تقنية الحوار الناجح ومهارات التواصل مع الآخرين
عند مفترق الطريق إلى النجاح أو الفشل
الحوار فعل أخطر مما يبدو على ممارستنا التلقائية له. ولأنه مفترق الطريق إلى النجاح أو الفشل، كانت ورشة عمل «القافلة» هذه المرة بعنوان «مقوّمات الحوار الناجح ومهارات التعامل مع الآخرين»، التي أدارها الدكتور خالد البديوي في فندق كارلتون المعيبد في الخبر، بحضور عدد من المشاركين من خبراء ومهتمّين بتطوير مهاراتهم في هذا المجال.
لو استعدنا أي جانب من جوانب حياتنا والطريق الذي قادنا إليه، لوجدنا أن حواراً ما في وقت ما، كان مفصلاً في وصولنا إلى ما نحن عليه. فمن أبسط الشؤون الأسرية في المنزل، مروراً بحياتنا العملية والمهنية، وصولاً إلى القضايا العامة وحتى ما هو على مستوى الأوطان والعالم، نرى أن الحوار فعل دائم الحضور، سواء أكان للإقناع أو للاقتناع أو للاستطلاع أو للبحث عن حل أو اتخاذ قرار..
وعلى الرغم من أننا جميعاً نعي أهمية الحوار عند إقدامنا عليه، فإن معظمنا يكتفي بالاتكال على ما يعتقد أنه «الحجة القوية»..ويفوتنا أن الحوار مهارة ذات مقومات عديدة، من دونها تضعف أقوى الحجج. لا بل ليس من المبالغة القول إن حظوظ الحجة القوية في أن تفرض نفسها قد تنعدم وتنهزم أمام الحجة الخاطئة إذا لم تعرض ولم يدافع صاحبها عنها بمهارة، ناهيك بأن الحجة القوية قد تصطدم بوجود حجة أقوى.
ولو ألقينا نظرة خاطفة على ما يسمى «البرامج الحوارية» التي تعرضها القنوات التلفزيونية العربية، من باب المثال الذي يعرفه الجميع وليس من باب الحصر، للاحظنا أن مستوى المهارات الحوارية في مجتمعاتنا العربية ليست في أفضل أحوالها، لما نراه من توتر ومقاطعة المتحاورين لكلام بعضهم البعض، ونبرات أصواتهم التي تصل أحياناً إلى الصراخ، والتشابك بالأيدي أحياناً. الأمر الذي يطيح بإمكانية التأثير فعلاً في فكر المشاهد الذي إما أنه ينصرف عن متابعة المشاهدة، وإما أنه يستمر فيها من باب التسلية المثيرة ليس أكثر.
إن المثل الذي ضربناه هنا يؤكد أن ملكة البراعة في الحوار ليست تحصيل حاصل حتى عند ذوي المستويات العلمية أو الفكرية الرفيعة. إنها مهارة مستقلة، قد تكون بعض جوانبها قابلة لأن تُكتسب بالفطرة، ولكن معظمها يتطلب وعياً وجهداً لاكتسابه. وما تبين من ورشة العمل هذه هو أن هذه المهارة ذات خصائص على درجة عالية من التعقيد، تكاد تجعل تعلمها أو تعليمها صالحاً لأن يكون عبر برنامج دراسة جامعي..!
الحوار ضمن باقة أشكال الاتصال
أثيرت في الورشة مسألة تمييز الحوار عن غيره من أنماط الاتصال. ففي حين أن مصطلح الاتصال يعني تبادل الأفكار والمعلومات بين طرفين أو أكثر عن طريق وسائل الاتصال المختلفة مثل الإشارة والكلام والقراءة والكتابة والمراسلة، فإن الحوار يدل على تفاعل لفظي بالدرجة الأولى وغير لفظي بدرجة أقل، في إطار التواصل وتبادل المعرفة والخبرات بين المتحاورين توخياً للوصول إلى نتيجة معينة.. كما يتميز الحوار بمحدودية الوقت المتاح للتفكير وتمحيص الأفكار وطرحها، عكس ما هو عليه الحال في المراسلة مثلاً. الأمر الذي يجعله يتميز بخصوصية معينة بين باقي أنماط الاتصال. فلا يكفي الأديب أن يكون بارعاً في كتابة الرسائل ليكون حكماً محاوراً بارعاً.
وباتت تنمية مهارة الحوار بحد ذاتها ضرورة لا غنى عنها من وجهات نظر المربّين وعلوم الاجتماع والإدارة والأعمال والسياسة وحتى الاقتصاد. وفي هذا المجال، أورد المدرب د. خالد البديوي قولاً شهيراً للكاتب روبرت كيوساكي يلخص مكانة التواصل من بين عوامل النجاح المهني، ومفاد هذا القول أن «أثرى الناس يبحثون عن التعارف والبقية يبحثون عن العمل». فما الذي خلص إليه العاملون على تطوير مهارة الحوار ومستلزماته التقنية التي توسع آفاق النجاح أمامه؟
الانفتاح شرط
أما القوة فليست كذلك
انطلقت أعمال هذه الورشة في يومها الأول بقول للإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». وهو قول يحمل في طياته قيمة كبيرة ويستحق التأمل كما يستحق أن يدرّس في كل وقت. فالاستعداد مبدئياً للاعتراف بأن رأي الطرف الآخر يحتمل الصواب هو شرط أساسي لتمييز الحوار عن غيره من أنماط الاتصال. ومن دون هذا الاعتراف، فإن الحوار ينقلب محاضرة أو أمراً غير قائم على شيء سوى القسرية.
ما كان أحد من المشاركين في الورشة يربط في ذهنه بين التواصل الجيد وأحوال الصحة العامة، حتى روى المحاضر قصة بلدة أمريكية أسسها في القرن التاسع عشر نحو 1200 مهاجر إيطالي يتحدرون جميعاً من بلدة إيطالية واحدة تسمى روزيتو.
فقد لاحظ الأطباء ما يكاد أن يكون انعداماً للوفيات بسبب أمراض القلب بين سكان هذه البلدة، وكذلك انعدام حالات الانتحار فيها. وبعد دراسات مستفيضة لنمط العيش فيها، خلصوا الى أن التواصل المتين والحوار الدائم في إطار العلاقات الاجتماعية التي تربط ما بين هؤلاء السكان هو السبب في تمتعهم بصحتهم الجيدة!
وفي قول الإمام الشافعي ما ينطوي على اعتبار التكافؤ، في مقارعة الرأي بالرأي الآخر، شرطاً من شروط الحوار. فالاعتماد المفرط على القوة والاتكال على عدم تكافؤ القدرات هو من أكثر الأخطاء شيوعاً لدى أغلب المتحاورين. وفي هذا الإطار تذكَّر المشاركون قصة «الشمس والريح»، حيث راحت كل منهما تتباهى بقوتها، فتحدَّت إحداهما الأخرى في القدرة على إرغام رجل أن يخلع سترة كان يرتديها أو نزعها عنه. فنفخت الريح بكل قوتها حتى تحوَّلت إلى عاصفة هوجاء، دون أن تتمكن من نزع السترة عن الرجل. أما الشمس فراحت ترسل مزيداً من أشعتها ببطء وصمت، حتى أحس الرجل بالحر، وخلع سترته. والعِبْرَة التي سلَّم بصحتها الجميع هي أن الاعتماد المفرط على القوة غير مضمون النتائج. فتقنية الحوار تولي الأناة والمرونة أهمية أكبر بكثير.
الإنصات..فن لا بد منه
ماذا عنه؟
بهذه العبارة الاستفهامية تطرَّق البديوي لمفهوم الإنصات الفعّال الذي يمكن اعتباره عن حق من أبرز مستلزمات المحاور الجيّد، ويعود بالفائدة على صاحبه. وروى المحاضر واقعة من سيرة نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حين جاءه أحد المشركين ليعرض عليه بعض ما لديهم من مغريات دنيوية، قابله النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بالإنصات الكامل إلى حديثه، فلم يتكلم إلَّا بعدما انتهى كلام الزائر، ليرد بعد ذلك بكل هدوء على ما قاله، مستفيداً من حُسن إنصاته لكل ما ورد في حديث ذلك المشرك. فالإنصات تعريفاً، هو التركيز على ما يقوله المتحدث ذهنياً وبدنياً، والسعي إلى استيعاب كل ما هو وارد فيه، وبالعمق.
قلائل منا يعرفون أن الإنسان يقضي %40 من حياته في الإنصات! وهذا ما يستدعي وجوب تطوير فن الإنصات كمهارة قائمة بحد ذاتها، لاستفادة أفضل من كل هذا الوقت الطويل، بدلاً من أن يضيع إنصاتنا سدى بسبب عدم التركيز لحساب أمور أقل أهمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ينصت الناس؟ ما دافعهم إلى قضاء وقتهم في الإنصات؟ يمكن القول إنهم ينصتون لكي يتعلموا الجديد، وللتيقن من أمر ما، أو لكسب الاحترام وبناء العلاقات، فالإنصات فن لا يتقنه إلا من يرغب في الحصول على أفضل النتائج غالباً، ويتطلب قدرة على التغلب على العادات السلبية مثل الاستسلام للملل أو المقاطعة أو الإحساس بالمعرفة أكثر من المتحدث..
لعبارة: نعم… ولكن! في أي حوار درجات معينة من الأهمية.
حتى إن المحاضر سمّى العبارة: «تحدي نعم ولكن». ذلك أن العبارة شغلت علماء الاجتماع حتى ظهر كتابان في الموضوع، واحد وضعه شون ستيفنسون، عنوانه: تخلّص من ولكن. والثاني عنوانه: نعم ولكن.
وخلاصة الأمر أن هذه العبارة تبدأ بكلمة: نعم، أي إنك موافق مبدئياً على ما قاله محدثك، وأنك لا تعارضه تماماً فيما قال.
لكن… بعد أن تكون قد قلت نعم، وهي كلمة قد تجرّد محاورك من بعض تشبثه برأيه، حيث إنه توصل إلى إقناعك به، ولو جزئياً، تبدأ لكن، أي يبدأ إظهار الحجج المناقضة، وبذلك يكون استعداد المحاور لقبولها أفضل من استعداده، لو بدأت برفض رأيه.
ومن الأمثلة التي وردت في الورشة حول استخدامات نعم ولكن ، قول سعد مثلاً: «إن ألمانيا هي أجمل بلد في العالم»، وردّ سعيد بقوله: «نعم .. إن ألمانيا جميلة، ولكن فرنسا أجمل منها». وفي تقييم هذا المثل قال المحاضر: كلما زادت الكلمات المقتبسة من سعد، بعد قول نعم، أكثر، كانت ولكن مقبولة أكثر.
إنها لعبة نفسية من أصول فن الحوار، وعلوم المحادثة التي يُقصد بها الوصول إلى نتيجة مفيدة، لا مجرد التصارع غير المجدي بين الآراء.
وللإنصات الجيد درجات!
ومن بين الأمور التي استرعت انتباه المشاركين في هذه الورشة، وكشفت المدى الذي وصل إليه علم الحوار، هو توصل الباحثين إلى توزيع الإنصات إلى خمسة مستويات.
فحين يجلس شخصان أو أكثر للتحاور، فإن مَنْ ينصت إلى المتحدث بينهم، يكون في عدد متفاوت من خمس حالات ممكنة. وتراوح هذه الحالات من التجاهل، إلى الإنصات الفعّال الذي يسميه المتخصصون «التقمص». وهذه الحالات الخمس هي:
• التجاهل، وهو عدم الالتفات إلى المتحدث أو إلى حديثه، كالانشغال بأمر آخر، قد يكون هاتفاً أو مجلة أو مشهداً من نافذة الغرفة، وما إلى هذا.
• التظاهر، وهو ليس تجاهلاً ظاهراً، ولكنه ليس إنصاتاً صادقاً، بل تكلّفاً للإنصات، فيما الفكر والانتباه مركزان في أمر آخر، غير موضوع الحديث.
• الانتقاء، وهو التركيز على جانب معيَّن من الحديث، واختيار ما يهمنا ويخصنا منه، وإهمال ما بقي من عناصر الحديث. وكأن المنصت يبحث سلفاً عن أمر ما في كلام محدثه.
• الإنصات بانتباه، وهو الاستماع الواعي والكامل لما يقوله المتحدث، والتفهم التام لمضمون الكلام، دون الموافقة عليه بالضرورة.
• الإنصات المتفاعل، وهو لا يكتفي بالإنصات بانتباه، بل يتعدّاه إلى التفاعل مع المتحدث، ومحاولة معرفة سبب رأيه، لا سيما إذا كنا لا نوافقه في حديثه.
وتمّ تلخيص خصائص الإنصات المتفاعل بجملة نصائح ضرورية لمن يهمه الأمر. وهي:
• استمع محاولاً أن تتفهم ما يقوله محدثك.
• كن جاداً في الاستماع، ولا تتظاهر به أو تمثل دور المستمع.
• لا تصرف تفكيرك إلى تجهيز الرد على ما يقال، في داخلك وأنت تستمع.
• صارع رغبتك في المقاطعة، واترك مضمون هذه المقاطعة، إلى أن يحين دورك في الكلام.
• اطرح بعض الأسئلة، ليدرك محدثك أنك جاد في محاولة فهم وجهة نظره.
• تذكّر أن بعض الصمت أبلغ من الرد.
الانطباع والثواني الأولى
أعادت هذه الورشة إلى الأذهان بعض ما كان قد ورد في ورشة عمل سابقة كانت «القافلة» قد نظّمتها حول مهارات الخطابة، ويتعلّق بأهمية اللحظات الأولى للإطلالة. إذ لا يدرك الكثير أن الثواني الأربع الأولى من أي لقاء تكون حاسمة في تكوين انطباع سريع لدى الآخرين عن المحاور. ويمكن تعريف الانطباع بأنه النظرة السائدة والمسيطرة تجاه شيء معيَّن. وهو أمر يصعب تغييره بسهولة بعد تكوينه، ولذا يجب أن نوليه ما يستحق من الاهتمام لنمنح أنفسنا ما نستحق من تقدير الغير لنا. وإذا ما أراد المحاور الحصول على انطباع إيجابي فعليه أن يبعث برسائل متعددة، وأولها القوة في المظهر، ثم التواصل البصري الجيد مع المقابَل، وكذلك إجادة اختيار الكلمات الأولى. ولعل أسلوب المقابلة الشخصية يعطي مثالاً واقعياً لذلك، إذ إن الرأي النهائي عن الشخص المتقدِّم للمقابلة يتكوّن سريعاً وحتى قبل سؤاله عن الموضوع الأساسي الذي جاء من أجله للمقابلة، فالتفاصيل الصغيرة حاسمة في مثل هذه الحالات التي يغفلها البعض، ويولي اهتمامه لصلب الموضوع فقط.
المهارات اللفظية أولاً
وتطرقت الورشة، أيضاً، إلى المؤثرات في الحوار وطرقها، وفي طليعتها المهارات اللفظية التي تصنع الفارق في القدرة على جعل الحديث مؤثراً على المتلقي. وهي على التوالي حسب أهميتها:
• التأني في الكلام وهو ما يدلّ على الثقة غالباً.
• التشديد على الكلمات المهمة خلال الكلام.
• تكرار الفكرة ولكن بطرق مختلفة وبلا تكلف يزعج المتلقي.
• تغيير طبقات الصوت خلال الحديث لإبعاد الملل عن نفوس المتلقين.
• تغيير وتيرة سرعة الكلام على نحو متدرج وغير مخل والتوقف قبل وبعد الأفكار المهمة التي ترغب في أن تنال اهتمام المقابَل مباشرة.
• تلافي الصراخ، فخفض الصوت هو من الأمور المؤثرة خلال الحديث مع الآخرين، لأننا من دون وعي منا ننجذب إلى شخص ما ولا نعلم السبب الذي كثيراً ما يكون في انخفاض صوته، فنرى حديثه مقبولاً، ونخمّن أن الموضوع يتعلق فقط بالجاذبية الشخصية.
وهناك خطوات وأساليب لفظية يمكنها أن تجعلنا أكثر قبولاً لدى الآخر، وهي أمور تكاد لا تظهر في نهاية الأمر ولا يلاحظها الطرف الآخر عادة، فيجب التركيز عليها بشكل متكرر لتحسين الأداء.
لغة الجسد أهم!
أما المؤثر الفرعي الثاني فهو في جعل تعبيرات الجسد مرتبطة بالموضوع الذي يتحدث عنه المحاور، بحيث يصبح الجسد مرآة صادقة للأحاسيس ليشعر بها جميع من يخاطبهم، وهذا ما يتضمن الظهور بمظهر الخبير الواثق أمام الجميع، فيكون هادئاً وطبيعياً بعيداً عن التوتر الذي يعطي انطباعاً سلبياً بأنه غير متمكن من الحوار، ولديه مشكلة، الأمر الذي ينعكس سلباً على المناخ العام للحوار. فللغة الجسد دور كبير وخفي في إيصال أفكارنا وتقبلها؛ لأنها تنطق بالفعل بما يعبِّر عن حالنا عند الاسترسال في الحوار.
ثمة مفهوم سائد بأن معظم التأثير يأتي من مضمون الكلام. ولكن ما لا يعرفه الناس أن دراسة علمية شهيرة كشفت أن الكلمات لا تؤثر إلا بنسبة لا تتجاوز %7 فقط في الآخرين. أما لغة الجسد فتؤثر في الآخرين بنسبة %55، فيما ينال الصوت نسبة تصل إلى %38. وهو ما يعني أن التأثير يخضع لعدة عوامل ولا يعتمد فقط على الكلام. فالمتلقي لا يكون مركزاً فقط على ما يقال بل يستخدم بقية حواسه لاستكمال انطباعه ورأيه، فطريقة اللبس وحركات الجسم كلها مؤثرة ولن تكون معزولة في الحكم على المتحدث بالمجمل.
المؤثرات غير اللفظية
أما «المؤثرات غير اللفظية» فهو الاسم الذي تنضوي تحته ثلاثة مؤثرات فرعية أخرى، هي:
• إيماءات الوجه، حيث من المعلوم أن في الوجه نحو 140 عضلة تتحرَّك معظمها دون وعي منا، ومفتاح استثمارها وحسن توظيفها في الحوار هو في استشعار المواقف وتقمص الوضع المناسب.
• الاتصال البصري، مع الحرص على التواصل بالنظر إلى العينين وتوزيع النظر بالتساوي.
• حركة اليدين، التي تساعد كثيراً في تكوين انطباع إيجابي عن المحاور.
أما فيما يتعلق باستراتيجية الحوار الناجح، فقد تم تلخيصها بعدد من النقاط هي بالترتيب: أولاً تحديد الموضوع، ثم جني العسل دون كسر خلية النحل، ووضع الاهتمام بالناس قبل مواجهتهم، بحيث لا يسمح للموقف والحوار أن يكون أهم من العلاقة بين المتحاورين. وضرورة العثور على %1 من الأمور المتفق عليها، ومنحها كل الجهد لتكون منطلقاً لتوسعة دائرتها، وهذا ما يسهل الحوار ويجعله ودياً أكثر بمرور الوقت. وأخيراً، ضرورة تواصل الفرد مع الآخرين بصفته واحداً منهم.
مكارم الأخلاق
تناولت الورشة قبيل اختتامها جانباً مهماً يتعلق بأخلاق المحاور الجيد. وهنا استدعى المدرِّب الحديث النبوي الشريف في قوله (صلّى الله عليه وسلم): {إنما بُعثتُ لأُتمِّم مكارمَ الأخلاق}، والحديث الآخر الذي يأتي في السياق نفسه: {أقربُكم مني مجلساً يومَ القيامةِ أحسنُكم أخلاقاً}، ليضعنا أمام ضرورة التحلي بآداب الحوار مبدأً ونهجاً. وفي هذا الإطار ذُكرت جملة أمور يجب تلافيها خلال الحوار؛ وهي وإن بدت للبعض أنها ذات تأثير ثانوي، فإنها في الواقع ذات أثر كبير على حسن سير الحوار وضمان استمراريته. ومن هذه الأمور نذكر:
• عدم رفع الصوت، لأن تفسير الصوت المرتفع هو قلة احترام للطرف الآخر، مما سيفقد الحوار أي فائدة، إن لم يؤد إلى قطعه.
• عدم استخدام عبارات الإلزام، فالمحاور لا يُصدر أوامر.
• تجنب الشرب والأكل خلال الحوار إلا على مائدة الطعام.
• الامتناع عن التشكيك في نية المحاور وعن شخصنة الموضوع.
• تجنب الانشغال عن المحاور بأي مؤثر خارجي كتلقي مكالمة أو محادثة طرف آخر، لأن ذلك كفيل بأن يصل بالحوار إلى طريق مسدود.
حين يتبادل شخصان الكلام فيما بينهما، فقد يكون الكلام حديثاً عادياً. لكن في بعض الحالات يكون الحديث، أو الكلام، أو تبادل الحوار، لغرض معيَّن معروف سلفاً، قد يراوح بين عرض وجهات نظر متباينة، أو محاولة كل من فريقي الحوار إقناع الفريق الآخر بأمر ما، أو الوصول إلى حل وسط بين موقفين. وفي هذا الإطار، تدرج الأنواع التالية من تبادل الكلام:
• المناظرة: طرفان يعرض كل منهما وجهة نظره مع حججه في أمر ما، ويحاول إثبات صحة موقفه في هذا الأمر، وعدم صحة النظرة الأخرى.
• التفاوض: السعي، من خلال تبادل الحديث، والأخذ والرد، إلى إحراز تسوية بين طرفين، بعد تنازل كل منهما، أو أحدهما عن بعض آرائه، أو كلها.
• الإقناع: عرض أفكار على طرف آخر، لمحاولة كسب تأييده لهذه الأفكار، واصطفافه مع المحاور الآخر في موقف واحد، أو تليين موقفه من أجل شيء من التقارب.ومن أنواع تبادل الكلام، ما يسمونه: حوار الطرشان. وغالباً ما يكون سببه، عدم أهلية المتحاورين لإجراء حوار، أو شعور أحدهما، أو كليهما، بشكوك في نيات الفريق الآخر، أو سوء التقدير، أو التعقيد الشديد في العلاقة بين الطرفين. وتؤدي كل هذه العوامل إلى:
• التمسك المطلق بالرأي الشخصي
• عدم سماع الرأي الآخر، والاكتفاء بتصنّع الاستماع
• عدم الاستعداد، منذ البداية، للأخذ والرد.
الحوار الناجح صناعة
من مسار ورشة العمل هذه بما تضمنته محاضرة المدرّب والتمارين وما تداوله المشاركون من أفكار، يمكننا أن نخلص إلى أن الحوار الناجح بات صناعة. وقوام هذه الصناعة هو اقتناع كل طرف بالجلوس إلى طاولة الحوار بصفته وسيلة للوصول إلى هدف مشترك بين الجميع. الأمر الذي يتطلب التغلب على معوقات قد تعترض الحوار قبل البدء به، توخياً للوصول إلى مرحلة انطلاقه. ثم تأتي مهمة الحفاظ على استمراريته حتى نهايته. الأمر الذي يفترض ضرورة استيعاب الآراء والمواقف المختلفة، لا إسكاتها عنوة. فالحوار الناجح لا يأتي بشكل مرتجل. ولا يمكن تسمية أي حوار بالناجح إلا إذا توافرت مقوماته. وباكتساب الأفراد قيماً ومفاهيم صحيحة للحوار الناجح يمكن الحديث عن تحسن المستوى العام للمجتمع وانعكاسه بشكل مباشر عليه، وتحقيق بقية الطموحات التنموية وما يتبعها وما هو مخطط له بشكل أسهل من السابق، وهو ما تفعله الدول المتقدِّمة وتحرص على تنفيذه ووضع الخطط له بواسطة مختصين بشكل يضمن أن تؤتي مفاهيم الحوار أكلها.
قالوا عن الورشة:
• سعد الشهراني (موظف): كلنا نحتاج إلى التواصل الفعّال. وأعتقد أن الحوار ثقافة راقية ومهمة للجميع. ومن الجيد إقامة مثل هذه الدورات بشكل دوري وعرض آخر المستجدات التي تثري رصيدي المعرفي والفكري عبر متخصصين، وهو الأمر الذي وفرته لنا هذه الدورة، وأدعو كل من تسنح له الفرصة لتطوير نفسه إلى المشاركة في مثل هذه الدورات المتخصصة لأنه سيلحظ أثرها عليه بمرور الوقت.
• عبد العزيز الموسى (مهندس ميكانيكي): جاءت دورة الحوار الناجح في وقت مناسب بالنسبة إلي. إذ أعمل دوماً على تطوير ذاتي على نحو علمي وصحيح. والدورة قدمت كثيراً من المدارك الجديدة التي تفتح لنا آفاقاً رحبة في تقبل الآخر والحوار معه بأسلوب مثالي بعيداً عن أي تعصب أو حدة في النقاش. ولأني أهتم بالتواصل مع الناس، أجد أن مثل هذه الدورات مملوءة بالإيجابيات. وهو ما لمست صداه في نفوس المشاركين جميعاً على اختلاف مشاربهم.
• محمد القحطاني (فني اتصالات): بصراحة، هذه الدورة هي الأولى لي في هذا المجال. وبعد نهايتها، يمكن القول إنني أصبت بانخراطي فيها، لأنها عرّفتني على كثير من الأمور التي كنت أجهلها. وبلا شك سأخرج الآن بفكر مختلف، وستكون الأمور أسهل من السابق، وسأكون سعيداً إذا سنحت الظروف في تكرار التجربة في دورة أخرى
.
• أحمد الحمادي (موظف علاقات عامة): وفرت الدورة معلومات ثرية نحتاج حقيقة إلى تطبيقها في حياتنا اليومية. فهي تُبرز الحاجة إلى النظر بشكل مختلف ومنفتح على الآخر دون أحكام مسبقة. وأعتقد أن التطبيق المناسب لتعليمات الدورة سينعكس إيجاباً على كل المشاركين. وعلى الرغم من أني شاركت في كثير من الدورات إلا أنني أجد نفسي سعيداً بما اكتسبته هنا كثيراً.
• حمود الشايجي (مهندس مساحة): أعتقد أنني أحد أكبر المستفيدين من الدورة. فقد جاءت شاملة ومكثفة وغنية بالمحاور التي تقدم الحلول والمعارف بواسطة أخصائي متمكن مثل الدكتور البديوي. وسأعمل على تطبيق كل ما تعلمته هنا بشكل صحيح في علاقتي مع المحيطين بي سواء في بيئة العمل أو خارجه. لأني موقن بصحة كل ما تلقيته هنا فيما يخص الحوار ومهارات الاتصال.