أهي عودة إلى ما قبل اللغة؟ الإيموجي والتواصل بواسطة الرموز
يبدو أن عصر الصورة لا يزال يتحفنا بظواهره الجديدة، وآخر إبداعاته: «الإيموجي»، أو الصورة − الحرف. والإيموجي هذا هو فن يتألف من رسوم رمزية مختلفة تعبِّر عن المشاعر والأشياء. وقد انطلق هذا التعبير من اليابان منذ بضع سنوات ليعم استخدامه العالم بأسره، وكأنه لغة كونية جديدة يتخاطب بها الملايين يومياً.
بدءاً من عام 2012م، عندما تبنَّت شركة «أبل» لأول مرة هذه الأيقونات في جهاز الآيفون «آي أو إس 5»، وتبعتها لاحقاً معظم شركات الهواتف والألواح الذكية، تلقفها الجمهور بحماسة قلّ نظيرها، توصف أحياناً بحمى الإيموجي. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن معظم السكان في الدول المتقدمة يستخدمون هذه الرموز، خاصة جيل الألفية الجديدة منهم.
ولفهم انتشار هذه الظاهرة، لا بدَّ من الإشارة إلى أن أي كاتب، مهما كان طويل الباع في اللغة وقواعدها أو متواضعاً، لا بدَّ أن يشعر أحياناً بالحيرة أو الضيق عند اختيار الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعره أو وصف الأشياء التي يكتب عنها. كيف هو حال أولئك الذين يفتقرون إلى أية خبرات أو تجارب في الكتابة، ويعانون من فقر مفرداتهم؟ كما هو حال معظم الذين يتواصلون على المواقع الإلكترونية؟
وفي عصر السرعة هذا، لا وقت للتأمل أو التفكير. هكذا يمكننا بكل سهولة تخيل معاناة الجيل الجديد المستمرة. الإيموجي تشكل هِبة من السماء لهم؛ لا حيرة أو معاناة بعد اليوم.
المفردة وتاريخها
الإيموجي تعبير ياباني مؤلف من كلمتين: «إي» وتعني صورة، و«موجي» وتعني حرفاً. والمصمم الأساسي للإيموجي هو الياباني شيغيتاكا كوريتا الذي استلهم رسومه الأولى من الرموز التعبيرية للأحوال الجوية وتوقعاتها، كما استلهمها أيضاً من «المانغا».
والمانغا هي رسوم كاريكاتورية هزلية. ولها تاريخ عريق في اليابان تطور لاحقاً ليشمل مواضيع متنوعة أخرى. ويقرأ المانغا في اليابان كافة فئات الشعب من كل الأعمار والطبقات. كما أنها شائعة إلى درجة أن عائداتها الأسبوعية في اليابان تعادل العائدات السنوية لصناعة القصص المصورة الأمريكية جميعها.
في البداية، أخذ مشغلو شبكات الهاتف النقال اليابانية هذه الإيموجيات من كوريتا سنة 2010م. ومنذ ذاك التاريخ، بدأت بعض هذه الرموز تدرج في نظام «يونيكود» الأمريكي الموحد لأحرف الفهرسة على الشبكة.
واليونيكود هي مؤسسة غامضةُ النشأة، ولا تحمل أية صفة رسمية. لكنها اكتسبت إجماعاً عالمياً شعبياً تلقائياً. وتبنت قراراتها جميع شركات أجهزة الاتصالات. ويقول مارك دايفس، أحد المؤسسين، إن هذه المنظمة شفافة وتضم مديرين من عمالقة التكنولوجيا مثل «أبل» و«غوغل» و«فيسبوك» وغيرها.
تضع اليونيكود الفكرة والتصميم العام للإيموجي. أما التفاصيل كاللون وبعض الخطوط الثانوية فهي تختلف بين جهاز وآخر. فإذا أرسلت قلباً أصفر من جهاز «آيفون» مثلاً، يظهر على «أندرويد» الطرف الآخر بشكل قلب وردي مع بعض الاختلاف.
وتطلق المنظمة كل فترة مجموعة من الإيموجيات بعد التصويت عليها. وتستعد المنظمة الآن لإطلاق عدة رموز رياضية لتسهيل الرسائل النصية في دورة الألعاب الأولمبية المقبلة.
ومنذ انطلاقتها سنة 2012م وتطورها السريع بعد ذلك، أخذت الإيموجي تحل محل اللغات العامية والمصطلحات والمختصرات العديدة التي شاعت على مواقع التواصل المختلفة حتى ذلك الحين. والمستقبل الواعد لهذه الرموز هو أنها أصبحت تشكِّل نوعاً من لغة شبه عالمية تحتاجها مواقع التواصل حاجة ماسة.
فبالإضافة إلى يونيكود، يوجد على الشبكة موقع مرجعي للإيموجي اسمه «إيموجيبيديا». وهي نوع من موسوعة لهذه الرموز المستعملة، تسجل التغيرات الحاصلة على الإيموجيات وعلى معانيها الصادرة عن «يونيكود». ويزور هذا الموقع نحو مليون شخص أسبوعياً. كما أن الإيموجيبيديا أطلقت ما يعرف بـ «يوم الإيموجي العالمي» والموافق في 17 يوليو من كل سنة.
عودة إلى أصل الكتابة؟
الجدير بالذكر أن أولى محاولات الإنسان الكتابية هي أيضاً كانت عن طريق الرموز التصويرية كالأحرف الهيروغليفية المصرية القديمة. لكن تلك الرموز القديمة احتاجت عدة قرون لكي تترسخ كوسيط للتواصل في ذلك الزمن الغابر، بالمقارنة مع السرعة المذهلة للانتشار الواسع للإيموجي. وانتظر نظام الكتابة الأبجدية ألفي عام بعد ذلك، ليظهر مع الفينيقيين منذ حوالي 3200 عام. ومن ثم توالت بعد حين، محاولات عديدة من المفكرين والقادة لتشكيل لغة عالمية تكون جسراً للتفاعل بين كافة البشر. أولى هذه المحاولات كانت على يد الكاتب والفيلسوف الألماني «هيلديغارد أوف بينجن» وسميت «لينغيوا إغنوتا» في القرن الثاني عشر. وظهرت في القرن السابع عشر في الشرق الأوسط لغة «البليبلان». ثم ظهرت «الإسبرينتو» و«البليسيمبوليك»، لكنها جميعاً باءت بالفشل. وتنتمي الإيموجي إلى هذه العائلة بوصفها لغة عالمية. لكن عمرها القصير الذي لا يتعدى سنوات أربعاً لا يسمح لنا بالحكم على بقائها واستمرارها.
تعدد أشكالها
يوجد عدد كبير من الإيموجيات التي تستوحي مواضيعها من أشياء مختلفة ومتنوعة كالأماكن والحيوانات وأحوال الطقس وكثير من تعابير الوجه. ولكن هذ الأخيرة هي الأكثر انتشاراً في العالم وعلى كافة الأجهزة، رغم اختلاف بعض تفاصيلها بين جهاز وآخر:
1 – وجه مع دموع الفرح كما يظهر على جهاز «أبل – آي أو اس 9.1».
2 – الإيموجي نفسه كما يظهر على «غوغل – أندرويد 5».
3 – نفسه كما يظهر على «مايكروسوفت ويندوز 10».
4 – كما يظهر على «سامسونغ غالاكسي إس 5».
واختار قاموس أوكسفورد هذا الرمز الإيموجي على أساس أنها الكلمة المختارة لسنة 2015م.
مقارنتها مع اللغات
أجرت مجلة نيوزويك مقارنة بين انتشار اللغة الإنجليزية تاريخياً وانتشار الإيموجي حالياً. وكانت نتيجتها «مهولة» حسب وصف المجلة. انطلاقاً من موطنها الأصلي في بلد صغير، من جزيرة صغيرة، تمكنت اللغة الإنجليزية من الانتشار في أصقاع الأرض كلغة عالمية أولى. إذ يبلغ عدد الناطقين الأصليين بالإنجليزية 335 مليون نسمة، وهناك حوالي 505 ملايين يتكلمونها كلغة ثانية. أما بحسب إحصائية الصحيفة، فهناك حوالي 41 مليار رسالة نصية تُرسل كل يوم حول العالم على الأجهزة الإلكترونية الذكية، من ضمنها حوالي 6 مليارات رسالة تتضمن واحداً من هذه الرسوم التعبيرية على الأقل، أو تتألف منها فقط. وهذا رقم مذهل يجعل انتشار اللغة الإنجليزية قزماً أمامها. يقول مارك دايفس، وهو أحد مديري منظمة «يونيكود» السالفة الذكر إن الإيموجي ليست لغة جديدة، لكنها تحمل في طياتها إمكانية أن تصبح كذلك. ويخالفه في الرأي تايلر شنوبلن الاختصاصي في الإيموجي من جامعة ستانفورد حيث يقول إنها تعمل كنظير للكتابة عن طريق لغة حركة الجسد. والغريب في موضوع الإيموجي، هو أن دايفس نفسه يقول إنها رغم انتشارها الواسع فإن معناها يختلف بين شخص وآخر. فإذا كانت هذه هي الحال، فما هو السر في وتيرة انتشارها المتزايدة؟
ولكن، ألم تكن هذه حالة اللغة الإنجليزية في القرن السادس عشر؟ كثير من الكلمات كانت تكتب دون أي تدقيق إملائي. وكثير من المفردات لا تزال حتى يومنا تكتب بطرق مختلفة. ويقال إن شكسبير نفسه كان يكتب اسمه بشكل مختلف من وقت لآخر. أما علامات الترقيم فقد كانت في فوضى عارمة. ولم تستقر حتى مجيء آلة الطباعة التي فرضت قواعد للاستخدام القياسي. وهكذا في النهاية سيتَشَكل مع الوقت فهم عالمي للإيموجي. وفي مقابلة مع المصمم الأساسي للإيموجي الياباني شيكيتاغا كوريتا، يعترف الرجل بفقدان هذا الفهم المشترك، ويقول إن حلمه هو حصول ذلك.
الإيموجي والإعلان
نظراً إلى أن نسبة عالية من السكان أصبحت تستعمل الرموز الإيموجية باستمرار، كما تشير نتائج الإحصاءات في بلدان عديدة، سارعت شركات إعلان كثيرة إلى إعادة النظر بطرق عملها لتتلاءم مع هذه الموجة الجديدة.
فقد أجرى البروفيسور فيف إفانس أستاذ اللسانيات في «جامعة بانغلور» دراسة حول هذا الموضوع، أظهرت أن 8 من 10 أشخاص من البريطانيين قد استعملوا هذه التقنية. وأن معظم الناس يجدونها أسهل للتعبير عن المشاعر من الكلمات، خاصة النساء منهم. وتبيِّن إحصائية أجرتها شركة «إيموجي» الأمريكية للإعلان تحت عنوان «تقرير إيموجي 2015»، أن %33.5 من عدد مستخدمي الإنترنت يستعملون الإيموجي عدة مرات بالأسبوع، و%30.4 عدة مرات في اليوم، %15.9 عدة مرات في الشهر، و%12.5 عدة مرات في السنة و%7.6 مرة واحدة بالسنة. ويقول ترافيس مونتاك، أحد المديرين في هذه الشركة، إنهم أجروا إحصاءً آخر حول استعمال المستهلكين للإيموجي بواسطة أجوبة تستعمل الإيموجي نفسه، أظهر أنها أيضاً تسهِّل على المستهلكين تزويد أجوبتهم للمعلنين بها، حيث يتمكنون من تحسين مبادراتهم التسويقية بشكل أفضل.
ولأن جيل الألفية الجديدة الذي نشأ على الإنترنت، يختلف اختلافاً كبيراً عن الجيل الذي سبقه من ناحية الاهتمامات، وجد المسوقون أن «كل ما كانوا يعرفونه عن الإعلان لا معنى له»، كما تقول لورا ديسموند مديرة «ستاركوم ميديا ويست» الإعلانية. فهذا الجيل لا يشاهد التلفزيون التقليدي، وليست لديه عادة قراءة الصحف والمجلات المطبوعة. كما أنه يتخطى الإعلانات التجارية على الشبكة، ويمنع الإعلان والدعاية على متصفحات الهواتف. «إن عالم هذا الجيل مختلف تماماً عمَّا نعرفه ودرسناه في الماضي» تضيف ديسموند. إن فترة اهتمامه تميل إلى أن تكون قصيرة وتتردَّد بسرعة بين الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ولا يتسامح مع الدعاية التقليدية. لهذه الأسباب بدأ المعلنون يتسابقون إلى التكيف مع عادات هذا الجيل، وإيجاد طرق جديدة للتواصل معهم، والتخلي عن عادات الإعلان التقليدية.
على هذا الأساس، بدأت بعض العلامات التجارية محاولة معرفة استخدام هذه الإيموجي الشائعة. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة «جنرال إلكتريك» حملة إعلانية على «سناب تشات» تسمح للمستخدمين إرسال إيموجيات إليها. كما أصبح زبائن شركة بيتزا «دومينو» بإمكانهم طلب منتجاتها بواسطة الإيموجي. وأطلقت مطاعم «بيرغر كينغ» لوحة مفاتيح إيموجية لمنتجاته لتسهل على الزبائن طلباتهم. وهناك كثير من الشركات التي أخذت تتبع نفس الخطوات. لقد بدأت هذه الرموز الجديدة تكتسب مكاناً في روح العصر الثقافية. وتؤكد هذه الحقيقة إحصائية قامت بها شركة «كاري كانينغ للإعلان والعلامة التجارية» التي استنتجت بدورها أن هذه الأيقونات تصبح مع الوقت أداة الاتصال المفضَّلة لدى معظم التركيبات السكانية، وأن المستهلكين ينجذبون إلى الأنواع المرحة منها.
الإيموجي في المعارض
أقيم أول معرض فني للإيموجي سنة 2013م في مدينة نيويورك. وكان الهدف من المعرض اكتشاف علاقة العواطف بالكمبيوتر والثقافة الشعبية وأهميتها في التفاعل بين الناس.
وآخر المعارض أقيم في «أرك إنيمي أرتس» في فيلادلفيا. وكان هدف المعرض، كما يقول مديره «باتريك شيلين»، إلقاء الضوء على قدرة الإيموجي على نقل العواطف عبر اللغات المختلفة.
مغامرات إيموجية
ولا تخلو أي ظاهرة جديدة من المبالغة. وفي هذا السياق، يحاول «توم سكوت» البريطاني صنع لوحة مفاتيح إيموجية، بحيث يستغني كلياً عن استخدام الكلمات. فقد سحب سكوت حوالي ألف إيموجي مختلفة ووضعها على 14 لوحة مفاتيح موصولة إلى كمبيوتر محمول. وقال إن في هذا العمل كثيراً من المرح في محاولة للتوصل إلى قصة، تروى بلغة الرموز التعبيرية، بدلاً عن الكلمات القديمة المملة. وعلى الرغم من أن الفكرة تبدو جنونية، هناك بعض الأسباب العقلانية وراء هذه الملصقات. وفي كل الأحوال، ألم توصف بعض الاكتشافات الكبيرة بالجنونية في بدايتها؟
المواقف من الإيموجي متباينة
هناك آراء متباينة حول قيمة الإيموجي، لكن معظمها يؤيد استعمالها وانتشارها. غير أن صحيفة الغارديان انتقدت مؤخراً وبشدة، اختيار قاموس أكسفورد أيقونة إيموجي ذات الوجه مع دموع الفرح ككلمة السنة. وذلك بمقالة كتبتها هانا باركينسون التي، رغم ذلك، أوردت رأي مدير مؤسسة أكسفورد غاسبر غراثوهل القائل «إن ثقافة الإيموجي أصبحت شعبية إلى حدّ أن كل صورة منها أخذت مساراً تطورياً خاصاً بها». والجدير بالذكر أن كلمة إيموجي دخلت لأول مرة إلى قاموس أكسفورد سنة 2013م. وتفضل باركينسون أن تكون المفردة المختارة كلمة عادية من أحرف أبجدية. لكن نقدها تمحور لاحقاً حول أن هناك إيموجيات أفضل من الوجه مع دموع الفرح، الذي «جعل وجهي يدمع من الحزن» كما تقول.
ومع أن استعمال هذه الرموز يبدو أحياناً مضحكاً، تقول ماري مان الكاتبة في مجلة «ميديوم»، التي تستخدم هي نفسها الإيموجي بكثافة مع أصدقائها، إن جاذبيتها تجعل الحديث عنها صعباً، تماماً كالتحدث إلى طفل لا يزال صوته في مرحلة النمو الأولى. وأن نجعل من هذه الرسوم وعاءً حاملاً للعواطف هو أمر محرج.. لكنها في الواقع فرضت نفسها شكلاً عالمياً مفهوماً للتواصل. وتضيف «إن معظم دراسات العلوم الإنسانية واللغوية وعلم النفس تؤيد هذه الرموز. وإن الشكوى من أن الإيموجي هي «نهاية اللغة» تظهر عادة كتعليق في أسفل المقالات وليس في صلبها. لقد فاق انتشارها العالمي منتج «والت ديزني» ميكي ماوس. والإيموجي صغيرة في الحجم لكنها ضخمة في التأثير.. في كل الأحوال لقد أصبحنا مدمنين بغرابة عليها».
وتعلِّق المصمِّمة ليزا نيلسون على الإيموجي بقولها «الإيموجي تعني كل شيء، ولا تعني شيئاً في الوقت نفسه». هل هي مثيرة للسخرية؟ حيث إنها تحولنا إلى نوع من البشر البدائيين كالنياندرتال الذي يتحرك بالغريزة؟ أم هي رائعة توفر لنا وسيطاً عالمياً للتعبير عن العواطف والإبداع؟ إنها غبية جداً لكنها أفضل شيء حصل لجيلنا».
في الوقت نفسه، لا تتعارض آراء بعض الأكاديميين والاختصاصيين مع الكتَّاب الصحفيين أعلاه. فقد وجد الدكتور أوين تشيرشيس، عالم النفس الذي درس استخدامات وتأثير الإيموجي، «أن ردة الفعل الشعورية الصادرة عن الإيموجي هي نفسها وكأنها صادرة عن وجه إنسان حقيقي». ويشرح أنه مع الوقت، تعتاد عقولنا على إدراك الرمز، سعيداً كان أو حزيناً، ونكتسب القدرة على الشعور بالعاطفة نفسها. «إن الإيموجي تعطينا قدرة فريدة لإضفاء مسحة إنسانية على الاتصالات الرقمية». أما اللغوي بن زيمر، فيرى أن «الغرب القاسي يأخذنا إلى عصر الإيموجي. الناس يصنعون القواعد (اللغوية) وهم يتحركون، هذا طبيعي. لقد حلم فرانسيس بايكون وجون ميلكينز بتطوير لغة بصرية بإمكانها أن تأخذنا إلى عصر ما قبل بابل». كما حاول سنة 1982م عالم الكمبيوتر «سكوت فهلمان» الشيء نفسه، لحل مشكلة سوء الفهم والفوضى التي سادت الشبكة في أوائل انتشار الرسائل على الإنترنت.
فهل العودة إلى الكتابة بالرموز التصويرية هي عودة للوراء؟ بن زيمر لا يراها كذلك. هو يعتقد أن الإيموجي «تعتمد بشكل أساسي على أيقونات المشاعر التي تؤدي المطلوب جيداً». ولا يرى أنها تستطيع تهديد اللغة المكتوبة، بل إغناءها. «فأيقونات المشاعر تستطيع نقل الأمزجة المختلفة بشكل جيد دون بذل كثير من الجهد».
أما اللغوي ون ماكهورتر فيرى أنه «لا يمكنك أن تتواصل بأيقونات المشاعر فقط. عليك أن تعرف عما تتحدث عنه، ماذا حدث، ومتى.. أيقونات المشاعر لا تقوم بذلك».
وتلقى الإيموجي تأييداً قوياً من أستاذ العلوم الإدراكية في جامعة هارفارد ومؤلف عدة كتب على لائحة الأكثر مبيعاً ستيفن بينكر حيث يقول: «ما تفعله هذه الوجوه المبتسمة بشكل خاص هي التعبير عن السخرية، والخفة ذات الأهمية الحاسمة لنقل ما نريد قوله. الكتابة النصية تجعل ذلك ملتبساً».
لكن هناك آراء معارضة. فلعالم الكمبيوتر البروفيسور سكوت فهلمان السابق ذكره موقف متحفظ على انتشار الإيموجي، «لأنها تدمر التحدي في محاولة إيجاد طريقة إبداعية للتعبير، وتجعلنا كسالى في اتصالاتنا».
أما المصمم الغرافيكي المعروف مايكل بيروت فيقول في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»: «إنني أجد الإيموجي مرعبة وبلا روح. إذا اعتبرنا وليم شكسبير على طرف، فإن الإيموجي ستكون على الطرف النقيض. ولو كان باستطاعة واحدنا أن يضيف شيئاً إلى الرسم لأضفينا عليه بعض الخصوصية، وليس كما هو الآن، نسخة واحدة من إنتاج ضخم مصنوع للجميع».
الصورة ووعودها
جاء في أول تعليق لصحيفة «نيويورك تايمز» على مشاهدة أول أفلام السينما عام 1895م في باريس: «لم يعد التصوير يسجل الجمود، إنه يديم صورة الحركة. وعندما تصبح هذه الأدوات في متناول العامة، ويتمكن أي شخص من تصوير أحبائه، ليس فقط بوضعهم الجامد ولكن مع الحركة والعمل والإيماءات المألوفة والكلمات من أفواههم، فهذا يعني أن الموت لم يعد مطلقاً ونهائياً».
مع بداية عصر الصورة كانت التوقعات كبيرة. هل بهذه الظاهرة الجديدة، أي صورة الإيموجي الجامدة، نعود إلى عصر ما قبل السينما؟ أو حتى إلى ما قبل الأبجدية؟ أم هي لغة عصرية جديدة لا تنطبق عليها مفاهيم وقيم سابقة على عصر التواصل الحديث على الخط وعبر الشبكة؟.