التعاون العالمي في مكافحة الإرهاب

سعود الشرفات

 

المجتمع الدولي أم المجتمع العالمي؟

قصدت في العنوان استخدام "التعاون العالمي" بدلاً من "التعاون الدولي" بهدف التأكيد على أنني لن أقتصر حديثي على التعاون بين "الأطراف الفاعلة من الدول" المعترف بها من الأمم المتحدة التي يبلغ عددها (195) دولة، ويشمل هذا العدد 193 بلداً من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبلدين غير أعضاء (مراقبين) هما: الفاتيكان، والسلطة الفلسطينية، وتتوزع هذه الدول في العالم على 54 دولة في أفريقيا، و48 في قارة آسيا، و44 دولة في قارة أوروبا، و33 دولة في أمريكا اللاتينية والكاريبي، و14 دولة في أوقيانوسيا، ودولتين في أمريكا الشمالية[1].

العالم في حقبة العولمة الحالية ليس الدول المعترف بها من الأمم المتحدة فقط!

إن مفهوم الدولة مُلتبس، ولا يفي بالغرض للحديث عن تعاون يشترك به الكل لمكافحة ظاهرة متخطية للحدود والقوميات كالإرهاب  

والأمر يتعلق بالمنظور الذي ترى به العالم وكيف تعرف الدولة؛ خاصة إذا علمنا أنّ العدد يمكن أن يصبح (249) حسب تصنيف قائمة الرموز الدولية (ISO) التي تشمل عددا من المناطق مثل القارة القطبية الجنوبية، ويمكن أن يصبح (211)حسب تصنيف الفيفا للدول التي تشارك في كأس العالم لكرة القدم، وتصبح (201) مع الدول المعترف بها دبلوماسياً أو اعترافا جزئيا مثل تايوان، وقبرص التركية، وكوسوفو، ثم يمكن أن تصبح (207) دولا مستقلة بحكم الواقع مثل "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، دولة أرض الصومال، وناغورنو كارباخ، وغيرها، وجميعها تقع في وسط مناطق نزاعات وحرب[2].

باختصار؛ هذا يعني أن حتى مفهوم الدولة مُلتبس، ولا يفي بالغرض للحديث عن تعاون يشترك به الكل لمكافحة ظاهرة متخطية للحدود والقوميات كالإرهاب.

شبكة العلاقات العالمية ضد شبكة الجماعات الإرهابية

يحتاج المجتمع العالمي إلى "شبكة" (Network) من العلاقات العالمية، حتى يتغلب على شبكة الإرهاب العالمي المعاصر.

و حتى نتحدث عن "التعاون العالمي" يجب أن ندرك الحاجة إلى تشكيل "شبكة" واسعة وعميقة من العلاقات التي تتألف من ثلاث دعامات رئيسة هي الحكومات، والمجتمع، والأكاديميا، والتي تعبر عن نفسها من خلال:

- الدول، خاصة التي تعاني من آثار الإرهاب.

-مؤسسات المجتمع المدني: منظمات، ومؤسسات، الصحافة والإعلام الحديث، الأحزاب السياسية، النقابات المهنية والعمالية، الجامعات، الكليات، المدارس، ومراكز أبحاث، وخبراء وباحثين وأكاديميين، رجال الدين، والضباط المتقاعدين من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة.

- الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها المختصة.

- المنظمات الإقليمية الفاعلة، سواء التي تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة أو بشكل مستقل.

- الأفراد الفاعلين والنشطاء في المجتمعات سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، ودينياً.

ومن المهم لبناء هذه الشبكة تعزيز وتوفير بيئة من الثقة بين الأطراف ومحاولة التخفيف قدر الإمكان من حدة التنافس على الشرعية التمثيل، وملكية المعلومات السرية، والقوة بين الدول ومؤسسات المجتمع المدني، خاصة بين أجهزة الأمن والأكاديميا، ووسائل الإعلام.

وهنا؛ توجد معضلة أن رجل المخابرات والأمن يملك خبرة في العمليات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب، وكمّاً هائلاً من المعلومات الاستخبارية، لكنه - على الأغلب - لا يعرف شيئاً عن الأكاديميا، وكيف يوظف هذه المعلومات للاستفادة منها خارج العملية الاستخبارية.

