية في مصر حينها. ودعم مفكرو الجماعة كسيد قطب ومحمد الغزالي عمليات التأميم وطوّروا أفكاراً توفيقية بين الاشتراكية والإسلام، بطرقٍ انعكست على الأيديولوجيا الرسمية [للدولة] -الناصرية- وألهمتها. وبعد الانفتاح السياسي المحدود في عهد السادات، تم دمج بعض الأفكار والممارسات الديمقراطية والأكثر "ليبرالية" في الحركة، على عكس مكونات الحركة الإسلاموية الأخرى [في ذلك الوقت]، والتي كانت تتحاشى الدولة أو تصطدم معها.


 
لقد كان "الاعتدال" توجهاً متنامياً بين الجماعات الإسلاموية عبر الثمانينيات والتسعينيات، والذي تزامن مع فترةٍ من اللبرلة السياسية الجزئية في المنطقة. إذ دخلت جماعة الإخوان المصرية الانتخاباتِ لأول مرة عام 1984. وفي الجزائر، أدت اللبرلة السياسية المفاجئة والمنظّمة بشكل سيء في أواخر الثمانينيات إلى تمكين جبهة الإنقاذ الإسلامي من حشد الناخبين والنجاح، لتكون الحزب السياسي القائد في التحول الجزائري سيء الحظ.



وفي تونس، أحرزت حركة النهضة ببطء مكاسبَ طوال الثمانينيات، ووصلت إلى ذروة نجاحها في مشاركتها في انتخابات 1989 البرلمانية، والتي مثّلت انفتاحاً قصير الأمد لم يكن مهماً، وأنهاه الرئيس بن علي بعد ذلك بسنوات عندما رسّخ سلطته بإغلاق المجال السياسي.



وفي الأردن، حصل فرع جماعة الإخوان المسلمين على موافقة الملك على تأسيس حزب سياسي عام 1992 باسم جبهة العمل الإسلامي. وفي المغرب، يسّر الملك الحسن الثاني عام 1992، في وجه رفض الجماعة الإسلاموية الأكبر في البلاد -جماعة العدل والإحسان- الاعتراف رسمياً بنظام الحكم الملكي، دخول تشكلٍ إسلاموي آخر إلى السياسة. وسُمح لهذا الحزب -الذي سيُعرف لاحقاً بحزب العدالة والتنمية- بالمشاركة في الانتخابات الرسمية لاعترافه بشرعية الملكية.


 
وبالوقت، زادت احتمالية تجميع المطالب من أجل التوحد السياسي [مع بقية القوى السياسية] عندما قامت هذه الحركات بـ "إضفاء الاعتدال" على مخططاتهم الأيديولوجية نتيجةً للميل السياسي والتكيف الاستراتيجي مع بيئةٍ سياسيةٍ حرةٍ نسبياً[19].



وخلال الثلاثين عاماً السابقة للانتفاضات العربية، قامت الجماعات الإسلاموية [الدولتية] بتلطيف أهدافها الأيديولوجية الأساسية (كتأسيس دولةٍ إسلامية) واعتنقت بدلاً منها معايير متعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية. إلا أنه كان هناك "سقف" لما يمكن للحركات الإسلاموية تعديله
[20]. وعلى الرغم من أن برلمانيي جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب صور "الإسلامويين الجدد"[21] كانوا يتناقضون بشدة مع صورة الإسلاموية باعتبارها [حركةً] ثورية، إلا أن توجه الوسطية لم يكن هو التوجه الغالب على الإسلاموية كلها.



إذ لم يكن هذا التوجه مُعتَرضاً عليه من داخل الجماعة والجماعات التي تشترك معها في نفس الأفكار فحسب، بل رُفِض تماماً أيضاً من قِبل الحركات الجماهيرية التي كان السلفيون أبرزها. وبالتالي، كانت التوجهات اللادولتية داخل جماعة الإخوان المسلمين وخارجها هي التي تشكّل إلى درجة كبيرة الأفق السياسي للتوجهات الدولتية. ومع ذلك، مكّن إضفاء الاعتدال الأيديولوجي والسلوكي هذا الإسلامويين من ترويج أفكارهم بين قواعد أكثر ميلاً للعلمانوية بل وإلى عالم متشككٍ في الإسلام، إن لم يكن كارهاً له.
 
 
 
 
  • الإسلامويّة اللادولتيّة
إن الإسلاموية اللادولتية ليست "لا سياسية" بقدر ما هي "تحت سياسية"؛ أي نشاطها تنظيمي محلي ودعوي وخيري. ويمثل النشاط الجماهيري أمراً مركزياً لدى الإسلام السياسي بصفة عامة، إذ إن الشبكات المحلية تيسر حشد الدعم لبناء مجتمع إسلامي. وفي حين اتخذت الدعوة أشكالاً متعددة على مر الزمن، تميل الإسلاموية الجماهيرية المعاصرة إلى تفسير أكثر مُحافَظةً لـ "أصول" الإسلام؛ وهو ما يبدو أكثر ما يبدو في السلفية.



ولقد برزت الأحزاب الإسلاموية في جميع أنحاء المنطقة من شبكات الجمعيات الخيرية والمؤسسات الجماهيرية الأخرى وارتبطت بها. وتشجع السلفية -التي قد تمثل الظاهرة الجماهيرية الإسلاموية الأكثر أهمية في العقود الماضية- على التركيز على المجتمع بدلاً من الدولة. وعلى الرغم من كونها مُحافظةً بشدة ومجتمعها المثالي تحكمه تعاليم وممارسات من عهد النبي، إلا أن ارتباط السلفية بالتقاليد الإسلامية التراثية ليس مباشراً كما يبدو. فإمكانية وصول السلفيين إلى جمهورهم في المجتمعات الإسلامية يعتمد على قدرتهم على دمج رؤيتهم الدينية في الممارسات الدينية الموجودة مسبقاً لدى المجتمع المحلي
[22].


 
وكانت مقدرة الدولة على رعاية المـُهمَّشين ورغبتها في ذلك قد تلاشت إلى حد كبير منذ أواخر السبعينيات في سياق إعادة الهيكلة الاقتصادية. وبتحول الأنظمة الشعبوية التسلطية إلى أنظمة ما بعد شعبوية، اضطرت قطاعات كبيرة من المجتمع إلى استراتيجيات الاعتماد على الذات وشبكات القرابة والآليات "غير الرسمية" من أجل تعويض إقصائهم على المستوى القومي. فنشطت الإسلاموية الجماهيرية إلى جانب آليات الدعم هذه، أو بدلاً منها أحياناً. فمال السلفيون إلى الدعوة إلى نمط حياة الزهد والتقشف واعتبار أن الاستهلاكية تمثل إلهاءً عن الفروض الدينية. وكانت هذه الدعوات موجّهة إلى الشباب المحرومين ممن لا تمثل الاستهلاكية خياراً مطروحاً أمامهم [أصلاً].

 
وتأثرت الجماعات السلفية والجهادية في المنطقة أيضاً تأثراً مباشراً بالتغيرات السياسية التي بدأت على مستوى النظام. إذ انتفع السلفيون على المستوى الجماهيري من تجنبهم الانخراط السياسي الرسمي، والذي كان بموافقة سلطات الدولة أحياناً. وكذلك، انتفع السلفيون من تشدد الأنظمة مع الإسلامويين الدولتيين والجهاديين. ولكن على الرغم من أنهم [أي السلفيين] لم يفلتوا تماماً من قمع الدولة، وخاصةً بعد الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الأنظمة اتجهت إلى تركيز استراتيجياتها القمعية على الإسلامويين المسيسين والمسلحين، وذلك نظراً لمحدودية القدرات القمعية لدى الأنظمة.



وبسماحها للبنية الجماهيرية الإسلاموية بالتوسع أو بتيسيرها لذلك، أشارت الأنظمة إلى ضعف قدرتها على حكم المناطق الريفية الهامشية أو المدينية "العشوائية"، مما ترك المجال الاجتماعي مفتوحاً تلقائياً -أو عن قصد- للسلفيين. إذ سَعت العديد من الأنظمة إلى توجيه النشطاء من الإسلاموية المسلحة والنشطة سياسياً إلى السلفية الأقل تهديداً. ففي مصر، نشأت الحركة السلفية المعاصرة (كجماعة الإخوان المسلمين والجهاديين) في إطار الحركة الطلابية في السبعينيات، وتطورت طوال التسعينيات لتكون بديلاً "آمناً" لهاتين الحركتين
[23].



وفي الجزائر، كان النظام المدعوم عسكرياً راضياً -بعد حظر جبهة الإنقاذ الإسلامية والمواجهات المسلحة مع العصابات الإسلاموية في التسعينيات- بتشكل السلفية كبديل للنشاط السياسي والمسلح
[24]. لكن حتى وإن كان النشطاء الجماهيريون قد تجنبوا السياسة -لأسباب مبدئية أو براجماتية- فإن نشاطهم قد لعب دوراً في الحركة الإسلاموية الأوسع عبر بناء قواعد جماهيرية للأحزاب الإسلاموية[25].


 
ولقد أصبح ممن يُسمَون بالجهاديين -الذين يؤيدون بناء نظامٍ إسلامي عن طريق استخدام العنف- تياراً ثابتاً في السياسة العربية في العقود الأخيرة. عادةً ما يؤيد هؤلاء الجهاد لنشر مجتمعٍ إسلامي مثالي على أسس دينية/أيديولوجية، على الرغم من أن بعضهم يتجهون إلى العنف كرد فعلٍ على محاولات الدولة قمع أشكال النشاط الإسلامي الأخرى، والذي يجعل الصدام المسلح -وفقاً لحافظ- خياراً استراتيجياً هادفاً لمنظمات من هذا النوع[26].



غالباً ما ينشأ النشاط العنيف بين الجماعات المشرّدة أو المهمشة، وإن كان قادة الجماعات الجهادية قد يكونون من خلفيات ثرية، وهنا يمثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أمثلةً واضحة. يحمل الجهاديون غالباً روح المحاربين التي تنبذ الممتلكات والمكافآت المادية. وتنشأ الجماعات الجهادية على وجه الخصوص عندما تكون سلطة الدولة وشرعيتها موضعَ نزاع، أو غائبةً، أو تم تقويضها، والتي كانت في الأساس مصطنعةً من قبل عمليات غير متزنة ومتعثرة من قِبل الدولة ومن قِبل تيارات الفكر والأشخاص العابرة للحدود التي شجّعت عليها العولمة.


 
وقد فشلت الحركات الجهادية في الثمانينيات والتسعينيات في الحصول على سلطة الدولة نظراً للتفوق العسكري الذي امتازت به الأنظمة التسلطية الحاكمة -كما في النزاع الأهلي الجزائري في التسعينيات- بالإضافة إلى عدم قدرة هذه الحركات على حشد قواعد جماهيرية كبيرة في اتجاه [تأييد] التغير الجِذري. وفي حين ازدادت القدرات الأمنية للأنظمة العربية، تحولت العصابات الإسلاموية القومية إلى صورٍ نشاطٍ خارج حدودها لتعويض الفشل الداخلي[27].



ويوضّح المسار الذي اتخذته الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر -من التحول إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال ثم إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- هذا التوجه بشكل جيد. ففي المجمل، أدى الفشل الجهادي في وجه الدول القمعية إلى تركيز الإسلاموية العنيفة في المناطق التي تضعفُ فيها هذه القوة القمعية المركزية. ويعد انتقال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من المملكة العربية السعودية إلى اليمن مثالاً على ذلك. وأدى أيضاً الإضعاف المستمر لقوة الدولة في اليمن وليبيا وسوريا والعراق إلى بروز فرصٍ جديدة لتجدد النشاط العنيف في هذه البلاد.


 
  1. الإسلاموية بعد تغير الأنظمة: تفسير النتائج المختلفة

     
في سعينا لفهم علاقة الإسلاموية المستمرة بالدولة، من المهم عدم قصر التركيز على أثر "تغير النظام" (أو فشل التغير أو صمود النظام). لقد وفّرت الانتفاضات -بعيداً عن الأهمية المباشرة لتغير النظام أو للثورات- إمكانياتٍ جديدة في التطور العام لبنية الدولة وأسلوب الحكم في المنطقة. ومن المفيد النظر إلى التحولات التي حدثت في مصر وتونس وليبيا واليمن -وكذلك في سوريا والعراق والمغرب والدول الأخرى التي بقيت فيها الأنظمة- باعتبارها جزءاً من متوالية من التغير السياسي الذي أثّر على مستقبل الإسلاموية قصير ومتوسط المدى.

 
  • الإسلام الدولتي والانتفاضات

     
قد تدّعي الإسلاموية الدولتية بشكل عام أن لها فضلاً في توسعة المجال العام في العالم العربي ليكون دافعاً محتملاً للتحول الديمقراطي. ففي بعض الحالات كمصر، أظهر الإسلامويون مهارةً عالية في بناء الهياكل الجماهيرية في إطار النظم التسلطية التي كان دوران النخب فيها أمراً غائباً. وفي حالات أخرى كتونس، لم يكن لهذا الجهد السياسي أن يحدث إلا بعد سقوط التسلطية.

 
لقد تحدت انتفاضات عام 2011 شرعية الأنظمة التسطلية بشكل مباشر، وكذلك تحدت الإسلاموية الدولتية. فقد استطاعت هذه الانتفاضات حشد أعدادٍ كبيرةٍ من الناس حول شعارات لا علاقة لها بالدين أو الهوية، وهو ما اصطدم بجوهر إطار "الحروب الثقافية" الذي استُخدم لعقود لأجل تحييد المعارضة. لقد كانت الآمال عالية في أن الوحدة المجتمعية ستنتصر [وتستمر].



وبحشد أنفسهم حول قضايا سياسية واقتصادية (عيش، حرية، عدالة [اجتماعية])، تحدى المتظاهرون كل الأحزاب والأطراف -لكن الإسلامويين خاصة- كي يربطوا بين ادعاءاتهم الثقافية والهوياتية وبين خططٍ متماسكة للتطوير السياسي والاقتصادي. وفي حين يستطيع الإسلامويون بناء أحزاب سياسية ذات شعبية كبيرة، لا تدعم هذه التفاعلات سيرورةَ التحول الديمقراطي إلا بعد مأسستها. وفيما بعد اللحظة الثورية في 2011، كان التحدي الماثل أمام الانتفاضات العربية هو مأسسة مستوى دوران النخب المتزايد وكذلك مستوى المشاركة الجماهيرية الناشئَين عن الثورة، بهدف جعلهما أكثر بقاءً على المدى الطويل.


 
وما تكشفه خبرات الانتفاضات العربية هو أن النتائج النهائية بقدر ما كانت ناشئة عن الاختيارات التي تم اتخاذها أثناء الانتفاضات وما بعدها، كانت أيضاً معتمدةً على مسارٍ [تاريخي] سابق. فقد واجه الإسلامويون تحديات رئيسية في استخدام الفرص الجديدة التي أُتيحت لهم لتأسيس وجودهم في المجال السياسي فيما بعد الانتفاضات. أولاً، كانت الإسلاموية الدولتية ذات تنوعات [عدة]، وخاصةً في مصر لم تعد جماعة الإخوان المسلمين تستأثر بالمجال السياسي وحدها.



إلا أنه نظراً لعلميات التباغض التي كانت تقع في الفضاء الإسلاموي منذ الثمانينيات، لم يحدث الانخراط [السياسي] الجديد بشكل يربط بين التحديات الدولتية والجماهيرية بشكل جيد. فما سُمي بالسلفية "السياسية" أو "الديمقراطية" -والتي تمثلت في حزب النور المصري- تم تحاشيها من قِبَل الكثيرين في الفضاء السلفي
[28].



وساهم ذلك في الشقاق السلفي الذي برز بعد إسقاط الرئيس مرسي بين من في المجال الدولتي يدعمون مرسي باعتباره رئيساً شرعياً، وبين من أيدوا الاستيلاء العسكري [على السلطة] (أو من اختاروا ترك [مجال] السياسة القومية مرةً أخرى). وثانياً، كافح الإسلامويون لنيل دعم الحركات الاحتجاجية التي كانت تنظر إليهم باعتبارهم "مختطفي [أو ركبوا]" الثورات، وهي الرؤية التي شجّعها عقدُ الإسلامويين لصفقات مع الأنظمة القديمة (كما في مصر واليمن)، وكذلك سِجِلُّ العديد من الإسلامويين الحافل بـ "المواءمات".



وأدى [أيضاً] البغض القديم بين الإسلامويين والعلمانويين (الناشئ جزئياً عن إثارة الشقاق من قبل الأنظمة التسلطية) إلى إطالة أمد إسقاط المستبدين. وفي الوقت نفسه، كان الإسلامويون الدولتيون يكافحون لترسيخ وتوسعة الدعم الجماهيري لمسارٍ سياسي ملئ بالمساومات التي تبدو مناقضةً للقيم الإسلاموية التي كثيراً ما دعوا إليها. وتوضّحُ [لنا] الاختلافات بين مصر وتونس بعضَ الأسباب الرئيسية التي حددت ما إذا كان الإسلامويون الدولتيون استطاعوا بالفعل استغلال الفرصة التي قدّمتها لهم الانتفاضات أم لا.


 
  • مصر

     
على الرغم من أن سقوط نظام مبارك ساهم فتح الباب أمام مجال سياسي جديد، إلا أن الطبقة السياسية بأكملها (إسلاموية وغير إسلاموية) فشلت في الفترة الانتقالية الحرجة -لأسباب داخلية ودولية- في الوصول إلى إطار دستوري يضمن دوران النخب. وتعد الحالة المصرية دالة على الحلقة المفرغة التي قد تنتج عن الصراع حول سلطة الدولة وعن ميراث الحكم التسلطي الذي يعرقل تعاون المجتمع المدني. إذ أعاقات تصرفات الإسلامويين الدولتيين (وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين) ومؤسسة الجيش ونخب النظام القديم (وخاصةً في القضاء) من إدامة السياسة التعددية والانتخابية.

 
أولاً، لم يستطع الفاعلون السياسيون المتنافسون تجسير الفجوات الكثيرة التي فرّقت السياسة المصرية على مر العقود السابقة. حتى على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين امتلكت عدد أتباعٍ كبير كما بدا في الأداء الانتخابي الذي قام به ذراعه السياسي (حزب الحرية والعدالة) وفي الانتصار (البسيط) الذي أحرزه مرسي، إلا أنها فشلت في ترجمة هذا الدعم إلى قدرة على عقد الصفقات في وضع إطار دستوري.



فمن ناحية، لم تستطع لا جماعة الإخوان ولا معظم القوى الإسلاموية الأخرى -نظراً لميراث انعدام الثقة منذ عهد مبارك- القيام على تحلف مع الأحزاب السياسية العلمانوية أو شباب الثورة. ومن ناحية أخرى، لم تستطع الجماعة إقناع الجيش ولا الأجهزة الأمنية أنها الشريك السياسي المناسب، على الرغم من محاولاتها المبكرة إثبات عزمها على العمل مع البنى القمعية الحالية.


 
وكان يعني عدم قدرة القوى السياسية المتنافسة على الوصول إلى "قواعد للعبة" متفقٍ عليها أن تنامي المعارضة الشعبية لحكم الجماعة لن يدفع في اتجاه تحولٍ ديمقراطي أكثر، بل سيتم توجيهها نحو إجراء الانقلاب العسكري "الاستثنائي" في غياب عمليات توسط مُمأسسة بين المصالح المتعارضة. وتمت بعد ذلك مأسسة مؤقتة لمستوى المشاركة الجماهيرية العالية الذي حدث أثناء الانتفاضات عبر "شعبوية جديدة" تتركز على تأليه شخص عبد الفتاح السيسي ومقام الجيش[29]، بدلاً من الارتباط بمفهوم دوران النخب. وقد استطاع النظام العسكري العائد تدمير قدرة جماعة الإخوان على الاتصال بقواعدها، ومن ثم لم تستطع أن تكون قاطرة للاندماج -ولو حتى بشكل موازٍ- كما كانت في الماضي.



لقد تحمّلت جماعة الإخوان قمعاً من قِبَل النظام من قبل، إلا أنه كما قال سعد الدين إبراهيم مؤخراً، كانت "ثورة" الثلاثين من يونيو -التي عجّلت بانقلاب عسكري بعدها بأربعة أيام- هي المرة الأولى التي تواجه فيها الجماعة تمرداً شعبياً عاماً
[30]. وقد أضرّ حجم هذه الانتفاضة الضخم -وإن كان قد تمت المبالغة فيه- بصورة الجماعة باعتبارها حركةً شعبية في المنطقة وبالتالي قناةً للتحول الديمقراطي. ورسّخ نظام السيسي الجديد أقدامه على أساس من أسطورة السيادة الشعبية التي مثّلتها انتفاضة الثلاثين من يونيو الشعبية. ودعمت أعداد كبيرة من المثقفين العلمانويين القضاء على جماعة الإخوان المسلمين، حتى وإن لم يكن ذلك يدعم تقليص حجم التسلطية العسكرية في مصر[31].



وبذلك، يمكن النظر إلى المنعطف المصري باعتباره حالة ارتداد مؤقت إلى الحروب الثقافية القديمة بتشجيعٍ من النظام العسكري الجديد.
لم يتم دمج الإسلامويين في التيار العام باعتبارهم أحزاباً محافظة في إطار دستوري يضمن دوراناً منتظماً للنخب السياسية، وتم أيضاً القضاء على قدرة الإسلامويين على أن يكونوا قاطرة للمشاركة الجماهيرية، إذ إنه حتى لو تم تأسيس شكلٍ ما من دوران النخب سيكون على الأرجح شكلاً "تجميلياً" (الديمقراطية الزائفة أو المظهرية) يفتقر لارتباط ديمقراطي حقيقي بالناخبين. [وبذلك] ضاعت فرصة أن تكون جماعة الإخوان والسلفيون السياسيون حاملين للتحول الديمقراطي.

 
  • تونس

     
لا يمكن اعتبار أنه دخلت دولةٌ عربية في مسار تحولٍ ديمقراطي بشكل مؤسسي مباشر نتيجة انتفاضات 2011 إلا في حالة تونس. فبدلاً من تسهيل العودة إلى التسلطية -بشكل مباشر عبر الاستفادة من نجاحهم السياسي، أو بشكل غير مباشر عبر دفع مناوئيهم إلى الاستيلاء على السلطة- أو إضعاف قدرات مؤسسات الدولة، ساهم إسلامويو النهضة في دعم استقرار المؤسسات والممارسات الديمقراطية ما بعد الثورة. لقد أصبح تطبيع الإسلاموية الدولتية في تونس مرتبطاً بشدة بعملية ترسيخ الديمقراطية التعددية.

 
لقد كانت عمليات الترسيخ الديمقراطي مهمةً بنفس قدر أهمية ما سبقها من الانتفاضة الثورية نفسها أو الانتخابات التأسيسية عام 2011. ففي هذه الفترة، حكم إسلامويو النهضة عبر ائتلافٍ مع الأحزاب اليسارية وعقدوا صفقات حول الدستور وانتخابات جديدة مع القوى العلمانوية الرئيسية في البلاد. لقد اختارت النهضة خفض حدة دعاواها الأيديولوجية الإسلاموية والاهتمام بناخبي الطبقة الوسطى عبر رؤيتهم المحافظة العامة ومخطط "الحكم الرشيد".



وأفضلُ مثالٍ على تخفيض حدة هذه الدعاوى الأيديولوجية لدى الإسلاموية الدولتية في سياق مؤسسي يمر بتحول ديمقراطي هو الاتفاق الذي تُوصِّل إليه حول الدستور الجديد مع الأحزاب العلمانوية، والذي أدى إلى عدم ورود أي إشارات مباشرة إلى الشريعة في نص الدستور. وبهذه التنازلات في [وضع] الإطار الدستوري وفي ممارستها للسلطة التنفيذية، سهّلت حركةُ النهضة من قبول القوى الاجتماعية والسياسية -ذات الانقسامات الأيديولوجية السابقة- لنموذج ديمقراطي يمكنهم فيه تعويض خسارة اليوم بمكاسب الغد.


 
وكذلك يتمثل دمج حركة النهضة في التيار العام عبر قرار الحكومة التي تقودها النهضة بتسليم السلطة التنفيذية لحكومة تكنوقراط تقبلها المعارضة قبل عامٍ من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتوقعة. وفي انتخابات عام 2014، جاء النهضة في المركز الثاني، مما يشير إلى أن وجود حزب إسلاموي ممأسس في ديمقراطية تعددية تتسم بدوران النخب أصبح أمراً "عادياً".



فبدلاً من السعي نحو إحداث أثرٍ مباشر على مؤسسات الدولة وحكمها، وضع الإسلامويون الدولتيون في تونس على رأس أولوياتهم أن يكونوا حزباً مقبولاً راسخاً في التيار العام وله كلمة في الحياة العامة والسياسية بغض النظر عن كونه في المعارضة أو الحكم. ومن منظور يركّز على الفاعلين، يمكننا القول إن استراتيجيات الفاعلين الأساسيين في التحول التونسي كانت باعثةً على ترسيخ الديمقراطية.



لكن كي يمكن للنهضة وخصومها العلمانويين أن يعمّقوا من قواعد دعمهم ويتجنبوا خطر "الحروب الثقافية"، يجب إنجاز مهمة تقليص التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية المروّعة. وفي هذه الحالة، سيتحرك الإسلامويون الدولتيون من اعتبار أن الدعاوى الثقافية والأخلاقية المحضة هي المصدر الرئيسي لإضفاء الشرعية عليهم إلى حزبٍ يقوم على سياسات اجتماعية واقتصادية مُقدَّمة إلى ناخبين غير مصنّفين على اعتبارات أيديولوجية.


 
  • الإسلاموية اللادولتية والانتفاضات

     
ترتبط المنعطفات التي سار فيها السلفيون والجهاديون بعد 2011 في بلدان الانتفاضات العربية بالتطور السياسي العام لكل دولة، وكذلك بنجاح أو فشل منافسيهم من الإسلامويين الدولتيين. وعلى الرغم من أن الجهاديين لا تتمحور خطتهم بالأساس حول الدولة، إلا أن نشاطهم المحلي يختلف وفقاً للظروف، من النشاط غير المهتم بالطابع الإقليمي لدى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب[32] إلى السيطرة المركزية [على الأرض] لدى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

 
لقد كان هناك تطوران على المستوى الإقليمي أديا إلى تقوية التيار الجهادي، والذي كان قد شارف على أن يكون غير ذي صلةٍ بالواقع أثناء الانتفاضات. أولاً، أدى تعدد الصراعات الأهلية وتقلص قدرة الدولة (سوريا والعراق وليبيا ومالي واليمن) إلى زيادة عدد المواقع وإمكانيات التجنيد المتاحة أمام الجهادية المسلحة. إذ انتقلت العمليات الجهادية إلى المناطق التي كان من الممكن فيها أن تقوم مقاومةٌ مسلحة للدولة وأن تكون شرعيةً وفعالة. ولذلك في بداية عام 2012، وجّهت الشبكات الجهادية الموجودة مسبقاً في شمال أفريقيا -وخاصةً تنظيم القاعدة في المغرب- جهودَها إلى الجنوب ناحية مالي للمشاركة في تحدي الدولة المالية الذي يقوده الطوارق العائدون من ليبيا.



ففي شمال أفريقيا، أدى تفكك الأجهزة الأمنية التسلطية القديمة بالشبكات الجهادية إلى العمل بحريةٍ أكبر
[33]. وبالمثل في سوريا، أعادت الشبكات العراقية التي تدعمها القاعدة نشرَ قواتها في الميدان السوري لمواجهة حكومة الأسد (وجماعات المعارضة الأكثر تعلمناً) عبر إنشاء جبهة النصرة.


 
يُنشئ السلفيون والجهاديون مباشرةً في مناطق النزاع -كسوريا والعراق- هياكلَ اندماج شعبي (وإن كانت على أسس طائفية تقسيمية) في الوقت الذي لا تكون مؤسسات الدولة فيه غير قادرةٍ على ذلك أو غير راغبةٍ فيه. ويدل ذلك على الضعف المستمر للدولة فيما بعد الانتفاضات (على الرغم من أنها أصبحت أكثر "قسوةً" و"ووحشية")[34]، وكذلك على محدودية قدرة الإسلامويين الدولتيين على دمج كتلٍ شعبية ضخمة في أوضاع [نزاعية] كهذه. وبالتأكيد هناك علاقة سببية بين المواجهة العنيفة بين نخب الدولة التسلطية وبين الإسلامويين الدولتيين وبين تناقص قدرة كليهما على الإنجاز في قضايا الدمج الاجتماعي.

 
ولقد أثبتت الفكرة الجهادية أنها تمثل مصدراً فعالاً من الناحية الاقتصادية والأيديولوجية والقانونية للجماعات التي تسعى لفرض امتثالٍ على المجتمعات المتشظية والمصدومة، كتلك التي تحيا في دولة تتعرض للإضعاف أو الانهيار. وتكمن جاذبية النموذج الجهادي في بساطته والسهولة التي يمكن "نشره" بها في سياقات مختلفة[35]. وعلى الرغم من أن قيادة جماعات كالدولة الإسلامية وأنصار الشريعة (كلاهما في المنزلقات اليمنية والليبية) ليست قيادات "عضوية" بين من يريدون حكمهم من السكان، إلا أنهم يمكنهم الحصول على القبول الشعبي عبر عقد صفقات مع السلطات القبلية والمحلية الأخرى (أي شرائهم)، ومخاطبة الشباب السني الساخط، وفرض نظامٍ قانوني معروف، وإن كان غير مرحبٍ به.



وتوضّح حالة تنظيم الدولة الإسلامية التطور من وضع السياسة التحتية إلى سياسة الجهادية العابرة للحدود عندما ترتخي سيطرة الدولة. فالتنظيم يهتم بالأساس بالإدارة الجزئية للقضايا المجتمعية عبر تشريعات دينية، وبتقوية قدراته على شن حروب عابرة للحدود ضد معارضي مذهبه.


 
وزادت قوة البعد العابر للحدود في النشاط الجهادي نتيجة تضافر نجاح التحول الديمقراطي وفشله بعد الانتفاضات العربية. ففشل التحول الديمقراطي وفشل الإسلاموية الدولتية -باستثناء تونس- من "نوع" جماعة الإخوان المسلمين في خضم النزاع السوري والانقلاب العسكري المصري أدى إلى تقوية راهنية الخطاب الأيديولوجي الجهادي، والذي هددته إمكانية وصول الحركات الإسلاموية إلى السلطة ديمقراطياً. وقد تكون الجاذبية الأيديولوجية للخطاب الجهادي قد زادت مع انبعاث تنظيم الدولة الإسلامية والصراع الطائفي في العراق وسوريا.

 
لكن البعد الإقليمي والعابر للحدود في الفكرة الجهادية والمرتبط بصراع ما بعد الانتفاضات العربية يتجاوز إلى حد كبير دول الانتفاضات نفسها. فبالإضافة إلى تداول الجهاديين في جميع أنحاء العالم العربي، يتزايد عدد "المقاتلين الأجانب" القادمين من مسلمي أوروبا[36]. وهذه التفاعلات -التي تروج لها الحركات الجهادية بشكل جيد- تشير إلى أنها ليست ناشئةً عن فشل التحول الديمقراطي في العالم العربي فحسب، بل تعكس أيضاً مشكلاتٍ أكبر في الاغتراب والاندماج الاجتماعي والسياسي.

 
يعني ذلك أن البلدان التي لا تعاني من حربٍ أهلية لن تهرب حتماً من النشاط الجهادي أو السلفي. ففي جميع أنحاء المنطقة، يظل التيار السلفي ملجأً للنشاط السياسي (أو المسلح) لأسبابٍ مختلفة في كل دولة؛ التي تمر منها بتحولٍ ديمقراطي والتي لا تمر. ففي مصر، أدى القمع المتزايد والانسداد السياسي منذ الانقلاب العسكري إلى دفع العديدين ممن كان نشاطهم السياسي محتملاً إما إلى الانسحاب على أساس ديني، أو إلى العنف لدى البعض.



وفي تونس، يوضّح الصعودُ السريع لأنصار الشريعة تحت حكومةٍ تقودها حركةٌ إسلاموية عدمَ رضا العديد من أبناء الثورة (وخاصةً الشباب العاطل) عن بطء وتيرة التغيير، والتوجه السياسي البراجماتي الذي تتخذه حركة النهضة. وبالتالي، حتى في سياق من تقوية مؤسسات الدولة وإضفاء الطابع الديمقراطي عليها -في حالة التحولات الديمقراطية "الناجحة"- تؤكد صعوبةُ تحويلِ المواطنين الثوريين إلى ناخبين "حَسَني السلوك" أن هذه المجموعات التي لا تزال تشعر بأنها مستعبدةٌ من الإجماع السياسي القائم أو غير راضيةٍ عنه يمكنها أن ترى في الحركات الإسلاموية اللادولتية سبيلاً آخرَ للاندماج.


 
 
 
  1. خاتمة

     
تتبع صورُ الإسلاموية المختلفة في المنطقة -ونجاحاتها ومواطن فشلها- نشأةَ وسقوطَ نماذج حكم مختلفة أكثر من اتباعها لأنظمة حكمٍ بعينها. ودرجة التحول في علاقات الدولة والمجتمع وطبيعته -عبر الموضعة الرسمية والعملية للأحزاب الإسلاموية- هي التي تؤثر بشكل مباشر في تطور إسلاموية ما بعد الانتفاضات. وكما أشار أودونيل وشميتر فيما يخص التحولات الديمقراطية في الثمانينيات، تمثل مرونة الهويات مكوناً هاماً من مكونات العملية السياسية خلال فترات التحول هذه[37].



وواجهت بعض الحركات الإسلاموية بسبب المنعطفات التاريخية [التي مرت بها] صعوبةً أكثر من غيرها في إعادة بناء نفسها والمساهمة في تحولٍ كلي للروح السياسية فيما بعد الانتفاضات. وبالتالي، كانت النهضة في تونس -بتوجهها الإصلاحي المدروس جيداً، وعلاقاتها اللاصراعية مع جيش غير مسيّس إلى حدٍ كبير، وتفوقها التنظيمي على الحركة السلفية الناشئة- أفضلَ حالاً من جماعة الإخوان في مصر (أو في ليبيا واليمن اللتان كانتا متشظيتين ومعسكرتين بشدة).



لا يعني ذلك أن الأولى كان لا بد من نجاحها وأن الثانية كان محتماً عليها الفشل، بل يعني أن الاستراتيجيات التي وظّفها كلاهما كان لها دور جوهري في تحريك بلدانهما نحو الترسيخ الديمقراطي أو بعيداً عنه. فعندما تشارك الأحزاب الإسلاموية في نظامٍ تعددي نشط كما في تونس، مع زيادة في الحريات المدنية، يمكنها عندئذٍ المساهمة في ترسيخ الديمقراطية وفرض الاستقرار وتحسين حكم الدولة. ويحدث العكس عندما يتم إقصاء الحركات الإسلاموية بعنفٍ كما في مصر بعد انقلاب عام 2013 العسكري وحظر جماعة الإخوان المسلمين.


 
 
المراجع:



 
عبد العال، علي. الدعوة السلفية بالإسكندرية، النشأة التاريخية وأهم الملامح، 30 أبريل 2011. الرابط.
Abdelnasser, Walid Mahmoud. “Islamic Organizations in Egypt and the Iranian Revolution of 1979: The Experience of the First Few Years.” Arab Studies Quarterly 19, no. 2 (1997): 25–39.
Ahmed, Akbar S. The Thistle and the Drone: How America’s War on Terror Became a Global War on Tribal Islam. Washington, DC: Brookings Institution Press, 2013.
العناني، خليل. الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن، القاهرة، دار الشروق الدولية، 2007.
Ayoob, Mohammed. The Many Faces of Political Islam: Religion and Politics in the Muslim World. Ann Arbor: University of Michigan Press, 2009.
Ayubi, Nazih N. Over-Stating the Arab State: Politics and Society in the Middle East. London: I. B. Tauris, 1995.
Baker, Raymond William. Islam without Fear: Egypt and the New Islamists. Cambridge: Harvard University Press, 2006.
Bayat, Asef. “Revolution without Movement, Movement without Revolution: Comparing Islamic Activism in Iran and Egypt.” Comparative Studies in Society and History 40, no. 1 (1998): 136–169.
Bonnefoy, Laurent. Salafism in Yemen: Transnationalism and Religious Identity. New York: Oxford University Press USA, 2012.
Boubekeur, Amel. Salafism and Radical Politics in Postconflict Algeria. Carnegie Papers no. 11, 2008. Middle East Center: Carnegie Endowment for International Peace.
Brownlee, Jason. “The Muslim Brothers: Egypt’s Most Influential Pressure Group.” History Compass 8, no. 5 (2010): 419–430.
Burgat, Francois. Islamism in the Shadow of Al-Qaeda. Trans P. Hutchinson. Austin: University of Texas Press, 2010.
Clark, Janine. “Social Movement Theory and Patron-Clientalism: Islamic Social Institutions and the Middle Class in Egypt, Jordan and Yemen.” Comparative Political Studies 37, no. 8 (2004): 941–968.
El-Ghobashy, Mona. “The Metamorphosis of the Egyptian Muslim Brothers.” International Journal of Middle East Studies 37, no. 3 (2005): 373–395.
Filiu, Jean-Pierre. Al-Qaeda in the Islamic Maghreb: Algerian Challenge or Global Threat? Carnegie Papers, November 2009. Carnegie Endowment for International Peace.
Gause III, F. Gregory. Beyond Sectarianism: The New Middle East Cold War. Brookings Doha Center Analysis Paper no.11, 2014. Brookings Doha Center.
Gerges, Fawaz A. The Far Enemy: Why Jihad Went Global. Cambridge: Cambridge University Press, 2005.
Hafez, Mohammed M. Why Muslims Rebel: Repression and Resistance in the IslamicWorld. Boulder: Lynne Rienner, 2004.
Hegghammer, Thomas. “Should I Stay or Should I Go? Explaining Variations in Western Jihadis’ Choice between Domestic and Foreign Fighting.” American Political Science Review 107, no. 1 (2013): 1–15.
Hinnebusch, Raymond. Egyptian Politics under Sadat: The Post-Populist Development of an Authoritarian-Modernizing State. Boulder: Lynne Rienner, 1988.
Hudson, Leila, Colin S. Owens, and David J. Callen. “Drone Warfare in Yemen: Fostering Emirates through Counterterrorism?.” Middle East Policy 19, no. 3 (2012): 142–156.
إبراهيم، سعد الدين. "كسوف الإسلام السياسي: الإخوان المسلمون نموذجاً"، مجلة الديمقراطية، ع55 (يوليو 2014)، 34-48.
Ibrahim, Saad al-Din. “khusuf al-Islam al-Siyasi: al-Ikhwan al-Muslimun namudhajan [The eclipse of political Islam: the case of the Muslim Brotherhood].” Majallat Al- Dimuqratiya [journal]. 55, (July 2014): 34–48.
Lia, Brynjar. The Society of the Muslim Brothers in Egypt: The Rise of an Islamic Mass Movement 1928–1942. Reading: Ithaca Press, 1998.
Lockman, Zachary. Contending Visions of the Middle East: The History and Politics of Orientalism. Cambridge: Cambridge University Press, 2004.
Mehrez, Samia. Egypt’s Culture Wars: Politics and Practice. New York: Routledge, 2008.
Mitchell, Richard P. The Society of the Muslim Brothers. New York: Oxford University Press USA, 1993.
مبارك، هشام. الإرهابيون قادمون! دراسة مقارنة بين موقف الإخوان المسلمين وجماعة الجهاد من قضية العنف 1938-1994، القاهرة، كتاب المحروسة، 1995. 292 وما تلاها.
النقيب، أحمد عبد الرحمن. "السلفية والسلفيون وانتخابات الرئاسة"، موقع البصيرة، أبريل 2012: الرابط.
O’Donnell, Guillermo, and Philippe C. Schmitter. Transitions from Authoritarian Rule: Tentative Conclusions about Uncertain Democracies. Baltimore: John Hopkins University Press, 1986.
Roy, Olivier. The Failure of Political Islam. Trans. C. Volk. Cambridge: Harvard University Press, 1994.
Sayigh, Yazid. “Taking Egypt Back to the First Republic.” Carnegie Endowment for International Peace, February 6, 2014. الرابط.
Schwedler, Jillian. “Can Islamists Become Moderates? Rethinking the Inclusion-Moderation Hypothesis.” World Politics 63, no. 2 (2011): 347–376.
Shambayati, Hootan. “The Rentier State, Interest Groups, and the Paradox of Autonomy: State and Business in Turkey and Iran.” Comparative Politics 26, no. 3 (1994): 307–331.
Stein, Ewan. “An Uncivil Partnership: Egypt’s Jama’a Islamiyya and the State after the Jihad.” Third World Quarterly 32, no. 5 (2011): 863–881.
تمام، حسام. تسلف الإخوان: تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، 2010.
Teitelbaum, Joshua. “The Muslim Brotherhood in Syria, 1945–1958: Founding, Social Origins, Ideology.” Middle East Journal 65, no. 2 (2011): 213–233.
Torelli, Stephano, Fabio Merone, and Francesco Cavatorta. “Salafism in Tunisia: Challenges and Opportunities for Democratization.” Middle East Policy 19, no. 4 (2012): 140–154.
Volpi, Fre´de´ric. Political Islam Observed: Disciplinary Perspectives. New York: Oxford University Press USA, 2010.
Wehrey, Frederic. “Libya’s Revolution at Two Years: Perils and Achievements.” Mediterranean Politics 18, no. 1 (2013): 112–118.
Wickham, Carrie Rosefsky. “The Path to Moderation: Strategy and Learning in the Formation of Egypt’s Wasat Party.” Comparative Politics 36, no. 2 (2004): 205–228.
Wickham, Carrie Rosefsky. Muslim Brotherhood Evolution of an Islamist Movement. Princeton: Princeton University Press, 2013.
Zubaida, Sami. Islam, the People and the State: Political Ideas and Movements in the Middle East. London: I.B.Tauris, 1993.

 


الهوامش:



 
[1] يود المؤلفان أن يشكرا مجلس البحث في الآداب والإنسانيات لتسهيله هذا البحث عبر دعمه للشبكة البحثية "سلطة الشعب في مواجهة سلطة الدولة" في مركز دراسات الشرق الأوسط المتقدمة The Advanced Study of the Arab World.
[2] Volpi, Political Islam Observed.
[3] Ayoob, The Many Faces of Political Islam.
[4] Lockman, Contending Visions.
[5] Abdelnasser, “Islamic Organizations in Egypt”.
[6] Bayat, “Revolution without Movement”.
[7] Hinnebusch, Egyptian Politics under Sadat.
[8] Mehrez, Egypt’s Culture Wars.
[9] Shambayati, “The Rentier State”.
[10] Stein, “An Uncivil Partnership”.
[11] Ahmed, The Thistle and the Drone.
[12] Burgat, Islamism in the Shadow.
[13] Gause III, Beyond Sectarianism.
[14] Torelli et al., “Salafism in Tunisia”.
[15] Roy, Failure of Poltical Islam.
[16] Zubaida, Islam, the People.
[17] Mitchell, Society of the Muslim Brothers; Lia, Society of the Muslim Brothers; Wickham, Muslim Brotherhood.
[18] Teitelbaum, “Muslim Brotherhood in Syria”; Brownlee, “Muslim Brothers”.
[19] Anani, Al-Ikhwan Al-Muslimin; Schwedler, “Can Islamists Become Moderates?”; El-Ghobashy, “Metamorphosis of the Egyptian Muslim”.
[20] Wickham, “Path to Moderation”.
[21] Baker, Islam without Fear.
[22] Bonnefoy, Salafism in Yemen.
[23] عبد العال، الدعوة السلفية؛ تمام، تسلف الإخوان.
[24] Boubekeur, Salafism and Radical Politics.
[25] Clark, “Social Movement Theory”.
[26] Hafez, Why Muslims Rebel.
[27] Gerges, Far Enemy.
[28] النقيب، "السلفية".
[29] Sayigh, Taking Egypt Back.
[30] سعد الدين إبراهيم، خسوف الإسلام السياسي.
[31] العبارة في الأصل تنتهي بـ "حتى وإن لم يكونوا داعمين تقليص ..."، لكن نظنه سهواً من المؤلفَين. [المترجم]
[32] Filiu, Al-Qaeda.
[33] Wehrey, “Libya’s Revolution”.
[34] Ayubi, Over-Stating the Arab State.
[35] Hudson et al., “Drone Warfare.”
[36] Hegghammer, “Should I Stay.”
[37] O’Donnell and Schmitter, Transitions from Authoritarian Rule.
 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك