ضمان الإسلام للإنسان حدَّ الكفاية المالية
وسائل كفالة هذا الحق:
– من ذلك، ما لفت به القرآن نظر الناس إلى أن الله خلق لهم الأرض جميعا، فهي لهم جميعهم، وهي جميعها لهم، الناس فيها شركاء، قال الله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة: 29] وهي مخلوقة مستكملة كل مقومات الحياة، وفي نفس السياق جاء قوله تعالى : { وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10]
– الحفاظ على الأموال الحاضرة للأجيال اللاحقة، حتى تُحفظ حقوقهم في تملك أموال تكفيهم، وهذا ما استلهمه عمر بن الخطاب، ففي كتاب الأموال لأبي عبيد أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق: ” أما بعد، فقد بلغني كتابك أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم، وما أفاء الله عليهم، فانظر ما أجلبوا به عليك في العسكر، من كراع أو مال: فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمالها؛ ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء “[1]
– ربط رواتب الموظفين لدى الدولة بمقدار الكفاية، فعن المستورد بن شداد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا»[2]
يقول الماوردي– وهو بصدد بيان أسس احتساب رواتب موظفي الدولة -: “فيقدر كفايته في نفقته وكسوته لعامه كله، فيكون هذا المقدار في عطائه، ثم تعرض حاله في كل عام، فإن زادت رواتبه الماسة زيد له في العطاء، وإن نقصت رواتبه نقص له في العطاء”[[3]] وقال البهوتي : “والغرض الكفاية”[4].
4-موظفو القطاع الخاص:
يرى الدكتور ضياء مجيد أن اشتراط الكفاية في الأجور ليس خاصا بالموظفين لدى الدولة، بل يشمل أيضا موظفي القطاع الخاص، فيقول:” إن ذلك يشمل سائر العاملين، ولا يقتصر على العاملين لدى الدولة فقط”[5]
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة- رحمه الله- “من المقرر أن أجور الأعمال تقدر بقيمة العمل، وبما يكفي العامل وأهله بالمعروف، من غير تقتير ولا إسراف، وأن ذلك يختلف باختلاف الأعمال والأشخاص والأحوال والأعراف” [6]
ويذهب المفكر الإسلامي الدكتور صبحي الصالح المذهب ذاته، فيقول :“ولا ريب في أن هذا وارد أصلا في شأن من يلي عملا عاما، لكن روح الشريعة تقضي باعتباره مبدأ شاملا للجميع، ولمن يعملون بأيديهم بوجه شديد الخصوصية”[4][7]
وعليه، فإذا شرط رب العمل على الموظف أن يستغرق وقته ثم لم يعطه كفايته، أو لم يستغرق وقته إلا أنه منعه من مزاولة عمل آخر- والحال أنه لم يعطه كفايته- فإن هذا لا يجوز في التصور الإسلامي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ” حصول الكفاية المرتب بها أمر لا بد منه حتى لو قدر أن الواقف صرح بخلاف ذلك كان شرطا باطلا. مثل أن يقول: إن المرتب بها لا يرتزق من غيرها ولو لم تحصل له كفايته، فلو صرح بهذا لم يصح؛ لأن هذا شرط يخالف كتاب الله، فإن حصول الكفاية لا بد منها وتحصيلها للمسلم واجب إما عليه؛ وإما على المسلمين فلا يصح شرط يخالف ذلك”.[8]
5-ربط النفقة الواجبة بحد الكفاية:
حينما تجب نفقة القريب على قريبه، كنفقة الأولاد الفقراء على أبيهم، أو العكس، وكنفقة الزوجة على زوجها، فقد اتفق الفقهاء على أن النفقة حينئذ تكون على قدر الكفاية بحسب حاجته وما يليق بحاله، لقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف[9]، فيجب له بذلك المأكل والمشرب والملبس والسكنى والرضاع إن كان رضيعا والخادم إن كان يحتاج إلى خدمة.[10]
6-عطاء الفقير من الزكاة يكون على قدر الكفاية، فعن قبيصة بن مخارق الهلالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش- أو قال: سدادًا من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوى الحجا من قومه: قد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: سدادًا من عيش ـ فما سواهن من المسألة، يا قبيصة، سحت يأكلها صاحبها سحتًا).[11]
قال الماوردي: لو كان معه تسعون ولا يكفيه إلا ربح مائة أعطى العشرة الأخرى، وإن كفته التسعون -لو أنفقها من غير اكتساب فيها- سنين لا تبلغ العمر الغالب.
وهذا كله فيمن لا يحسن الكسب.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وقال عنه الدكتور القرضاوي في فقه الزكاة : ” وهذا المذهب هو الموافق لما جاء عن الفاروق عمر -رضى الله عنه-، فلقد رأينا السياسة العمرية الراشدة تقوم على هذا المبدأ الحكيم الذي أعلنه الفاروق -رضى الله عنه-: (إذا أعطيتم فأغنوا) (الأموال ص 565).
كان عمر يعمل على إغناء الفقير بالزكاة، لا مجرد سد جوعته بلقيمات أو إقالة عثرته بدريهمات”
على أن المذهب المقابل لذلك لا يرى النقص عن الكفاية، بل يرى وجوب إعطاء حد الكفاية في خلال سنة واحدة، بخلاف المذهب الأول الذي يرى إعطاء ما يكفي عمر الفقير كله!
6- الطعام في كفارة اليمين
قال الله تعالى في كفارة اليمين{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89]
وذهب الفقهاء إلى أنه يجب أن يكون إطعام المسكين فيه كفاية يوم كامل، وأقل ذلك : وجبتان مشبعتان، أو مُدٌّ، وهو ما يساوي نصف كيلو تقريبا من الطعام.
وحفاظا على حدِّ الكفاية، ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط ألا ينقص نصيب المسكين الواحد عن مُدٍّ، فلا يجوز توزيع الأمداد العشرة على عشرين مسكينا، كما لا يجوز توزيع الوجبتين على مسكينين، بل لا بد من إطعام كل مسكين من العشرة وجبتين كاملتين.[12]
كما ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القدر الواجب في الكسوة، هو ما يجزئ في الصلاة، وهو ما يمثل حد الكفاية في اللباس.[13]
[1] لأموال للقاسم بن سلام (ص: 74)