الزكاة والمواطنة والدولة

الزكاة والمواطنة والدولة

عبدالرحمن السالمي

1

حدث أمرٌ لافتٌ قبل شهرين، عندما أقرَّ مجلس النواب الكويتي قانوناً للزكاة على مداخيل الشركات. وقتها أعلنت بعضُ الجماعات الشيعية عن معارضتها لذلك القانون بحجة أنه يزيدُ من الأعباء على تلك الفئة من المواطنين التي يكونُ من المفروض عليها مذهبياً دفْع الخُمْس لآل البيت؛ وبذلك تزدادُ مسؤولياتُها المالية. ويُحتملُ أنّ يكون ذلك أحد أسباب الاعتراض. بيد أنّ هناك سبباً آخَرَ يَرِدُ في هذا المعرض أو السياق، وهو يتصل بشرعية الدولة أو السلطة القائمة والموقف منها إذ المعروفُ أنّ الخُمْس الذي ترى بعضُ المذاهب الفقهية استمرار سريانه، لا يُعفي من أداء فريضة الزكاة. فالزكاةُ فريضةٌ دينيةٌ، وهي أحد أركان الإسلام مثل الصلاة والصوم والحجّ، وما شكّك مذهبٌ ولا شكّكت فئةٌ في الفَرَضية عبر التاريخ، وإنّما حدث النزاعُ بالنسْبة للزكاة في الأداء، أو ما هو الأداءُ الذي يُعتبرُ مُجْزئاً، أو ما هي الطريقةُ التي يطمئنُّ عندها المسلمُ أنه أدَّى تلك الفريضة التي أوجبها الله –سبحانه- عليه؟

إنّ الذي أحدث هذا الاشتباه بشأن الزكاة دون الصلاة أو الصوم أو الحجّ أن النبيَّ e وخليفتيه الأولين كانوا يبعثون" مصدّقين" أو عمالاً لتلقّي الزكاة من المسلمين،وبالمدينة المنوَّرة وخارجها. والمشهور أنَّ أبا بكرٍ الصدّيق إنما قاتل " أهل الردَّة " لأنهم رفضوا دفع الزكاة لمصدِّقيه، وله في ذلك قَولةٌ مشهورةٌ هي: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله e لقاتلتُهم عليه. وجاءت خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان بمستجدٍ لهذه الناحية. فقد توقَّفَ عن مطالبة المزكّين بأداء "الأموال الباطنة" – أي ما عدا زكاة الإبل والشاء وربما عروض التجارة- إلى الإمام أو مصدِّقيه. وقد اختلفت تعليلاتُ الفقهاء لتصرف عثمان. فكان هناك مَنْ قال: إنّ حكماً ثبت من جهة النبي e ومن أبي بكرٍ وعمر لا يجوزُ لأحدٍ إبطالُه. وكان هناك من قال إنّ عثمان ما أوقف " زكاةَ الأثمان وعروض التجارة" على سبيل الإبطال، بل " جعل أربابَ الأموال كالوكلاء عن نفسه، أي أنه أبطل عن نفسه حقَّ الأخذ لمصلحةٍ رآها في ذلك..". وهذا يعني أنه كان من حقِّ السلطات بعد عثمان أن تعودَ فتُلزمَ الناسَ بأداء الزكاة بمختلف أنواعها إلى عمّالها. لكننا نعرفُ من الناحية التاريخية أنَّ الإمام علياً ما طالبَ الناسَ بالعودة إلى ما كان أبو بكر وعمر يفعلانه. أمّا الأُمويون والعباسيون الأوائل فتابعوا اقتضاء المزكّين نوعين من أنواع الزكاة فقط: الزكاة على الحيوانات، والعشور على التجارة.

لكنْ، ومن الناحية التاريخية أيضاً يمكن مراقبةُ عدة تطوراتٍ لقضية الزكاة أخرجتْها بالتدريج من مجال عمل الدولة. والمشهور أنّ آخِر مَنْ طالب الرعية بأداء الزكاة عن " الأموال الظاهرة" (وهي المواشي وعروض التجارة) كان هارون الرشيد. ولنستعرضْ التطورات والقضايا التي أحاطت بخروج الزكاة من مجال عمل الدولة:

أولاً: نملكُ من العصر الأُموي أخباراً وأشعاراً يتذمَّرُ فيها البدوُ من ظُلم المصدّقين وعمال الزكاة لهم. إذ المفروض بحسب وجهة نظرهم(وهذا هو رأيُ الفقهاء) أنّ المزكّي مؤتمنٌ على ما يقولُهُ بالنسبة لزكاته، وليس من حقّ السلطة أو عمّالها أن تفرضَ عليه القدْر الذي تُريدُه. وقد زعم الأعرابُ أنّ المصدّقين ما كانوا يصدّقونهم، بل يأخذون من إبلهم وشائهم أكثر بكثير مما يجبُ عليهم. ثم إنهم كانوا يسيئون إليهم بالضرب والعقوبة بدون داعٍ ولا رادع(الراعي النميري):

مهلاً أمير المؤمنيـن فإننـــا حنفاءُ نسجدُ بكرةً وأصيلا

عربٌ نرى لله في أمـوالنــا حقَّ الزكاة منزَّلاً تنزيــلا

إنّ السعاة عصَوك حيث أمرتَهم وأتَوا دواهيَ لو علمتَ وغولا

أخذوا العريفَ فقطّعوا حيزومَـهُ بالأَصبحية قائمـاً مغلـولا

فارفع بعدلك إن أردتَ صلاحنــا عنّا وأنقذْ شِلْونا المأكـولا

وقد استمرت تلك الشكوى فعلاً حتى أيام هارون الرشيد. إذ يبدو أنّ السلطات توقّفت أيامَهُ عن إرسال المصدّقين والسُعاة إلى البوادي. أمّا الزكوات عن الحيوانات الداجنة والتي تُربَّى في الأمصار والقرى فليست لدينا معلومات عن تصرف الدولة إزاءها بين عصر الصحابة، وعصر هارون الرشيد.

ثانياً: أمّا زكواتُ أو عشور التجارة؛ فقد كانت السلطات تُقيمُ مراكز على الطرق التجارية فيها معشِّرون لاقتضاء الزكاة. لكنْ ومنذ عصر الصحابة شاعت أسوأُ القصص عن عمّال العُشْر هؤلاء، بل ورُويت آثارٌ نبويةٌ في ذمّ العاشر والمعشِّر. وسُرعان ما انفصل الأَمْرُ في وعي الناس بين الزكاة وعمّال العُشْر هؤلاء، وصاروا يسمُّونها مكوساً. وكانت الحجة في البداية أنّ عمّالَ العشور لا يتبعون الضوابط الشرعية في اقتضاء الزكاة عن عروض التجارة. إذ من واجبهم تصديق كلام صاحب السلعة في قيمة سلعته. كما أنه ليس من حقِّهم تفتيش التجار. وعليهم أن يصدّقوا قولَ صاحب السلعة إنْ زعم أنّه دفع الزكاة لعاشرٍ آخَر. وقد حاولت الدولةُ تنظيم الأمر بإعطاء "إيصالات" للمزكّين حتى لا يدفعوا أكثر من مرة. لكنْ حتى هذا الإجراء ما أنقذ عمّال العُشْر من سوء السُمعة، ومن أخذ الرُشى تنقيصاً أو زيادة. ثم وبعد القرن الثالث الهجري، سلّم التجار بالتعشير باعتباره مكْساً أو ضريبة لا علاقةَ له بالزكاة، وإنما بضرورة تسهيل الأعمال.

ثالثاً: منذ أيام عمر بن عبد العزيز انفصل "الخراجُ"، أي الضريبة على الأرض الزراعية، في ممارسات السلطة، وفي وعي الناس عن الزكاة. فخارج الجزيرة العربية، وفي الأراضي المفتوحة، ما جرى الالتزامُ بمسألتي العشر ونصف العشر، حسب السُقْيا، والأرض البعل والأُخرى المرويّة. وكانت الحجة في ذلك أنّ المُلاّك -خارج الجزيرة- ما كانوا من المسلمين، وأنّ الفاتحين إنما أبقَوا الأرض في أيدي الفلاّحين والمزارعين اليهود أو المسيحيين أو الزرادشتيين(المجوس) في مقابل ضريبةٍ عليها من المحصول قد تصِلُ أحياناً إلى نصفه عيناً أو نقداً. وقد كان ذلك مسلك عمر بن الخطّاب في أرض سواد العراق(وهناك خلافات في تأويل مسلك النبي مع يهود خيبر). وقد منعت الدولةُ العربَ والمسلمين من التملُّك في الأرض المفتوحة. لكنْ في أيام الأُمويين أقبل الفلاّحون على الإسلام، كما اقتنى الفاتحون وأبناؤهم وأحفادهم وبحيلٍ مختلفة أراضي شاسعة، أو أنهم استصلحوا أراضي كانت بوراً أو خراباً، وأراد هؤلاء على اختلاف فئاتهم، أن يؤدوا العُشْر أو نصف العُشر، وقد تهدّد ذلك مداخيل الدولة. إذ في العصر الأُموي كانت مداخيل الدولة قد صارت تأتي بنسبة 70% من الضريبة على الأرض(الخراج) و20% من عشور التجارة، و10% من الزكاة وجزية الرؤوس على أهل الذمة. ولذلك فقد رأى عمر بن عبد العزيز أن الخراجَ إنما هو ضريبةٌ على الأرض، وليس على الأفراد، ولذلك يتساوى فيه المسلمُ وغيرُ المسلم في دار الإسلام. وسرى هذا التنظيمُ منذ ذلك الحين وحتى صدور قانون ملكية الأراضي في الدولة العثمانية أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. فالدولةُ - ودائماً خارج الجزيرة العربية- مالكةٌ لرقبة الأرض الزراعية، في سائر ديار الإسلام، وكلُّ المزارعين إنما هم مستأجرون أو مُقطعون. والإجارة أو الإقطاع إنما هما بمثابة العقد بين الدولة ومستغلّ الأرض، والعقد شريعةُ المتعاقدين.

رابعاً: وظهر عاملٌ آخر وليس أخيراً زهَّد الدولةَ عادلةً كانت أو ظالمة في أموال الزكاة. فبالإضافة إلى مقاديرها الضئيلة بالمقارنة مع خراج الأرض ورسوم إقطاعها أو التزامها، وعشور التجارة ومكوسها، بدأ فقهاءُ -أيام حكم الحجاج بن يوسف بالعراق– يشكّكون تارةً في صرف الدولة للزكاة في مصارفها الثمانية المعروفة في الآية القرآنية؛ وطوراً في شرعية السلطة نفسِها وبالتالي في مدى حلّ إعطائها الزكاة. صحيحٌ أنّ الدولةَ –ومنذ أيام الأمويين- أقامت ديوناً للصدقات، لا توضَعُ فيه إلاّ أموالُ الزكاة. بيد أنّ الشاعر جرير بن عبد الله الخَطفي مثلاً يقول في إحدى قصائده: إنّ عبد الملك بن مروان أعطاه مائة ناقة من إبل الصدقة ومعها ثمانيةُ رعاء بسبب مدحه له:

أعطى هُنيدة تتلوها ثمانيةٌ ما في عطائهمُ مَنٌّ ولا سَرَفُ

فهل كان جرير من الفقراء أو المساكين أو أبناء السبيل، الذين يستحقون الزكاة، حتى يأخذ مائة ناقة من ديوان الصدقات؟! ثم إن كان من أهل الحاجة، فهل من حقّه أن يأخذ مائة ناقة؟ قُصارى الأمر أن يُعطى ناقةً أو ناقتين، كما فعل معه عمر بن عبد العزيز، مؤكّداً له أنه أعطاه إياها من ماله الخاصّ، وليس من صدقات المسلمين! ثم ما لبث الأمر أن تجاوزَ ذلك بسرعةٍ إلى التشكيك في شرعية السلطة، بحيث لا يمكن مقارنتُها بسلطة النبي e وأبي بكرٍ وعمر، والذين كان المسلمون يؤدون زكواتهم إليهم عن طيب خاطر. وهذا ما ذهب إليه عددٌ من علماء التابعين مثل سعيد بن المسيّب أو الحسن البصري أو جابر بن زيد. فكان هناك من قال إنّ على المسلم الورِع أن يخبّئ أمواله بحيث لا يصلُ المصدّقون إليها. وكان هناك من قال إنه إذا اضطرّ المسلم إلى دفع زكاته إلى سلطةٍ ظالمةٍ أو غير شرعية، أو لا يثقُ أنها ستصرفُها في مصارفها الشرعية؛ فإنّ ذلك لا يُجزئه. ولذلك يكونُ عليه- وأمرُه لله- أن يؤديها مرةً أُخرى بحسب علمه وتقديره في أحد مصارفها الشرعية أو في كلِّها. وتُجاه هذا التحدي الجديد سلكت السلطات أيّام الأُمويين المتأخرين، والعباسيين الأوائل، أحد مسلكين: الإقدام على العسْف والإرغام (رغم عدم حاجتها لأموال الزكاة الضئيلة) باعتبار أنّ المتهربين من الزكاة إنما لا يقولون بشرعية أمير المؤمنين. ويعلّل ذلك تهجُّم السلطات على أهل الحرمين في كثيرٍ من الأحيان، ليس رغبةً في أموالهم أو زكواتهم (من التجارة) بل للشكّ في ولائهم لها- أو تجاهُل الأمر كلّه أو الغفلة عنه مثلما فعل هارون الرشيد ومَنْ بعده. ويؤْثَر عن الخليفة المهتدي(أواسط القرن الثالث الهجري) قولَهُ إنّ الزكاة فريضةٌ دينيةٌ خالصةٌ على رؤوس المسلمين وفي ذمتهم مثل الصلاة والزكاة والحج، ولذلك ينبغي أن تظلَّ موكولةً إلى إيمان المسلم والتزامه. وهكذا ظلَّ ديوانُ الصدقات قائماً، وظلَّ من يختار من المسلمين يؤدي زكاته أو جزءًا منها إليه دونما متابعةٍ ولا إلزام، وصارت الدولة بالتدريج أكثر التزاماً بصرف الزكاة في مصارفها المعروفة والشرعية. والطريف أن هذه القناعة التي بدأتْ أمائرُها أيام الخليفة الثالث، ما أنْهت كلَّ أثرٍ لتدخل الدولة في الزكاة؛ لكنْ ودائماً ليس رغبةً في زيادة مدخولها؛ بل لإرغام المتمردين أحياناً على العودة للطاعة والاعتراف بالسلطة، كما يؤْثَرُ عن السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون أنه عندما تمرد عليه أعرابُ طيء وربيعة في فلسطين، انتقم منهم بالمطالبة بأداء زكوات إبلهم إليه. واستمرَّ ذلك ثلاث سنوات، فلمّا اطمأنّ إلى عودتهم للهدوء تناسى فَرَضية الزكاة وإهمالهم لها.

بل تطرق محمد الرحيلي(ت.260هـ)في رسالته لأهل المغرب في تسليم الزكاة لأصحاب السلطة وأن أخذها يوجب القائم بالأمر الحماية والدفاع الأمني والذود عن الرعايا الذين أخذ منهم الزكاة، بهذا فقد حدد ابن محبوب إطار الدولة وحدودها وتوسعها بحسب توسع صاحب السلطة في أخذ الخراج ولذا كان حدود كل دولة تقاس بحود أخذ الخراج، وقال هارون الرشيد: "أمطري حيث شئتي سيأتيني خراجك".

لكنْ هناك شكلٌ آخَرُ من أشكال استمرار المشكلة حول الزكاة في الهوامش والحواشي. فالدول(المحلية والإقليمية) التي قامت في بعض أجزاء الجزيرة والغرب الإسلامي، وكانت تملكُ دعوى دينية، أصرّت(لكنْ بدعوى إثبات الشرعية وليس دائماً بسبب الحاجة للمال) حتى مشارف العصور الحديثة على إرغام الرعايا على دفع الزكاة إليها، باعتبار ذلك دليلاً على شرعيتها. ذلك أنّ الشرعية لا تستندُ لديها إلى الجماعة؛ بل إلى تطبيق أحكام الشريعة بالطريقة التي فهموها من تصرف النبي e وصاحبيه.

2

يمثل اختلاف الماوردي(-450هـ) وبن خلدون(-808هـ) وجهتي النظر المتعارضتين في الأزمنة الكلاسيكية بشأن العلاقة بين الدين والدولة. الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" عرَّف "الإمامة" بأنها: موضوعةٌ لحراسة الدين وسياسة الدنيا. فالدينُ قائمٌ، وأحكامُهُ وأعرافُهُ سائدةٌ في المجتمع، وعلى الدولة أن ترعى تلك الأحكام والأعرافَ دون أن تتدخَّلَ فيها. ذلك أنّ التدخُّل يعني نُصرة مذهبٍ على مذهب أو اتجاهٍ كلاميٍ على آخر، مع ما يولّده ذلك من انقساماتٍ في المجتمع. ثم إنّ المؤسَّسة الدينية(المكوَّنة من الفقهاء والمتكلمين والقُضاة والقرّاء والمدرّسين.. والصوفية) كانت توليفتُها أيام الماوردي قد اكتملت، وتولّت هي بنفسها الشأن الدينيَّ، وشكّلت سلطةً اشتراعيةً، ووسيطاً بين المجتمع والمراتب السياسية. وبذلك فقد استقرّ التمييزُ بين الشأنين الديني والسياسي وليس الفصل بينهما، لأنّ المرجعية العليا في الدولة للإسلام، والسلطةُ السياسيةُ هي التي تمثل تلك المرجعية. وهكذا فالتمييزُ إنما هو تقسيمٌ للعمل بين الفئات الدينية والأُخرى السياسية، باعتبار أنّ المجالين محدَّدان وبقي التجاذُب على حواشيهما في بعض الاختصاصات التي ظلَّ كلٌّ من أرباب السيف وأرباب القلم يدّعيهما. الدولةُ إذن حارسةٌ في المجال الديني، وسائسةٌ أو مُنشئةٌ في المجال السياسي، ولها الإشرافُ العامُّ في النظام كُلِّه. وفي حين لا تستطيعُ الدولةُ الإنشاءَ والاشتراع في المجال الديني لاستقرار الأحكام والأعراف، ووجود الفقهاء؛ فإنّ عملها أو صلاحيتها في المجال السياسي شبه مطلقة. وذلك لأنّ ذاك المجال يتعلقُ بالمصالح وهي مكلَّفةٌ بصَون تلك المصالح وتنميتها وتحسينها، وهذا معنى السياسة، فهي في تعريف الفقهاء القدامى: القيامُ على الشأن العامّ بما يُصْلِحُهُ، وهذا هو فهمُ الماوردي للإمامة أو السلطة، وعلائق الديني والسياسي في ظلّها. فقد سمَّى كتابه: الأحكام السلطانية والولايات الدينية. والولايات الدينية عنده هي القضاء، (والأوقاف تحت سلطة القضاء)، والإمامة في الصلوات، وديوان الزكاة والصدقات، وولاية الحج، وشؤون الفتوى والتعليم والمدارس. أما الولاياتُ السلطانية فتشمل ديوان الإنشاء، وديوان الجند(ومنهم من يسميه الجهاد أو الحرب)، وديوان الخراج والفيء والجزية، والوزارة بنوعيها (التفويض والتنفيذ)، والإمارة على البلاد(كبار الموظفين). ويختلفُ الفقهاء بشأن الحسْبة؛ فمنهم من يجعلُها من اختصاصات أرباب السيف، ومنهم من يتركها تحت سلطة القضاة. ولا شكَّ أنّ هذا التقسيم والناجمَ عن التمييز الذي استقرت عليه الأوضاع في عصر الماوردي(القرن الخامس الهجري)، والذي يتناولُ تنظيم العلاقة بين المؤسستين الدينية والسياسية داخل دار الإسلام، هو الذي ساد من ضمن المفهوم المتطور للشرعية والمشروعية؛ وحتى مشارف الأزمنة الحديثة باستثناءاتٍ سبق ذكْرُها. وفي هذا التنظيم خرجت الزكاةُ من نطاق عمل الدولة وبقيت في نطاق إشرافها أو حراستها مثل سائر الشؤون.

أمّا ابن خلدون فيملكُ مفهوماً مختلفاً للدولة الإسلامية ووظائفها ومجالات عملها. فهو في مقدّمته استعار فصولاً من الماوردي بشأن الأحكام السلطانية والولايات الدينية؛ لكنه قدم تأويلاً مختلفاً تماماً. إذ مهمةُ الدولة الإسلامية عنده- بخلاف النظامين السائدين خارج دار الإسلام: الدولة الطبيعية، والدولة السياسية- هي "حَمْلُ الكافة على مقتضى النظر الشرعي"؛ ولذلك فقد أضاف أمراً حسّاساً إلى تعريف الماوردي للإمامة فذكر أنها موضوعةٌ لحراسة الدين وسياسية الدنيا به؛ أي بالدين. ولذلك آثارٌ هائلةٌ في الداخل(داخل دار الإسلام) وفي العلاقة بالخارج. في الداخل يندمج الدينُ بالدولة في ظلّ أمر الإمام ونهيه، وبحسب فهمه للإسلام. وفي الخارج تكونُ مهمةُ الدولة الدعوةَ للإسلام بالحُسْنى وبالحرب أو الجهاد. وابنُ خُلدون يعترف بالمتغيرات التي حدثت بعد انهيار الخلافة؛ بحيث فقد النظامُ الإسلاميُ استثنائيتَهُ؛ لكنه ما فقد صلاحياته أو وظائفه، لأنّ المُلْك الإسلاميَّ كان عليه أن يتولَّى جزءًا كبيراً من الصلاحيات والمؤسسات ذات الطابع الديني التي كانت لدى الخلافة من وجهة نظره. والحقُّ أنّ مفهومَ ابن خلدون هذا هو رؤيةٌ وليس واقعاً. وهو حريٌّ أن يُحدثَ صراعاً بين الدين والدولة لم يقع لحُسْن الحظّ في الأزمنة الكلاسيكية. فالوازعُ الدينيُّ الذي غلب في حقبة الخلافة -بحسب ابن خلدون- أدى إلى افتراقاتٍ واضطراباتٍ وحروبٍ أهلية (فِتَن)، دفعت الماروديَّ –الفقيه الدستوري- للقول بالتميز بين الشأنين الديني والسياسي، لمصلحة الطرفين، والمصالح العامة للإسلام والمسلمين. فكيف وقد انقلبت الخلافةُ مُلْكاً قائماً على طبائع المُلْك(القهر)، وتتحكم به "العصبية"، وهي تتخذ من "الدعوة الدينية" أداةً للسطوة والسيطرة باسم الدين. إنها بذلك تُوازِنُ ضَعْفَ شرعيتها بالاستعانة بشرعيةٍ دينيةٍ تكونُ فئويةً بالطبع، لأنّ المقصودَ بها نُصرة عصبية المُلْك بالذات. واللافتُ أخيراً أنه في حين يضعُ الماورديُّ الزكاةَ ضمن الولايات الدينية البحتة إلى جانب الإمامة في الصلوات، وولاية الحج؛ أي أنه يُخرجُها من نطاق عمل الدولة، وليس من نطاق إشرافِها؛ فإنّ ابن خلدون يتجاهل ولاية الحج وولاية الصدقات أو ديوانيهما تماماً فلا يذكُرُهُما بين المؤسسات الدينية أو السلطانية؛ بينما نعرفُ في الواقع أنه كان هناك اهتمامٌ من جانب سائر دول المغرب(حيث كتب ابن خلدون المقدمة والتاريخ) ببعثة الحج وإمارتها من بلادهم، لما في ذلك من دعايةٍ للسلطة باعتبارها مهتمةً بالشأن الديني. أمّا الصدقات أو الزكاة فقد كانت دولُ العصبية القائمة أو المقترنة بدعوةٍ دينيةٍ إحيائيةٍ تحرصُ على استيداء الزكاة من الرعايا الداخلين في طاعتها أو الذين تريدهُم كذلك للإشعار بالشرعية أو فَرْضها. وهكذا فقد تجاهل ابن خلدون نظريتهُ هو، كما تجاهل الواقع؛ لكنه اتفق مع الماوردي عملياً في إلحاق الزكاة والحج والصوم بالمجال الخاص باعتبارها جميعاً فرائض فرديةً بحتةً لا تُسْهِمُ في طبيعة المُلْك ولا في قوته. وهكذا رأى الماوردي أنّ الدولة لا تملكُ وظائف دينية؛ بينما رأى ابن خلدون أنّ الدولة الإسلامية بالذات ملكت مهمات دينية، لكنها فقدتها لاستيلاء طبيعة المُلْك عليها مثل سائر الدول.

الماوردي الذي ساد رأيُهُ في التجربة التاريخية للدولة الإسلامية يقيم تمييزاً بين الشأنين الديني والسياسي لاختلاف طبيعتيهما؛ فالأولُ عقَديٌّ، والثاني مصلحي. والدولة الإسلاميةُ المرجعيةُ العليا فيها –بالمعنى القيمي والأخلاقي والمقاصدي- للإسلام؛ لكنْ على الأرض يسودُ تقسيمٌ للعمل، فيتولى العلماءُ الشأنَ الدينيَّ، ويتولى الأمراءُ والرؤساءُ الشأنَ السياسي. وهناك مجالاتٌ أو مساحاتٌ مشتركةٌ بين الديني والسياسي ظلَّ التجاذُب بين الطرفين بشأنهما قائماً. لكنّ الإمرة أو القبضة الناظمة كانت من نصيب الإمام أو الأمير أو السلطان أو الملك، حفظاً للوحدة، ومنعاً للسيطرة العقدية الفئوية أو المذهبية. وهكذا ساد سلامٌ في العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام الوسيط بشكلٍ عام؛ وبخاصةٍ أنّ المقاصد الأخلاقية الكبرى للدين في نظر الفقهاء تتمثل بصَون مصالح العباد أو الضروريات الخمس وهي: حق النفس، وحق العقل، وحق الدين، وحق النسْل، وحق المِلْك - ومن الواضح أنّ هذه المصالح يعملُ النظامُ السياسيُّ على تحقيقها.

أمّا الشأن الدينيُّ والذي يتكون من أركانٍ وفرائضَ وواجبات ومحرَّماتٍ ومنهيات؛ فغرضُهُ أُخرويٌّ، والمقصودُ به بحسب الماوردي وابن خلدون النجاة بعد الموت. ومن ضمن الواجبات ذات المنحى الأُخروي الزكاة، والتي هي فريضةٌ فرديةٌ مثل الصلاة والحج والصوم. لكنّ المشكلةَ التي ظهرت بشأنها أنها تملكُ وجهاً مالياً أغرى بالتناحُر حولها. وصحيحٌ أنّ النبيَّ e كان يطلبُ أداءها إليه أو إلى عمّاله؛ لكنه قد يكون فعلَ ذلك باعتباره نبياً ولتعويد الناس على دفع الزكاة والصدقات. أما الصحابةُ من بعده فاختلف سلوكُهُم: أبو بكر وعمر ألزما بها، وعثمان وعليّ تخلّيا عن الإصرار على أدائها للدولة من جانب المزكّين. واستمر التنازُع الجزئي أو الكلي لقرنين من الزمان ثم انفصلت الزكاةُ عن عمل الدولة بشكلٍ شبه كلي.

3

إنّ العقود الأربعة الأخيرة شهدت رغباتٍ جماهيريةً جارفةً هدفُها إقامة الدولة الإسلامية التي تطبّق الشريعة. ومعنى ذلك أنه يُرادُ من جديدٍ إعطاءُ الدولة مهامَّ دينية انتزعها منها المجتمعُ منذ عصورٍ وعصور. وهذه الرغبةُ تتخذ أحد اتجاهين: الفرض على السلطة القائمة تطبيقَ واجبٍ ديني مثلما حدث بالكويت بشأن قانون الزكاة. أو تغيير السلطة القائمة لأنها لا تلتزم أحكام الشريعة، والمجيء بسلطةٍ تدمج الشأنين أو تعملُ لصالح الدين بحسب مفهوم الإسلاميين لذلك. ويرجعُ ذلك في نظري لثلاثة أسباب: تغير مهامّ الدولة ووظائفها في الأزمنة الحديثة، وتطورات تجربة العرب والمسلمين مع الدولة الحديثة ومع العالم، والضعف الذي نزل بالمؤسسة الدينية، التي تتولى في العادة إدارة الشأن الديني.

في السبب الأول، يتبيّنُ أنّ الإطار العالميَّ للدولة صار الوحدات القومية أو شبه القومية. وما عاد للأساس الديني أيُّ اعتبارٍ في قيام الدولة أو تنظيماتها. وقد أحدث ذلك في المجال الثقافي والسياسي العربي والإسلامي مخاوفَ ووجوه قلقٍ على الهوية. وبخاصةٍ مع سواد فكرة المواطنة، والتي تفرضُ مُساواةً شبه مطلقةٍ بين الأفراد، وتوازُنات جديدة بين الفئات. ونحن نعرفُ أنّ التنظيمات العثمانية الصادرة عام 1857م، والتي تقيم دولةً متعددة الشعوب والأديان على قدم المساواة، أي على مبدأ المواطنة، أثارت قلقاً عميقاً لدى المسلمين والمسيحيين واليهود. أمّا لدى المسلمين فلأنّها تسوّي بين المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات وقد اعتاد عصوراً متطاولةً على غير ذلك. وأمّا لدى غير المسلمين؛ فلأنّها تفرضُ التزاماتٍ في مقابل الميزات والحقوق التي تُعطيها للمواطن؛ ومن ضمن ذلك الخضوع للتجنيد الإجباري، والخضوع لقوانين الدولة التي كان الذميون لا يخضعون لأحكامها أو يقفون أمام محاكم مختلطة عندما يتعلق الأمر بخصومةٍ بين أطراف متعددي الديانات أو التابعيات. وما استمرت الرحابةُ التي أحدثها الدستور العثماني الصادر عام 1876م والمعطَّل منذ عام 1878م وحتى عام 1908م. إذ ساد الاستبدادُ والطابع الاندماجي لسياسات السلطان عبد الحميد، ونُصرة مذهب على مذهب داخل الإسلام. فالتقليد تغير، دون أن يستتبَّ الجديد. وعندما زالت الدولة العثمانية وظهرت الدولُ الوطنية كان بعضُها حيادياً تُجاه الإسلام، وبعضُها الآخر عدائياً تُجاهه. وقد أدَّت الحيرة وعدم التأكُّد، وبقاء الاستعمار في ديار الإسلام إبّان ظهور الدولة الوطنية، إلى ظهور حركات إحيائية إسلامية تعمل على صَون الهوية الثقافية والدينية. وهذه الحركات هي التي تطورت لديها فيما بعد أُطروحة "الحاكمية" والتي تعني الحكم باسم الله في سائر الشؤون.

والسبب الثاني: أنّ التجربة السياسية العربية ما لقيت نجاحاً كبيراً في القيام بالمهامّ المُلْقاة على عاتق الدولة الحديثة: صون المصالح الوطنية، وتطوير حياة الناس وتحسينها، وإشراكهم في إدارة شؤونهم العامة. وقد فرض عليها ضياعُ فلسطين استنزافاً قيمياً وسياسياً ومادياً لعقودٍ وعقود. وقد أثّر العجز وسوء الإدارة والفساد في وعي الشباب المتدينين، الذين انضووا في الحركات الدينية الإحيائية؛ فانصرفوا للعمل على إسقاط الدولة بدلاً من إصلاحها وإنقاذها. واعتقدوا أنّ الدولة الدينية أو التي تطبق الإسلام هي وحدها التي تستعيدُ الإسلام إلى المسلمين والمسلمين إلى الإسلام.

والسبب الثالث: ضعفُ المؤسسة الدينية بحيث ما عاد الشبانُ واثقين أنها تستطيع حماية الدين ومصالحه ووجوده الاجتماعي. ويرجعُ ذلك الضعف إلى القصور في التطور والتطوير، وإلى سلوك الدول إزاءها. فالمؤسسة التقليديةُ ما عادت تستطيع الإجابةَ على أسئلة العصر بطرائق مقنعة. كما أنّ الإصلاحيين ما نجحوا في تحديثها أو الحلول محلَّها. أما سلوك الدول تجاه المؤسسة الدينية التقليدية فاتّسم بإحدى ثلاث سِمات: الإلغاء أو محاولته، أو الاستتباع، أو الحياد النسبي. وفي كلّ الحالات نعى المواطنون على النُخَب الدينية عدم القدرة على القيام بواجبات التعليم الديني والفتوى وحماية مصالح الناس في مواجهة الحكّام، والدفاع عن الإسلام في وجه منتقديه، والاستتباع للإدارة السياسية بدلاً من العمل على تقويمها وإصلاحها. ولذلك فقد أمّلوا من وراء الوصول للسلطة القيام بما عجز هؤلاء عن القيام به لجهة خدمة الإسلام وتطبيق أحكامه.

فالدولة الحديثة دولةٌ مدنيةٌ، وهي غير مؤهَّلةٍ للقيام بمهام دينية حتى لو كانت ديكتاتورية أو يتزعمها رجال الدين. والنزاعُ الناشبُ بين الإسلاميين والدولة منذ أكثر من أربعين عاماً أكبر دليلٍ على ذلك. وشأنُ الدولة المدنية الحديثة ضمانُ الحريات الدينية بحيث يستطيع الجميع ممارسة شعائرهم وعقائدهم، وليس اتّباع هذا المذهب أو ذاك والذي يُحدثُ انقساماتٍ وشرذماتٍ ويُسيءُ إلى الدين. ثم إنّ فرض أحكام دينٍ معيَّنٍ يتنافى مع مبدأ المواطنة حتى لو كان جميع المواطنين مسلمين. فالإسلام كان تعددياً دائماً، وهناك اختلافاتٌ كثيرةٌ في وجهات النظر بداخل الإسلام ومذاهبه. وفرض اتجاهٍ معيَّنٍ حُكْمٌ بمقتضى عقيدة فئةٍ، وهو يعني إحداث تمييزٍ يتنافى مع مبدأ المواطنة، ويشرّع الأبواب على الانقسام؛ فكيف لا يخلو مجتمعٌ واحدٌ من التعدد الديني والإثني والسياسي؟!

التجربة التاريخية الإسلامية لم تفصل بين الدين والدولة، بل قسّمت العمل بحيث تقومُ كلُّ جهةٍ بأداء الواجب المنوط بها، وممارسة حرياتها في اعتقاداتها أفراداً وفئات ومذاهب وأدياناً. لكنْ حتى التجربة القديمة، والتي نجحت في البقاء طويلاً دونما صراع بارز، ما عاد يمكنُ استعادتُها لتغير الزمان والمكان والرؤى. ولا شكَّ أنّ هناك مشكلةً بين الدين والدولة في الوطن العربي على الخصوص. لكنّ دمج الديني بالسياسي أو تحكم الديني بالسياسي أو السياسي بالديني لن يحلَّ المشكلة بل سيُفاقمُها بالأحرى.

ولا أرى مبرراً ولا عذراً لفرض الزكاة من جانب الدولة ما دام الأفراد المسلمون هم الملزمون بأدائها، وهم يزكّون بالتأكيد كما يصلُّون لأنَّ الصلاة فريضة. أمّا المتجمع من أداء الزكاة للدولة فلن يكونَ كبيراً بحيث يحلُّ المشكلة الاجتماعية. علماً انه من حقّ الدولة أن تزيد الضرائب من أجل البرامج التنموية أو السياسات والخطط التنموية. ومن حقّ النواب أن يفرضوا قانوناً في ذلك. لكنْ ليس من حقهم فرض أداء واجبٍ دينيٍ فردي ولو كانت له أبعادٌ اجتماعيةٌ أو مالية. وما أهمل المسلمون دينهم ولا توقفوا عن أداء فرائضه وتطوعاته. والزكاة ذات طبيعة إغاثية ولذلك لا تبدو آثارها الاجتماعية بوضوح. لكنْ لننظر في الأوقاف ذات الصبغة التطوعية والمنحى الاستراتيجي. فقد أوجدت لها المجتمعات الإسلامية - آلاف المؤسسات، وأدخلت عليها في مطلع القرن العشرين "بنك الأوقاف" للاستثمار في اسطنبول. وهكذا فليس صحيحاً أنّ المسلمين لا يطبقون أحكام دينهم، ولا يعيشون بحسبه إلاّ إذا قادهم لذلك الإسلاميون الجدد!

إنّ قانوناً يفرض الزكاة على الموطنين يشكّل عبئاً على مبدأ المواطنة، كما يشكّل عبئاً على ضمير المكلَّفين وحرياتهم، وعلى علاقة الدولة بمواطنيها. فهناك من المواطنين المتدينين من لا يرى أداء الزكاة إلى الدولة، ولا يعتقد أنّ ذلك يُجزئه، وسيضطر إلى دفع الزكاة مرةً أُخرى. وهناك من المواطنين من لا يرى شرعية النظام السياسي وبالتالي لا يرى أداء الزكاة إليه. وسيضطر بعد القانون لإعلان تمرده شأن المتشددين الذين نعرفُهُم. وهناك من المواطنين من لديهم خصوصيات مذهبية تحولُ دون أدائهم الزكوات بهذه الطريقة(الجعفرية مثلاً الذين أعلنوا بالكويت عن اعتراضهم). وأخيراً هناك أُناسٌ غير متدينين أو غير مسلمين، وليسوا مستعدين لأداء فريضةٍ دينيةٍ إسلامية. وهذه كلُّها أعباء على الدولة التي تريد فرض أداء الفرائض بالسيف أو بقوة القانون، ولا يُقارَنُ هذا العبءُ الباهظ بالفوائد المتحققة مما يُستجمع من أموال الزكاة.

فالأبلغَ من ذلك كلّه، ما يدلُّ عليه هذا القانون من خضوعٍ لجدول أعمال الإسلاميين، بل لفكرتهم الأصلية المخطئة. فليس صحيحاً أنّ المسلمين لا يطبقون شريعة ربّهم وأحكام دينهم، وأنه ينبغي فرضُها الآن بالقانون أو بالسيف. وإذا قيل إنّ ذلك حريٌّ أن يساعد الدولة على حلّ المشكلات الاجتماعية، فالجوابُ أنّ السلطة الحديثة لديها مسؤولياتٌ اجتماعيةٌ وتنموية لا علاقةَ لها بالواجبات الدينية. وتستطيع المؤسساتُ المدنيةُ الخاصةُ الإسهامَ طوعاً ووعياً واختياراً في حلّ المشكلات الاجتماعية من طريق الزكاة وغيرها. وقد قامت في سائر أنحاء ديار الإسلام صناديقُ للزكاة ومؤسسات للأوقاف للأغراض الاجتماعية.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=327

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك