هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة بين الجزائر والمغرب؟
مثقفون وكتّاب يدعون لإنهاء القطيعة بين البلدين
احتفال المغاربة بانتصارات المنتخب الجزائري لم تقتصر على المشهد الذي تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي، بل صنع المغاربة عدة مشاهد جميلة تعبر عن عمق العلاقات التي تربط الشعبين
* ظلت الحدود بين البلدين مغلقة منذ عام 1995 وحتى اليوم، وكانت قبلها قد فتحت لسنوات بين 1986 و1995، لعبور قوافل الإغاثة المغربية المتوجهة إلى غزة، رغم الدعوات المتعددة من أطراف ونخب مغربية وجزائرية مطالبة بإنهاء هذا الوضع
* يعدّ ملف المخدرات من الملفات الكبيرة التي تعرقل جهود التقارب بين البلدين، حيث تتهم السلطات الجزائرية المملكة المغربية بمحاولة إغراقها بالمخدرات
الجزائر: لم تثن الأسلاك الشائكة على ارتفاع عدة أمتار من إرادة مشجع جزائري على تسلق الجدار الفاصل بين الأراضي الجزائرية والمغربية ومحاولة اختراق الحدود، والهدف: مشاركة أشقائه المغاربة الذين انتقلوا إلى أقرب منطقة حدودية مع الجزائر للاحتفال بفوز المنتخب الجزائري على نظيره منتخب ساحل العاج أو كوت ديفوار في كأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي احتضنتها مصر.
ففي مشهد يعكس حجم الروابط التي تربط الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، تحولت المنطقة الحدودية الفاصلة بين الجزائر والمغرب إلى نقطة التقاء بين الجزائريين والمغاربة للاحتفال بانتصارات الخضر، حماسة هؤلاء دفعت بأحد المشجعين إلى تسلق السياج الفاصل في محاولة منه للوصول إلى المشجعين المغاربة وسط ذهول حرس الحدود، قبل أن يتصدى له جنديان، ويتم نقله إلى مركز عسكري تحت أهازيج ودعم الحاضرين.
احتفال المغاربة بانتصارات المنتخب الجزائري لم تقتصر على هذا المشهد الذي تناقله رواد شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مع عبارات الإشادة والتبجيل، بل صنع المغاربة خلال هذا العرس القاري عدة مشاهد جميلة تعبر عن عمق العلاقات التي تربط الشعبين، حيث شهدت الكثير من الساحات العمومية والمقاهي احتفالات عارمة بعد كل انتصار يحققه رفقاء محرز.
وتعود قصة غلق الحدود الجزائرية المغربية إلى يناير (كانون الثاني) 1995، ردًا من الجزائر على قرار مغربي يقضي بمنح الرعايا الجزائريين مهلة 45 ساعة لمغادرة البلاد، مع فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب، وذلك بعد تفجير طال فندق «أطلس أسني» بمراكش نهاية ديسمبر (كانون الأول) 1994. حيث اتهمت المغرب المخابرات الجزائرية بالضلوع في هذا التفجير لمطالبة المغرب بالتعاون من أجل ملاحقة بعض قيادات «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، ممن كانوا موجودين في المغرب، وبسبب شكوك لدى الجزائر بوجود علاقات بين القصر المغربي والمجموعات المسلحة في الجزائر.
وظلت الحدود بين البلدين مغلقة منذ عام 1995 وحتى اليوم، وكانت قبلها قد فتحت لسنوات بين 1986 و1995. ولم تُفتح سوى لعبور قوافل الإغاثة المغربية المتوجهة إلى غزة، على الرغم من الدعوات المتعددة من أطراف ونخب مغربية وجزائرية مطالبة بإنهاء هذا الوضع.
وتتحجج الجزائر بوجود ما تصفها بـ«حرب المخدرات» التي يطلقها المغرب على الجزائر، وتشترط وقف تدفق المخدرات، وقبول المغرب بوضع ملف النزاع في قضية الصحراء الغربية خارج إطار العلاقات الثنائية، ووقف الحرب الإعلامية والدبلوماسية، للقبول بفتح الحدود.
وكان غلق الحدود بين البلدين قد تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة لهما، فضلاً عن أزمة إنسانية تعاني منها العائلات الجزائرية والمغربية المرتبطة عائليًا واجتماعيًا على حد سواء في الزيارات، ما يؤدي إلى قطع مسافة ملتوية بالطائرة لتبادل الزيارات بين الطرفين، على الرغم من أن المسافة الفاصلة بينهما لا تتجاوز أحيانا الكيلومترات الثلاثة.
وفي الواقع فإن ما فرقته السياسة بين البلدين تحاول الثقافة والرياضة أن تجمع شمله، وخلال السنوات التي تمثل عُمر أزمة الحدود التي بدأت عام 1994، فقد شهد البلدان عدة محاولات لمثقفين ورياضيين من أجل إذابة الجليد في هذه العلاقة، ومؤخرًا أعلنت الجزائر مساندتها بقوة للملف المغربي لاستضافة العرس الكروي، كما شهدت مدرجات كرة القدم في مختلف المراحل إطلاق أهازيج وشعارات تدعو السياسيين إلى تجاوز الخلافات السياسية، والنظر إلى علاقة القرابة والدم التي تجمع الكثير من الأسر الجزائرية بالأسر المغربية.
في يوليو (تموز) 2018، شهد المعبر الحدودي الذي يفصل مدينتي مغنية من الجانب الجزائري ووجدة من الجانب المغربي احتجاجات شعبية للمطالبة بفتح الحدود، وأوضح المحتجون أنّ العلاقات الكبيرة التي تربط الشعبين تستلزم إعادة فتح الحدود، وعبّروا عن المأساة التي يعيشونها منذ بداية الأزمة، حيث فرقت الحدود بين الذين ولدوا في الجزائر وانتقلوا إلى العيش في المغرب، والذين اضطروا إلى عدم رؤية أب أو أمّ أو أخ أو أخت أو عمّ أو خال بسبب البعد الذي فرضته الحدود، رغم قرب المسافات الفاصلة بين الجزائر والمغرب.
وقبل العرس الأفريقي الأخير أطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة «خاوة خاوة» (أي: إخوة إخوة)، لتشجيع منتخبي البلدين في البطولة القارية.
وفي المقابل، فإن السلطات المغربية لم تفوت فرصة التقارب التي عبر عنها الشعبان المغربي والجزائري خلال العرس الأفريقي الأخير للإعلان على أن يد المغرب ممدودة للجزائر من أجل إعادة العلاقات إلى حالتها الطبيعية، وجاء الإعلان من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي بعث ببرقية تهنئة إلى الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، هنأه فيها بفوز المنتخب الجزائري لكرة القدم بكأس أفريقيا للأمم2019 في مصر.
وجاء في البرقية: «يطيب لي بمناسبة فوز المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم عن جدارة واستحقاق بكأس أفريقيا للأمم2019 التي احتضنت مصر الشقيقة أطوارها النهائية، أن أعرب للشعب الجزائري الشقيق عن أحر التهاني بهذا الإنجاز الكروي القاري لكرة القدم الجزائرية». وأضاف: «وبهذه المناسبة التاريخية، يسعدني باسمي شخصيا، وباسم الشعب المغربي قاطبة، أن نشاطر الشعب الجزائري الشقيق مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا التتويج المستحق».
العاهل محمد السادس أكد أن انتصار المنتخب الجزائري هو «فوز بلد مغاربي جار وشقيق»، لافتا إلى أن تتويج «محاربي الصحراء» هو «بمثابة فوز للمغرب أيضا». وختم: «أمام هذا التألق الرياضي الكبير، لا يسعني إلا أن أتقدم للشعب الجزائري الشقيق، ومن خلاله لكافة مكونات منتخبه الوطني، لاعبين وأطرا تقنية وطبية وإدارية، بأصدق عبارات الإشادة والتقدير، بالأداء التقني الرفيع، وبالروح التنافسية العالية، التي أبان عنها هذا المنتخب الطموح، طيلة مباريات هذه البطولة الأفريقية المتميزة».
وخلال كلمة له بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش أكد العاهل المغربي أن المغرب ملتزم بنهج اليد الممدودة تجاه الجزائر، وقال خلال الخطاب: «نؤكد مجددا التزامنا الصادق، بنهج اليد الممدودة، تجاه أشقائنا في الجزائر، وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع، على الدوام، شعبينا الشقيقين».
وأضاف العاهل المغربي أن ذلك «تجسد مؤخرا، في مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا، بصدق وتلقائية، دعما للمنتخب الجزائري، خلال كأس أفريقيا للأمم بمصر الشقيقة، ومشاطرتهم للشعب الجزائري، مشاعر الفخر والاعتزاز، بالتتويج المستحق بها، وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا».
وأكد أن «الوعي والإيمان بوحدة المصير، وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك، هو الذي يجعلنا نتطلع، بأمل وتفاؤل، للعمل على تحقيق طموحات شعوبنا المغاربية الشقيقة، إلى الوحدة والتكامل والاندماج».
وفي محاولة منهم لاستغلال أجواء التقارب والفرحة التي صنعتها ميادين كرة القدم بين الشعبين، أطلق مجموعة من الكتاب والمثقفين بالجزائر عريضة يطالبون من خلالها بإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، وجاءت العريضة التي حصلت «المجلة» على نسخة منها، موقعة من طرف عشرات الكتاب والشخصيات الجزائرية أبرزهم الشاعر بوزيد حرز الله: «نحن المواطنين الجزائريين الموقعين أسفله، أفرادا وجمعيات، وإيمانا منا بإيجابية التغيرات التي أحدثها حراك22 فبراير (شباط) في الذهنيات والإرادات، ولا سيما أن هذا الحراك كشف عن مكنون هذا الشعب وجوهره السلمي الذي أبهر العالم، ولأن السلام مطلب مشروع وشعار الشعوب العظيمة، فقد ظل الشعبان الشقيقان الجزائري والمغربي معتصمين بحبل السلام والمحبة رغم كيد الكائدين ورغم نيران الحقد التي ظل يشعلها الفاسدون والجهلة فكانت كلما ازدادت اشتعالا كانت بردا وسلاما».
ويتابع الموقعون على البيان: «ولأن مشاعر المحبة بين الشعبين ظلت حية، وظلت تتحين الفرص لتتجلى على شكل أفراح جماعية هنا وهناك، وتدعو إلى عودة المياه المغاربية إلى مجراها الطبيعي، رأينا نحن الموقعين أسفله، أن نتوجه بهذا النداء إلى كل الإرادات الطيبة في هذا البلد الأمين، أن يكون لها شرف التأسيس لعلاقة جزائرية مغربية منفتحة على التعاون الخلاق».