كيف يظهر العنف في سلوك الجماعات؟

كيف يظهر العنف في سلوك الجماعات؟

زكي الميلاد*

أولاً: مقدمات نظرية في المنهج

طبيعة العنف

العنف ظاهرة قديمة ومعقدة ومركبة. وقد ارتبطت هذه الظاهرة بالاجتماع الإنساني في كافة مراحله وأطواره، القديمة والحديثة والمعاصرة، وفي مختلف التقسيمات الأخرى التي وضعتها العلوم الاجتماعية والإنسانية لتطور وتحول الاجتماع الإنساني. ومهما تعددت وتباينت الملامح والمكونات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الاجتماع الإنساني، ومهما اختلفت وتباينت الملامح والمستويات المدنية والحضارية.

فظاهرة العنف لا يمكن أن تتحدد بزمن أو بعصر معين، فقد كانت لها تشكلات في جميع الأزمنة والعصور. ولا يمكن أيضاً أن تتحدد بدين أو عقيدة خاصة، فقد ارتبطت بجميع الديانات من حيث الانتساب البشري، وكانت لها تشكلات في المجتمعات اليهودية والمسيحية والإسلامية. كما لا يمكن أن تتحدد بثقافة أو هوية معينة، فقد كانت لها تشكلات في مختلف الثقافات والهويات. وهكذا من جهة تباين المستويات الحضارية والمدنية، فالعنف ليس ظاهرة خاصة بالمجتمعات غير المدنية أو الأقل تمدناً، فهو يمثل ظاهرة حتى في المجتمعات التي توصف كذلك بالتمدن والتحضر.

لكن الذي يختلف بين هذه التقسيمات والتصنيفات هو في صور التعبير عن العنف، وفي طبيعة أنماطه السلوكية، وفي نوعية المسوغات التي تبرر له، أو تكسبه مشروعية، أو تحدد له مصلحة ما.

وليس المقصود من هذا التصوير والإطلاق إعطاء العنف صفة التحكم والبقاء، أو التبرير له بأي صورة كانت. وإنما المقصود تجريد العنف من أي صفة ثابتة تلصق به أو تتلازم معه، فالعنف لا دين له ولا هوية ولا ثقافة، ولا حتى مدنية. هذا من حيث إِنّ العنف ظاهرة قديمة.

العلوم الاجتماعية وظاهرة العنف

لقد توقفت العلوم الاجتماعية والإنسانية كثيراً أمام ظاهرة العنف، دراسة وتوصيفاً وتحليلاً. دراسة لمعرفة كيف تنشأ هذه الظاهرة وتتطور وتتجذر، وتوصيفاً لمعرفة ملامحها وأنماطها وصورها، وتحليلاً لمعرفة عناصرها ومكوناتها ومنطقها الداخلي. وقد عكست هذه العلوم خبرتها المعرفية والمنهجية في التعامل مع هذه الظاهرة التي فرضت وجوداً يستدعي الاهتمام بها بدرجة عالية، بسبب حساسيتها وخطورتها من جهة، وبسبب آثارها وتداعياتها من جهة أخرى.

ولأن العنف ظاهرة قابلة للانقسام والتعدد من حيث توصيفاتها وأنماطها، لهذا فقد خضعت هذه الظاهرة إلى دراسات وتحليلات عديدة بحسب تعدد العلوم الاجتماعية والإنسانية، فعلماء النفس حاولوا دراسة هذه الظاهرة من ناحية نفسية، باعتبار أن العنف في نظرهم يمثل سلوكاً عدوانياً له دوافعه النفسية الغريزية أو المكتسبة. الغريزية كالغضب والانفعال، والمكتسبة وهي تلك المؤثرات المتراكمة التي يتعرض لها الفرد في داخل بيئته الأسرية أو بيئته الاجتماعية، فالإنسان الذي يتعرض إلى العنف باستمرار أو يعيش في بيئة يمارس فيها العنف، تكون له قابلية أكبر في أن يصدر منه سلوكٌ عنيفٌ.

وعلماء الاجتماع حاولوا دراسة هذه الظاهرة من ناحية اجتماعية، باعتبار أن العنف يمثل ظاهرة اجتماعية تأثراً وتأثيراً، وليس مجرد ظاهرة فردية. تأثراً من حيث الدواعي والمسببات، وتأثيراً من حيث النتائج والتداعيات.

وحاول علماء السياسة دراسة هذه الظاهرة أيضاً، بوصفها ظاهرة سياسية، ترتبط بمفهوم السلطة من حيث التأثير عليها، أو من حيث العمل على الوصول إليها. وهكذا حاول علماء القانون دراسة هذه الظاهرة بوصفها تتصف بسلوك يتجاوز القانون ويعتدي على حرمة النظام العام. إضافة إلى علماء التربية والأخلاق الذين حاولوا كذلك دراسة هذه الظاهرة بوصفها تتسبب في إيذاء الآخرين والإضرار بهم، ولأنها تنطلق حسب رؤيتهم من دوافع عدوانية، وتتشكل في سلوك عدواني يتناقض مع قيم التربية في بناء الإنسان الصالح، ومع قيم الأخلاق في تهذيب النفس وإصلاحها.

لهذا ينبغي الاستفادة من خبرات هذه العلوم ومعارفها ومنهجياتها في طرائق النظر لهذه الظاهرة وأساليب التعامل معها، وفي فهمها وتوصيفها وتفسيرها. وهذا من حيث إن العنف ظاهرة معقدة.

مركب ظاهرة العنف

العنف ظاهرة مركبة من ثلاثة عناصر متصلة ومترابطة. العنصر الأول يتصل بعالم الأفكار، والعنصر الثاني يتصل بالبيئة الاجتماعية التي يتولد فيها العنف، والعنصر الثالث يتصل بالنشاط السلوكي للعنف.

ولا يمكن أن نفهم ظاهرة العنف دون النظر إلى هذه العناصر بصورة مركبة ومتصلة فيما بينها، والنظر إليها بصورة أحادية ومفككة لا يساعد على تكوين فهم ناضج وعميق لهذه الظاهرة. فعالم الأفكار هو العنصر الخفي لكنه الأكثر جوهرية في معرفة المنطق الداخلي لظاهرة العنف، فالأفكار هي التي تقوم بدور تشكيل المسوغات، وبناء القناعات، وإضفاء الشرعية على هذا النمط من السلوك.

والبيئة الاجتماعية هي التي تسهم في توليد البواعث والمحرِّضات الحسية، وخلق الانطباعات والصور الذهنية المحركة لهذا السلوك. والأفكار وحدها لا تكون مؤثرة، ولا تتحول إلى ظاهرة سلوكية إذا لم تجد ما يبررها، ويحفز عليها من داخل البيئة الاجتماعية. وبمعنى آخر أن الأفكار لا تكتسب قوة التأثير إلا إذا اتصلت بسياق تتفاعل معه، وبدون هذا السياق لا تتحول الأفكار غالباً من عالم النظرية إلى عالم السلوك. والبيئة الاجتماعية هي التي تشكل السياق الذي يحرض تلك الأفكار في أن تتحول إلى نشاط سلوكي، وإلى ظاهرة تنزع نحو العنف، لأن العنف ظاهرة ليست طبيعية ومؤتلفة أو حتى مقبولة؛ لهذا فهي بحاجة إلى ما يبررها، ويحرض عليها، ويكسبها قدراً من المشروعية، ولا يتحقق ذلك إلا بواسطة مجموعة من الأفكار إلى جانب ما يصدّق هذه الأفكار من البيئة الاجتماعية على صورة وقائع وظواهر تتصف بالانتقائية، وتفسر بحسب تلك الأفكار وطبيعة منطقها الداخلي.

والنشاط السلوكي للعنف تتحدد صورته ونمطيته بحسب طبيعة الأفكار المكوّنة له من جهة، وبحسب طبيعة البيئة الاجتماعية التي يتولد منها ويظهر فيها من جهة أخرى. وباختلاف هذه البيئات الاجتماعية قد تختلف أو تتعدد صور ظواهر العنف وأنماطه. ويمكن أن تتحد هذه الظواهر أو تتقارب من جهة عالم الأفكار، لكنها تختلف وتتعدد من جهة اختلاف وتعدد البيئات الاجتماعية.

وهذا التحليل يصدق فقط على عنف الجماعات وليس عنف الأفراد، وعلى العنف المنهجي أو المنظم وليس على العنف العفوي أو المنقطع. وهذا من حيث إن العنف ظاهرة مركبة.

أنماط العنف

هناك تقسيمات عديدة لصور وأشكال وأنماط العنف. فتارة يقسم بحسب صورته العامة، ومن هذه الجهة يقسم العنف إلى ثلاثة أقسام، العنف الصادر من الأفراد، والعنف الصادر من الجماعات، والعنف الصادر من الحكومات.

وتارة يقسم بحسب مجاله، ومن هذه الجهة يقسم العنف إلى أقسام عديدة، منها العنف الاجتماعي كالعنف الذي يمارس ضد المرأة مثلاً، ومنها العنف الاقتصادي كعنف الجرائم المنظمة الذي ينطلق بسبب دوافع مالية وتجارية، ومنها العنف الثقافي كالعنف الذي يمارس بسبب حرية التعبير، ومنها العنف السياسي كالعنف الذي يمارس بسبب المطالبة بالحريات العامة.. إلى غير ذلك.

وتارة يقسم بحسب المشروعية، ومن هذه الجهة يقسم إلى عنف مشروع وعنف غير مشروع. وتارة يقسم العنف بحسب زمنه، ومن هذه الجهة يقسم إلى عنف عفوي أو طارئ كالذي يحدث بسبب ارتفاع الأسعار مثلاً، وإلى عنف منظم ومستمر.

وتارة يقسم العنف بحسب الهويات الدينية والثقافية، فيقال: عنف يهودي، أو عنف مسيحي أو عنف إسلامي، من جهة انتماء الأشخاص وليس الدين. وتارة يقسم العنف بحسب الدول والقوميات، فيقال: عنف إيرلندي، أو عنف باسكي نسبة لإقليم الباسك بين إسبانيا وفرنسا. وهكذا بحسب الطوائف والجماعات إلى غير ذلك من التقسيمات.

وتكشف هذه الأنماط عن مدى اتساع وانتشار ظاهرة العنف بين الدول والمجتمعات والهويات والثقافات، وكيف أن العنف لا مكان له ولا زمان، ولا حتى هوية ولا دين ولا وطن. كما تكشف أيضاً عن تعدد الأسباب والخلفيات المباشرة وغير المباشرة، الأولية أو الثانوية في تشكل هذه الظاهرة. وتكشف من ناحية ثالثة عن تزايد الاهتمام بهذه الظاهرة، وتوجه الأنظار إليها على نطاق واسع.

لهذا ينبغي أن نحدد صورة العنف الذي نقصده بالحديث، لكي تتحدد لنا الظاهرة بصورة يمكن ضبطها وتشخيصها، وتوصيفها بدقة ما أمكن. لا أن نتعامل معها بطريقة تتصف بالاختزال والإطلاق والتعميم. والضبط والتحديد هو من شرائط ومقتضيات التحليل العلمي والمنهجي، خصوصاً وأننا أمام ظاهرة لها قابلية التعدد والانقسام، والتشكل في صور وأنماط متباينة.

ثانياً: نظريات واتجاهات في التفسير والتحليل

بعد تلك المقدمات النظرية نقترب من جوهر القضية التي نحاول أن نجتهد فيها تفسيراً وتحليلاً بواسطة عوامل واتجاهات متعددة.

وفي البدء لابد من القول بأن العنف الذي نقصده بالحديث هنا هو عنف الجماعات وليس الأفراد. وتحديداً عنف الجماعات السياسية والدينية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي. وذلك لمعرفة كيف تحول العنف إلى سلوك في هذه الجماعات؟ أو كيف تقبلت هذه الجماعات إتخاذ العنف سلوكاً لها في نشاطها وحركتها؟ فهل هذا السلوك كان باختيارها وإرادتها؟ أم أنها أكرهت عليه، أو اندفعت نحوه نتيجة ظروف ووضعيات خاصة مرت بها؟

وبعبارة أخرى هل العنف هو من طبيعة هذه الجماعة التي اتخذت منه سلوكاً؟ أم أنه جاء نتيجة تحولات مرت بها هذه الجماعات؟

والمقصود بالسلوك هنا ليس السلوك الطارئ أو العفوي الذي يزول بسرعة بزوال السبب أو الظرف المتصل به، وإنما السلوك الذي يمتزج بالرؤية السياسية والثقافية في هذه الجماعات.

ومن تلك المقدمات النظرية يتأكد لنا ضرورة دراسة ظاهرة العنف ليس بطريقة أحادية أو بالاعتماد على عامل واحد فحسب مهما كانت قوة هذا العامل وفاعليته، وإنما يتناول بطرائق وعوامل مختلفة ومتعددة لكي نتمكن من الإحاطة بفهم وتفسير هذه الظاهرة المعقدة والمركبة.

وفي هذا المجال يمكن تطبيق ثلاثة عوامل أساسية، هي:

1- العامل الاجتماعي والاقتصادي

2- العامل الديني والأيديولوجي

3- العامل السياسي والعسكري

وكل واحد من هذه العوامل يفسر جانباً أساسياً لظاهرة العنف في الجماعات، وكيف يتحول العنف إلى سلوك في هذه الجماعات.

أولاً: العامل الاجتماعي والاقتصادي

يحاول هذا العامل أن يقدم تفسيراً لظاهرة العنف من جهتين، من جهة عامة، ومن جهة خاصة. الجهة عامة ترتبط بالبيئة الاجتماعية التي تكونت فيها ظاهرة العنف، وعلاقة هذه الظاهرة بطبيعة التكوينات الاجتماعية والبِنى الاقتصادية في تلك البيئة، وذلك لمعرفة وتحديد نوعية المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية، وحجمها ووزنها في التأثير.

والجهة خاصة ترتبط بظاهرة العنف نفسها بوصفها تمثل ظاهرة اجتماعية، ومحاولة تفسيرها والكشف عنها، بتطبيق المنظور الاجتماعي والاقتصادي عليها.

وفي هذا المجال هناك العديد من النظريات، سوف أكتفي هنا بالحديث عن ثلاث نظريات منها قد تكون من أهم النظريات في هذا الشأن.

النظرية الأولى: هناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوين الاجتماعي الذي يتصل بجانب السن. وحسب هذه النظرية فإن العنف يظهر عند الجماعات التي يغلب عليها الجيل الشاب، ويستدلّ على ذلك بأن معظم الجماعات التي سلكت نهج العنف هي جماعات شابة من حيث تكوينها البشري. وهذا يصدق على كثير من الجماعات التي ظهرت في العالم العربي. وأن بعض الجماعات تجاوزت وتخلت عن مسلك العنف حينما تجاوزت مرحلة التكوين الشبابي. وذلك باعتبار أن مرحلة الشباب هي المرحلة التي يغلب عليها الحماس والاندفاع وسرعة الانفعال، وعدم تقدير المواقف والأمور بنظر بعيد ورؤية سديدة.

النظرية الثانية: وهناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوينات الاجتماعية التي تتصل بجانب نوعية البيئة. وحسب هذه النظرية فإن العنف يظهر غالباً عند الجماعات التي تنتمي إلى بيئات تتصف بالقسوة والخشونة، كالبيئات التي لها تكوينات صحراوية وجبلية، وتزداد القناعة بهذا الرأي إذا صاحب تلك البيئات انخفاض في مستويات التمدن العام. ولهذا يقال أن العنف في مصر ظهر في المناطق القِبلية أكثر من المناطق البحرية لهذا السبب. وهكذا الحال في مناطق أخرى.

النظرية الثالثة: وحسب هذه النظرية فإن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوينات الاجتماعية الاقتصادية التي تتصل بالجانب الطبقي، ولهذا يظهر العنف غالباً عند الجماعات التي يغلب على تكوينها البشري الانتماء إلى الطبقة الفقيرة أو المتوسطة خصوصاً في البيئات التي يحدث فيها اختلالات طبقية حادة، وتتفاوت فيها الفوارق الاجتماعية بصورة كبيرة.

هذه هي أبرز النظريات التي تصنف على العامل الاجتماعي والاقتصادي. وهي نظريات يمكن تطبيقها والاستفادة منها بطريقة نسبية، وكل واحدة منها تفسر جانباً أساسياً في الظاهرة، وليس كامل الظاهرة، أو الإحاطة التامة بها.

ثانياً: العامل الديني والأيديولوجي

يحاول هذا العامل أن يقدم تفسيراً لظاهرة العنف من خلال تحليل طبيعة التصورات والمقولات والأفكار الدينية والأيديولوجية عند الجماعات التي سلكت هذا النهج...ويتأكد اهتمام الدارسين لهذا العامل باعتبار أن معظم الجماعات التي انتهجت هذا المسلك كانت من الجماعات الدينية أو الأيديولوجية.

وفي هذا المجال هناك بعض النظريات التي يمكن الاستفادة منها في تحليل ظاهرة العنف, ومن هذه النظريات.

النظرية الأولى: هناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بفشل أو تعثر مشاريع التنمية والتحديث، أو التطبيق الفوقي والقسري والمشوّه لهما، إلى جانب تهميش الدين واستبعاده أو التقليل من مكانته وشأنه في حياة الناس. الوضع الذي أحدث اختلالات عميقة في منظومات القيم, وتمزقات في الهوية الدينية والفكرية, بالشكل الذي خلق أنماطاً من ردات الفعل، أحد هذه الأنماط أخذ منحى العنف كالذي ظهر في تعرض بعض المثقفين إلى محاولات عنف بسبب مواقفهم المغالية في الحداثة ونقد الفكر الديني مثل اغتيال كسروي في إيران قبل الثورة، وفرج فودة في مصر.

النظرية الثانية: وهناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوين الديني والأيديولوجي عند الجماعات التي تنغلق على نمط من التعليم لا يمتلك القدرة على التواصل مع العصر، ويقطع الصلة بثقافات العالم ومعارفه. ومن ثم لا يكتسب القدرة على التكيف والاندماج مع الآخر المختلف معه ثقافياًّ أو سياسياًّ، أو حتى دينياًّ. فهذه القطيعة والانغلاق قد تدفع بعض الجماعات إلى التصادم مع الآخرين وعدم القدرة على التعايش معهم، التصادم الذي يمكن له أن يتطور في أي وقت إلى حالة من العنف.

النظرية الثالثة: وثمة من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بهيمنة بعض المقولات والتصورات التي قد تحرض على العنف وتدفع إليه، مثل المقولة القديمة التي تقسيم العالم إلى دار حرب ودار إسلام ودار عهد، أو النظر إلى المجتمعات الإسلامية المعاصرة من خلال مقولتي الجاهلية والحاكمية، أو تفسير مقولة الجهاد بمنطق معين، وهكذا مقولة التكفير.. وغيرها من المقولات التي تنزع نحو الصدام والمواجهة.

ثالثاً: العامل السياسي والعسكري

أما هذا العامل فيحاول أن يقدم تفسيراً لظاهرة العنف يرتبط بالمنظور السياسي وشكل العلاقة بالسلطة، ومن النظريات المطروحة في هذا المجال ما يلي:

النظرية الأولى: أن العنف لا يظهر في المجتمعات الديمقراطية، أو التي تلتزم بحكم القانون والدستور وتحترم الحريات العامة وتدافع عن حقوق الإنسان. وحتى لو ظهر العنف في هذه المجتمعات فإنه لا يستطيع أن يتجذر ويبقى أو يكتسب تأييداً ومشروعية، أو حتى يمتلك القدرة على التأثير؛ لهذا سرعان ما يتلاشى العنف في هذه المجتمعات، وهذا يعني أن العنف يظهر في المجتمعات الاستبدادية التي لا تلتزم بحكم القانون والدستور، وتعاني من الانسداد السياسي، الوضع الذي يسهم في خلق نزعات العنف عند بعض الجماعات.

النظرية الثانية: هناك من يميل إلى أن عنف الجماعات هو نتيجة لعنف الحكومات. فيكون العنف بحسب هذه النظرية نتيجة ردة فعل لعنف الحكومات. ولهذا يقال: إن الجماعات تنشأ على صورة الحكومات، فالحكومات الديمقراطية تنشأ في ظلها جماعات ديمقراطية، والحكومات المتشددة تؤدي إلى تكوين جماعات متشددة، وهناك من يبرر لهذا العنف لكونه الوسيلة التي تستخدمها الحكومة نفسها، على قاعدة مواجهة العدو بسلاحه.

النظرية الثالثة: هناك بعض الجماعات من تعتقد العنفَ بوصفه الوسيلة الفاعلة في التغيير السياسي، وفي الوصول إلى السلطة. أو الوسيلة الأخيرة بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى في عملية الصراع السياسي.

النظرية الرابعة: وهناك من يرى ارتباط العنف بسبب علاقته باشتعال ثورات وقيام حروب. فالثورة الروسية سنة 1917م حرضت أو أسهمت في تحريض الجماعات اليسارية على العنف، والثورة الإسلامية في إيران سنة 1979م هي الأخرى حرضت بعض الجماعات الإسلامية على العنف. وهكذا الحروب، فالحرب الأفغانية سنة 1979م شاركت في تحريك نزعات العنف، وحصلت هذه الحالة أيضاً مع حرب الخليج الثانية سنة 1991م.

**************

*) كاتب من السعودية، رئيس تحرير مجلة الكلمة.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=221

الأكثر مشاركة في الفيس بوك