مستقبل ظاهرة الإرهاب العالمي

سعود الشرفات

 

- ماذا تخبرنا الأرقام؟

شهد العالم خلال الفترة الممتدة من عام 1970م إلى 2018م ما مجموعة (170,000) عملية إرهابية([1]). وشهد عام 2018م انخفاض "مؤشر الإرهاب العالمي" للعام الثالث على التوالي، وانخفض عدد العلميات الإرهابية وعدد القتلى في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، والشرق الأوسط نتيجة الهزائم العسكرية التي مني بها تنظيم داعش والنصرة في العراق وسوريا، وزيادة فعالية جهود مكافحة الإرهاب العالمية.

فبعد أن بلغ عدد العمليات الإرهابية ذروته في أوج تمدد ونشاط تنظيم داعش عام 2014م (32,685) عملية إرهابية، أخذت وتيرة العمليات الإرهابية بالانخفاض طيلة السنوات الثلاث الماضية حتى بلغت عام 2017م (18,814) عملية إرهابية، وهو ما يعني إحصائيا أن العمليات الإرهابية انخفضت أكثر من النصف وبنسبة (57%).

ونلاحظ بأن الانخفاض الأكبر في عدد القتلى والعمليات كان في العراق، حيث انخفض عدد القتلى بواقع (5000) عام 2017م مقارنة مع عام 2016م، وفي سوريا انخفض عدد القتلى بواقع (1000) قتيل.

وانخفض قتلى تنظيم داعش عام 2017م بنسبة (52%)، فيما انخفض عدد عمليات التنظيم بنسبة (22%). ونتيجة لهزائم التنظيم في العراق وسوريا؛ فقد توجه الآن إلى شمال أفريقيا ودول الساحل وجنوب شرق آسيا.

ولقد شهدت أفغانستان العدد الأكبر من العمليات الإرهابية عام 2018م. لكن الصومال ومصر سجلت الزيادة الأكبر في عدد قتلى العمليات الإرهابية عام 2018م، حيث نفذت "حركة الشباب" الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة عملية تفجير سيارة مفخخة أمام أحد الفنادق أسفرت عن مقتل (587) شخصاً. فيما شهدت مصر أسوء عملية في تاريخها المعاصر، حين نفذ تنظيم داعش ولاية سيناء هجوم مسجد الروضة الذي نتج عنه وفاة (311) شخصاً، وجرح (122).

أما في أوروبا، فإن الصورة تبدو أكثر تعبيراً عن انخفاض خطر تنظيم داعش، حيث انخفض عدد القتلى بنسبة (75%) من (827) قتيلاً عام 2016م إلى (204) قتلا عام 2017م([2]).

ويرجع سبب الانخفاض في عدد ضحايا العمليات الإرهابية إلى عاملين هما:

1- تراجع قدرة تنظيم داعش على تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية نتيجة هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا.

2- فعالية وكثافة إجراءات وبرامج مكافحة الإرهاب خاصة في مجال المراقبة والملاحقة، وتوفر الموارد المالية لهذه البرامج والتعاون الدولي في مجال المكافحة، وتبادل المعلومات الاستخبارية والأمنية.

في المحصلة؛ تدل هذه المؤشرات والأرقام على اتجاهات إيجابيه في سيرورة ظاهرة الإرهاب ومكافحة الإرهاب العالمي، خاصة إذا استمر التعاون الدولي على نفس الوتيرة من التعاون وتشارك المعلومات والخبرات.

وعلى الرغم من الهزائم العسكرية الكبيرة التي تعرض لها الإرهاب خاصة تنظيم داعش، إلا أن هذا لا يعني نهاية التنظيم، طالما بقيت حالة الفوضى السياسية وفشل الدولة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط.

- الاتجاهات المستقبلية

إن الانخفاض الذي شهده العالم على مؤشرات الإرهاب خاصة تنظيم داعش عام 2018م؛ شهد اتجاها خطيراً يتمثل بزيادة في عدد العمليات الإرهابية التي نفذها "اليمين المتطرف" في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وهو اتجاه مرشح للزيادة في المستقبل في ظل نشاط الأحزاب والتنظيمات القومية والشعبوية.

وتواجه أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية اليوم مشكلة إرهاب اليمين المتطرف (Right Wing Terrorism). فخلال السنوات الأربع ما بين 2013-2017 نفّذَ اليمين المتطرف (127) عملية إرهابية نتج عنها (66) حالة وفاة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

ولقد أخذ هذا الاتجاه؛ يحظى باهتمام متزايد في الدوائر السياسية ومراكز البحث في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أكد عليه معهد الاقتصاد والسلام (Institute for Economics & Peace) في تقريره الأخير2018م.

ومما زاد الأمر خطورة ترافق هذا الاتجاه مع زيادة في حدة منسوب ما يسمى "جرائم الكراهية" خاصة في الولايات المتحدة وكندا. فحسب بيانات "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (FBI) قفزت نسبة الى (17%) عام 2017م مقارنة بعام 2016م. بينما كانت النسبة أكبر في كندا، حيث بلغت (50%) حسب تقرير للحكومة الكندية نشر في ديسمبر 2018م.

وتجدر الإشارة الى أن هناك جدلاً واسعا في الأوساط الغربية اليوم حول تعريف المفاهيم الملتبسة مثل: "التطرف العنيف" و"اليمين المتطرف"، و"جرائم الكراهية" ومتى يوصف العمل العنيف بالإرهاب.

هناك جدل واسع في الأوساط الغربية اليوم حول تعريف المفاهيم الملتبسة مثل: "التطرف العنيف" و"اليمين المتطرف"، و"جرائم الكراهية" ومتى يوصف العمل العنيف بالإرهاب

كما شهدت نهاية عام 2018م اتجاهاً وتحولاً مهماً في جهود مكافحة إرهاب تنظيم داعش في سوريا حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر كانون أول - ديسمبر2018م عن سحب القوات الأمريكية البالغ قوامها حوالي 2000 عسكري([3]).

وهو ما خلط الأوراق السياسية في المنطقة، وسيضع المنطقة ابتداءً من العام 2019م أمام سيناريوهات مختلفة في كيفية مكافحة الإرهاب. ويبدو أن المنظومة المعرفية الغربية -خاصة الطبقة السياسية- استشعرت نهاية تنظيم داعش في سوريا والعراق، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، ونيته سحبها من أفغانستان، وتريد الآن إعادة توزيع الموارد والجهود نحو التحضير لمواجهة الخطر القادم من داخل المجتمعات الغربية المتمثل في خطر إرهاب اليمين المتطرف.

ونظراً لأن هناك اليوم مخاوف كبيرة خاصة في الغرب حول مستقبل ما يسمى "النظام الدولي الليبرالي" والتشكيك في مستقبل الديمقراطية والعولمة الاقتصادية في العالم بعد بروز اتجاه صعود الأنظمة القومية والشعبوية في الولايات المتحدة، وأوروبا وأمريكا اللاتينية والاحتجاجات الشعبية، مثل "السترات الصفراء" في فرنسا، فإن هذا الاتجاه الخطير يمكن أن يُؤجج مستقبلاً نمو اتجاهات أخرى في ظاهرة الإرهاب، سواء على مستوى الفردية المتماهية مع الفردانيّة التي تؤمنها الثورة التكنولوجية؛ أو على المستوى الجمعي من خلال استغلال التجمعات والاحتجاجات ذات المطالب الشعبية الجماهيرية. وما ينتج عن ذلك من مخاطر تهدد الاستقرار والأمن العالمي بطريقة لا يمكن السيطرة عليها.

ومن الاتجاهات المؤثرة في سيرورة ظاهرة الإرهاب، استمرار بقاء منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بعيدة عن سيطرة الدول وأجهزتها الأمنية، وهي تزوّد، وتمنح الجماعات الإرهابية المختلفة إمكانيات هائلة للدعاية والتجنيد والتوجيه وستبقى مرشحة للزيادة مستقبلاً، نظراً لعدم تعاون عمالقة شركات وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، توتير، تليغرام، يوتيوب) مع الحكومات لتقيد الحريات والمراقبة.

- سيناريوهات مستقبلية

هناك علاقة إيجابية متبادلة ما بين العولمة والإرهاب العالمي. وتشكل آليات العولمة التكنولوجية، خاصة منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة البعيدة عن سيطرة الدول وأجهزتها الأمنية بما تمنحه من فردّية وحرية الحركة، ساحة المعركة القادمة بين الدولة والإرهاب، حيث ستوفر التكنولوجيا البيئة الملائمة التي تزوّد، وتمنح الجماعات الإرهابية المختلفة إمكانيات هائلة للدعاية والتجنيد والتوجيه، وستبقى مرشحة للزيادة مستقبلاً نظراً لعدم تعاون عمالقة شركات وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، توتير، تليغرام، يوتيوب) مع الحكومات لتقيد الحريات والمراقبة. وستواجه الدولة القومية بشكلها الحالي مشاكل جمة خلال العقدين القادمين خاصة في مجالات التحكم في "الذكاء الصناعي"(AI).

وعلى الرغم من انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العالم للعام الثالث على التوالي عام 2018م، إلا أن خطر الإرهاب لا يزال ماثلاً ويهدد الأمن العالمي. وأظن أنه من الحكمة إعلان القضاء على الإرهاب وتخفيف إجراءات مكافحة الإرهاب العالمية. خاصة بعد أن أصبحت "الجهادية القتالية" ظاهرة راسخة وتنمو باضطراد منذ أواخر السبعينيات. ولا نتوقع أن تنتهي في المدى المنظور، بل ستبقى وتتجدّد، وإن بأشكالٍ أخرى طالما بقي هناك تأويل وتفسيرات مختلفة للقرآن والسنة النبوية والتراث.

فبعد عقدين من الزمن منذ أن شن التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية حملة مكافحة الإرهاب العالمي زاد عدد أعضاء السلفية الجهادية المقاتلة -ربما- أربع أضعاف عن العدد إلى كان في 11 أيلول - سبتمبر 2001م، حيث يبلغ الآن قرابة (230000) مسلحاً ينتشرون في قرابة (70) دولة في العالم على راسها: سوريا، أفغانستان والباكستان([4]).

وتشير بيانات "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن Center for Strategic and International Studies (CSIS) إلى وجود 70550 تقريباً في سوريا، و64000 في أفغانستان، و39000 في الباكستان، و15000 في العراق، و6900 في نيجيريا، و7240 في الصومال.

وتشير هذه الأرقام إلى أنه رغم هزائم تنظيم داعش الأخيرة وفقدانه معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها خلال أوج قوته بيت عامي 2014 - 2015م، حيث بقي له ربما أقل من 1% من الأراضي على الحدود بين سوريا والعراق، إلا أنه ما يزال قائماً وبحالة جيدة، رغم ما يعانيه من تفكك ولا مركزية أكثر من أي وقت مضى. ومن المؤكد أنه سيستفيد من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان.

وتشكل ظاهرة ما يسمى "المقاتلين الأجانب الإرهابين" (foreign terrorist fighter) تهديدا للأمن العالمي، حيث يؤكد مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة وجود (30000) مقاتلاً أجنبياً في سوريا والعراق.

وهناك اليوم شبه إجماع بين مراكز الدراسات والأبحاث على أن المجموع الكلي للمقاتلين الأجانب يتراوح ما بين (40000 إلى 42000) مقاتل من 120 دولة في العالم لكن الاتجاهات الجديدة المرتبطة بهذه الظاهرة كعودتهم إلى بلدانهم خاصة في ظل مشاركة النساء بنسبة (13%)، والأطفال بنسبة (12%) تشكل تهديداً أكثر خطورة للدول الأكثر تصديراً لهؤلاء المقاتلين في الشرق الأوسط مثل: تونس، السعودية، والأردن. ودول أوروبا التي عاد اليها حوالي 30% من أصل 7000 مقاتل أوروبي([5]). وهؤلاء بحاجة إلى المحاكمة العادلة وبرامج إعادة التأهيل والدمج والرعاية اللاحقة. وكل ذلك يحتاج إلى خبرات وكوادر مدربة وتخصيص الموارد المالية اللازمة.

وحول مستقبل الإرهاب والجماعات السلفية المقاتلة؛ نلاحظ اليوم أن هناك انقساماً بين منظري وخبراء الإرهاب والجماعات الإرهابية، حيث يمكن رصد ثلاث وجهات نظر:

الأولى، تتنبأ بنهاية التنظيمات السلفية الجهادية، مثل القاعدة وداعش بحجة أنها فشلت في بناء استراتيجية كبرى (grand strategies)؛الثانية، ترى العكس؛ وأنها ما زالت تصارع من أجل البقاء، ومن المبكر جداً إعلان النصر عليها. والثالثة، أخذت موقفاً توفيقياً؛ من حيث إنها ترى أنه صحيح أن داعش والقاعدة هُزمت عسكرياً وتصارع للبقاء؛ لكنه من الصحيح أيضاً أن هذه التنظيمات لا زالت تجذب المؤيدين إلى إيديولوجيتها([6]).

 

المراجع

1- Colin P. Clarke, (2018). The Future of the Global Jihadist Movement After the Collapse of the Caliphate, The International Centre for Counter-Terrorism – The Hague (ICCT) https://icct.nl/publication/the-future-of-the-global-jihadist-movement-a....

2- Mark Landler, Helene Cooper and Eric Schmitt, Trump to Withdraw U.S. Forces From Syria, Declaring ‘We Have Won Against ISIS’, https://www.nytimes.com/2018/12/19/us/politics/trump-syria-turkey-troop-....

3- Richard, Barrett (2017). BEYOND THE CALIPHATE: Foreign Fighters and the Threat of Returnees, The Soufan Center, The data in this report is updated as of October 31, 2017, http://thesoufancenter.org/wp-content/uploads/2017/11/Beyond-the-Calipha....

4- Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2018: Measuring the impact of terrorism, Sydney, November 2018. Available from: http://visionofhumanity.org/reports (accessed Date Month Year).p2

[1]- Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2018: Measuring the impact of terrorism, Sydney, November 2018. Available from: http://visionofhumanity.org/reports (accessed Date Month Year).p2

[2]- Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2018: Measuring the impact of terrorism, Sydney, November 2018. Available from: http://visionofhumanity.org/reports (accessed Date Month Year).p2.

[3]- Mark Landler, Helene Cooper and Eric Schmitt, Trump to Withdraw U.S. Forces From Syria, Declaring ‘We Have Won Against ISIS’, https: //www.nytimes.com/2018/12/19/us/politics/trump-syria-turkey-troop-withdraw...

[4]- Colin P. Clarke, (2018). The Future of the Global Jihadist Movement After the Collapse of the Caliphate, The International Centre for Counter-Terrorism – The Hague (ICCT) https: //icct.nl/publication/the-future-of-the-global-jihadist-movement-after-the-collapse-of-the-caliphate/

[5]- Richard, Barrett (2017). BEYOND THE CALIPHATE: Foreign Fighters and the Threat of Returnees, The Soufan Center, The data in this report is updated as of October 31, 2017, http://thesoufancenter.org/wp-content/uploads/2017/11/Beyond-the-Calipha....

[6]- Colin P. Clarke, (2018). The Future of the Global Jihadist Movement After the Collapse of the Caliphate, The International Centre for Counter-Terrorism – The Hague (ICCT) https: //icct.nl/publication/the-future-of-the-global-jihadist-movement-after-the-collapse-of-the-caliphate/

المصدر: https://www.mominoun.com/articles/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-6365

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك