الـسـلـطـة في الـديـن: الولاء، والبراء، والمرجعية والكهنوت

الـسـلـطـة في الـديـن: الولاء، والبراء، والمرجعية والكهنوت

محمد الشتيوي*

منذ أن تديّن الإنسان -بقطع النظر عن الخلاف في منشأ التدين- وهو يعيش إشكالية العلاقة بين سلطة الدين وإنسانية الرأي عن وعي أو عن غير وعي. ولسنا نقصد بالسلطة خصوص السلطة السياسية بما هي ولاية على الناس. وإنما نقصد مطلق السلطة بوصفها إلزاما فوقيا يؤسس أنماطا من العلاقات اللامتكافئة بين التابع والمتبوع سواء أكان المتبوع مخزوناً رمزياً، أم مرجعاً بشرياً. وتتخذ هذه العلاقات بعدين أساسيين: أحدهما تنازلي من السلطة المرجع إلى التابع، وثانيهما تصاعدي من التابع الملتزم إلى السلطة الفوقية. وإذا كان للسلطة خطابها الخاص الذي ترتب به استراتيجيات الخضوع والتسليم، فإنّ الأتباع لهم خطابهم الخاص الذي يسترضون به السلطة ويعبرون به عن الولاء.

وإذا أردنا الخروج من مستوى التعميم، فمن المهمّ أن نؤكّد ابتداء أننا نقصد خصوص السلطة الدينية. لأنّ السلطة لها تجليات متعددة منها الدين الذي لا يكون إلا سلطة بما له من أبعاد رمزية ومظاهر إلزامية على مستوى المعتقدات والطقوس، ومختلف الممارسات الفردية والاجتماعية.

لكنّ الدين بما هو قوة عليا مفارقة في نظر الأتباع، أو بما هو نصوص مقدسة مصدرها المطلق في الديانات الكتابية لا يفهمه المتدينون إلا في حدود نسبيتهم، وفي سياق ظروفهم التاريخية. بل وفي ضوء مصالحهم السلطوية فيما بينهم. ومن هنا تنشأ إشكالية الخطاب الديني الذي يؤسسه الأتباع، لأنه يتحوّل بذاته إلى سلطة تستعير مواصفات السلطة الدينية ذاتها وتلبس لبوسها. وتتضخّم المشكلة حين يدخل الأتباع في دوامة الصراع على احتكار سلطة الخطاب الديني، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وهنا، كثيرا ما تستنفر السلط الأخرى غير الدينية قصد توظيفها في فرض هيمنة الخطاب الواحد كأن يقع اللجوء إلى سلطة الدولة، أو المال، أو الطبقة المهيمنة، أو التقاليد الاجتماعية السائدة، وغير ذلك من الوسائل التي يراد بها جميعا أو ببعضها ترجيح سلطة خطاب على آخر.

الـكـهـنـوت:

يعتبر الكهنوت خارج الديانة الإسلامية من أبرز مظاهر السلطة في كثير من الديانات. وكلمة (كاهن) من أصل سامي، فهي في العبرية (كوهين)، وفي العربية من كهن تكهّنا وكهانة أي تنبأ بالغيب وادعى معرفة الأسرار(1). وفرّق الراغب الأصفهاني بين الكاهن والعراف من جهة أنّ الأوّل يخبر بالأخبار الماضية، بينما يخبر الثاني بالأخبار المستقبلة(2).

ومهما يكن فالكهانة على العموم ذات سلطة مرجعية عليا في الدين تتربّع على عرش الأسرار، وتحتكر الكلام باسم الغيب. وقد كانت سلطة الكهنوت تتضخم أحيانا حتى تصير الكهانة مؤسسة دينية تنافس سلطة الملوك خاصة حين تتوفر المعابد الضخمة وتغدق عليها الهدايا والعطايا الثمينة التي تنمي ثرواتها وتمنحها قوة اقتصادية فاعلة، كما حصل بالنسبة إلى الكهنوت المصري في عصر النضال ضدّ الهيكسوس (من 1700 إلى 1570 ق.م تقريبا) حيث ضعفت سلطة الملوك الشخصية، وصاروا يسترضون الكهنوت بالعطايا الضخمة، وقد وجد أمنيحوتب الرابع (1419 - 1402 ق.م) الذي تسمى باسم أخناتون صعوبات كبيرة في التحرر من وصاية الكهنوت، بإقامة كهنوت مضادّ جعل نفسه فيه الكاهن الأعلى للإله آتون: قرص الشمس(3).

وحيث لم تكن توجد معابد في المجتمعات الرعوية غير المستقرة كان رؤساء العائلات أو القبائل أحيانا يقومون بوظيفة الكاهن في عائلاتهم حتى أنه وجد ما يمكن أن نطلق عليه اسم الكهنوت العائلي(4).

وقد كان للكهنوت حضور متميز في المجتمع الإسرائيلي، حيث ارتبط في البدايات بسبط اللاوين بناء على أنّ لاوي هو الذي اختاره الله لخدمته ومنحه موسى بركته (التثنية: 33: 8-11). وكان للكهنة عدة وظائف، منها: صياغة عهد الرب (يهوه) وتبليغ وصاياه، وتعليم الشعب أحكام الشريعة، والإشراف على الطقوس الدينية في المواسم، وتقديم القرابين بوضع البخور والمحرقات على المذبح. وقد بقيت الكهانة تتطور عند اليهود حتى تحوّلت إلى مؤسسة دينية قارة تسمى (السنهدرين) يرأسها الكاهن الأكبر، وتضم سبعين عضوا، لها وظائف قضائية إلى جانب الوظائف الدينية(5).

وفي العهد الجديد يوجد نوعان من الكهانة: الكهانة التقليدية التي اختص بها اللاويون، و(الكهانة العليا) وهي نوع جديد من الكهانة صاغه بولس، وربطه بالنبوّة، إذ حصر الكهانة في المسيح عليه السلام، واعتبره الكاهن الأعلى بناء على قول الرب(6)، فإذا كانت الكهانة القديمة تقوم بتقديم الذبائح من التيوس والعجول، فإن الكاهن الأعلى في نظره قد سفك دم نفسه فصار هو ذاته قربانا يؤدي مهمته الحقيقية في خيمة السماء التي لم تصنعها يد بشر(7).

أما الكهانة في المجتمع العربي قبل الإسلام فلم تكن تمثل مؤسسة متكاملة، بل اشتهر كهان أفراد في بعض القبائل، كانوا يخبرون بأنباء الغيب، ويؤوّلون الرؤى، ويحتكم الناس إليهم باختيارهم في بعض الخصومات. واحتكام عبد المطلب وقريش إلى كاهنة بني سعد في بئر زمزم أمر معروف. قال ابن خلدون (كان العرب يفزعون إلى الكهّان في تعرّف الحوادث، ويتنافرون إليهم في الخصومات ليعرّفوهم بالحق فيها من إدراك غيبهم)(8).

والحاصل أنّ الكهنوت يعتبر سلطة عليا ومرجعا له نوع من الصلة بالغيب المخزون في خفايا السماء، ودوره يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن دين إلى آخر، وأحيانا ما يقع المزج بينه وبين النبوة.

وحين جاء الإسلام حرص على إبطال سلطة الكهانة وميّز بينها وبين النبوّة، ونفى عن الرسول محمّد –صلى الله عليه وسلم- صفة الكهانة التي يلحقها به البعض قياسا على ما يعرفونه من وظيفة الكاهن، قد وردت كلمة الكاهن في القرآن مرّتين في سياق دفع شبهة الكهانة عن الرسول قال –تعالى-: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ﴾(الطور:29) وقال –تعالى-: ﴿وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾(الحاقة: 42) وبذلك تأسست سلطة الوحي المنزّل من الله تعالى على النبيّ الخاتم –صلى الله عليه وسلم- الذي ألغى سلطة الكهانة، وأنهى مراحل الحضور النبوي المباشر ليعلن حسب محمد إقبال عن مولد (العقل الاستدلالي) الذي ينظر في الكون ويجتهد في فهم النصوص دون أن يكون له الحق في ادعاء التواصل مع الغيب، أو احتكار الحق المطلق. فإبطال الإسلام للرهبنة والكهانة، ودعوة القرآن إلى إعمال العقل، والنظر في الكون، والسير في الأرض لمعرفة سنن الله في الأولين، كل ذلك حسب إقبال له علاقة وثيقة بختم النبوّة، فالنبوّة في الإسلام حسب قوله (تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوّة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه، وأنّ الإنسان لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو)(9). وليس معنى ذلك أن يستغني عن مرجعية الوحي الذي بلّغه النبي وبيّنه، بل المقصود أن يستغني عن سلطة دينية معصومة تنطق على لسان الوحي بما تراه حقا مطلقا وما سواه فباطل.

لقد كان الصحابة يجتهدون في عصر الرسول –صلى الله عليه وسلم- خاصة في أسفارهم، وكانوا يقولون أقوالاً، وتصدر عنهم أفعال ومبادرات، لكنّ ذلك كله كان تحت غطاء عصمة النبي، والوحي الذي كان ينزل فيرشدهم ويصحّح أخطاءهم، وكان النبي يقرّهم على الصواب الذي يتحوّل بإقراره إلى سنّة تقريرية. لكن الأمر تغيّر بوفاة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وانقطاع الوحي حيث وجد الصحابة أنفسهم لأوّل مرة في وضعية جديدة فقدوا فيها ضمانات التدخّل الغيبي وحماية الوحي وعصمة النبوة. وتركوا لأنفسهم يعالجون المستجدات الحادثة، فلم يحدثوا سلطة كهنوتية تدّعي العصمة، وإنما أخذوا يجتهدون في المنصوص وفي المسكوت عنه اجتهادا استدلاليا يتحملون فيه مسؤولية الخطأ والصواب، وكانوا يختلفون، ويعذر بعضهم بعضا دون تكفير أو براء.

سلطـة الديـن وسلطـة الـرأي:

يظهر أن المسلمين لم يتحمّلوا رفع غطاء العصمة بختم النبوّة خاصّة إثر الفتنة الكبرى التي عمّقت الفرقة، فعمدوا إلى تأسيس مفاهيم ترسّخ استمراريتها عبر التاريخ بوصفها سلطة أو أصلا مرجعيا يحتكم إليه على أنّه دين معصوم من الخطأ، فأسّس أهل السنة مفهوم عصمة الأمة وما يترتّب عليه من حجية إجماعهم الذي تحرم مخالفته، وبنوا ذلك على ظواهر ظنية من نصوص القرآن، وعلى أحاديث مثل (إنّ أمتي لا تجتمع على ضلالة)(10) ورغم أنّه خبر آحاد فقد دعّموه بأخبار أخرى في معناه قالوا إنّها تبلغ في مجموعها مبلغ القطع(11)، كما استندوا إلى سوابق تاريخية أهمّها قولهم بإجماع الصحابة على بيعة أبي بكر الصدّيق –رضي الله عنه- .

أما الشيعة فقد أنكروا مفهوم عصمة الأمة وأسسوا مفهوما بديلا جعلوه معتقداً دينياً راسخاً هو عصمة الأئمة من أهل البيت، وبنوه على قواعد عقلية مثل قاعدة اللطف، حيث أوجبوا على الله نصب إمام معصوم بعد النبي، واستندوا إلى مرويات مخصوصة مثل خبر (أنت الخليفة من بعدي) وغيره(12)، بل إنّهم استدلوا بأخبار يشاركهم أهل السنّة في روايتها لكنّهم يخالفونهم في تأويلها مثل خبر (تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي: أهل بيتي)(13).

ولكن، رغم سوابغ العصمة التي أضفيت على الأمة عامّة وعلى طائفة أو طوائف منها فقد نبت الخلاف في رحم الأمة الإسلامية الواحدة وتطوّر حتى استوى على سوقه عبر علاقات ضدية وحوارية متنوعة ومعقّدة كانت لها آثارها الواضحة في مسار التاريخ الفكري والسياسي والاجتماعي، فتبلورت مذاهب، وتكونت فرق، وتباينت طوائف كلّ يعتقد أنه على الحق، وأنّه على محجّة الدين الذي يبنى عليه الولاء والبراء.

وليس من غرضنا متابعة أسباب الخلاف التي كثر فيها القول بين القدماء والمحدثين. وإنّما يكفينا أن نؤكد ابتداء أنّ الرأي هو المحرك المركزي لمجمل الاختلافات. بقطع النظر عما يمكن أن يقال عن البنية الإشكالية للنص الديني الذي يتراوح بين الإحكام والتشابه أو الوضوح والخفاء.

وليس خافيا أنّ العلاقة بين الدين والرأي علاقة إشكالية، وهي في بعدها الأوّلي تقوم على التقابل بين سلطة الدين وحرية الرأي. فإذا كان الرأي نزّاعا بذاته إلى التحرر من كل سلطة معرفية خارجة عن الذات فإنّ الدين بطبيعته القدسية المتعالية يطلب التسليم والخضوع الكاملين للتعاليم الإلهية دون أن يكون للمتديّن الخيرة من أمره بعد التزامه بالدين، بل عليه أن يتهم رأيه إذا بداله منه شيء يثير شبهة أو يحرّك إشكالا، فالدين ثابت والرأي نسبي ينتقل كما قال ابن سيرين لرجل سأله عن رأيه في موضوع (لو أعلم أنّ رأيي يثبت لقلت فيه، ولكني أخاف أن أرى اليوم رأيا وأرى غدا غيره فأحتاج أن أتبع الناس في دورهم)(14) والدين منزّه، بينما الرأي متّهم كما قال الصحابي سهل بن حنيف إثر حكم الحكمين بعد يوم صفين: (يا أيها الناس اتهموا رأيكم، فلقد رأيتنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمره لرددناه)(15) لكنّ اتهام الرأي في مواقع النزاع أمر لا يطيقه كل أحد خاصة إذا كان موضوع النزاع أمرا دينيا أو مصلحة لها واجهة دينية.

غير أنّ هذا التقابل بين سلطة الدين المنزّه ونسبية الرأي المتّهم لم يبق على إطلاقه العام، بل انتهى به الأمر إلى التداخل في سياق الخلافات التي برّأ فيها كل فريق رأيه وتبرّأ من آراء الآخرين.

والواقع أنّ الدين له من الجاذبية ما يستميل أصحاب الرأي، كما أنّ الرأي له من الفتنة ما يغري عقول المتدينين. وهذا يعني أنّ التداخل بين الدين والرأي ليس ممكنا فحسب، بل هو حتمي تقتضيه بنية الإنسان، وتستدعيه النصوص المشكلة، ويفرضه الواقع الضاغط.

وهذا التداخل بدوره إشكالي من عدة جوانب: منها أنّ الدين بما هو نص يتجه في الغالب إلى احتواء الرأي وتسييجه ضمن ضوابط تحافظ على علوية السلطان الديني. وما يقال عن نزعة التوفيق بين النقل والعقل في الفكر الإسلامي من أنّها نزعة وسطية لا يعني أنها تقف موقفا وسطا بين الدين والرأي بحيث تسوّي بينهما في المكانة وتجعلهما في نفس الدرجة من المرجعيّة، بل يعني أنّها تتخذ من الرأي ذاته أو من العقل موقفا تصفه بأنه وسط، فلا تلغيه مطلقا، ولا تمنحه حريّة مطلقة، أما الدين أو النقل فيظل محافظا على سلطته المهيمنة التي لا ينازعه فيها الرأي، وهو الذي يضبط للرأي المجالات أو الهوامش التي يتحرّك فيها، ويضع له الخطوط الحمراء التي لا يجوز له اختراقها. وعلى الجملة فإن العقل والنقل إذا تعاضدا حسب الشاطبي (فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرّحه النقل)(16) ومن هنا ظهرت منهجيات الاشتراط المقنّنة لأغلب منافذ الرأي في الدين، فالتأويل له شروط لا يقبل بدونها، وكذلك الاجتهاد، والقياس، والمصلحة وغيرها. وغير خاف أن هذه الشروط الضوابط هي بدورها رأي في الرأي بناء على نظرات مخصوصة في النص الديني.

وإذا نظرنا إلى الإشكالية من الجانب المقابل الذي هو الرأي، فإنّ الرأي كثيرا ما يدخل في الدين بجملة من الخلفيات الفكريّة السياسيّة فيكون بمثابة السلطة الموازية التي تؤوّل نصوصه تأويلا إسقاطيا. لكنّ هذه السلطة لا تقدم نفسها على أنها رأي، لأنّ الرأي متّهم عند عامة المتدينين، بل تقدّم نفسها على أنها دين، وهكذا يستعير الرأي سلطة الدين ويكسو نفسه بكسوة النصوص، القطعي منها والمحتمل.

وقد اختلف المسلمون نوعين من الاختلاف كلّ منهما يدخله الرأي والتأويل: أحدهما فقهي موضوعه الأحكام العملية، وثانيهما كلامي موضوعه الاعتقاد. والخلاف الفقهي رغم ما ظهر فيه من تقليد وتمذهب، فقد كان أمره يسيرا نسبيا. لأنّ الأصوليين والفقهاء وجد فيهم (مصوّبة) يرون أنّ الحق متعدد، وأنّ كل مجتهد مصيب، أمّا (المخطئة) منهم الذين يرون أن الحق واحد، فيرون أنّ المخطئ معذور إذا اجتهد، بل هو مأجور أجرا واحدا.

لكنّ مجال الخلاف الذي موضوعه العقيدة شأنه مختلف، لأنه جوهر الدين، إذ العقائد تحتلّ موقع القمّة في سلّم الأولويات، لذلك لا يكتفي فيها بالظنّ، بل هي من القطعيات التي يعدّ الحق فيها واحدا لا يتعدد في نظر جمهور المتكلمين باستثناء البعض مثل بشر المريسي، والجاحظ، وأبي الحسن العنبري الذين يرون أنّ كل مجتهد مصيب في العقائد، لأنّ الحق فيها متعدد وتابع لاعتقاد المعتقد(17).

وقد تكوّنت في التاريخ الإسلامي فرق تتعلق جلّ اختلافاتها بالعقائد المركزية كالتوحيد، وأفعال العباد، والنبوّة، وغيرها، وكانت لها مقالات في الإمامة مثّـلت الوجه السياسي للخلاف، يضاف إلى ذلك آراء في المعرفة، والمرجعيّة، بل تميزت عدة فرق بفقه مضبوط تنظّم به قواعد حياتها الاجتماعية، إلى جانب بعض الخصوصيات التنظيمية المتعلقة بالدعوة(18).

والحاصل أن كلّ فرقة ضبطت لنفسها سياجا من العقائد والآراء السياسية، إضافة إلى بعض الفقهيات ذات الصلة بأصول الافتراق، واعتبرت ذلك كله دينا حقا يتأسس عليه الولاء والبراء، وهو ما جعل رضوان السيد يعتبر وعي البراءة والولاية المقوّم الأول من مقوّمات كلّ فرقة مستقلة، لأنه هو أساس الافتراق وإعادة التكوّن المستقل(19).

فما المقصود بالولاية والبراء؟

الـولاية والبـراء:

الولاية والبراء أو التولي والتبرّي مصطلحان متكاملان يتأسس عليهما مفهوم التمايز أو الافتراق. وإذا كانت الولاية ذات بعد استقطابي داخلي، فإنّ البراء ذو بعد إقصائي خارجي، لذلك كان أصحاب كل فرقة يحصرون القواعد الدينية التي يبنى عليها الولاء الداخلي، ويعدّدون مقالات الخصوم التي يتأسس عليها البراء من الآخر المختلف. وعلى ذلك فالولاية تقتضي تجميع الخصائص الذاتية للفرقة بما هي دين، أما البراء فيقتضي بيان الفروق وضبط الخصائص المختلفة التي تمنع الآخر من أن يحظى بولاية الفرقة، فهما كالحدّ في المنطق الذي يشترط فيه أن يكون جامعا مانعا، أي جامعا لخصائص المحدود، ومانعا من إدخال غيره فيه.

يدلّ أصل الولاء والولاية في اللغة على معنى القرب، ومنه التوالي أو الموالاة، لأنّ الموالي قريب من الذي يليه وهذا القرب له جهات متعددة كالقرب من حيث المكان، والنية، الدين، والصداقة، والنصرة(20)، والولاية خطة الإمارة، ووليّ اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، وولي المرأة الذي يلي عقدة نكاحها(21)، فهي بهذه المعاني وما قاربها سلطة مقررة لشخص تمكنه من القيام بأعمال تنفّذ في حق الآخرين.

والمعنى الاصطلاحي المقصود في سياق موضوعنا فيه معنى القرب والتواصل، وفيه معنى السلطة التي تتحكم في مقاييس القرب والبعد، وتقتضي الخضوع والمتابعة، لكنّ مفهوم الولاء لا يقف عند حدود القرب والتوافق، أو الطاعة الشكلية أي إنه لا يراد به دائما خصوص الموالاة العادية بل هو ارتباط واع وطوعي بين فرد أو جماعة وطرف آخر قد يكون وطنا أو شخصا مرجعيا، أو مؤسسة أو فرقة، أو فكرة ونحو ذلك، وهذا الارتباط يقتضي النصرة والمساندة. وهذا كله يعني أنّ الولاء من حيث هو ارتباط واع وتعلق نفسي عميق (يفترض الاستعداد للبذل والنصرة، ويتداخل مع الوفاء والإخلاص)(22). وقد فسّرت الولاية في اللغة بمعنى النصرة(23)، ووردت بهذا المعنى في بعض سياقات النص القرآني كما في قوله –تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أَوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّا لَهُم مغفرة ورزق كريم﴾(الأنفال: 74).

أمّا البراء والبرء والتبرّي، فأصلها التفصّي مما يكره مجاورته، لذلك يقال: برئت من المرض، وبرئت من فلان، وتبرّأت منه، وأبرأته من كذا، وبرّأته(24). والمعنى الاصطلاحي للبراء هو عكس الولاء، فهو نزع للولاية ابتداء، وتفصّ من عقائد الآخرين، ورموزهم، وأفعالهم كأنها مرض خطير ينبغي التخلّص منه، وفيه معنى تبرئة الذمة أمام الله من مشايعة المخالف، لكنه فوق ذلك يعني تكفيره، والطعن في دينه وعقيدته.

فالولاء والبراء هما السياج الذي صارت الفرقة تحمي بهما استقلاليتها وتؤسس عليهما موقفها الديني من الفرق الأخرى فتحكم عليها بالكفر أو البدعة أو الفسوق والعصيان. وقد كانا في فترات الفتن عاملا من عوامل تجييش المشاعر وتغذية النزاعات الداخلية.

وليس غرضنا في هذا السياق ذكر الأمثلة، فكثير منها معروف في الماضي والحاضر. لكنّ ما نروم التركيز عليه هو أنّ الولاء والبراء مفهومان دينيان أصّلهما النص القرآني، غير أنّ الخطاب الديني للفرق الإسلامية الذي طغت فيه سلطة الرأي ذي الواجهة الدينية قد أحدث انزياحا في خطاب الولاء والبراء من العموم إلى الخصوص، ومن المركز إلى الأطراف الحافة.

فمفهوم الولاء والبراء في النص القرآني مفهوم واسع يشمل الأمة، وليس مرتبطا بفرقة أو طائفة أو مذهب، ومقياسه المركزي هو التوحيد ونصرة المؤمنين في خصوص الولاء، والشرك ومحاربة المسلمين، وتولّي أعدائهم في خصوص البراء. إنّ المركز الاعتقادي للولاية والولاء في النص القرآني هو الإيمان قال –تعالى-: ﴿الله وليُّ الّذين ءامنوا يخرجُهم من الظُّلماتِ إلى النّور﴾(البقرة: 257) ﴿وَالمؤمنون والمؤمناتُ بعضهم أولياءُ بعضٍ﴾(التوبة: 71) وهذا الولاء لأمّة المؤمنين يقتضي الالتزام بمجموعة من الواجبات كما في قوله –تعالى-: ﴿إنّ الّذين ءامنوا وهاجرُوا وجاهدُوا بأمْوالهِم وأنفُسهم في سبيل الله والّذين ءاوَواْ ونصرُوا أولـئك بعضهم أولياءُ بعضٍ﴾(الأنفال:72) فالولاية على هذا مركزها الديني هو الإيمان وبعدها الكياني أو البشري عام يشمل كافة المؤمنين دون تحديد للمكان أو الزمان. ودون انحصار في فرقة أو طائفة، وتترتب عليها مسؤوليات أو واجبات سياسية واجتماعية تختلف من ظرف إلى آخر، مثل الهجرة إلى المدينة التي انتفى وجوبها بعد الفتح، وتبقى مسؤوليات مجاهدة المعتدين على الأمة، ونصرة المؤمنين، وإيواؤهم إذا أخرجوا من ديارهم، وغير ذلك مما تقتضيه موالاة المؤمنين في كل زمان. وقد نهى القرآن في كثير من الآيات عن موالاة الكفار الذين لا يؤمنون بالله والآخرة، من ذلك قول الله –تعالى-: ﴿يا أيُّها الّذين ءامَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَة﴾(الممتحنة: 13).

وجاء في النهي عن موالاة اليهود والنصارى قوله –تعالى-: ﴿يا أيُّها الّذين ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليهودَ والنَّصارى أولياءَ بعضهم أوْليَاءُ بعضٍ ومن يتولَّهمْ منكمْ فإنّهُ منهمْ﴾(المائدة: 51).

هذا مع ضرورة التفريق بين الولاء بالمعنيين الديني والسياسي في ظروف العداوة المعلنة والاعتداء الظاهر وبين الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، والمحافظة على الذمة والمعاهدات في الظروف العادية. لذلك اشتدّ النكير في القرآن على المنافقين الذين تولّوا يهود المدينة حين جاهروا المسلمين بالعداوة كما قال –تعالى-: ﴿أَلَم ترَ إلى الذين تولّّوْا قوْمًا غضبَ الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلِفُونَ على الكذب وهم يعلمُون﴾(المجادلة: 14).

والقرآن لا ينهى المؤمنين عن البرّ بغير المسلمين وحسن معاملتهم، لأنّ ذلك لا يعتبر ولاء دينيا ولا سياسيا خصوصا مع الذين لم يقاتلوا المسلمين كما قال –تعالى-: ﴿لا ينهاكُمُ الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أنْ تبرُّوهم وتُقْسِطُوا إليهم إنَّ الله يحبُّ المُقسطِينَ﴾(الممتحنة: 8) فالله يحبّ المقسطين بقطع النظر عن المقسَط إليهم بشرط عدم العداوة والمقاتلة، لذلك جاء النهي عن الموالاة في الآية التي بعدها مشروطا بعدم الاعتداء ومعاونة الأعداء ﴿إنّما ينهاكُمُ الله عن الّذينَ قاتلوكُمْ في الدّين وأخْرجُوكم من ديَارِكم وظاهَروا على إخْراجِكُم أنْ تَولَّوْهُمْ وَمنْ يتولَّهُم فأُوْلـئك هُمُ الظَّالمُونَ﴾(الممتحنة: 9).

وإذا كان أو لو الأرحام لهم حظّ من الولاية في حسن التعامل والإرث ونحو ذلك من وجوه الصلة فإنّ ولاية الإيمان مقدمة على ذلك عند التعارض كما قال –تعالى-: ﴿يأيّها الّذين ءامَنُوا لا تتَّخِذُوا ءاباءَكم وإخوانُكم أوْليَاءَ إِنِ استحبُّوا الكفر على الإيمان ومن يتولَّهُمْ منكُم فَأوْلـئك هُمُ الظَّالمونَ﴾(التوبة: 23).

أما البراء الذي هو نقيض الولاء فمحوره اعتقادي خالص، وهو الشرك كما جاء في كثير من الآيات مثل قوله –تعالى-: ﴿قُلْ إنّما هو إلـَهٌ واحدٌ وإنّني برئٌ مِّمَّا تشرِكُونَ﴾(الأنعام: 19) والأسوة في ذلك هو إبراهيم -عليه السلام- ومن معه من أمة المؤمنين في زمنه كما قال –تعالى-: ﴿قَدْ كانت لكم أُسْوَةٌ حسنة في إبراهيمَ والّذين معَهُ إذْ قالُوا لقومهم إِنّا بُرَءَاؤُاْ منكم وممَّا تعبُدونَ من دُونِ الله كفرْنَا بكُمْ وبدا بيننا وبيْنكُم العداوة والبغضَاءُ أبَدًا حتّى تُؤْمنُوا بالله وحْدَهُ﴾(الممتحنة:4).

والحاصل مما تقدم أنّ الولاء في النص القرآني مفهوم اعتقادي تضامني يشمل أمة المؤمنين كافّة، وأنّ البراء مفهوم تخلّصي محوره الشرك ومعاداة أمة المؤمنين.

وقد أخذت الفرق الكلامية والسياسية المفهوم الديني للولاء والبراء، وأصّلتهما باعتبارهما واجبين دينيين، وهي وإن لم تهمل مفهومهما العام المتعلق بولاية الأمة المؤمنة، فقد ركزت بحكم اختلافاتها الكلامية والسياسية على مفهوم ضيق محدود بحدود مقالات الفرقة ومرجعياتها الخاصة، فصار الولاء والبراء يمثلان سلطتين دينيتين إحداهما لها سلطان على الأتباع تفرض عليهم الولاء، والأخرى لها سلطان على المخالفين توجب البراء منهم وتقصيهم وتحكم بتكفيرهم.

ومن هنا كان أصحاب الفرق يحرصون في الغالب على ضبط بيانات خصوصية لجملة المقالات المركزية التي يبنى عليها الولاء والبراء.

ومن المهمّ أن نشير إلى أنّ المصطلح الذي يغلب استعماله في الخلاف المتعلق بأصول الاعتقاد هو التكفير، أما الولاء والبراء فيوظّفان غالبا في خصوص الخلافات السياسية المتعلقة بالمواقف من الصحابة ومن الإمامة، وبكلّ ما له علاقة بنصرة الفرقة، لأنهما مفهومان لهما شحنة تعبوية، وإن كان التلازم بينهما وبين التكفير والتضليل والتبديع حاضرا باستمرار.

وإذا أردنا زيادة في التدقيق، من المفيد أن نذكر بعض الأمثلة، فعبد القاهر البغدادي -مثلا- بوصفه متكلما سنيا أشعريا ذكر قائمة من المسائل بلغ بها خمسة عشر ركنا منها إثبات الحقائق والعلوم، وحدوث العالم ومعرفة الصانع، وصفاته الأزلية وأسمائه وعدله وحكمته، ورسله، والمعجزات، والخلافة والإمامة، وأكّد أنّ (هذه أصول اتفق عليها أهل السنّة وضلّلوا من خالفهم فيها) وأشار إلى أنهم اتفقوا على أصولها واختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا(25) وبعد أن فسّر هذه الأصول تفسيرا مختصرا لم يظهر فيه بوضوح خطاب الولاء والبراء بالقدر الذي يظهر فيه خطاب التضليل انتقل إلى بيان موقف أهل السنّة الأشاعرة من الصحابة والسلف الذين اختلفت الفرق في الحكم على مواقفهم السياسية زمن الفتنة على الخصوص، وهنا تكثّف حضور خطاب الولاء والبراء. فممّا قاله مثلا (وقالوا بموالاة أقوام وردت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة...)(26) ومعلوم أن فيهم الخلفاء الأربعة الذين طعنت فيهم أو في بعضهم بعض الفرق. وقال أيضا: (وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأكفروا من أكفرهنّ أو أكفر بعضهنّ)(27). وفي هذا الإجمال إشارة ضمنية واضحة إلى مخالفة الذين طعنوا في عائشة -رضي الله عنها- ثم قال: (وقالوا بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله –صلى الله عليه وسلم-...) وذكر سلسة من أسماء أهل البيت ثم استثنى من الموالاة (من مال منهم إلى الاعتزال أو الرفض) ومن (انتسب إليهم وأسرف في عدوانه وظلمه)(28)، وفي ذلك مزايدة واضحة على موالاة أهل البيت الطاهرين بطريقة تخالف منهج الشيعة الذين يسميهم رافضة، ثم تكلم على موالاة التابعين وكل من أظهر أصول أهل السنة. وانتقل بعد ذلك إلى مقالة البراء فقال: (وإنما تبرّؤوا من أهل الأهواء الضالة مع انتسابها إلى الإسلام كالقدرية، والمرجئة، والرافضة، والجهمية، والنجّاريّة، والمجسّمة)(29) فانتساب هؤلاء إلى الإسلام لم يمنعه من تسليط سلطة البراء أو الإقصاء عليهم، وهو لم يصفهم بالكفر وإنما وصفهم بالضلال، ويظهر أنّ مقالة التضليل المرتبطة بالبراء لا تخرج الفرق المخالفة من غطاء الانتماء العام إلى الإسلام كما أصّل ذلك أبو الحسن الأشعري حين قال في مفتتح كتابه مقالات الإسلاميين (اختلف الناس بعد نبيّهم –صلى الله عليه وسلم- في أشياء كثيرة ضلّل فيها بعضهم بعضا وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقا متباينين وأحزابا متشتّتين، إلا أنّ الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم)(30).

ويفهم من هذا أنّ التكفير إذا كان يستلزم البراء، فإنّ البراء لا يستلزم التكفير، بل كثيرا ما يرتبط بالتبديع والتضليل، أي إنه يقتضي نزع الولاء والنصرة والموافقة، ولا يقتضي نزع غطاء الانتماء إلى الإسلام خاصة إذا كان المخالفون يصلّون إلى قبلة المسلمين الواحدة ويقرّون بما هو معلوم من الدين بالضرورة، وعنوان كتاب الأشعري ذو دلالة واضحة في هذا المعنى فقوله: (مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين) فيه حرص على إبقاء صفة الإسلام في حق أصحاب المقالات، وفيه تركيز على الصلاة التي توحّد بين المختلفين.

وقد ذهب عدد من الفقهاء إلى أنّ كل من يرى وجوب الصلاة إلى الكعبة المنصوبة بمكة يعتبر مسلما بقطع النظر عن مقالاته في الخلاف، لكنّ هذا القول الذي اختاره بعض فقهاء الحجاز أنكره أصحاب الرأي كما يقول البغدادي، وهم الذين يمارسون علم الكلام ويفصّلون أقوال الفرق المخالفة مثل الأشاعرة، والرأي عنده في الفرق الضالة التي ذكرها وتبرّأ منها أنّها من الأمة المسلمة في أحكام، وليست من الأمة في أحكام أخرى، فهي من الأمة في جواز الدفن في مقابر المسلمين، وفي حظها من الفيء والغنيمة، وفي أن لا تمنع من الصلاة في المساجد، وليست من الأمة في عدم جواز الصلاة على من ينتمي إليهم ولا خلفه، وفي عدم حلّ ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنيّة(31).

فكأنّ أصحاب الفرقة المخالفة عنده هم أصحاب هوية منشطرة بعضها في الأمة وبعضها خارجها مع أنّ الهوية لا تتجزّأ في ذاتها، ومعلوم أنّ معيار الفصل في هذا البراء الجزئي هو مقالات أهل السنّة بالمفهوم الأشعري التي منحها البغدادي سلطة الإقصاء في أنماط هامة من التعامل الاجتماعي كالزواج وغيره.

وهذه الأحكام التي أخرج بها البغدادي أهل البراء إخراجا جزئيا من الأمة ليست محلّ وفاق، فجمهور أهل السنة يرون الصلاة خلف كل بارّ وفاجر، وقد أقام الربيع بن حبيب الإباضي في مسنده (الحجّة على من لا يرى الصلاة على موتى أهل القبلة ولا يرى الصلاة خلف كلّ بارّ وفاجر) واكتفى بذكر جملة من الروايات الصريحة في ذلك دون تدخّل بتفسير أو تأويل(32).

ونختم بذكر خطاب آخر من خطابات الولاية والبراء هو خطاب ابن سلاّم من إباضية المغرب القديم، فقد عقد بابا بعنوان (تفسير شرائع الدين، والولاية عليه والبراء)(33) وبدأه بذكر الشهادتين ثم أخذ يفصّل جملة من الأحكام الشرعية العملية ويفسّرها، ويستشهد بالآيات والأخبار وبعض أقوال السلف، وختم ذلك بذكر رسالة عبد الوهاب بن عبد الرحمـن إمام تاهرت إلى أهل طرابلس، وهي تلخص جملة الشرائع التي فصّلها ابن سلاّم دون شرح واستدلال ومما جاء فيها (أما بعد، فإنّ الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما أنزل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا) ثم أخذ يسرد جملة من الأحكام العملية كاتّقاء المحيض والغسل من الجنابة، والتسمية عند الذبيحة، وأداء الأمانة إلى جميع الناس البار منهم والفاجر وغير ذلك، وختم كلامه بقوله: (والتوبة من الذنوب والشهادة لأهل الهدى بهداهم، وولايتهم عليه، والشهادة على أهل الضلالة بضلالتهم والبراءة منهم، فمن أقرّ للمسلمين بهذا وجبت ولايته ومودّته والاستغفار له، ووجب حقّه ما لم يحدث حدثا يخرجه من ولاية المسلمين)(34).

واضح أنّ هذا الخطاب لم يبن مقاييس الولاية والبراء على المقالات الكلامية ذات البعد الاعتقادي الخالص، لأنه لم يفصّل ذلك كما فعل عبد القاهر البغدادي الأشعري، وكما يفعل غيره عادة، وإنما اكتفى ابتداء بذكر الشهادتين اللتين تندرج تحتهما ضمنيا جملة العقائد المركزية، ثم ركّز على الشرائع العملية ذات البعد الفقهي، وأغلبها من المعلوم من الدين بالضرورة ومستند إلى آيات وأخبار واضحة الدلالة قلّ أن يدخلها التأويل، وهي مسائل يوافق فيها الإباضية عامة أهل السنّة، بل قلّ من يخالفها من المذاهب الأخرى. وهذا الأمر له عدّة دلالات ليس من غرضنا تفصيلها، وإنّما يكفينا أن نستنتج أنّ الرجل يؤسس بذلك لخطاب ذي منزع وفاقي لا يكاد يختلف فيه أهل القبلة، لأنّه حرص على ذكر الحدّ الأدنى الذي يمثل أرضيّة واسعة للوفاق، ويمكن القول بأنّ المذكور من الشرعيات العملية يمثل الحد الأدنى لما تكون عليه الولاية، والحدّ الأعلى لما يبنى عليه البراء. وعوامل الوفاق إنما تظهر في الأحكام العملية التي يمارسها عامة الناس يوميا في حياتهم الاجتماعية أكثر من ظهورها في الجدليات الكلامية. وتلك الأحكام أكثرها بديهي تسنده النصوص الظاهرة، بينما الكلاميات يدخلها كثير من التأويل الذي يعمّق الفرقة. ولعلّ هذا النوع من الخطاب كان من أبرز الأسباب التي مهّدت للتعايش بين الفقه السنّي المالكي والإباضي بالجريد التونسي بداية من القرن السادس الهجري خاصة في مسائل المعاملات، إذ وصل الأمر إلى أن ينتصب بعض الإباضية للقضاء بين الناس مثل يخلف بن يخلف النفوسي الذي كان يقصده العرب والبربر رغم اختلاف مذاهبهم فيقضي بينهم في الجراحات وغيرها(35).

والملاحظ أنّ المتكلمين لم يكونوا جميعا على مستوى واحد من الهجوم على التكفير والكلام على الولاء والبراء، فمنهم المسرف، ومنهم المقتصد، لأنّ (القول بالتكفير والتبرّي ليس بالأمر الهيّن)، كما أكّد إمام الحرمين الجويني بعد أن رفض القول بتكفير منكر أصل الإجماع الذي بناه أهل السنّة على عصمة الأمّة. وقد بيّن ابن تيمية أنّ أهل السنّة لا يبتدعون قولا، ولا يكفّرون من اجتهد فأخطأ وإن كان مخالفا لهم مستحلاّ لدمائهم. وألّف الغزالي من قبله كتاب (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) لمواجهة فوضى التكفير التي استشرت في زمنه، وبلغه بعض شررها، وقد بيّن فيه خطورة التعصّب المذهبي، وأوصى بكفّ اللسان عن أهل القبلة ما داموا ينطقون بالشهادتين(36) مؤكّدا أنّ الكفر لا يلزم المؤولين، ثم قال مستنكرا: (وكيف يلزم الكفر وما من فريق من أهل الإسلام إلا وهو مضطرّ إليه)(37) وشدّد النكير على الذين يكفّرون من يخالف المتقدمين من مشايخ المتكلّمين كالأشعري والباقلاني(38)، ووصف بالبلادة من قيّده التقليد وزعم أن حدّ الكفر هو مخالفة المذهب الأشعري أو المعتزلي أو الحنبلي أو غيرها مؤكدا أنّ (من جعل الحق وقفا على أحد من النظّار بعينه، فهو إلى الكفر والتناقض أقرب) لأنّه نزّل صاحب هذا الفكر الواحد الذي تفرّد بالحق منزلة المعصوم(39). وفي هذا نقد صريح لسلطة المراجع الدينية على المقلّدين. فما المقصود بالمرجعية؟ وما هي حدود سلطتها؟

الـمرجعيـة:

يمكن التمييز بين نمطين من المرجعية أحدهما المرجعية الأصولية، وثانيهما المرجعية البشرية أو العلمية.

ونقصد بالمرجعية الأصولية مجموع أصول الأدلة الشرعية التي تستنبط منها أحكام العقيدة والفقه وعامة المقالات الدينية بما فيها مقالة الولاء والبراء.

أما المرجعية البشرية فهي مرجعية علمية تشمل البشر الذين يحظون بمكانة علمية متميزة لدى المسلمين، وتكون سلطات أدبية ومعرفية تتفاوت بحسب الأشخاص والمذاهب والأزمنة. وهي تشمل علماء القرون الأولى من الصحابة والتابعين وسائر السلف، ثم يدخل فيها كبار الفقهاء من بعدهم، وعلماء الكلام والأصول والحديث وغيرهم من الذين لهم حظّ كبير من المعرفة الدينية التي يقدّرها الأتباع.

والمركز الأعلى للمرجعية الأصولية يحتله الوحي بنوعيه القرآن والسنّة التشريعية، ثم يأتي بعد ذلك الإجماع والقياس، وغيرهما من المراجع التبعية التي كان الخلاف فيها أشدّ من الخلاف في الأربعة الأولى، ومنها قول الصحابي والاستصحاب، والاستحسان، والعرف، والمصلحة وغيرها.

لكنّ هذا التمايز النظري بين المرجعيتين لم يكن حاجزا دون التداخل بينهما بسبب أنّ المرجعية البشرية هي التي تنظر في المرجعية الأصولية وتنطق بها وباسمها. وهذا التداخل هو الذي كان أحيانا ما يمنح المرجعية البشرية سلطة تقارب سلطة المرجعيات الأصولية.

ولهذا التداخل آليات تشتغل بواسطة الرأي والاجتهاد من عدة جوانب أهمها جانبان:

أحدهما: تدخّل الاجتهاد المذهبي في ضبط المرجعيات الأصولية وبناء تسلسلها التراتبي تقديما وتأخيرا. لهذا وجدنا الفقهاء والأصوليين من أهل السنّة وإن اتفقوا على الأصول الأربعة الأولى التي هي القرآن والسنّة والإجماع، فإنهم يختلفون في مشروعية ما عداها كالاستحسان الذي يقول به المالكية والأحناف ويرفضه الشافعي، إذ اشتهر عنه أنه قال: (من استحسن فقد شرع)، بل إنه وصف الاستحسان في رسالته الأصولية بأنه (تلذذ)(40)، فهو عنده هوى شخصي وآلية نسبية مرسلة لا تنضبط، فمن استحسن كان بمنزلة من قال: (أفعل ما هويت وإن لم أؤمر به)(41)، وهذا يعني أنه يرى الاستحسان سلطة شرعية بشرية تقابل السلطة الشرعية الدينية.

ثانيهما: تدخّل الاجتهاد في تقنين آليات الاستنباط من الأصول بما فيها المتفق عليها، والخلافات بين علماء الفقه والأصول في العموم والخصوص، والدلالات، والأمر والنهي والنسخ، وخبر الآحاد وغيرها معروفة ومتشعبة.

ولنتوقف قليلا عند مرجعية الإجماع، فهو عند أهل السنة اتفاق مجتهدي الأمة في عصر من العصور على حكم من الأحكام، وليس من غرضنا تفصيل إشكاليات الأدلة التي أصّلت هذا المرجع، فالمهمّ أنه عند جمهور أهل السنّة حجّة قطعية تحرم مخالفتها واختلفوا في تكفير منكره حسب تفاصيل تفرّق في عمومها بين الإجماع القطعي والإجماع الظني الاجتهادي، وهو في صنفه القطعي يتميز على مرجعية النصوص بأنه لا يدخله الاحتمال، ولا يقبل النسخ في عصر انعقاده خلافا للنصوص كما أنه لا يقبله مثلها على مرّ العصور ولو بإجماع آخر، كما أنه لا يقبل التأويل، ويسميه الأصوليون دليلا سمعيا. فهو بهذا المعنى نصّ ذو سلطة مرجعيّة عليا رغم أنه اتفاق بشري حاصل في عصر من العصور بعد عصر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومع أنه قول حادث في التاريخ - على فرض وقوعه بجميع شروطه - فإنّ سلطته المرجعية تمتد لتشمل جميع الأزمنة التاريخية اللاحقة بحكم أنه لا يجوز نسخه وتحرم مخالفته. وبهذا صار الإجماع مرجعا بشريا معصوما من الخطأ يشكّل شبه مؤسسة علمية لا تقبل الردّ والنقاش. غير أنّ أهل السنّة اجتهدوا في تخفيف ثقل المرجعية البشرية فيه حين اشترطوا أن يكون كاشفا عن دليل شرعي وإن لم يتعيّن بنصه.

أما الشيعة فأنكروا عصمة إجماع الأمة وأسسوا عصمة مرجعية الأئمة، ورغم أن قدماءهم القريبين من عصر الأئمة كانوا لا يقولون بالإجماع فإن كبار علمائهم من بعد كالطوسي مثلا صاروا يثبتون حجية الإجماع بشرط أن يكون كاشفا عن قول المعصوم، وهو بهذا المعنى إجماع شكلي ليس له سلطة مستقلة، لذلك كانوا يسمونه (الإجماع الدخولي) أي الذي يدخل فيه قول المعصوم، فالمرجعيّة الأصلية عندهم تتحدد في ثلاثة فقط هي القرآن والسنة، وأقوال الأئمة المعصومين، وقول المعصوم عندهم ليس مجرّد رواية للسنّة بل هو السنّة(42) وبهذا تكون مرجعية الأئمة استمرارا لعصمة النبوّة بعد ختمها، وتكون مرجعية الإجماع الدخولي أو الكاشف استمرارا لعصمة الإمام في عصور الغيبة. وقد انطلق الشيعة من نظرية التفضيل السياسي لعليّ والعترة -رضي الله عنهم-، ثم تطور ذلك التفضيل ليتأسس عليه التقديس الديني الذي يظهر في العصمة، أما أهل السنة فقد انطلقوا من التفضيل السياسي لأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم- حسب الترتيب المذكور. ثم قنّنوا خطابهم حتى أسسوا نظرية (عدالة الصحابة) دون تفريق بين أهل البيت وغيرهم. ومع أن العدالة لا تصل إلى رتبة العصمة فهي تعبير عن تقدير ديني فائق القيمة يصل إلى جعل إجماعهم قطعيا من حيث هو مرجع شرعي، أما إذا اختلفوا على أقوال فإنّ المجتهد السني يختار منها ما يراه راجحا دون أن يسمح لنفسه بتبني قول يخرج عن أقوالهم.

وبعد انقضاء عصر الصحابة والسلف القريبين منهم تكونت المذاهب الفقهية وتأسست مرجعية كبار الفقهاء من مؤسسي المذاهب، وعندما تطور علم الكلام واستقل بوصفه علما متميزا نصّبه الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة سيداً للعلوم تستمد منه مبادئها وحاكما عليها، فامتزج علم الكلام بعلم الأصول وتأسست مرجعيات أئمة المتكلمين كالأشعري والماتريدي، ثم ترسّخ خطاب التقليد المذهبي، وصارت كتب علم الأصول تبحث فيه في إطار أبواب مستقلة وتضبط حدوده وتقنّن مراتبه. وصار خطاب التقليد مؤسسا لمرجعيّة فقهاء المذهب، وهو ما جعل بعض الباحثين يتحدثون عن مأسسة الفقه في إطار تسييج المرجعيّة(43).

ومع ذلك كلّه، ورغم كل ما قيل وما يمكن أن يقال عن سلبيات التقليد وضغط المرجعيات الفقهية والكلامية عبر التاريخ الثقافي والسياسي للمسلمين فإنّ ذلك لم يصل إلى درجات القول بعصمة المرجعيّة الاجتهاديّة ولم يبلغ مستوى السلطة الواسعة للكهنوت المقدس الذي يضع النصوص وينطق عن الغيب بغير شائبة اجتهاد، صحيح أنّ قسما كبيرا من الأمة يحترم علمهم ويقدّر جهودهم، وأنّ المقلدين والمتعصّبين كانوا يظهرون قدرا مبالغا فيه من التقيّد باجتهاداتهم، ولكن لا نجد من قدس مرجعيتهم بالمعنى الكهنوتي، وأقوال كبار الأئمة في عدم قصر مسالك الحق عليهم معروفة يكفي أن نشير منها إلى امتناع الإمام مالك عن تحقيق رغبة الخليفة المنصور بتوحيد المرجعية المالكية وفرضها على جميع الأمصار. والمجتهدون المقيدون كانوا يعتبرون مناهج أئمتهم مرجعيات أو اجتهادات راجحة لا مطلقة الصواب، لذلك برزت ظاهرة تعدد الأقوال داخل المذهب الواحد.

وقد اشتهر مصطلح المرجعية عند الشيعة الإمامية، خصوصا عند الذين ينكرون منهم تقليد الميت ويشترطون تقليد مرجع ديني حيّ، وقد تعرضت هذه المرجعيّة لأشكال عديدة من سوء الفهم عند الشيعة أنفسهم وعند غيرهم، لأنها في الأصل ليس لها سلطة دينية مقدسة، ولا تنطبق عليها معصومية الأئمة المراجع، ومما نتج عنها مقولة ولاية الفقيه التي لا يتفق عليها جميع مراجع الشيعة ومن أشهر الذين اجتهدوا في تطوير دور المرجعيّة آية الله محمد باقر الصدر الذي عمل على تجديد النظرة إليها وتفعيل دورها السياسي والفكري والاجتماعي إلى جانب دورها الديني الاجتهادي، مميزا بين مرجعية الشخص الذاتية. والمرجعية الموضوعية أو المرجعية الصالحة التي أرادها أن تكون مرجعية مؤسساتية لا تتوقف على الأشخاص الذين يموتون(44).

وقد أفاض آية الله محمد مهدي شمس الدين الكلام في مراجعة مسألة المرجعية عند الشيعة موضّحا حدود الوظائف التي ينبغي أن تقوم بها مؤكدا تنوعها بحسب الظروف السياسية، وانتقد مصطلح (المرجع الأعلى) القائم على فكرة وجوب تقليد الأعلم(45) وحاول تقريب مفهوم المرجعية الشيعية من مفهوم المرجعية السنية المتمثلة في الفقهاء وفي الجامعات العلمية كالأزهر وسائر المؤسّسات الفقهية والبحثيّة. وجوهر المسألة عنده يتمثّل في ضرورة التفريق بين أمرين أحدهما مقبول والأخر مرفوض، أما الأوّل فهو أهمية تدخل الفقيه في شؤون المجتمع، وأما الثاني فيتمثل في سلبية تحويل رأي الفقيه إلى سلطة(46).

******************

الحواشي

*) كاتب وأكاديمي من تونس.

1- ابن منظور: لسان العرب 5/3949، دار المعارف، مكتبة مدبولي الصغير، القاهرة، د.ت.

2- المفردات في غريب القرآن: ص665، دار قهرمان، استانبول، 1986م.

3- سيرغي أ.توكاريف: الأديان في تاريخ شعوب العالم ص331- 332، ترجمة أحمد محمد فاضل، الأهالي، دمشق، ط 1/1998م.

4- المشرقي أحمد: النبوّة في الديانات الكتابية ص20، المركز القومي البيداغوجي، تونس، ط 1/1999م.

5- م. ن: ص21 - 22.

6- رسالة بولس إلى العبرانيين: 5: 5-6، كتاب الحياة، ص330، ط 5/1994م.

7- م. ن: 9: 11 - 12 – 13، ص335.

8- المقدمة: ص135، دار الفكر، بيروت ط 3/1996م.

9- تجديد الفكر الديني: ص133، دار الجنوب، تونس، ط 1/2006م.

10- رواه ابن ماجه: كتاب الفتن (36) باب السواد الأعظم (8) الحديث رقم 3950.

11- الغزالي: المستصفى: ص135 – 136، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1/1993م.

12- انظر بعض هذه الأخبار وأدلة وجوب نصب الإمام عقلا في كتب الشيعة مثل (تجريد الاعتقاد) للطوسي وشرحه (كشف المراد) لابن مطهّر الحلي ص181-240: باب الإمامة، وفيه كلام على تواتر حديث غدير خم، وعلى معجزات علي -رضي الله عنه-، وعلى تخطئة الخلفاء الآخرين -رضي الله عنهم-.

13- الترمذي: كتاب المناقب (46) باب في مناقب أهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم (31) الحديث رقم 3786.

14- ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 2/32، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م.

15- م. ن: 2/31.

16- الموافقات: 1/78، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

17- الغزالي: المستصفى ص348-349.

18- عبد الجليل المنصف: الفرقة الهامشية في الإسلام ص37، مركز النشر الجامعي: تونس، ط 1/1999م.

19- مفاهيم الجماعات في الإسلام: ص66-68، دار التنوير، بيروت 1984م.

20- الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن ص837.

21- ابن منظور: لسان العرب 6/4920 - 4921.

22- الموسوعة الفلسفية العربية: 1/847 معهد الإنماء العربي، ط 1/1986م.

23- ابن منظور: لسان العرب 6/4920.

24- الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن، ص59.

25- الفرق بين الفرق: ص323 – 324، المكتبة العصرية، بيروت 1990م.

26- 27، 28- م. ن: ص360.

29- م. ن: ص361.

30- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: ص1 – 2، فيستبادن، ألمانيا 1980م.

31- الفرق بين الفرق: ص14.

32- الجامع الصحيح، مسند الربيع بن حبيب 3/203 - 205 (مكتبة الاستقامة - مسقط - سلطنة عمان د. ت).

33- كتاب ابن سلام الإباضي: ص107، تحقيق ر. ق. شفارتزر وسالم بن يعقوب، دار إقرأ، بيروت ط 1/1985م.

34- م. ن: ص107.

35- الشتيوي محمد: تاريخ المذاهب الفقهية بإفريقية ص28، المركز القومي البيداغوجي، تونس ط 1/1998م.

36- البرهان في أصول الفقه 1/462، دار الوفاء المنصورة، مصر، ط 4/1997م.

37- م. ن: ص65.

38- م. ن: ص47.

39- م. ن: ص51-52-53.

40- الرسالة: ص507 (دار التراث - القاهرة - ط 2/1979م).

41- الشافعي: كتاب إبطال الاستحسان (مع (الأم)) 7/300 دار المعرفة، بيروت ط 2/1973م.

42- المظفّر (محمد رضا): أصول الفقه 2/97، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، د.ت.

43- بسام الجمل: الإسلام السنّي ص150-151 دار الطليعة، بيروت، ط 1/2006م.

44- سرمد الطائي: تحوّلات الفكر الإسلامي المعاصر ص89-90 (دار الهادي - بيروت ط 1/2003م).

45- تجديد الفكر الإسلامي: ص45 (دار المنهل اللبناني - بيروت - ط 1/1997م).

46- م. ن: ص36.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=439

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك