الأديان اليوم : ظواهر الثوران ومشكلات التلاؤم والافتراق
الأديان اليوم : ظواهر الثوران ومشكلات التلاؤم والافتراق
نشر خوليو دي سانتا أناّ*
Julio de Santa Ana: Religions Today. Their Challenge to the Ecumenical Mouementwcc Pullications, Genera 2005.
انعقد مؤتمر "الأديان اليوم" في جنيف عام 2003م بدعوة من مجلس الكنائس العالمي. وقد ألقيت فيه بحوثٌ وتشكَّلت لجنة للصياغة والنظر. وقد صدرت البحوث ونتائج اجتماعات اللجنة أواخر عام 2005م في الكتاب السالف الذكر، والذي نعرض هنا لمراجعته.
أشرف على اللجنة وعلى مراجعة نصوص الكتاب الباحث الكاثوليكي المعروف خوليودي سانتا أنّا. وقد قصَّ في مطلع الكتاب قصة اللقاء والمؤتمر والإشكالية، ونتائج عمل اللجنة. ووجهةُ نظره أن الديانات مثل سائر الظواهر الاجتماعية والسياسية تمرُّ بتغيُّرات عاصفة، كما أنها صارت تؤثِّر في الحيوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأشكال متجددة ما عرفتها المجتمعاتُ حتى الحرب العالمية الثانية. ولذلك فقد كان المقصود من المؤتمر وبحوثه والباحثين المدعوين إليه دراسة ثلاثة موضوعات: القيام بمسح شامل للديانات الكبرى وانتشارها ومظاهر تغيرها وتجددها. والأمر الثاني: العلاقات بين الأديان الكبرى والتطورات المستجدة في العلاقات لجهات السلب والإيجاب، مع ملاحظة الحركيات بين المذاهب والفرق الدينية داخل كل دين. والأمر الثالث: التفاعلات بين الدين والدولة أو تأثير الدين على الحياة العامة والعيش في العالم. وبخاصة أن العالم تتقارب أجزاؤه وصارت بمثابة قرية عالمية. وقد رأى الباحث في نطاق هذه الموضوعات الثلاثة التعرض للثوران الديني في الإسلام والبروتستانتية وتأثيراتهما على الحياة السياسية والعامة في الولايات المتحدة وبلدان العالم الإسلامي. كما أنه نظر في قضايا الهجرة واللجوء التي تغيِّر تدريجياً من طبائع المجتمعات والدول ثم إنه نظر في النموِّ الجديد للأديان، مثل الدين الإسلامي، والإنجيلية والبوذية.
جاء بعد مقدمة الأستاذ خوليودي سانتا أنا(وهو أستاذ أديان متقاعد) بحثان، أولهما عن الأدوات النظرية لدراسة مسألة الدين في المجتمعات المعاصرة للباحثين غريس ديفي وهاينرش شيفر. والثاني عن الحياة الدينية اليوم لتودور ساييف. في المبحث الأول استعرض الكاتبان المقاربات المختلفة لقراءة الظاهرة الدينية، ولاحظا أن المقاربة العلمانية الأوروبية(الفرنسية) هي التي غلبت ولذلك ما أمكن فهم الظاهرة الدينية الصاعدة في العقود الأخيرة في سائر أنحاء العالم ما عدا أوروبا. وقد انتهى الدارسان إلى أن المقاربة الدقيقة تقول إن أوروبا في الأزمنة الحديثة هي استثناء من حيث عدم النمو الديني فيها. ولذلك لا يصحُّ أن تكون مقياساً لقراءة أصول ومآلات الظاهرة الدينية، ولابد من الإصغاء للواقع الغني في العالَم اليوم. وفي المقالة الثانية تتبع تودور سابيف مظاهر وظواهر الحياة الدينية في العوالم الجديدة نمواً وانتشاراً أو تضاؤلاً. وقد لاحظ تودور سابيف من خلال الجداول الإحصائية أن هناك نمواً دينياً كبيراً خارج أوروبا، وأن النموَّ يُسجلُ لصالح الإسلام والحركات. ومذاهب البروتستانتية. بيد أنّ النموَّ ينصبُّ على الحركات الجديدة المختلفة عن الإسلام التقليدي وعن الكنائس البروتستانتية الكبرى. لدى المسلمين هناك الحركات الإحيائية، ولدى البروتستانت هناك الإنجيليون الجُدُد.
وحاول خوليو دي سانتا أنّا مرةً أُخرى أن يدرس الأبعادَ المختلفة للحياة الدينية في سياق العولمة. وقد لاحظ وجود نزوعٍ تعبديٍ وحفاظ على الطقوس، مع حبٍ للتظاهرات الجماعية ذات الأبعاد الدينية. ثم هناك الأمر الآخر والمتصل بميل المتدينين للتدخل في الحياة العامة؛ وهذا ليس قاصراً على الإسلام بل هو موجودٌ في الإحيائيات البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية والبوذية. وهناك ظواهرُ أُخرى موضوعيةٌ ركزت في الحياة الدينية الجديدة، مثل التعددية الدينية في المجتمعات، والتواصُل والحوار بين الأديان، والهجرات من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا والولايات المتحدة، والتي تأتي معها بمتغيراتٍ في التوازُن الديني في تلك المجتمعات. وقد اهتمَّ فيليشيانو كارينو ببُعْدٍ آخَرَ من أبعاد الحياة الدينية الجديدة هو ظاهرةُ الهجرة واللجوء السياسي والاقتصادي، وكيف يؤثِّر ذلك في التواصُل أو التوتُّر – وقد ذكر من ضمن ذلك حادثة اللجوء من أفغانستان إلى أوستراليا عَبْرَ إندونيسيا، ثم درس النتائج المترتبة على ذلك(المقال مُترجَم في هذا العدد).
وقد اهتمَّ هاينرش شيفر بدراسة العوامل الدينية في الحروب الجديدة. وطبيعيٌّ أن يتعرضَ في هذا السياق لإغارة القاعدة على الولايات المتحدة، وردّ الأميركيين بالحرب على الإرهاب وتمرد أفغانستان والعراق. وعاد فيليسيانو كارينو فدرس مسألة الدين في علائقه المعاصرة بالدولة والسياسات. وانطلق في محاولته من إصرار أهل الأديان على أنّ الدين ليس مسألةً شخصيةً أو فردية. وعاد تودور سابيف فدرس مسألة الحريات الدينية بادئاً بمواثيق وأعراف الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها الفرعية. في حين اهتمت جين سميث بقراءة تطورات علاقة المرأة والحركة النِسْوية بالدين. والسيدة سيمث غير راضية عن فهم الإسلاميين الجدد والبابوية لقضايا المرأة؛ لكنها تلاحظُ حركياتٍ واعدةً لدى المتدينين. وتابعت السيدة ميرسي أودو يويي قضايا المرأة الإفريقية بين الدين والعولمة. بيد أنّ الدين لم يلعب غير دورٍ هامشٍ في مقالها الذي انصبَّ على إدانة العولمة.
وقدَّم الباحث خوسيه أوسكار بيوزو قراءةً معبَرةً لأحداث ومقررات مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965م)، ثم درس تطبيقات أعمال ذاك المؤتمر في عدة مجالاتٍ عبر أكثر من ثلاثين عاماً. وله على المسيرة الكاثوليكية مآخذ كثيرةٌ؛ لكنه راضٍ عن التماسُك الباقي بعكس الديانات الأُخرى. وتقدم رضوان السيد ببحثٍ بعنوان: "الإصلاح والمصالحة بين الدين والدولة في الوطن العربي" ذكر فيه أنّ الدولة تعاملت مع الدين في العالم العربي بأحد ثلاثة أشكال: محاولة إلغاء المؤسسة الدينية التقليدية، أو الوقوف على الحياد إزاءها، أو الإبقاء عليها واستتباعها. وانتهى الباحث إلى أنّ الاستتباع والإضعاف أفضيا إلى زوال مؤسسة التقليد وكانا من بين أسباب ظهور الأصولية وانتصارها شعبياً. واهتمت الباحثة غريس ديفي بالعلمانية في السياق الأوروبي، ودراستها جيدة؛ لكنْ ليس فيها جديد. وأقبل أندريه دروغرز على الكتابة عن الصحويين أو النشوريين الإنجيليين المعروفين بالبنتاكوست، أو جماعة خميس العنصرة؛ وهم مجموعاتٌ عجائبيةٌ تنمو بسرعةٍ وقوةٍ في الولايات المتحدة بالذات. في حين عاد هاينرش شيفر فتحدث عن مصطلح الأصولية، ودرس التشابه والاختلاف بين الأصوليات. ولستُ أرى أنه كان موفقاً في ذلك. لقد كان من المفروض أن يغطِّي كتابُ المؤتمر الساحة الدينية؛ لكنه تجاهل اليهود والبوذيين والهندوس؛ ربما لأنّ البحوث المقدَّمة ما كانت جيدة. بيد أنّ الكتاب يبقى رغم ذلك مهماً للتعرف على الجو الديني في العالم.