في المقابل؛ الخبير الأكاديمي أو الصحفي يملك كمّاً من المعلومات المُجمّعة من مصادر مختلفة، لكنه - على الأغلب - لا يملك أية خبرة عملية في المجال الأمني والاستخباري.

بشراكة كافة الأطراف أعلاه، يمكن الحديث عن مقاربة كلانية (Holistic) للتعاون العالمي و"شبكة" واسعة من العلاقات يمكن أن تقف في وجه "شبكة المنظمات والجماعات الإرهابية" التي تجذّرت خلال العقدين الماضيين بفعل آليات العولمة المختلفة خاصة التكنولوجية، سواء على أرض الواقع، أو على الواقع الافتراضي.

لقد تغيرت طبيعة الإرهاب العالمي خلال العقدين الماضيين وتحوّل إلى خطر وتهديد دائم للمجتمع العالمي وليس للدول فقط، التي ثبت حتى الآن أنها فشلت بشكل ذريع بالقضاء عليه من خلال الأساليب الخشنة (Kinetic) الأحلاف العسكرية والغزو العسكري والعمليات الاستخبارية واستخدام الطائرات بدون طيار، التي جاءت على خلفية هجمات 11 أيلول - سبتمبر 2001م (التي تحل ذكراها ال (17) الشهر الجاري) واستراتيجية الحرب العالمية على الإرهاب.

لقد خلفت هجمات 11 أيلول - سبتمبر الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة، الكثير من الجراحات والندوب في عمق الوجدان الأمريكي، والمجتمع الدولي، وكانت كما أجمع الكثير من علماء السياسة والعلاقات الدولية حتى الفلاسفة بداية لعصر جديد للمجتمع الدولي العامر بالدول. ولم يقتصر تأثيرها على الولايات المتحدة الأمريكية، بل شمل العالم كله.

تغيرت طبيعة الإرهاب العالمي خلال العقدين الماضيين وتحوّل إلى خطر وتهديد دائم للمجتمع العالمي وليس للدول فقط  

ومثلت هجمات 11 أيلول فشلاً استخبارياً ذريعاً للدولة؛ للأجهزة الاستخبارية الأمريكية "وكالة المخابرات المركزية" (CIA) صاحبة الولاية في متابعة الشؤون الاستخبارية الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) المكلف بالشؤون الأمنية الداخلية، جهة عدم قدرتها على التنبؤ بتلك الهجمات وتعاملها باستخفافٍ قاتل وعجرفة مع الكثير من الشواهد والمؤشرات، بل والمعلومات عن إمكانية حصول هذه الكارثة.

ولم تكن النُخب الأمريكية في مراكز البحث والدراسات والباحثين في ظاهرة الإرهاب بمنأى عن حالة الإنكار والعجز عن استشراف إمكانيه حصول الكارثة، نظراً لأن هذا القطاع الواسع من المجتمع المدني يتشارك مع النخب في القوات المسلحة والمجمع الاستخباري الإيمان العميق بالحكمة التقليدية للنظرية "الواقعية" في السياسية الدولية التي ما زالت تحاجج بأن "الدولة" فقط هي الطرف الفاعل الوحيد في صياغة السياسية الدولية والعالمية، وتنظر باستخفاف فاضح للأدوار التي يمكن أن تلعبها الأطراف الفاعلة من غير الدول مثل الجماعات والمنظمات الإرهابية ابتداء من تنظيم القاعدة وصولاً إلى تنظيم داعش اليوم.

كما خلفت الحقبة التي تلت تلك الأحداث القيامّية (Apocalyptic) الكثير من التغيرات في "بنية" و"سلوك" الدول في مختلف قارات العالم، رغم حالة الإنكار التي تمارس في الدوائر الغربية وعلى رأس هذه التغيرات "الحرب الطويلة" التي لم تنه على الإرهاب العالمي التي رفعت منذ بدايتها عقب 11 أيلول سبتمبر 2001م حينما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الابن) في 16اأيلول 2001م مفهوم "الحرب على الإرهاب" (War on Terrorism)، ليؤكد على استهداف "السلاح" وليس من يستخدمونه وما هي أهدافهم، ثم ليغير استخدام المفهوم إلى "الحرب العالمية على الرعب" (Global War on Terror) ليعني أننا نحارب الخوف والرعب فقط.

ولقد حملت هذه المفاهيم بشكل عام؛ راية الغزو العسكري واستخدام "القوة الخشنة" والعمليات الاستخبارية المعقدة واستخدام أحدث تقنيات مكافحة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين من خلال التوسع باستخدام آليات العولمة التكنولوجية، خاصة استخدام الذكاء الصناعي والطائرات بدون طيار، وتسطح المجمع الاستخباري العالمي؛ حتى أصبحت أجهزة مخابرات العالم، إلى حدٍّ بعيد وكأنها جهاز مركزي واحد لأول مرة في التاريخ من خلال تشارك وتقاسم المعلومات الاستخبارية السرّية فيما بينها.

وأصبح التمسك بالمعلومات الاستخبارية الخاصة بالجماعات الإرهابية وملفات الإرهابيين مدعاة للنقد والمساءلة بعد أن كان عامل قوة وتمييز للأجهزة الاستخبارية في العالم تبيعه بأغلى الأثمان، وتتفاوض عليه وتستخدمه كوسيلة من أهم وسائل الدبلوماسية وتنفيذ السياسات الداخلية والعلاقات الدولية حتى مع ألد الأعداء.

ثم جاء الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" وأعلن عام 2013م نهاية سياسة سلفه جورج بوش الابن، ونهاية الحرب على الإرهاب، وخرج بمفهوم بديل هو "مكافحة التطرف العنيف" وهو مفهوم ملتبس وفضفاض؛ كما هي سياسة أوباما الخارجية التي تميزت بالضبابية والسيولة المفاهيمية؛ فلا هي بالواقعية الصرفة، ولا بالليبرالية، ولا بالمثالية؟

ذلك أنه بعد عام واحد فقط من إعلانه نهاية الحرب على الإرهاب 2013م، كان تنظيم داعش الإرهابي يجتاح بتوحشٍ مغولي العراق وسوريا، ويسيطر على مساحة من الأرض أكبر من مساحة بريطانيا، ويعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خلال خطبة الجمعة في مسجد النوري في الموصل 4 حزيران - يونيو 2014 خلافة المسلمين، ثم يشن "حرب مركبة" شعواء على كافة الجبهات العدو القريب والآخر البعيد، ليعيد "الحرب على الإرهاب" التي ادّعى أوباما نهايتها إلى نقطة الصفر.

كانت الحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان واحتلال العراق أكبر مثال على فشل "المقاربة الخشنة" (Kinetic) الحرب الاستباقية، واستخدام القوة العسكرية، المعتمدة على الدول والتحالفات الدولية حتى وأن تغير الوضع بعض الشيء مع باراك أوباما الذي حاولت إدارته إقامة "برامج لإعادة التأهيل الإدماج والرعاية اللاحقة للإرهابيين"، من خلال مقاربته "مكافحة التطرف العنيف "البديلة للحرب على الإرهاب؛ لكن نتائجها كانت غير مشجعة خاصة تجارب سجن أبو غريب، وسجن "بوكا" المعروف الذي خرج منه عدد من أهم قيادات تنظيم داعش، ومنهم الخليفة الحالي وقائد التنظيم أبو بكر البغدادي.

اليوم؛ أصبحت الأطراف الفاعلة من غير الدول "الجماعات والمنظمات الإرهابية" بفضل استخدامها لآليات العولمة التكنولوجية أكثر خطراً وفتكاً، وأخذت تهدد الأمن والسلم العالميين والاقتصاد العالمي وبرامج التنمية الشاملة.

وطال الإرهاب الثمرة المتعفنة للعولمة؛ معظم دول العالم بفعل تنظيم داعش. فحسب "مؤشر الإرهاب العالمي" (GTI) لعام 2018 م الذي يصدره "معهد الاقتصاد والسلام" The Institute for Economics & Peace (IEP، فقد تعرضت 77 دولة من أصل 163 دولة يشملها المؤشر في العالم للإرهاب وزادت نسبة ضحايا الإرهاب خلال العقد الماضي من عام 2006-2016 بنسبة 67%[3].

شبكة التعاون لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب

يواجه "المجتمع العالمي" في حقبة العولمة المعاصرة مثلثا من الأخطار والتحديات يتألف من ثلاثة أضلاع هي: التطرف، والإيديولوجيا الإقصائية التي تنفي الآخر، والإرهاب. وهذه الأضلاع المترابطة ومتبادلة التأثير، تشكل تحديات أمنية للأطراف الفاعلة من الدول، وخطراً يهدد الاستقرار الاجتماعي العالمي.

لم ينته الإرهاب، بل تماهى مع سيرورة العولمة، وتغيرت أساليبه وأشكاله وأصبح أكثر قدرة على حرية الحركة واستفاد من تجربة "الحرب المركّبة" والتنظيم الهجين "الهيبرد". وعاد لوضعة الطبيعي أصلا ليكون "سلاح الضعيف"، و"المقاومة من أسفل"، لذلك فهو اليوم يؤلف "شبكة" معقدة أخطر من السابق، رغم هزائمه العسكرية على الأرض في العراق وسوريا.

في المقابل، هناك نافذه للتعاون العالمي يمكن البناء عليها من خلال البرامج "الكلانيّة" في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وإعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة كمشاريع يمكن أن تشكل شراكة ناجحة وقابلة لقياس النتائج.

وكانت تلك البرامج؛ حتى وإن لم تكن كثيرة أهم نتائج التي أعقبت هجمات 11 أيلول سبتمبر، والتي بدأت في عدد من الدول التي عانت من خطر الإرهاب وما زالت تعاني من آثار الجماعات الإرهابية، وترزح تحت تهديد خطر هذه الجماعات خاصة الجماعات الإسلاموية بشقيها السنّي /والشيعي، التي سيطرت على المشهد العالمي منذ أواخر السبعينيات وانفلات موجة التطرف الديني العنيف عقب ثورة الخميني في إيران بعد 1979م. حتى أصبح مفهوم الإرهاب العالمي اليوم مرتبط بالجماعات والمنظمات الإرهابية الإسلاموية.

استمرار فشل المجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية المتمحورة حول فضاء الدولة فقط في مواجهة خطر الإرهاب ستكون نتائجه كارثية ومتخطية للحدود القومية للدول  

وفي الوقت الذي بدأت فيه برامج تأهيل وإدماج الإرهابيين التي تشرف عليها "الدولة" هناك قلة في الأدبيات والدراسات الأكاديمية والمسحّية ودراسات الحالة حول هذه البرامج وأهميتها كجزء مهم في "المكافحة الناعمة" للتطرف العنيف ومكافحة الإرهاب.

إنّ استمرار فشل المجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية المتمحورة حول فضاء الدولة فقط في مواجهة خطر الإرهاب ستكون نتائجه كارثية ومتخطية للحدود القومية للدول، ومثال ذلك خطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سوريا والعراق.

ومن ثمة؛ فهناك ضرورة "لبناء استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف العنيف (CVE)" على أن تتكون من ثلاثة برامج مترابطة هي: الأول منع الراديكالية، والثاني إعادة التأهيل، والثالث وقائي يقوم على التدخل المبكر للحيلولة دون انخراط الأفراد والمجتمعات في التطرف العنيف[4].

ومن خلال هذه الاستراتيجية، يمكن إقامة شراكة واسعة وتعاون بين كافة الأطراف الفاعلة على المستويات الثلاثة: الدولة، وما فوق الدولة، وما دون الدولة، وبناء "شبكة" واسعة من العلاقات العالمية التي يمكن أن تواجه "شبكة" الجماعات والمنظمات الإرهابية.

المراجع

1- Rohan Gunaratna and Sabariah Hussin, Edited, (2018), International Case Studies of Terrorist Rehabilitation, First published, Routledge, p.1-4

2- The Institute for Economics & Peace (IEP) http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/11/Global-Terrorism-Index-2....

3- Stratfor's Creative Department (2018), How Many Countries Are There in the World in 2018? https://worldview.stratfor.com/article/how-many-countries-are-there-worl...

[1]- Stratfor's Creative Department (2018), How Many Countries Are There in the World in 2018? https://worldview.stratfor.com/article/how-many-countries-are-there-worl...

[2]- Ibid.

[3]- The Institute for Economics & Peace (IEP) http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/11/Global-Terrorism-Index-2...

[4]- Rohan Gunaratna and Sabariah Hussin, Edited, (2018), International Case Studies of Terrorist Rehabilitation First published, Routledge, p.1-4

المصدر: https://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك