جحيم التضخم: أزمة فنزويلا الاقتصادية

 
يعتبر ارتفاع معدلات التضخم من أبرز التحديات التى تواجه اقتصادات الدول، حيث يؤدي هذا الارتفاع إلى شل القدرة الشرائية للمواطن و يتسبب في زيادة نفقات الدولة من أجل تغطية اختلالات السوق. في العديد الدول من شكل اختلال مؤشر التضخم وإرتفاعه بشكل كبير إلى أزمات اقتصادية خانقة تسببت في ضرب اقتصادات هذه الدول و أدت بها إلى الدخول في نفق الأزمات بمختلف أنواعها.

فنزويلا إحدى أقوى اقتصادات أمريكا الجنوبية تعيش أزمة  اقتصادية خانقة بسبب الارتفاع الكبير في معدلات التضخم والذي تسبب في هبوط العملة الفنزويلية وانهيارها أمام العملات الأخرى خاصة الدولار. ولم تعد الدولة قادرة على شراء حاجياتها من الخارج بسبب ضخامة الديون ، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن 80% من أدويتها لم تعد موجودة في فنزويلا بسبب عدم وجود المصادر المالية اللازمة لشراء هذه الأدوية. تسلط هذه المقالة الضوء على أزمة فنزويلا الاقتصادية ودور إرتفاع معدلات التضخم في إنهيار اقتصاد الدولة.

دورهبوط أسعار النفط  في الأزمة

يلعب النفط دورا هاما في اقتصاد فنزويلا باعتبراها إحدى الدول الكبرى المصدرة للنفط والغاز ، وقد كان للهزات التى عرفتها أسواق النفط خلال السنوات الأخيرة تأثيرا بالغا على اقتصاد الدولة ، حيث أدى الهبوط الشديد في أسعار النفط إلى عجز في الميزانية انعكس سلبا على خطط الحكومة التنموية وزاد من اعتمادها على الديون الخارجية لتغطية هذا العجز حيث تمثل صادرات النفط 98 في المائة من عائدات التصدير وما يصل إلى 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.. كان انخفاض أسعار النفط  الأشد تأثيرا على الاقتصاد الفنزولي في الفترة من 2014 وحاتى 2016 ، حيث انخفض سعر البرميل من 100 دولار إلى 30 دولار، وتسببت هذه الهزة العنيفة فيما يلي:

انخفاض الإنتاج ، حيث انخفض إنتاج النفط لعقود ليصل إلى أقل مستوياته في عام 2018.

تقلص الناتج المحلي الإجمالي بأرقام مضاعفة للسنة الثالثة على التوالي.

إرتفاع مخيف في حجم الديون ، حيث وصلت الديون مليارات الدولارات بعد أن تخلفت الدولة عن سداد ديونها في 2017.

التضخم القاتل ، حيث وصل معدل التضخم السنوي أكثر من 80 ألف في المائة.

وقد تسبب النتائج المدمرة لإنهيار الاقتصاد الفينزولي في أزمة إنسانية مدمرة ،مع نقص حاد في السلع الأساسية ،مثل الغذاء والإمدادات الطبية ،وفي سنة 2017 ،خسر الفنزويليون ما معدله 24 رطل من وزن الجسم بينما سجلت معدلات الفقر أعلى مستويات له حيث أن تسعة من أصل عشرة يعيشون في فقر مدقع بينما سجلت هجرة جماعية من البلاد حيث سجلت التقارير أن واحد  من  أصل عشرة فروا من البلاد.

غياب التسيير الشفاف والرقابة

تحتاج الدول التى تعتمد على النفط كمصدر أساسي لدخلها القومي إلى مؤسسات ديمقراطية قوية قادرة على أن تكون منظومة حماية لهذ الموارد من الفاسد وسوء التسيير. فعلى سبيل المثال ،ساعدت المؤسسات القوية في النرويج البلاد على التمتع بنمو اقتصادي مطرد منذ الستينيات، عندما تم اكتشاف احتياطيات نفطية هائلة في بحر الشمال.

وفي هذا الصدد تحتاج فنزويلا التى تشكل فيها مدخلات النفط 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 80 في المائة من صادراتها مؤسسات القوية حيث يجب أن تتوفرصحافة مستقلة ومنظومة قضائية مستقلو وفعالة وذلك  للحد من المشاكل التى تطبع تسيير الموارد ولتكون هذه المؤسسات أداة رقابية  تشرف على محاسبة الشركات الحكومية وشركات الطاقة.

تسيير مدخلات الموارد النفطية تحتاج إلى الكثير من الشفافية والرقابة و الخطط و الاستراتيجيات التطويرية التى تقوم على تنويع الاقتصاد من خلال دعم موارد أخرى توفر دخلا للدولة وتشكل مصدرا من مصادر السيولة هذه السياسات هي التى تستطيع من خلالها الدول النفطية  التغلب على الهزات الاقتصادية التى تسببها أسواق النفط والتى تحدث عجزا كبيرا في ميزانياتها.

غياب الرؤية المستقبلية

من قوانين الاستثمار المعروفة أن لا تضع كل البيض في سلة واحدة ، يبدو أن فيزويلا لم تستفد من هذه المقولة ، حيث غابت الرؤية المستقبلية للاستفادة من الموارد النفطية ، فالدولة التى تشكل صادراتها النفطية 95 % من مجموع الصادرات لم تعمل خلال فترات إزدهار أسواق النفط على تنويع اقتصادها وخلق مصادر جديدة للسيولة من خلال دعم القطاع الخاص ودعم المشاريع الصناعية والزراعية القادرة على انعاش الاقتصاد وتخفيف العبئ على الميزانية لشراء المواد الأولية والغذائية، وشكل هذا الخلل نقطة ضعف في سياسات الحكومة الفنزويلية لا زالت تبعاته تعصف بالاقتصاد اليوم.

كما عانت فنزويلا من زيادة النفقات على القطاع العسكري فيها حيث تعتبر من أكثر دول أمريكا الشمالية انفاقا على الجانب العسكري و في المرتبة 21 على مستوى العالم، طريقة الانفاق هذه زادت من الفجوة بين قطاعات الدولة الأساسية كالتعليم والصحة.

فنزويلا الدولة التى تمتلك موارد نفطية كبيرة تتجه نحو الإنهيار والإفلاس والسبب غياب الرؤية الاقتصادية الرشيدة وضعف الاستراتيجيات المستقبلية والارتهان لمؤسسات التمويل الدولية ،دروس كثيرة تقدمها الحالة الفنزويلية للدول النامية ودول العالم الثالث أهم هذه الدرووس أن الثروة والموارد الطبيعية ليست مصدرا للتقدم والنمو إذا غابت أو غيبت الرؤى الرشيدة وغابت الشفافية والرقابة فقد تتحول هذه المصادر الطبيعية من عنصر بناء إلى عنصر خراب.

المصدر: https://islamonline.net/28638

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك