المسلم المتفائل، أو كيف تكون مسلما أوروبيا

المسلم المتفائل، أو كيف تكون مسلما أوروبيا

ماليز روتفن*

طارق رمضان، السويسري المولد, والمصري الأصول, أكاديميٌّ ومفكّرٌ في الشؤون الإسلامية. وقد كسب شهرةً على جانب الأطلسي، لعنايته بالأمور التي تُهمُّ ملايين المسلمين الذين يعيشون في الغرب منذ جيلين أو ثلاثة. أما في فرنسا فقد اعتبره البعض ذئباً في جلد حَمَل. وقد قال هؤلاء إنه إذا انتزعنا جلد الحَمَل عنه فسيظهر من تحت ذاك الجلد المصَطنَع أصوليٌّ راديكالي، لا يؤمن بقيم الحرية والديمقراطية التي يدّعي القوَلَ بهما. ويستند هؤلاء في اتهامهم لطارق رمضان إلى مسألتين؛ الأولى اتهامه لمثقفين فرنسيين رئيسيين من أمثال برنارد - هنري ليفي، ودانييى غلو كستاين، وبرنارد كوشز (وزير الخارجية الفرنسية الحالي)، بأنهم وبسبب التزامهم تجاه إسرائيل، يقدّمون الولاء لها على القيم الإنسانية التي يدّعون العيشَ من أجلها والمتعلقة بمظالم الفلسطينيين.

والمسألة الثانية: المقابلة الشهيرة في التلفزيون الفرنسي مع نيكولا ساركوزي عام 2003م (وكان وقتها وزيراً للداخلية بفرنسا وهو الآن رئيس الجمهورية الفرنسية). ففي تلك المقابلة رفض رمضان إنكار حدّ الرجْم لمرتكبي الفاحشة, وقال فقط بإيقاف تنفيذ العقوبة لحقبةٍ ينصرف فيها المسلمون إلى مناقشة هذا الأمر إلى جانب عقوباتٍ وأحكامٍ إسلاميةٍ أخرى. لقد قال بالفعل إنه يجبُ إيقاف تنفيذ العقوبة، لكنّ ذلك لم يُرض ناقديه، وما اعتبروه كافياً. على أن جزءاً من العداوة تُجاهه يرجع ولا شكّ إلى أصوله العائلية. فهو حفيد حسن البنا (1906-1949م) مؤسِّس الإخوان المسلمين بمصر، لجهة أمه. وبعد ملاحقة الإخوان المسلمين بمصر، استقرّ والده في جنيف، وأسَّس مركزاً إسلامياً، عمل فيه طويلاً، ووُلد طارق هناك، ونشأ مواطناً سويسرياً وكما صار معروفاً الآن؛ فإنّ الحكومة الأميركية رفضت قبل ثلاثة أعوام منحه تأشيرة دخولٍ إلى الولايات المتحدة لتَستَلم منصب الأستاذية بجامعة نوتردام. وما تزال الأسباب الحقيقيةُ لذلك مجهولة. والواقع أنه رغم وجود خصوم ونُقّاد لرمضان في فرنسا والولايات المتحدة؛ فإنّ أيَّ باحثٍ جديٍ لن يقبل دعوى كون رمضان يشكّل تهديداً أمنياً من أيّ نوع. والإشارة الوحيدة التي ذُكرت من جانب الرسميين تعليلاً لمْنعه من دخول الولايات المتحدة, تبرعُهُ لمؤسَّسةٍ خيرية فلسطينية بثمانمائة يورو قبل عشر سنوات. وقد وُضعت المؤسَّسة المذكورة تحت الُمراقبة بعد ذلك! وما خسرتْه جامعة نوتردام، كسبته أوكسفورد وأوروبا. فطارق رمضان اليوم يتمتع بزمالة أبحاثٍ في سانت أنتوني، حيث يعمل في التدريس، ويتحدث باسم المسلمين الأوروبيين. وفي بريطانيا بالذات عمل لفترةٍ مستشاراً للحكومة البريطانية في الشؤون الإسلامية. لكنْ بسبب سوء سُمعة الحرب على العراق هناك، وغوص الحكومة البريطانية فيها، فإن رمضان تجنَّب العلاقات الوثيقة بالرسمين البريطانيين ولذلك فقد رفض دعوة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لمؤتمرٍ (للمعتدلين) المسلمين في شهر يونيو (2007م) الماضي. وقد أراد من وراء ذلك، تجنُّب الإساءة إلى علاقاته بالشباب الُمسلم ببريطانيا وأوروبا القارية، والذين قد يعتقدون أن الحكومة البريطانية (تستعمله) لأغراضها الخاصّة. طارق رمضان يتحدث ويكتب بالفرنسية والإنجليزية والعربية. ويحمل شهادةً عليا في الفلسفة الغربية (كانت أُطروحته للدكتوراه عن نيتشيه). وكان قد قضى عاماً في جامعة الأزهر, أعرق أكاديميةٍ للتعليم الإسلامي العالي في العالم. وبذلك فقد تأهل لشرح الإسلام لغير عارفيه، وللقراء الغربيين، وللشبان المسلمين المتشككين والثائرين. بيد أنّ كتابه عن النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- والدروس المستفادة من حياته, موجَّهٌ قصداً إلى المسلمين, وليس إلى الجهور الغربي. فهو لايهتمّ فيه على الإطلاق بالأكاديميات النقدية الباحثة في أصول الإسلام، كما أنه لا يُعنى بالردّ عليها. وبدلاً من ذلك يعرض الرجل رؤيةً هادئة ومنفتحةً لشخصية النبي متجاهلاً عروض المصادر التاريخية والنقدية (شأنَ ما فعله كوك أو بيترز مَثَلاً)، وغير معنيٍّ بالظروف القاسيَة التي نشأ فيها النبي، وظهرت في دعوته (مثلما فعل رودنسون وفعلته أرمسترونغ). إنه يسلك سبيل المؤمن العادي عارضاً بلغةٍ بسيطةٍ تقارير المصادر المعقَّدة، ومستخلصاً منها النتائج التي يريد للشباب المسلم المعاصر أن يتوصَّل إليها. ففي مسألة الوحي يقول مثلاً: (كان الَملَك جبريل يظِهر للنبي باستمرار. وقد قصَّ على أتباعه لاحقاً أنه كان ينزل تارةً بهيئته الملائكية أو بصورة إنسان.. خلال تجواله بشعاب مكة. وقد علَّمه جبريل كيف يتطهر ويتوضأ ويؤدّي فرض الصلاة. وكان النبي يتبع ما يقوله الَمَلكُ بدقة. ثم يعود إلى منزله وزوجته خديجة فيعلمها الصلاة). والواضحُ من هذا العرض أنّ رمضان ما أراد التأويل, بل عَرَضَ الوحي المباشر على النبيّ الأُمّيّ، خالياً حتى من أفهام علماء الكلام ومقارباتهم للغة المجاز. وهو هنا لا يعتمد لغة الإقناع، بل لغة الإيمان. إذ هو يتحدث إلى مسلمين نشأوا في حضْن الإسلام، وعرفوا هذه الأحداث من تربيتهم الأُسريّة والمدرسية. ولذلك تخلو مقارباتُهُ لحياة النبي حتّى من تلمُّسٍ بيانيٍ وأكاديمي لأوائل السُوَر القرآنية الحافلة بالغرابة والسِحْر في وصف الجنة والنار، وفي الدعوة لحياة التوحيد السليمة والمستقيمة.

وهذا المنهج نفسه اتّبعه السيد رمضان في القضايا المشكلة أو ذات الوجوه في حياة النبي وسيرته. فقد تجاهلَ تماماً مسألة (الغرانيق) في سورة النجم المكية المعروفة. وإذا اعتذر بأنّ ابن إسحاق كاتب السيرة الرئيسي لم يذكرها – فإنّ الطبري، المؤرّخ والفقيه من مطلع القرن العاشر الميلادي، ذكرها. أمّا في قضية يهود بني قُريظة؛ فإنّ رمضان يُقَرّرُ بأنّ الحكم الذي أَصدرهُ سعد بن مُعاذ عليهم وقرّر النبي تنفيذه: (شكَّلَ رسالةً قويةً لكل القبائل المجاورة؛ أنّ الخديعة والعدوان، سيُقابَلان بعقوباتٍ قاسية).

أياً يكن مقصِدُ طارق رمضان من وراء كتابه: دروس من حياة النبي؛ فإنّ هذا الكتاب الذي صدر أخيراً ليس أقوى كتبه ولا أكثرها إقناعاً لغير المسلمين من قرّائه على الأقلّ. قوةُ طارق رمضان تكمُنُ في تعامُلِهِ مع النصوص، وليس مع التاريخ، فهو أكاديميٌّ تدرّب على ذلك. وفي هذا المجال يبرز كتاباه: أن تكون مسلماً أوروبياً، والمسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام. هذان النصّان يهدفان لمساعدة الـ 15 مليون مسلم في أوروبا على الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. وقد طُبع الكتاب الأول في مؤسسة الوقف الإسلامي بلايسستر ببريطانيا، وهي مركزٌ للبحث والتفكير قريب من الإخوان المسلمين، ومرتبط بباكستان بالجماعة الإسلامية، وموجَّه للمسلمين على الخصوص. وهو يستخدم المنهج والآليات التقليدية الفقهية والتاريخية للاستحثاث على التعايُش والاندماج. وقد كان تدفق المسلمين على أوروبا منذ الستينات ناجحاً عن خروج الاستعمار (من شمال إفريقيا إلى فرنسا، وإلى أسبانيا فيما بعد. ومن جنوب آسيا إلى بريطانيا. ومن شرق آسيا إلى هولندا)، وعن طلب العمل في الغرب (ذهاب الأتراك إلى ألمانيا). وهذه العملية من الانتقال الاختياري إلى مجتمعات غير مسلمة، ليس لها سوابق كثيرة في التاريخ، نادراً ما تعرضت لها المؤلَّفات الفقهية والفتاوى. فالفقه التقليدي يذكر أنّ من حقّ المسلم التحرك خارج دار الإسلام والعيش فيها؛ لكنْ على أن تكونَ الشريعة المستنبطة من القرآن والسنة مطبَّقةً هناك. وفيما عدا ذلك على المسلم أن لا يستقرّ في ديار الكفر، وإن وُجد هناك لأي سببٍ فعليه أن يعودَ فوراً بعد انقضاء الضرورة ما أمكنه ذلك. والمَثَلُ على هذا الأمر طلب القرآن والنبي من الذين أسلموا بمكة وخارجها أن يلتحقوا بالنبي في دار هجرته بالمدينة، تاركين دار الحرب إلى دار الإسلام. لكنْ حيث ما كان ذلك مفيداً من الناحية الاقتصادية، فقد حاول هؤلاء المهاجرون تكوين جماعة جديدة تكتسب مشروعيةًً ما بالتجمع من حول مسجدٍ في ناحيةٍ أو حيٍ من أحياء المدن الغربية. وفي العادة يستقدم هؤلاء أئمةً للصلاة والتعليم والفتوى من بلدانهم الأصلية بالهند وباكستان وشمال إفريقيا وتركيا. وهؤلاء الأئمة المستورَدون نادراً ما يعرفون شيئاً عن المحيط الذي قدموا إليه، وفي الغالب لا يعرفون اللغة الألمانية أو الإنجليزية أو الفرنسية.

في الكتابين السالفي الذكر ينصرف طارق رمضان لدراسة مسألة الهجرة إلى خارج دار الإسلام استناداً للمصادر الكلاسيكية. ومقصدُهُ مساعدةُ المسلمين على الاندماج في المجتمعات الأوروبية. وطريقتُه في ذلك التمييز بين العبارات الإسلامية، والمسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالعبادات وتشمل الصلاة والزكاة والصوم والحجّ لابدَّ من أدائها على الهيئة وفي الظروف التي حددتْها الشريعة، ولا يستطيع المسلم أن يتنازل عن شيءٍ منها، كما أنه ليس بوسعه الاستقرار في مكانٍ لا يستطيع أداءّها فيه. في حين أنّ المسائل الأخرى قابلة للأخذ والردّ والتفاوض استناداً للمصلحة. ورمضان ينتقدُ الأئمة الذين يشجّعون المصلّين على العيش في غيتوات أو عُزلة من طريق اللباس المعيَّن أو الشكل المعيَّن، بحيث يبتعدون عن الحياة العامة لأهل المجتمع الذي يعيشون فيه. فمن حقّ الشباب وواجبهم على الخصوص أن يشاركوا في حياة مجتمعاتهم، وأن يُسهموا في الشأن العامّ والخير العامّ لذاك المجتمع. وهذه نصيحةٌ ثمينةٌ لأبناء وبنات الجيلين الثاني والثالث من المسلمين الأوروبيين، الذين يشعرون بالتهميش، ويعانون من التمييز الإثني أو العنصري أو الديني. وقد صار هؤلاء مستهدفين أكثر بسبب دينهم منذ أحداث سبتمبر عام 2001م، ولندن في يوليو عام 2005م. والفرقُ بين الحَدَثين أنّ الأميركيين هوجموا من الخارج من مواطنين عرب، بينما كان الذين هاجموا قطارات الأنفاق في بريطانيا من مواليد بريطانيا وتنشئتها! ومع أنّ رمضان لا يقول شيئاً عن هجمات لندن لأنها لم تكن قد حصلت عند نشر الكتاب؛ لكنّ التشخيصات التي يضعُها مهمةُ للشباب.

يواجه الشبان المسلمون مشكلات المجتمعات الاستهلاكية الثائرة. ويدفعُهُم ذلك للشعور بالعجز والتقزز والانعزال. ويلتمسون التعيين في حرفية اتباع نصوص الكتاب والسنة والعيش بحسبها. وعندما تشتدُّ أَزْمَتُهُم يلجؤون لعدة أساليب كلّها غير ملائمة: العنف أو العزلة أو الهروب للديار التي جاء آباؤهم منَها، وكثيراً ما يلجؤون هم وآباؤهم لاستفتاء العلماء في بلدانهم الأصلية. وطارق رمضان يرى أنّ ذلك الأسلوب غلط، إذ عليهم أن لا يشعروا أنهم غرباء وأنهم عائدون، فالمجتمعات التي يعيشون فيها هي مجتمعاتهم النهائية، وعليهم هم أن يجدوا (حلولاً إسلاميةً) لمشكلات الحياة الجديدة. فالمفتون الذين عليهم أن يجيبوا على أسئلة حياةٍ ببريطانيا من مواطنهم البعيدة، لا علم لهم في الغالب بشيءٍ عن نوعية الحياة في بلدان السؤال. ونستطيع طبعاً أن نقرأ الفقه الإسلامي القديم أو الجديد بحثاً عن هداية. لكنّ الأفضل والأَولى اختراق الحياة الأوروبية الحديثة، ومعرفتها فكرياً وثقافياً ودينياً معرفةً وثيقةً من أجل الفهم والتفهم والإفهام، وإيجاد مخارج من المآزق والمشكلات، وتسهيل عمليات الاندماج. وهو يضربُ مَثَلاً على ذلك أولئك الآباء الذين يمنعون أبنائهم وبناتهم من حضور كورسات الفنون والموسيقى. رمضان يعود هنا كلاسيكياً فيورد الأحاديث المعارضة للموسيقى والغناء، ويردُّ عليها بالأثر المشهور : الله جميلٌ يحب الجمال. وطريقته الكلاسيكية هذه حتى في المؤلَّفات النهضوية تُقلق نقّاده، وتذكّر بالطريقة الأخرى التفكيكية والراديكالية لمحمد أركون، والتي يفضّلها المثقفون الأوروبيون. لكنّ حجة طارق رمضان أنّ لديه جمهوراً إسلامياً واسعاً في الغرب، ولا بد أن يُصغي لمطالبه وحاجاته وطرائقه في التفكير لكي تلْقى آراؤه استجَابةً وقَبولاً؛ وإلاّ فأين هي التأثرات التي استطاع أركون بلوغَها بنقداته الجذرية؟!

ويتابع رمضان آراءه المنفتحة في كتابه الأحدث: (الإسلام والغرب وتحديات الحداثة) - والسؤال الرئيس في الكتاب: هل يستطيع المسلم الدخول في الحداثة والمشاركة في خياراتها ومنجزاتها دونما فقدٍ لشيءٍ من مبادئ دينه وممارساته؟ هنا لا يعارضُ طارق رمضان أساليب الحياة الحديثة، لكنه يدعو لأحياءٍ إسلاميٍ كبيرٍ في بلدان الأكثرية الإسلامية، شأن ما فعله أبوه وجدُّهُ في نزوعهم السلفي والإصلاحي مع الآخرين من المفكرين منذ مطلع القرن العشرين. يبدأ المؤلّف بالاعتراف بأنّ كثيراً من نقدات النقاد الغربيين للمجتمعات والدول الإسلامية، صحيحة، من مشكلات الأنظمة، وإلى فقدان العدالة، والتخلف، وإهمال المرأة، والاضطراب، وانصراف بعض رجال الدين للأجوبة الجاهزة. ويسخر من (الحلول الإسلامية الجاهزة) مثل تحريم الفائدة وفرض الزكاة، باعتبارهما السبيلين الأمثلين للنهوض والنمو. ومثل الدعوة للمزيد من المحرَّمات والعقوبات، باعتبار ذلك حلاًّ إسلامياً أمثل، وتطبيقاً للشريعة. فالقسْوةُ والبطشُ والحرفية في تطبيق النصوص، كلُّ ذلك ما كان شأن النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل الشأن هو العمل بروح الشريعة. بل إنّ الجهاد جهادان، الأكبر، وهو جهاد النفس، والأصغر وهو الجهاد ضد الأعداء الخارجين. وهو يعمدُ وبدون تردد لإدانة أعمال العنف ضد المذنبين أياً كان السبب والمسوِّغ. وقد تابع رمضان حملته على أعمال العنف في مقابلاته مع الـ BBC بعد هجمات لندن وغلاسكو. وما تردد في الموافقة على ضرورة إبلاغ البوليس إذا علم أحدٌ أنّ عملاً عنيفاً سيقع. لكنه حذَّر من نشْر إحساسٍ بالحذر والخوف من المسلمين دون تمييز. وهو دعا المسلمين إلى المبادرة بالتواصُل مع الآخرين، وبناء إجراءات وعهود ثقةٍ وتعاوُن. وهذا الأمر أيده أيضاً المجلس الإسلامي لمسلمي بريطانيا، وبخاصةٍ بعد انخفاض لهجة التهديد والوعيد إثر مجيء غوردون براون إلى رئاسة الحكومة البريطانية. وطارق رمضان داعيةٌ كبيرٌ للمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنه وفي الخطّ نفسه يُديُن السياسات الغربية تجاه العالمين العربي والإسلامي، والتي أدت إلى أنظمة حكمٍ ديكتاتورية وتسلطية، في حين يزعمون جميعاً دعم الديموقراطية. وهو يكتب صفحاتٍ في ذلك لا يستطيع أحدٌ أن يختلف معها. لكنني أجد نفسي مختلفاً معه في قضية (حقوق الأقليات) فهو مُصرٌّ على نموذج المدينة، حيث يحصل الآخرون على حقوق دينية وقانونية في الأحوال الشخصية؛ لكنه لا يقبل أكثر من ذلك. وكأنما يقصد المؤلّف من وراء ذلك العودة لمجتمع الملل العثماني. وهذا أمرٌ غير معقول، وخَطَلٌ في الرأي لا يتوافق ووجهات نظره الأُخرى, وهو يستند في ذلك إلى التاريخ والترتيبات المختلفة بين المجتمعات الأوروبية والإسلامية، والموقف المختلف من الدين وعلائقه بالشأن العام. وهو يمتلك – شأن السلفيين والإحيائيين – رؤيةً تفاؤليةً تجاه المستقبل، لا تبررها وقائع الحاضر.

لكنْ أياً تكن مآخُذنا على أطروحات طارق رمضان، فهو أستاذٌ مؤمنٌ وملتزمٌ بالسلام الاجتماعي، وبالمواطنة، والعيش المشترك بين المسلمين وبين العالم. وهو مؤثّرٌ في أوساط الشباب المسلم، ويستطيع أداء دورٍ كبيرٍ في مكافحة التطرف، وفي اجتراح علاقةٍ أُخرى وعملٍ آخر للمسلمين ومستقبلهم، ولمسائل الاندماج في المجتمعات التي تخوض مخاضاً حداثياً كبيراً. وهو مخاضٌ تكثر فيه التشقُّقاتُ التي لا تقتصر على المسلمين، وإن يكن المسلمون في مقدمة المواجهات اليوم.

********************

الهوامش:

*) Malise Ruthven عن New York Review of Books المجلد 54، العدد 13، 2007م، ص61-66، مراجعة لكتب طارق رمضان: على آثار النبي، دروسٌ من حياة النبي محمد، وكيف تكون أوروبياً مسلماً، والمسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام، والإسلام والغرب وتحديات الحداثة.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=422

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك