حفريّات في مفهوم الاختيار والحريّة من العصر المدرسي إلى العصر الإصلاحي

حفريّات في مفهوم الاختيار والحريّة من العصر المدرسي إلى العصر الإصلاحي

محمّد الحدّاد*

لا يمكن تصوّر فكرة الحريّة داخل منظومة ثقافيّة قائمة على الدين إلاّ من زاوية العلاقة بين الإنسان والألوهيّة. ولقد ساد الاعتقاد من العصر الوسيط إلى الآن بأنّ الإسلام قد سلب الإنسان حريّة الفعل بإسناده الخالقيّة إلى الله، مثلما يقال إنّه سلب المجتمع حريّة التنظّم بإسناده الحاكميّة إلى الله.

ويعمد المسلمون المعاصرون إلى الردّ على هذا الاتهام بعرض الآيات القرآنيّة التي تشير إلى حريّة الفعل الإنساني، لكن ثمّة تاريخ طويل من الآراء الكلاميّة قد امتدّ قرونا ولا يمكن فسخه بجرَّة قلم، وهو يثبت أنّ الاتجاه الغالب كان نحو تغليب القدرة الألوهيّة على اختيار الإنسان. ويقال عادة إنَّ الحلَّ الآخر، الحلّ المعتزلي، قد ألغي منذ البداية. والمعلوم أن المعتزلة قد قالوا بالاختيار، أي بحريّة الإنسان، لكنّ مذهبهم لم يجد صدى قويّا واندثر على مرّ العصور. وقد كتب في هذا المبحث الكثير من الباحثين المسلمين والمستشرقين، ولن نعود هنا إلى موقف المعتزلة وموقف مخالفيهم، ولن تهتمّ هذه الدراسة بنشأة هذا الجدل. لكنّنا سنتابع ما آل إليه في القرون المتأخّرة، ونحلّل الصيغة التي وجده عليها دعاة الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث فحاولوا الانطلاق منها لإعادة صياغة مواقف كلاميّة جديدة تستجيب لرغبات الإصلاح.

وسنرى كيف تغيّرت المواقف على المدى الطويل جدّا لتعود إلى فكرة حريّة الإنسان كما طرحت في البداية، ولكن بالتخلّص من الإطار المعرفي الذي كان سائدا في عصر ظهورها الأوّل، وذلك من خلال متابعة تطوّر المسألة من العصر المدرسي إلى العصر الحديث بدل التوقّف عند ظروف نشأتها في العصر الأوّل والعصر الكلاسيكي(1). إذ سيحاول هذا المقال إثبات أنّ علم الكلام الإسلامي قد عاش حالاً توازي ما عاشه اللاهوت المسيحي مثلا، من جهة التوتّر بين القول بالمذهبين، الاختيار والجبريّة، على مدى التاريخ كلّه، وليس فقط في فترة التأسيس.

1- الاختيار والحريّة

ولئن وردت كلمة "حرّ" في مدونات الفقه القديمة، فإنّها قد غابت عن المدونات الكلاميّة، إذ الحريّة لم تكن تعني في التراث غير مقابلة العبوديّة، والإنسان الحرّ هو الإنسان غير الخاضع للعبوديّة، وهذا مبحث لم يكن للمتكلمين به شأن. لكن ثمّة كلمة أخرى تتقاطع مع المجال الدلالي لكلمة حريّة، بالمعنى المستعمل اليوم، وهي كلمة "اختيار". وعلى هذا الأساس طرح الكلام الإسلامي مسألة الحريّة الإنسانيّة، فالسؤال: هل الإنسان مخيّر في أفعاله؟ يرادف القول: هل الإنسان حرّ في أفعاله؟ وقد استبعد المذهب المعتزلي، لكنّ الاقتراب منه والتطلّع إلى العودة إليه ظلاّ ملازمين لمواقف الكثير من المتكلمين الأشاعرة.

لم تكن حركة الاقتراب الأشعري من المذهب المعتزلي في قضيّة الحريّة الإنسانيّة ظاهرة جديدة، فقد أشار الشهرستاني في فصل مشهور من كتابه "الملل والنحل" إلى تحوّل بطيء حصل داخل المذهب الأشعري. فقد عرض رأي مؤسّس المذهب وحدّده بأنّه القول بقدرة العبد على أفعاله مع النفي بأن تكون تلك القدرة سبب الفعل، إذ الإنسان يجد من نفسه التفرقة بين حركات ضروريّة وحركات اختياريّة، أمّا اعتبار هذه القدرة محدثة للفعل فذلك يقتضي أن يصدر الممكن عن الممكن، وهذا مستحيل. فالقدرة حادثة يكتسبها الإنسان ولا تأثير لها في الفعل، والله هو الذي أجرى سنّته بأن يخلق عقب القدرة الحادثة الفعل الحاصل منها والذي هو من خلق الله وكسب الإنسان.

