حوار مع المواطن السوري المغترب والفار من جحيم سوريا رضوان الراوي
حاورته الكاتبة الإعلامية: أ. خولة خمري
في إطار سلسلة لقاءاتها مع مختلف النشطاء، لإيصال آرائهم إلى الرأي العام، كما تسليط الضوء على مجموعة من المواضيع الحارقة .. تستضيف جريدة المستقلة بريس في هذا الحوار، إنسان ينبع بالإنسانية وحب الوطن على بساطته، إلا أنه يحمل قضية وطن لطالما عانى الأمرين من أجلها .. إنها القضية السورية .. سوريا التي تنزف دما وتقدم يوميا، بل في كل لحظة أبناءها شهداء في حب الوطن والذود عن قيم الدين بغية تحقيق الحرية لهذا الوطن المنكوب المتعطش للحرية.
أهلا وسهلا بك بيننا أستاذ رضوان
* أهلا وسهلا بك سيدتي الفاضلة، حضرة الأستاذة الباحثة المتألقة خولة خمري.
_ بداية كيف يمكن أن تقدم نفسك ومسار تقلبات حياتك للقراء والمتتبعين للشأن الثقافي والسياسي بالوطن العربي ..؟.
* أنا مواطن سوري، أحب وطني حد النخاع، وأنا من مواليد سوريا وقد جاء جدي من العراق متوجها نحو سوريا، نتيجة الظروف الصعبة التي عاشها هناك بالعراق، لقد عشت في سورية أجمل أيام العمر من الطفولة إلى الشباب، عشت فيها أجمل أيام حياتي، ومن ثم إلى معترك الحياة في العمل، وهجرت بعدها إلى تركيا، ومن ثم هولندا، نتيجة لوضع الحرب التي اندلعت إبان مظاهرات قام بها الشباب يطالبون بالحرية وتحسين مستوى معاشهم وتكافؤ الفرص في الوظائف الحكومية ودخول الجامعات، فضلا عن العيش الكريم.
_ أستاذ رضوان حياتك كما سردت شهدت تقلبات كثيرة فمن سوريا إلى تركيا فهولندا، يبدو أنها حافلة بالانتقالات، ما أبرز المحطات التي كانت منعرجا خطيرا بحياتك ..؟
* أسوأ ما مر معي في بداية الحراك الشعبي في مدينتي، هناك نازحون من محافظة حمص السورية كانت تستعر تحت نيران قصف النظام لها بالطائرات، يقطنون في بيت أحد الهاربين من المدينة طائفيا، وجاءت مفرزة المخابرات الجوية في المدينة وأخرجتهم من المنزل هم وأطفالهم عنوة، وهناك امرأة كانت قد ولدت جنينها حديثا وشاهدتهم يكتبون على أحد الجدران (الأسد أو لا أحد ) (الأسد أو نحرق البلد ).
وكنا نعيش في مدينة الطبقة، مدينة سد الفرات، ولأول مرة أشاهد بعيني كيف الطيران يقصف منازل المدنيين .. لا يوجد مظاهرات ولا مسلحين في المدينة في ذلك الوقت، هذا كان في العام 2012 بالشهر التاسع، وبعدها أصبح قصف الطيران برنامج ربما يومي، وسمعنا أن المدن السورية تقصف بالبراميل المتفجرة إلى أن شاهدنا ذلك في مدينتي الوادعة .. طائرة عسكرية مروحية تلقي بأحد البراميل المتفجرة على منزل وبجوار المنزل مدرسة يقطنها نازحون من محافظة دير الزور، وتم تدمير المنزل وقسم من المدرسة.
_ باعتبارك شاهد عيان على ما يحدث بسوريا .. هل بإمكانك أن توصل لنا المشهد الحاصل هناك بسوريا بشكل عام حتى يعرف العالم ما يحصل هناك، خاصة وأنك ممن طالهم التهجير عنوة ..؟.
* كما سردت لك سيدتي لقد مررنا بظروف جد صعبة، وما قلته لك يعتبر نقطة من بحر ما يعانيه الشعب السوري الأعزل .. هذه الظروف الصعبة التي مرت على البلاد بشكل عام أدت إلى النزوح من مدينة إلى أخرى، حيث كان الناس يبحثون عن الأمان لهم ولعيالهم، فكان لنا نصيب من هذه المأساة، فهربت بأطفالي إلى تركيا ولقينا فيها حفاوة الاستقبال والترحيب من الأصدقاء الأتراك .. لكن، عندما كنا نجتمع كسوريين كنا نسمع عن مآسي كثيرة فهذا بتر أحد
أطرافه، وهذا دفن زوجته دون كفن وقصص أخرى وكأنها من قصص أفلام الرعب الخيالية، لدرجة أنك لا يمكن أن تستوعبيها أو تصدقيها.
_ وبخصوص الأوضاع الاجتماعية حسب تتبعنا للمشاهد القاسية عبر مختلف وسائل الإعلام، خاصة بريف ادلب وحما، الوضع الإنساني كارثي هناك .. هل بإمكانك أن تنقل لنا أحد المشاهد التي بقيت عالقة بذهنك هناك عن العوائل المتضررة من الدمار والتهجير الذي طالهم ..؟.
* هناك الكثير من المآسي التي ألمت بالشعب السوري، نتيجة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على المدن والبلدات السورية حتى أغلب المدن السورية كان لها نصيب من الصواريخ البالستية، وعندما ضاق الحال بالبشر في تركيا وسوريا بدأت فكرة الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي علها تمنحنا الاستقرار، وكانت هناك مآسي كثيرة عانى منها الشعب السوري من جلاديه، فحوادث الغرق في بحر ايجة شاهد على المأساة وغيرها الكثير الذين غرقوا في عرض البحر أثناء هربهم من جحيم بشار.
_ باعتبارك عشت ظروفا صعبة بسوريا ما الأدوات الكفيلة التي تراها مناسبة وتقترحها على الحكومات أو المنظمات الناشطة بهذا الميدان لنشر قيم المواطنة وحب الوطن بين أبناء الشعب الواحد رغم اختلاف دياناتهم وتوجهاتهم الفكرية ..؟.
* سيدتي الفاضلة كل الشعوب في العالم عاشت ظروفا جد صعبة، وقامت بالعالم حروبا أكلت الأخضر واليابس كما يقال، فالثورات الشعبية أمر طبيعي حدوثها عندما يصل الشعب إلى درجة لم يعد يحتمل فيها الطغيان والاستبداد مطالبا بأبسط حقوقه في العيش بكرامة، وطبعا النظام السوري قام عسكر المجرمين رغم أن الاحتجاجات على الظلم كانت سلمية بشكل كلي وتنبذ الطائفية، فكانت الهتافات أثناء التظاهر الشعب السوري واحد سلمية سلمية .. الخ، لكنني من هذا المنبر أدعو كافة الشعب السوري بمختلف طوائفه إلى التكاتف ولم الشمل والالتفاف حول قضيتنا المقدسة حتى نحقق مطالبنا، فوطننا لن يحقق الحرية إلا بأيادي وسواعد أبنائه الشرفاء الذين يقدسون الحرية ولا يرضون إلا بالعيش الكريم، هذا غيض من فيض كما يقال سيدتي، لا يمكن لنا بعد هذا التدمير والقتل أن نتجاوز محنتنا كسوريين إلا بمحاسبة الطغاة ونبذ العنف وتطبيق مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع ونبذ الأنا، وأن نتعامل على أسس ومعايير أخلاقيات وتحقيق الحوار المتمدن في كل جوانب الحياة
_ أستاذ مرتضى، المتتبع للوضع بسوريا حاليا يلاحظ انتشار الطائفية وبشكل كبير بسبب أمور كثيرة يعرفها العام والخاص، برأيك كيف يمكن أن نسهم، سواء على مستوى المؤسسات الخيرية ومنظمات المجمع المدني أو على مستوى الحكومات لنشر قيم التسامح ..؟.
* الآن ما يجري في البلاد من تغيير ديموغرافي وتهجير السكان من الجنوب والغرب والوسط إلى الشمال وزجهم في أتون المشاحنات حتى يظهر النظام للعالم أننا لا نستحق الحرية، وهذا ما نراه اليوم صباح ومساء من التدمير الممنهج لجنوب البلاد بقصف روسي وإيراني، والعمل على إذكاء نار الطائفية المقيتة ما تسبب في قتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ وخيرة شباب البلد لأجل تنفيذ مخططات يرسمها الفرس والصهيونية، والإظهار للعالم أجمع أننا شعب طائفي لا يعرف معنى الحرية و التعايش، في حين أننا شعب طيب ومسالم، نحب الخير لكل العالم و لطالما عشنا كلنا مع بعض في خير وتآزر تام .. لكن، تكالب الكلاب المسعورة علينا أدى إلى ما أصبح عليه الوضع حاليا.
_ لقد أصبحت من مواطني هولندا، ما شعورك الآن تجاه وطنك بعد كل هذا البعد عن الأهل والأقارب بسوريا ..؟.
* أنا الآن أعيش في هولندا وأنعم بالأمان والحرية الفكرية التي كنت افتقدها في وطني، إلا أن حنيني إلى الأهل والأصدقاء والأرض التي حبوت ومشيت عليها ولي في باطنها أحبة فارقونا لا يمكن أن ينتهي حتى في نومي .. أنا ومثلي الكثير من القادمين إلى هذه البلاد .. لذلك، أتمنى أن يعود الأمن والأمان لبلادنا حتى نعود لوطننا سريعا بعد انتهاء هذا الكابوس.
_ وكيف يمكن أن تقدم رسالة لهولندا وغيرها من الدول الغربية لمساعدة الجاليات السورية المهاجرة ..؟.
* طبعا، من ينسى الجميل ينسى الإساءة، ومن خلال هذا اللقاء أتقدم إلى الحكومة والشعب الهولندي الرائع على حسن استضافتهم لي ولأسرتي، وللكثير من الأشقاء السوريين، وأحب أن أقول للشعب الهولندي، نحن لم نأتكم جائعين وليس لنا طمعا في بلادكم ولا ببيوتكم .. نحن قدمنا إلى بلادكم ننشد الأمان .. افتحوا لنا مجال العمل وستجدون منا الكثير من الإبداع والتطوير ونتعاون معكم على ازدهار بلادكم.
_ أستاذ رضوان في نهاية حوارنا الشيق نترك لك حرية الكلام، رسالة مفتوحة منك تقولها للعالم أجمع من أجل لفت انتباه العالم للقضية السورية، وما يعانيه هذا الشعب الأعزل الذي تكالبت عليه أيادي الإجرام من كل صوب وحدب ..؟.
* إلى أحرار العالم .. إلى الشرفاء .. إلى دعاة الإنسانية، يجب إيقاف هذه الحرب المستعرة بين أهل البيت الواحد، وتضميد جراح الشعب السوري العظيم بمحاسبة كل من ساهم وشارك بالعدوان عليه.
وكل الشكر والتقدير للأستاذة الفاضلة المبدعة المتألقة أ. خولة خمري.