الصراع التجاري الأمريكي – الصيني يربك الاقتصاد العالمي

 
في مقابلة له سنة 2018 أشار رئيس منظمة التجارة العالمية البرازيلي روبيرتو أزيفيدو إلى أن هناك مؤشرات قوية لاندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين وقال أزيفيدو في ذات المقابلة بأن مستقبل العالم الاقتصادي سيكون مظلما في حال نشوب حرب كهذه ،  وعلى نفس الوتيرة  يتنامى الصراع التجاري الأمريكي الصيني يوما بعد يوم ، وقد دخل  هذا الصراع مراحل حساسة سواء من حيث زيادة حجم الرسوم الجمركية المفروضة من الطرفين أو من خلال توسع وتنوع المجالات الاقتصادية التى تستهدفها حكومات البلدين بهذه الرسوم.

هذه الوضعية أربكت السوق العالمية حيث توقع العديد من خبراء الاقتصاد حصول كساد عالمي بسبب التوتر التجاري بين قطبي الاقتصاد العالمي، وقد زاد من هذه المخاوف الدعوات المتتالية من الاتحاد الأوربي بضرورة حل المشاكل التجارية العالقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشكل عاجل حيث أن تنامى هذا الصراع و توسعه يهدد الاقتصاد العالمي بأزمة عنيفة بدأت بعض ملامحها تجتاح دول العالم.  تسلط هذه المقالة الضوء على تطورات الصراع التجاري الأمريكي – الصيني وتداعياته على الاقتصاد العالمي.

حرب الرسوم الجمركية

بالرغم من أن الدولتين وقعتا على بنود اتفاقية التجارة العالمية الحرة ، إلا أن ذلك لم يمنع حكومات البلدين من فرض رسوم جمركية متبادلة كمظهر من مظاهر توتر العلاقات التجارية بينهما ، هذه الظاهرة التى يمكن وصفها ب – حرب الرسوم الجمركية – تسببت في انعكاسات سلبية على اقتصاد البلدين ، حيث أظهرت آخر التقارير المتعلقة بالتبادل التجاري أن واردات السلع الأمريكية انخفضت بنسبة 22 % خلال شهر أغسطس مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 10.3 مليار دولار وذلك بعد رفع التعريفة الجمركية الصينية وإقدام الشركات الشركات الصينية على إلغاء الطلبات.

وفِي الجانب الآخر هبطت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة – وهي أكبر سوق للمنتجات الصينية – بنسبة 16 % لتصل إلى 44.4 مليار دولار تحت ضغط التعريفات الجمركية العقابية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في معركتة لكبح طموحات بكين التوسعية. وبالرغم من تواصل المفاوضات بين واشنطن وبكين إلا أن حرب الرسم الجمركية لا تزال مستعرة ، فقد بلغت قيمة التعريفات الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية 360 مليار دولار ، بينما بلغت قيمة الرسوم الجمركية الصينية على المنتجات الأمريكية 110 مليار دولار.

آخر فصول التوتر التجاري، تمثل في فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسوم  جمركية جديدة تصل قيمتها 15 % وشملت منتجات صينية من ضمنها اللحوم و الآلات الموسيقية، وقد ردت الصين بفرض رسوم مماثلة تتراوح قيمتها ما بين 5% – 20% على المنتجات الأمريكية.  ويتوقع تواصل فصول حرب الرسوم الجمركية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في المفاوضات الشاقة والمعقدة كما يصفها متابعون لتطورات هذا الصراع.

تصاعد تأثيرات الصراع

جلب الصراع التجاري بين قطبي الاقتصاد العالمي الولايات المتحدة الأمريكية و الصين عدة تحديات للاقتصاد العالمي ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية حدثت تأثيرات بالغة على المزارعين والمصنعين وعلى أسعار المواد الاستهلاكية، وأبدت قطاعات واسعة من الأمريكيين امتعاضهم وتذمرهم من هذه الحرب العبثية، وفي بلدان أخرى ، تسبب تنامي الصراع التجاري في أضرار اقتصادية بالغة شملت إرتفاع الأسعار وتراجع معدلات نمو بعض القطاعات ، أدى هذا الصراع التجاري أيضا إلى عدم استقرار سوق الأسهم ، وقد اتخذت حكومات عدة دول ، بما فيها الصين والولايات المتحدة ، خطوات عاجلة لمعالجة بعض هذه الأضرار. كما اتسعت الانتقادات الموجهة لهذه الحرب التجارية محليا ودوليا ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، طالب العديد من المصانع والشركات بالتراجع عن هذه الحرب وخفض التوتر مع الصين وذلك لما تسببت فيه هذه الحرب من تأثير سلبي على الأعمال التجارية وعلى أداء عمل المؤسسات والمصانع في مختلف القطاعات خاصة القطاع التكنولوجي والزراعي ، كما تباينت تصريحات السياسيين الأمريكيين بخصوص هذه الحرب بالرغم من أن أغلبهم طالب بفرض عقوبات محدودة على الصين دون الدخول في صراع تجاري معها بهذا الحجم.

توقعات بطول أمد الصراع

تشير توقعات خبراء الاقتصاد بأن الصراع التجاري الأمريكي – الصين قد يطول بسبب تعقد المفاوضات بين البلدين ، وقد جاءت تصريحات المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو لتدعم هذا التوجه ، حيث أكد كودلو في تصريحات صحفية بأن أمد النزاع التجاري مع الصين قد يطول في حالة تعثر المفاوصات في شهر سبتمبر وأكتوبر من العام الحالي، وقال كودلو أن 18 عشر  شهرا من المفاوضات تعتبر فترة قصيرة لإيجاد حلول للقضايا التجارية العالقة مع الصين. وتنوى الولايات المتحدة التصعيد في حربها التجارية مع الصين في حالة لم تثمر مفاوضات سبتمبر وأكتوبر ، حيث من المحتمل أن ترفع قيمة التعرفة الجمركية من 25% – 30 % على منتجات صينية بقيمة 250 مليار دولار.

فهل تصدق هذه التوقعات ؟ في 28 من هذا الشهر أعلنت الولايات المتحدة عن قرب التوقيع على اتفاق تجاري مع الصين دون تحديد موعد التوقيع ، لكنه توقع أن يكون ذلك في قمة تشيلي شهر نفمبر المقبل، الاتفاق الجديد أطلق عليه Phase One ويشمل بعض الأمور المتعلقة بقطاع الزراعة و القطاع المصرفي.

على الرغم من التوصل لاتفاق جزئي في المفاوضات الصينية – الأمريكية وهو ما أطلق عليه Phase One  ، لا يزال أمام قطبي التجارة العالمية المزيد من التحديات والعقبات للوصول إلى حلول شاملة حول القاضايا العالقة والتى من أبرزها : حقوق الملكية الفكرية ، النقل القسري للتكنولوجيا ، الفضاء الإلكتروني ، وتشكل هذه المجالات العقبات الأكبر في المفاوضات ، وبالرغم من ذلك يشكل تصاعد النزاع التجاري الصيني – الأمريكي تحديا حقيقيا ليس لاقتصادات هذه الدول فحسب بل على الاقتصاد العالمي.

المصدر: https://islamonline.net/32094

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك