تربية الطفل بين البيت والمجتمع

 
السؤال

 

♦ ملخص السؤال:

امرأة حامل وتسأل عن كيفية التربية السليمة بحيث لا يكون هناك تناقض بين تربيتها والمجتمع؟

 

♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جزاكم اللهُ خيرًا على ما تُقدمونه مِن معونةٍ في موقع الاستشارات، وأرجو مِن الأستاذة/ عائشة الحكمي أن تجيبَ عن استشارتي، مع تقديري ومتابعتي للجميع.

 

أنا سيدةٌ في أوائل الثلاثينيات، متزوجة، تأخَّر إنجابي 6 سنوات، وكنتُ خلال هذه الفترة مُهتَمَّة بالاطِّلاع على كلِّ ما يخُص التربيةَ السليمة للطفل، كنتُ أملأ فراغي بالمُطالَعة والتثقيف في مجالاتٍ مُتعددةٍ، خاصة فيما يتعلَّق بالطفل، بالإضافة إلى أني كنتُ أتابع تصرُّفات باقي الأمهات مِن الأقارب مع أولادهنَّ، وأُحَلِّلها في مُخيلتي؛ لأعرف ما يجب وما لا يجب فِعْلُه، وكيف كنتُ سأتصرف لو كنتُ مكانها؟

 

كل ذلك على أمل أن يأتيَ يومٌ وأطبِّق فيه ما تعلمتُه؛ لأنَّ مِن أهدافي أنْ أُخرجَ للأمة ذُريةً صالحةً فاعلةً ومتزنةً، وكنتُ أعرف أن الدور الأساسي سيكون على عاتقي.

 

والآن - ولله الحمدُ - رَزَقَني الله بالحمل، وأسأل الله أن يُتمه على خيرٍ، وأنا الآن أسأل إن كان في الإمكان إمدادي بعناوين كُتُب تتحدَّث عن التربية النفسية للطفل، وهل هناك كُتُب فيها عرْضٌ لأحداث معينة، ويليها طرق التصرف السليم؟

 

أي: أريد كتبًا فيها مشاهدُ حية وأعمالٌ تطبيقية، وليست توجيهات في العموم.

 

الحمد لله أنا مُلتزمة ومنتقبةٌ، وهذا الأمرُ ما زال غريبًا ومرفوضًا في بلدي رغم ظهورِه وانتشاره، وأهل بلدي - إلا مَن رَحِم الله - متفلِّتون، فكيف أستطيع التوفيق بين تربية طفلي والمجتمع؛ حتى لا يُصدَم بالفرق الذي سيجده بين البيت وخارجه؟ فسيرى في البيت الحلالَ والحرامَ، وعندما يتجاوز البيت فسيرى أنَّ ما كان حرامًا أصبح شيئًا عاديًّا! فلا يوجد تعظيمٌ لحُرُمات الله؛ ومن ثَم أخاف أن يُصابَ بصدمةٍ قد تُؤَثِّر على سلوكه وشخصيته، وقد ينمو وبداخله الحقدُ والكُرهُ للناس والنقمة على المجتمع، أو النفور من البيت وكره أسلوب حياتنا.

 

أمرٌ آخر وهو: كيف أستطيع توظيف التكنولوجيا في صالح ابني؟ فأنا مثلاً لا أملك جهاز تلفاز في البيت عن اقتناعٍ، وقد لاحظتُ أن مستوى ذكاء وفطنة الأبناء في عُمر (3 - 4) سنوات الذين يُشاهدون التلفاز أقل بكثيرٍ مِن الأطفال الآخرين البعيدين عنه، وهم أيضًا يعرفون كيفية عمل الأجهزة الذَّكيَّة؛ مثل: الآيباد، والأيفون، والتلفاز، والحواسيب، ولا أريد لابني أن يكونَ متأخرًا عن أقرانه؛ فيُزرع في نفسه شعورٌ بالنقص، وفي الوقت نفسه أخاف عليه التعوُّد على الموسيقا والصور، التي غالبًا لا يُمكن تفاديها في تلك الأجهزة؟

 

أمر ثالثٌ، وهو أنني طبيبةُ أسنان، لم أعملْ مِنْ قبلُ، والآن توجد إمكانية كبيرة لألْتَحِقَ بالعمل، فكيف لي أن أعملَ في ظِلِّ الحمل ثم الولادة؟

 

أنا أُحب تخصُّصي جدًّا، وقد كنتُ أنتظِر الوقت الذي سأُمارس فيه مهنتي، ولكن أراني الآن مُشتَّتة ومحتارة، فأشيري عليَّ؟ ماذا أختار وبمَن أُضَحِّي؟ وهل هناك طريقةٌ للتوفيق بينهما؛ لأنني بحثتُ ولم أجد؟

 

وجزاكم الله خيرًا.

الجواب

 

بسم الله الموفِّق للصواب

وهو المستعان

 

سلامٌ عليك، أما بعدُ:

فإني معتذرةٌ إليك مِن إبطائي في الإجابة عن استشارتك لظروفي الخاصة، وما تقرئينه مِن استشاراتٍ منشورة باسمي كنتُ قد أجبتُ عنها بتواريخَ قديمةٍ جدًّا، فأرجو عفوك عن التقصير، والصفح عن التأخير.

 

أما ما سألتِ مِن أمر كُتُب التربية النفسية، فلعلَّ مِنْ أجودها من الناحية التطبيقية والعملية كتاب: "دكتور سبوك يتحدث إلى الأمهات: مشكلات الأطفال في أطوار نموهم"؛ تأليف: بنجامين سبوك، وكتاب: "الأطفال المزعجون"؛ تأليف: مصطفى أبو سعد، وكتاب: "العلاج السلوكي للطفل: أساليبه ونماذج مِن حالاته"؛ تأليف: د. عبدالستار إبراهيم، ود. عبدالعزيز بن عبدالله الدخيل، ود. رضوان إبراهيم، وكتاب: "موسوعة الأم والطفل: التربية من عام إلى عشرين عامًا"؛ تأليف: سارا تشانا راد كليف، وكتاب: "التربية الذكية"؛ تأليف: لاري جيه كوينج، وكتاب: "كيف ينشئ الآباءُ الأكفاء أبناء عظامًا؟"؛ تأليف: د. آلان ديفيدسون، وروبرت ديفيدسون، وكتاب: "الحب والصحة النفسية لأبنائنا"؛ تأليف: كلير فهيم، وأشير عليكِ بموقع طفولة:

 

وحساب "طفولة ومراهقة" على موقع تويتر: @ALHOMIDIAHMED

 

تربيةُ ابنك في هذا المحيط الذي تصفينه تُشبه تربية النشْءِ في الغرب، والتربيةُ في بلاد الغرب ليستْ بالأمر اليسير؛ فإنها تتطلَّب تقويةَ العلاقات الأُسَرِيَّة، وتعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، واعتزازهم بهُويتهم الإسلامية، وتربيتهم على أن يكونوا مُؤَثِّرين لا متأثِّرين، مع الحِرْص على دمجهم إيجابيًّا في المجتمع، مِن خلال الحوار المستمر حول ما يَرَوْنَه ويسمعونه، وإذا توفرتْ مدارس تعزِّز القيَم الدينية التي تؤمنين بها، فسيكون ذلك خيرَ مُعينٍ لك في التربية الدينية والتنشئة الاجتماعية.

 

ثمَّةَ كتابٌ جيد باللغة الإنجليزية يتكلم حول هذا الموضوع، عنوانه: "Meeting the Challenge of Parenting in the West: An Islamic Perspective"؛ تأليف: إكرام بشير ومحمد رضا بشير، يمكن شراؤه مِن موقع أمازون.

 

سألتني عن توظيف التقنية الحديثة في تربية الطفل، فأقول: إنَّ التديُّن والحِفاظ على الهُوية الإسلامية لا يعنيان أبدًا العُزلة الاجتماعية، ولا الخوف المذموم مِن التقنية الحديثة، ولا حرمان النفس مِن استعمال الأجهزة الذكية؛ فهي مجرَّد وسائل وأدوات في إمكان كلٍّ بالغٍ عاقلٍ أن يستعملَها في الخير، مثلما يمكنه أن يستعملها في الشرِّ، والتربية السليمة لا تعني التعمية، ولا حجب الأعيُن عن رؤية الفساد خشية الوُقوع في الزلل، ولكنها التحصين ضد المؤثِّرات السلبية، مِن خلال تدريب الأبناء على الانضباط الذاتي، وغرس الرقابة الداخلية والمخافة من الله - عز وجل - في نفوسهم؛ حتى يكون خوفُ الله هو المانعَ مِن اقتراف الآثام، وليس بسبب الخوف منك فقط، أو من أبيه، أو من أي بشرٍ، كائنًا مَن كان!

 

تقع على عاتق الآباء والأمهات مسؤولية اختيار وانتقاء البرامج والألعاب والأجهزة المناسبة والمفيدة لأبنائهم، وتحديد أوقات ومدة المشاهدة واللعب؛ حتى يؤنسوا مِن أبنائهم رشدًا وعلمًا بما يصلح لهم، على أن تكونَ هذه الأجهزة جزءًا مِن جملة الأنشِطة والوسائل التعليمية والتثقيفية، وليست الوسيلة الوحيدة للتعليم والترفيه، ثم يحل بعد ذلك الرقيب الداخلي، والانضباط الذاتي، وتقوى الله - عز وجل - محل الرقيب الخارجي، والضابط الوالدي، والخوف مِن العقاب.

 

فيما يتعلق بالوظيفة، فليس في مقدوري أن أُملي عليك أي قرار بشأنها؛ فأنت أعلم مني بنفسك وبظروفك، وبمقدرتك على تحقيق الموازَنة بين واجباتك الأسرية والمهنية، والزوجاتُ في هذا الأمر يختلفْنَ بحسب طبيعة المهنة، وما تتطلبه مِن جُهدٍ أو تفرُّغٍ ذهنيِّ، ونوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تمرُّ بها الأسرةُ، والمهارات والقدرات الفردية للزوجة، ومقدار دِفْء العلاقة الزوجية وتفهُّم الزوج، لكن نصيحتي لك بشكلٍ عامٍّ قبل التقديم على الوظيفة: أن تُطَوِّري من قدرتك على إدارة وقتك، وترتيب أولياتك، مع الاهتمام بفتْح خطوط التواصل والحوار مع زوجك حول عملك وتربية ابنك، والتقصير النسبي المتوقَّع، والحرص على عدم الالتحاق بأية عيادةٍ تعمل بنظام المناوبات الليلية، أو تجبرك على العمل لساعاتٍ طويلة، واسألي عن توفر دور الحضانة داخل المستشفى، حتى تقر عينك بقرب ابنك منك، وتذكَّري دومًا قول الله - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

 

وإلى اللهِ الدعاء في توفيقك وتسديدك، وإعانتك على التربية، وبلوغ أهدافك السامية، وأهلًا وسهلًا بك أختًا عزيزة وغالية.

 

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب





المصدر:  https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/68443/#ixzz5qO5aNfpJ

 

الحوار الداخلي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك