تَضْيِيعُ الأَمَانَة
د. خالد عايد الجنفاوي
“إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” ( الأحزاب 72).
الأَمَانَة في سياق هذه المقالة هي ما يستوجب على الانسان السوي الايفاء به، وبخاصة في ما يتعلق بالوعود والعهود والمواثيق الاخلاقية، التي من المفترض أن ترتكز عليها العلاقات الانسانية المختلفة، وعلاقة الفرد بمجتمعه وبتراثه وبهويته الثقافية.
وعندما يستفحل شرُّ ظاهرة تضييع الأمانة في أي بيئة اجتماعية، يدل ذلك على بروز ما يناقضها، مثل كلام وأقوال وكتابات وسلوكيات وتصرفات الخداع والزيف والكذب، ومخاتلة الاهل والاصحاب وأعضاء المجتمع الآخرين، والانغماس المتواصل في الغش والتزوير، والتقليل من أهمية الاستقامة الاخلاقية، والتحريض على خيانة الامانة، والعياذ بالله، بزعم غلبة الحرية الشخصية، أو بسبب رواج الأثرة، وقلة الاقبال على الايثار.
وبالطبع، سيؤدي التعمد في تضييع الامانة إلى إحداث المشكلات بين الناس، وإلى نشر السلوكيات الهدامة في المجتمع، وترسيخ الانانية النرجسية، بحجة الاستقلالية الذاتية والعيش بحرية، وما يشابهها من شعارات مزيفة أو مستوردة لا تعبر عن الطبيعة الاصلية للهوية الثقافية للمجتمع.
ومن بعض مظاهر تضييع الامانة في عالم اليوم ما يلي:
– تضييع أمانة البرِّ بالوالدين وتفضيل الزوج أو الزوجة عليهما بزعم تقديم أولويات الاسرة النووية على أولوية العناية والاهتمام بالوالدين.
– رمي الكلام على عواهنه، هو أحدى علامات تضييع أمانة الكلمة، حتى إنّ المرء لا يبالي إذا كان قد أصاب في قوله أو أخطأ.
-ضعف الالتزام بأداء الواجبات الوظيفية، وفقاً لما يشترطه التوصيف الوظيفي.
-السماح للسفهاء (خفاف العقول) بتصدُّر المجالس والتقدّم على العقلاء، هو أسوأ أنواع تضييع الامانة.
-تسويغ الفساد والعزوف عن مكافحته بزعم انتشاره السرطاني في المجتمع.
-الاحجام عن الايفاء بكامل مسؤوليات وواجبات المواطنة الحقة، بزعم تردد الاغلبية أو الاقلية المؤثرة في المجتمع عن الايفاء الكامل بمسؤولياتها وواجباتها الاجتماعية والوطنية.
– تَضْيِيعُ الانسان لحياته عن طريق امتناعه الاختياري عن وضع أولويات وأهداف شخصية ايجابية وبناءة ستُمَكِّنُه من عيش حياة إنسانية متكاملة ومجزية.
-البَطرُ مع الكِبْرُ تضييعٌ لأمانة شُكر النِّعَم.