ثم يقول الشهرستاني: "والقاضي أبو بكر الباقلاني تخطّى هذا القدر قليلا"، ويبيّن كيف أثبت الباقلاني للقدرة الحادثة بعض الأثر في حالة وليس في كلّ الحالات. ويضيف الشهرستاني: "ثم إنّ إمام الحرمين أبا المعالي الجويني قدّس الله روحه تخطّى عن هذا البيان قليلا وقال: أمّا نفي القدرة والاستطاعة فممّا يأباه العقل والحسّ، وأمّا إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهي كنفي القدرة أصلا، وأمّا إثبات تأثير في حالة لا تعقل كنفي التأثير، خصوصا والأحوال على أصلهم لا توصف بالوجود والعدم، فلا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة لا على وجه الإحداث والخلق، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال. فالفعل يستند وجودا إلى القدرة، والقدرة تستند وجودا إلى سبب آخر يكون نسبى القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة، وكذلك يستند سبب إلى سبب حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب. فهو الخالق للأسباب ومسبباتها المستغني على الإطلاق. فإنّ كلّ سبب مستغن من وجه محتاج من وجه، والباري تعالى هو الغنيّ المطلق الذي لا حاجة له"(2). ويعلّق الشهرستاني بأنّ هذا القول هو مذهب الحكماء الإلهيين "وليس ذلك مذهب الإسلاميّين".

هذا العرض للشهرستاني يختصر وضع المسألة في العصر الذي ندعوه بالعصر الكلاسيكي الممتدّ حتّى القرن السادس الهجري(12 ميلادي) تقريبا. وهذا يتناسب مع التقسيم الذي اقترحه ابن خلدون لمراحل علم الكلام بين مرحلة دعاها "طريقة المتقدّمين" ومرحلة موالية هي "طريقة المتأخّرين"، وقد جعل أبا حامد الغزالي (ت 505/ 1111) نهاية المرحلة الأولى وبداية الثانية. وما ذكره الشهرستاني في هذا العرض يقتصر على المرحلة الأولى أو ما دعاه ابن خلدون بطريقة المتقدّمين. فلقد كانت هذه المرحلة محاولة استعادة شيء من الاختيار الإنساني بعد سيطرة الأشعريّة على المعتقدات.

لكنّ الشهرستاني يدين هنا حركة الاقتراب من القول المعتزلي والفلسفي ويحكم بذلك على الأشعريّة أن تبتعد مجدّدا من كلّ قول يمنح الإنسان حريّة الفعل، والدافع إلى ذلك إفراد الألوهيّة بالخلق والاقتدار وتنزيهها على أن يشركها الإنسان في شيء من ذلك. ونجد هذا الموقف لدى ابن خلدون أيضا، فهو يبدأ الفصل الذي عقده في "المقدّمة" بمناقشة هذه القضيّة بالذات، ويحذّر قارئيه من التيه في استكشاف الأسباب، مع أنّه لا ينفيها على ما يبدو. يقول ابن خلدون: "تأمّل من ذلك حكمة الشارع في نهيه عن الأسباب والوقوف معها، فإنّه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو منه بطائل ولا يظفر بحقيقة(...) فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبّباتها مجهول، لأنّها إنّما يوقف عليها بالعادة وقضيّة اقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر. وحقيقة التأثير وكيفيّته مجهولة، وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا، فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها وإلغائها جملة والتوجّه إلى مسبِّب الأسباب كلّها وفاعلها وموجدها لترسخ صبغة التوحيد في النفس"(3). لقد فشلت حينئذ محاولة إعادة الاعتبار إلى السببيّة، ومنها إلى حريّة الفعل الإنساني، داخل الفكر الأشعري، رغم هذا التراجع الذي قام به الباقلاني ثم خاصّة الجويني.

2- العصر المدرسي

استحكم هذا التوجّه في العصر المدرسي بسبب تحوّل حصل في المقدمات الأساسيّة لعلم الكلام. إذ استبدل دليل إثبات الألوهيّة باستعمال المقابلة بين الجوهر والعرض وحلّ محلّه دليل آخر قائم على التقسيم الثلاثي للوجود إلى واجب الوجود وممكن الوجود ومستحيل الوجود. وهذا المستند الجديد لإثبات الألوهيّة هو الخاصيّة الرئيسيّة للعصر المدرسي، كما أشار إلى ذلك بحقّ كاتبا المرجع المتميّز " مدخل إلى علم الكلام الإسلامي"(4).

لكنّنا سنبيّن هنا أنّ ظاهرة من قبيل ما أشار إليه الشهرستاني سوف تشهدها هذه المرحلة الثانية أيضا، مرحلة "المتأخرين" حسب التقسيم الخلدوني، فلم ييأس بعض المتكلّمين من إعادة الاعتبار إلى السببيّة والاختيار الإنساني داخل الفكر الأشعري نفسه الذي غدا وحيدا على الساحة الكلاميّة في هذا العصر.

ويعتبر عضد الدين الإيجي (ت 756/ 1355) العلم الأبرز لهذا العصر، وعلى يده تحدّدت ملامح الكلام في نصّ أصبح على مرّ السنوات مرجع الأشعريةّ، وهو "كتاب المواقف في علم الكلام"، ومنه اختصر عقيدته المعروفة بـ"العقيدة العضديّة". ولقد شرح هذا الكتاب أعلام كثيرون منهم شمس الدين الكرماني وسيف الدين الأبهري وعلاء الدين الطوسي والمولى حيدر الهروي، لكنّ الشارح الأكبر هو بلا شكّ السيّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني (ت 816/ 1413). وشرح الجرجاني لمواقف الإيجي هو المرجع الأكبر لعلم الكلام في عصر المتأخّرين، وما كتب عليه من حواشي لا يكاد يحصى وهو يتواصل بانتظام من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر.

وقد حدّد الإيجي المعتقد الرسمي في مسألة الاختيار في المقصد الأوّل من المرصد السادس من كتابه الشهير "المواقف في علم الكلام" بقوله: "أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرة الله تعالى وحدها". ويفسّر الجرجاني ذلك بقوله إنّ شعور الإنسان أنّه يوقع الفعل بإرادته سببه إجراء الله العادة بأن يتمّ الفعل حسب إرادة الفاعل، فيكون الفعل مخلوقا لله ومكتسبا للعبد. ولا مدخليّة لقدرة العبد في الفعل ولا تأثير، سوى أن الإنسان محلاّ للفعل الذي خلقه الله.

ويرفض الإيجي مذهب القائلين بقدرة الإنسان على الاختيار والفعل ويرفض مذهب القائلين بالقدرتين. ويقدّم لدعم مذهبه الأدلّة العقليّة التالية:

أ- فعل العبد ممكن والممكنات من مقدورات الله الذي شملت قدرته كلّ شيء.

ب- لو كان العبد موجدا لأفعاله لعلم تفاصيلها.

ج- لو كان العبد موجدا لفعله لتمكن من الفعل والترك على حدّ سواء، والترجيح دون مرجح يؤدّي إلى الدور والتسلسل.

لكنّ الجرجاني يشير إلى ما يمكن أن يحيط بكلّ واحد من هذه الأدلّة من اعتراضات. فالاعتراض الممكن توجيهه للدليل الأوّل هو أن لا إجماع على شمولية القدرة لمخالفة المعتزلة وغير المسلمين في ذلك. والاعتراض الممكن توجيهه للثاني هو أنّه يجوز بأن يعلم الإنسان التفاصيل ولكن لا يشعر بعلمه بذلك. أمّا الدليل الثالث فيمكن الاعتراض عليه بالقول إنّه يصحّ أيضا على فعل الله فيقال كيف يرجح الفعل والترك وما المرجح، ..الخ.

ويلي ذلك ردّ الاعتراضات التي استعملها خصوم الأشاعرة، وأهمّها:

أ- الاحتجاج بالحركات الاضطراريّة والاختياريّة: كل إنسان يجد من نفسه التفرقة بين حركة المختار وحركة المرتعش، بين حركة الصاعد وحركة الهاوي، فإنكار ذلك سفسطة. فهل هذا دليل وجود القدرة الإنسانيّة في حالة وانتفائها في حالة أخرى؟ يرفض الإيجي وشارحه هذه النتيجة ويعتبران أن الحالة الأولى وجدت فيها القدرة مع الاختيار والحالة الثانية غابت فيها القدرة مع وجود الاختيار، فاجتماع القدرة والاختيار هو من قبيل العادة وليس من قبيل الضرورة وقد يجتمعان أو لا يجتمعان. والقدرة التي يجدها العبد عند الفعل هي قدرة حادثة عند حدوث الفعل وليست مستقلّة بالفاعلية.

ب- الاحتجاج ببطلان التكليف إذا انعدم اختيار الإنسان لأفعاله ويترتّب على ذلك عبثية العقاب والثواب وأن لا يبقى معنى لبعثة الأنبياء: وجوابه أن المدح والذم والثواب والعقاب والأمر والنهي تتعلّق بالإنسان باعتباره محلّ الفعل لا فاعله، وذلك "كسائر العاديات المترتبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم عقلي"(5). فكما يقال: إن الإحراق عقب مسّ النار ليس سببه النار بل عادة التلازم بين النار والإحراق فكذلك يقال: إن ثواب المطيع أو عقاب العاصي ليس سببه الطاعة أو المعصية بل عادة التلازم بين الطاعة والثواب والمعصية والعقاب. وكما أن الإحراق ليس مطردا من وجهة نظر الأشاعرة فلا يكون الثواب أو العقاب مطردا لأن مداره العادة لا الضرورة واللزوم العقلي.

لقد وضع الجرجاني الحجج والاعتراضات والردود على طريقة الشرح في العهد المدرسي، فهو تفصيل وتفريع للمسائل إلى غير نهاية، دون أن يعني ذلك التأسيس لقول جديد في القضيّة المطروحة. بيد أنّ الشرح لا يثبت مذهب صاحب المتن وحسب لكنّه يثبت أيضا إمكانيّة الاعتراض عليه، فكأنّ القارئ يخرج بنتيجة هو استواء كلّ الاحتمالات في القضيّة.

ويبدو أن جلال الدين الدواني(ت 907/ 1502) قد "تخطّى هذا القدر قليلا"، بمناسبة تعليقه على "العقيدة العضديّة"، وتحديدا عند قول صاحب المتن: "ولا خالق سواه". فإذا كان الله خالق كلّ شيء فإنّ العبد لا نصيب له من الخلق. وأفعال العبد من الأشياء وهذه لا تعدو أن تكون جواهر أو أعراضا، ولا تكون من خلق العبد في الحالين. والخلق مصطلح ديني، لذلك يرد الاحتجاج بالنصّ القرآني، مثل الآية "هل من خالق غير الله؟". فإذا حصل الاتفاق على أنّ الله خالق وحده فقد بطل الفارق بين ما تتعلّق به قدرة العبد وما لا تتعلّق به. إلاّ أنّ الدواني يستند إلى تمييز كان نبّه إليه الغزالي بين نوعين من القدرة، أو بالأحرى بين نوعين من غياب القدرة، وتتضح في اختلاف حالة المرتعش مثلا من الحمّى الذي لا يملك حركة ارتعاشه وحركة العبد المختار الذي يحرّك يده. فهذا يبطل برأي الغزالي ورأي الدواني الجبر المحض، فحركات الإنسان ليست جميعا من الصنف الأوّل. لكنّه مع ذلك لا يعتبر خالقا لها. فهذا ما يبرّر قول الأشعري بالاكتساب تمييزا بين الحركتين ومنعا لكليهما أن تكون خلقا. فقد وجب التمييز بين تعلقها بالله من جهة الخلق والابتداع وتعلقها بالعبد من جهة الاكتساب. أو هي كما يقول "خلق الربّ ووصف العبد"(6).

ومذهب المعتزلة مرفوض لأنّه يقول بحصول الأفعال بقدرة العبد وحدها. وكذلك موقف بعض الأشاعرة أنّها حاصلة بمجموع القدرتين، قدرة العبد وقدرة الرب، لأنّ في ذلك تسوية بين القدرتين. إلاّ إذا كان المقصود أن تتعلّق قدرة الله بالأصل وقدرة العبد بكون الفعل طاعة أو معصية. وهذه طريقة للتوفيق بين غياب الاختيار وحضور المسؤوليّة عن الأفعال.

ويردّ الدواني قول القائل: إنّ المعتزلة والفلاسفة(الحكماء) متفقون على أن العبد قادر على الفعل فيرى أنّ ابن سينا قد ذهب إلى خلافه في "الشفاء" و"الإشارات" عندما أكّد أن الله(واجب الوجود) فاعل الحوادث كلّها وأنّ الواجب أن ينسب الكلّ إلى المبدأ الأوّل. ويذهب الدواني إلى أبعد من ذلك فينقل عن أفلاطون أنّه قال: "العالم كرة، والأٍرض نقطة، والإنسان هدف، والأفلاك قسيّ، والحوادث سهام، والله هو الرامي، فأين المفرّ؟". وفي رأيه فإنّ أفلاطون يشير بذلك إلى أنّ الله خالق الأفعال كلّها.

ويردّ الدواني حجج المعتزلة ومنها:

- إذا لم تكن قدرة الله مؤثّرة فتسميتها قدرة لا معنى له إذ تعرف القدرة أنّها صفة مؤثرة على وفق الإرادة.

- الفرق بين القدرة والعلم أنّ العلم لا تأثير له والقدرة ذات تأثير، فإذا قال الأشاعرة بقدرة دون تأثير فكأنّهم خلطوا بين القدرة والعلم.

- إذا لم يكن للعبد اختيار فكيف يستحقّ الثواب أو العقاب؟

ويجيب على ذلك بأنّ القدرة لا تستلزم التأثير بل شيء أعمّ منه، وكذلك الفارق بين العلم والقدرة ليس التأثير بل هذا الشيء الأعمّ. والثواب والعقاب لا يستندان إلى مسألة الاختيار.

فموقف الدواني يتميّز بجديد وهو إقحام نظرة فلسفيّة لا تقوم على السببيّة ولكن على الوجود، باعتبار الوجود واحدا وكلّ ما عدا واجب الوجود من الممكنات، فلذلك استحال أن يكون الإنسان خالقا لأفعاله، لأنّه من الممكنات، لكن لا يستحيل تحصيله للأسباب التي هي أيضا من باب الممكنات. فالمقابلة لم تعد بين الأشاعرة من جهة والمعتزلة والفلاسفة من جهة أخرى، بل هي بين الأشاعرة وبعض الفلاسفة(أفلاطون، ابن سينا) من جهة والمعتزلة وفلاسفة آخرين من جهة أخرى. ويصحّ على الدواني قول ابن خلدون "توغّل المتأخرون في مخالطة كتب الفلسفة والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه واحدا... ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين والتبست مسائل الكلام"(7). بيد أنّ حكم ابن خلدون هو مجرّد موقف شخصي، فهذا الإقحام القويّ للفلسفة السينويّة كما أقدم عليه الدواني وغيره قد منح علم الكلام نفسا جديدا وأعانه على تطوير مواقفه من العديد من القضايا ومنها قضيّة الحريّة الإنسانيّة، من أجل رفع التناقض بين إفراد الألوهيّة بالخلق ومنح الإنسان حريّة فعله.

3- العصر الإصلاحي

ولم يكن صدفة أن يكون نصّ الدواني المنطلق في مناقشة هذه القضيّة في العصر الحديث، فقد اختاره جمال الدين الأفغاني عندما شرع يدرّس العقائد في مصر التي قدم إليها سنة 1876م، وأدرك أنّ مسلك الدواني يمكن أن يقتبس فيكون منطلقا تراثيّا لإعادة تشكيل علم الكلام الإسلامي في العصر الحديث. وتابعه محمد عبده في ذلك فاختار هذا النصّ موضوعا لتعليقات كنّا قد لفتنا النظر إلى قيمتها وأهميّتها في فهم قيام الإصلاحيّة الحديثة على خلفيّة سينويّة لا سلفيّة، على عكس ما يقال عادة(8).

يشير محمد عبده في تعليقه إلى أنّ الآيات التي تفرد الله بالخلق هي آيات تشمل جميع الموجودات ولا تتضمّن واجب الوجود، فكان الله خالق كلّ شيء إلا ذاته واجبة الوجود. والاستفهام الإنكاري في آية "هل من خالق غير الله" هو نفي مطلق للخالقيّة لغيره.

ويتوقّف عند رأي إمام الحرمين أبي المعالي الجويني الوارد في كتابه "الإرشاد" ويبدو أن عبده كان ينقل منه. ورأي الجويني أن نفي الخالقيّة قول قد عرض على العموم في عصر سابق للاختلافات المذهبيّة، ولم يفصّل القول فيه هل المقصود حدوث الحوادث جميعا بقدرة الله بالمباشرة أم بالواسطة وهل يلزم عن ذلك إبطال قاعدة الاختيار أو لا يلزم. ونفي القدرة والاستطاعة عن المكلفين ممّا يأباه العقل والحسّ، وإثبات قدرة لا اثر لها بوجه هو كنفي القدرة أصلا.

ويشرح عبده قول الجويني بأنّ لا بدّ من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة، ولكن لا على وجه الإحداث والخلق. فالخلق يشعر بالاستقلال في الإيجاد وفي العدم، أي أنّه يشعر بالخلق. والإنسان كما يحسّ من نفسه شيئا من الاستقلال يحسّ من نفسه أيضا بعدم الاستقلال. فالفعل يستند وجودا إلى القدرة والقدرة تستند وجودا إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة. وكذلك يستند إلى سبب حتى ينتهي إلى سبب الأسباب وإلى خالق الأسباب ومسبباتها المستغني بذاته عن كلّ سبب.

ويرى عبده أنّ القول بأنّ الممكن مستقلّ فيما يصدر عنه بعد القول بأنّه ممكن هو تناقض لا يمكن أن يذهب إليه أحد، "إلاّ أولئك الضعفاء من أهل القرون المظلمة الذي قالوا بالبخت والاتفاق"(9). فهذا ما يمكن أن يجمع عليه المتكلمون والفلاسفة والمسلمون وأتباع الملل الأخرى. ويرى أن رأي إمام الحرمين مناف لمذهب الأشعري ويؤدّي إلى القول بأنّ الممكن قد يصدر عنه شيء وهذا ما يتناقض مع مذهب الأشعري.

ورأي عبده: "ليس الفعل إلا مستندا إلى الواجب مباشرة بإيجاد خاصّ، بحيث يستند إليه الموجود بالذات حقيقة، ولكن ذلك يصعب إدراكه على غير المحقّق"(10). وقبل أن نتبيّن تفاصيل هذا الموقف نشير إلى أنّ عبده رفض الاستناد إلى الأدلّة النقليّة في هذه المسألة لأسباب خمسة:

أ- النص العام الذي يخصّصه الدليل العقلي ليس قطعي الدلالة.

ب- النصّ إذا خصّصه الدليل العقلي بما عدا الواجب فيمكن لدليل عقلي آخر أن يخصّصه بما عدا أفعال العباد.

ج- الإسنادات المجازيّة في القرآن وفي كلام العرب لا تكاد تحصر فيمكن أن تكون هذه النصوص منها.

د- كلمة "شيء" في اللسان العام وفي خطاب الشّرع الذي وجّه إلى الأميّين هو غير معناها في مصطلح علماء الكلام والفلاسفة.

ه- ما ورد في القرآن حول الخلق ردّ على الوثنيّين الذين يقولون بتعدّد الآلهة وليس تقريرا لمسألة خلق الأفعال أو عدمها.

لنأخذ مثلا الآية ﴿لا إله إلا هو خالق كلّ شيء فاعبدوه﴾ (الأنعام، 102). معنى الاعتراض الأوّل لعبده أنّ الآية لو أخذت على عمومها فهي تعني أنّ الله خالق كلّ شيء من ممكن الوجود وواجب الوجود، فلمّا كان العقل يمنع أن يكون واجب الوجود مخلوقا، أي أن يكون الله قد خلق ذاته، فقد خصّص المعنى العام للآية بدليل عقلي. وإذا خصّص العقل دلالة النصّ فقد امتنع أن يكون النصّ قطعي الدلالة. فإذا خّصص العقل هذه الآية في مسألة فمن الممكن أن يوجد أيضا دليل عقلي ثان يخصّصها في مسألة أخرى، مثل مسألة خلق أفعال العباد، فلا يمكن الاحتجاج بالنصّ في هذا المجال. ويمكن أيضا أن يكون الإسناد الوارد في هذه الآية من باب الإسناد المجازي، كما هو كثير في كلام العرب، فهذا سبب آخر لعدم الاحتجاج بالنصوص في هذا المجال. وكلمة "شيء" الواردة في الآية ليست لها معنى "شيء" في علم الكلام بمعنى الموجود الجوهر أو العرض أو الواجب الوجود والممكن الوجود لأنّ النصّ القرآني كان يتوجّه إلى أميّين لا إلى علماء كلام وفلاسفة. وأخيرا، يرجع عبده القول إلى سياقه بالتنبيه إلى أنّ هذا النوع من الآيات إنّما كان يقصد توحيد الله لا تقرير مسألة أفعال العباد، فهو ينفي أن يوجد خالق غير الله بمعنى أن توجد آلهة أخرى، وليس القصد نفي خالقيّة الإنسان لفعله أو إثباتها.

ويستخلص عبده ما يلي: "الصواب في اليقين بأمثال هذه المسائل الاعتماد على قرائن البراهين العقليّة والمقدّمات الصحيحة، فيكون النقل شاهدا على المطلوب مؤيّدا بدليل العقل ويتمّ بذلك تشريع الكامل"(11). فرأي عبده أن هذه المسائل خلافيّة لا يصحّ حسمها بالآيات والنصوص ولا يمكن البتّ فيها إلا بالعقل الذي يأتي النصّ شاهدا عليه، فالاتجاه هو من العقل إلى النقل، لما تبيّن من استحالة اعتماد النقل حسب الاعتراضات الخمس التي ذكرنا.

ويثبت هذا الموقف خطأ الذين اعتبروا موقف عبده الكلامي موقفا قريبا من ابن تيميّة، إذ يبدو أنّه على العكس تماما. فإذا قارنّا بـ"كتاب التوحيد" مثلا للشيخ محمّد بن عبد الوهّاب نرى الفارق واضحا، إذ تقوم الاستدلالات في هذا الكتاب على أدلّة نقليّة صرفة. أمّا عبده فينفي إمكانيّة حسم هذه الأمور بالنقل وحده، ويدعو إلى أوليّة الدليل العقلي، فهو أقرب إلى اتجاه الدواني منه إلى اتجاه ابن تيميّة.

أمّا رأيه في نظريّة الكسب الأشعريّة فالملاحظ أنّ عبده إنما عرف رأي الأشعري من خلال المنقول عنه، وهو يستند تخصيصا إلى ما نقله الشهرستاني الذي نسب إلى الأشعري القول إنّ العبد قادر على أفعاله لأنّه يميّز بين الأفعال الاضطراريّة مثل الارتعاش والأفعال التي تتوقّف على قدرته كالأكل. ويرى عبده أن في هذا القول تصريحا وتلويحا بأنّ الفعل موقوف على قدرة العبد وأنّ للقدرة مدخلا في حصول الفعل. وتلك المدخليّة ليست مدخليّة التأثير التي يختصّ بها واجب الوجود بل هي مدخليّة الآليّة، بمعني أنّ الله خالق فعل العبد بأن وهبه الآلات التي يقدر بها على الفعل. فالأكل مثلا من قدرة العبد لكنّه من خلق الله الذي أوجد للإنسان آلاته مثل اليد والمعدة. ويرى محمّد عبده أنّ الأشاعرة لم يفهموا مذهب الأشعري فهما صحيحا فكثر "هذيانهم" في الموضوع والرأي الصحيح هو الذي حقّقه عبده هنا.

أعاد عبده تأويل الأشعري نقلا عن الشهرستاني، ودون الاستناد إلى دليل من نصوص الأشعري ذاته، فهذا الرجل الذي اتخذ إماما للسنّة وتجاوزت كتبه المائة كتاب في بعض الأقوال قد أتلفت آثاره عدا بضعة منها، والأكيد أنّ عبده لم يكن مطلعا على كتابه الأساسي الذي حفظ لنا وهو كتاب "اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع"، وإلاّ كان نقل منه رأي الأشعري في الكسب(12) بدل نقله من طريق الشهرستاني. وكتاب "اللمع" لا توجد منه إلا مخطوطتان إحداهما في المتحف البريطاني والثانية في الجامعة الأمريكيّة ببيروت، وقد نشر أوّل مرّة نشرا علميّا حديثا مع ترجمة إلى الإنجليزيّة سنة 1953 على يد الأب مكارثي الذي بذل جهدا رائعا في توفير أهمّ نصّ عقائدي للمسلمين. وإذا لم ينقل عبده مباشرة من "اللمع" فذلك دليل خلوّ القاهرة آنذاك من نسخة منه، مع أنّ الأزهر كان مرجع العقيدة الأشعريّة.

والمهمّ أن عبده يواصل سلسلة تأويل أشعريّة طويلة ويدلي بدلوه فيها ويوجّه قول الأشعري بما يناسب فهمه ورغبته ويرى أنّ توجيه نظريّة الكسب هذه الوجهة يخرجها عن المأزق التي تردّت فيها ويجيب على الاعتراضات المعتزليّة الثلاث التي ذكرنا سابقا. "وهذا ليس مذهب المعتزلة القائلين بأنّ الفعل ناشئ عن قدرة العبد ولا مدخل لقدرة الربّ فيه إلاّ بإيجاد سببه وهو قدرة العبد، ولا مشهور الفلاسفة، ولا قول إمام الحرمين إذ هو عين المذهبين. ولا ما فهمه أصحابنا(يقصد الأشاعرة) من دخوله تحت قدرة معطلة لا مدخل لها في الإيجاد بوجه، فإنّه عين الجبر"(13).

ويتوقّف عبده عند مسألة التمييز بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري فيشير إلى أنّ أفعال الحيوان أيضا هي أفعال اضطراريّة وهي من غير نوع حركة المرتعش، فثمّة اضطرار مع المدافعة مثل المرتعش الذي يحاول السيطرة على حركته فلا يستطيع واضطرار دون مدافعة مثل حركة الحيوان. فلذلك يدخل عبده فكرة جديدة ومهمّة وهي أن التمييز بين الاضطرار أو الاختيار لا يرجع إلى نوع الفعل بل إلى العلاقة الوجدانيّة للإنسان بفعله، "فالصواب أن يقال إنّنا نجد من أنفسنا وجدانا صادقا أنّه يصحّ لنا أن نترك ونتمكن منه ولا كذلك المضطرّ"(14).

وقد رأينا أنّ الأشاعرة يجيبون على الاعتراض الثالث للمعتزلة بالقول إنّ التكليف لا يرتبط بالفعل، فالله متصرّف مطلق يثيب من يشاء ويعاقب من يشاء. لكنّ عبده يرفض هذا الردّ ويرى أن الله لا بدّ أن يكون عادلا في ثوابه وعقابه ولا بدّ أن يحدث الأشياء لمصلحة الإنسان وهو منزّه عن المصالح. ويرجع إلى التأويل الذي اقترحه للمذهب الأشعري ليقول إن حلّ هذه المشكلة هو أن الله قد نظم الأسباب والمسببات والإنسان يعاقب إذا أحجم عما فيه الخير وثاب إذا اتخذ له أسبابا، فعدل الله هو إفاضة المسببات وربطها بأسبابها وحجبها عند عدمها، وبذلك صحّ تكليف الإنسان.

هكذا يكون عبده قد أعاد إدخال فكرة السببيّة من داخل التراث الكلامي نفسه، وذلك من خلال فكرة "مدخليّة الآلة"، التي تمنح الإنسان حريّة فعله مع الالتزام بالقواعد المنطقيّة لعلم الكلام القديم، ومنها قاعدة امتناع إحداث الممكن للممكن. ومع أنّ كلّ هذه المباحث قد تبدو اليوم غريبة عن الذوق المعاصر، فإنّ من المهمّ إدراك قيمتها التاريخيّة والعمليّة.

فمن جهة أولى، سمح هذا التطوّر بالتهيؤ لمواجهة أكبر تهمة واجهت الإسلام في العصر الحديث وهي القول بأنّه ينفي الحريّة الإنسانيّة. فبعد سنوات طويلة من هذه التحقيقات التي قام بها عبده من داخل التراث وجد نفسه يواجه هذه التهمة وهو في باريس يعدّ مع الأفغاني صحيفة "العروة الوثقى"، وقد أفردت هذه الصحيفة مقالا طويلا لردّ اتهام الإسلام بنفي الحريّة الإنسانيّة، ونقرأ في هذا المقال الذي من المرجّح أن يكون عبده كاتبه: "سهل على من له فكر أن يلتفت إلى كلّ حادث له سبب يقارنه في الزمان وأنّه لا يرى من سلسلة الأسباب إلا ما هو حاضر لديه ولا يعلم ماضيها إلا مبدع نظامها، وأنّ لكلّ منها مدخلا فيما بعده(...) وإرادة الإنسان إنّما هي حلقة من حلقات تلك السلسلة"(15). فهذا رأي من صنف ما كان توصّل إليه عبده في تعليقه على شرح الدواني للعقائد العضديّة.

ومن جهة ثانية، سمح هذا التطوّر بالتميّز عن السلفيّة النصانيّة التي تظنّ أنّها ترجع إلى الأصول وهي إنّما ترجع إلى قراءات ظاهريّة للنصوص ولا تأخذ بعين الاعتبار الجدل الثريّ الذي شهده العصر المدرسي. فأقطاب هذا العصر لم يكونوا جاهلين بالنصوص لكنّهم كانوا يدركون مدى تعقّد عمليّات القراءة والتأويل.

ومن جهة ثالثة، حاول عبده أن يجدّد دون أن يخرج على المذهب السائد، وذلك بالاستناد إلى أحد أعلامه، ولم يكن ذلك ممكنا لولا تضلعه في التراث الكلامي. وقد كتب "رسالة التوحيد" لتكون أفقا مشتركا بين المسلمين دون الخوض في التفاصيل، واقترح تحديدا هذا الرأي في مسألة الحريّة الإنسانيّة، ثم ختم بالقول: "هذا الذي قرّرناه قد اهتدى إليه سلف الأمّة فقاموا من الأعمال بما عجبت له الأمم، وعوّل عليه من متأخّري أهل النظر إمام الحرمين الجويني، وإن أنكر عليه بعض من لم يفهمه"(16). وهذا يشير إلى تطوّر في موقف عبده نفسه، الذي قد يكون في الإثناء تعمّق في موقف ابن رشد بمناسبة المجادلة المشهور مع فرح أنطون، وابن رشد كان الأوضح بين المفكرين المسلمين القدامى في بناء مسألة الحريّة الإنسانيّة على مقولة تراتبيّة الأسباب.

وهكذا يكون علم الكلام الإسلامي قد بدأ بفكرة حريّة الفعل الإنساني وانتهى إليها، وقد عاش في كلّ عصوره توتّرا لم يحسم إلاّ في العصر الحديث. ولئن لم تكن الرغبة في الدفاع عن حريّة الإنسان مذهب الأغلبيّة فإنّها ظلّت تطفو على السطح بطرق ملتوية من خلال مقرّرات وشروح العصر المدرسي. وكان علم الكلام الإسلامي عنيدا في رفض اقتباس حلّ يقوم على السببيّة الأرسطيّة، ولم يحسم الجدل إلاّ في العصر الحديث(بالتحقيب الإسلامي، أي القرن التاسع عشر)، والحقيقة أنّ هذا الحسم قد جاء متأخّرا، لأنّ العصر الحديث هو عصر قيام فلسفة خارج الأرسطيّة ومقولاتها. إلاّ أنّ الدافع إلى تأكيد الحريّة الإنسانيّة في العصر الإصلاحي لم يكن كلاميّا وفلسفيّا بقدر ما كان عمليّا يتصل باستحالة الإصلاح دون منح الإنسان دورا واضحا في مسؤوليّة أفعاله.

***************

الحواشي

*) باحث وأكاديمي من تونس.

1) نميّز بين عصور أربعة في الحضارة الإسلاميّة هي عصر التأسيس (القرن الأوّل والثاني من الهجرة)، العصر الكلاسيكي (من القرن الثالث إلى القرن السادس)، العصر المدرسي (بداية من القرن السابع)، العصر الحديث.

2) الشهرستاني، كتاب الملل والنحل، ط. دار الكتب العلميّة، بيروت، د ت، ص85.

3) ابن خلدون، المقدّمة، ط. تونس، الدار التونسيّة للنشر، 1993م، ص558.

4) يراجع:

Gardet (L.) et Anawati (M.-M), Introduction à la théologie musulmane. Paris, Vrin, 1970.

5) المواقف للإيجي بشرح الشريف الجرجاني، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1998م، ج7، ص172.

6) شرح الدواني للعقائد العضديّة مع تعليقات الشيخ محمّد عبده، نشره سليمان دنيا تحت عنوان: محمد عبده بين الفلاسفة والكلاميّين، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة، 1958م. ص262.

7) ابن خلدون، المقدّمة، مرجع مذكور، ص566.

8) يراجع كتابنا: محمّد عبده، قراءة جديدة. بيروت، دار الطليعة، 2003م.

9) شرح الدواني للعقائد العضديّة مع تعليقات الشيخ محمّد عبده، مرجع مذكور، ص260.

10) المرجع السابق، ص260.

11) المرجع السابق، ص261.

12) راجع كتاب اللمع، ط. دار لبنان، بيروت، م1987، ص116- 123.

13) شرح الدواني للعقائد العضديّة مع تعليقات الشيخ محمّد عبده، مرجع مذكور، ص264.

14) المرجع السابق، ص265.

15) العروة الوثقى، بيروت، دار الكتاب العربي، 1983م، ص52.

16) عبده، رسالة التوحيد، ط. دار المعارف، القاهرة، د ت، ص66.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=305

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك