الإسلام شريكـا

الإسلام شريكـا

فريتس شتيبات/ مراجعة: حواس محمود*

في الوقت الذي تشتد فيه الحملات الظالمة ضد العرب وضد الإسلام والمسلمين يتصدى مستعرب كبير هو الأستاذ "فريتس شتيبات" (الأمين العام لجمعية المستشرقين الألمان) عرف في الدوائر العلمية بإنصافه وموضوعيته التاريخية الدقيقة وتعاطفه العقلي والوجداني المستمر مع العرب والمسلمين لتلك الأمواج الزاحفة والعواصف المجحفة بدعوة أهله الغربيين لتصحيح مواقفهم من حركات الإحياء الإسلامية المختلفة، ومحاولة فهمها بدلاً من محاربتها وإعلان العداء لها، كما يدعوهم إلى اعتبار الإسلام شريكاً ومشاركاً في مصير البشرية المعاصرة لا عدواً ولا خطراً على السلام والاستقرار العالميين.

ويحثهم على تدعيم الحوار السمح بين الأديان من خلال جهود الباحثين العالميين. ويشار إلى أن المؤلف قضى أكثر من عشر سنوات من عمره في القاهرة وبيروت وأتيحت له الفرصة لمعرفة الحياة والمجتمع في العالم العربي عن كثب والاتصال بكثير من الباحثين والعلماء العرب عن قرب... يتألف الكتاب من أحد عشر فصلاً موزعاً على 200 صفحة قطع متوسط.

ملاحظات على دور البحث العلمي في حوار الأديان: يشير المؤلف إلى أنه ليس من قبيل المبالغة أن المعهد الشرقي في بيروت كان له تأثير هائل على الدراسات الشرقية، لا في لبنان والعالم العربي وحدهما، بل كذلك في ألمانيا ذاتها، إذ قدّم تيسيرات فنية عديدة للباحثين الألمان والعرب على السواء، واستطاع هذا المعهد أن يقدّم للمستشرقين الألمان فرصة العمل في بيئة شرقية ، وأن يلفت أنظارهم إلى الشرق الحي وينبههم إلى لغات وحضارات الماضي كانت وما تزال واقعاً ينبض بالحياة ويؤكد تأثيرها المستمر بأشكال وصور مختلفة على ميادين الفكر والعمل والحياة اليومية والمشكلات والقضايا الملحة في الوقت الراهن... وينبه المؤلف إلى خطورة مقولة صموئيل هنتغتون حول صراع الحضارات وتأثيرها السلبي في مجال الاستخدام السياسي بما يزيد التوتر بين الحضارات والأديان ويدعو إلى الحوار بين الأديان ووجود أسس مشتركة بين الأديان، ويتوجه بالدعوة للباحثين والمستشرقين الغربيين، كما أنه لا يستثني نظرائَهم العرب والمسلمين في عملية الحوار والتقارب بين الأديـان. عشر مقولات عن الأصولية الإسلامية: يلاحظ منذ وقت غير بعيد أن الحركات الأصولية قد استفادت أكثر من غيرها من مناخ الديمقراطية الذي أخذ ينتشر في بعض البلاد الإسلامية ويقطع خطوات طيبة إلى الأمام وهذه الظاهرة تلزمنا بأن نتدبرها ونفكر في المواقف التي ينبغي علينا نتخذها منها، وهي:

-1إن الأصولية لا توجد في الإسلام وحده، وإنما هي موجودة في غيره من الأديان والأيديولوجيات وتندرج تحت هذا المصطلح حركات متفرقة تجمع بينها الاتجاهات الثلاثـة التاليـة: الشمولية، النصوصية، الانحياز المطلقَ.

-2 إن الإسلام كظاهرة تاريخية ليس بحكم طبيعته أصوليا على الإطلاق صحيح أنه ديانة ذات شريعة، وهو يقدم للإنسان التعاليم التي توجه حياته بأكملها، ولكنه كان يضطر على الدوام للدخول في حوار مع الواقع التاريخي ونصوصه المقدسة وهي القرآن كريم والسنة المشرفة حيث احتاجت على الدوام إلى التفسير، ومن أجل ذلك طورت الشريعة الإسلامية عددا من القواعد تتسم بمرونة شديدة وذلك مثل: الضرورات تبيح المحظورات، والتعاليم الشرعية تتغير بتغير الزمن مع التأكيد المستمر بأن الشرع يجب أن يكون في خدمة المصلحة العامة.

3- إن الأصولية تنشأ في وضع تاريخي محدد.

-4إن ردود الفعل من قبل المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث على تفوق الغرب وأطماعه التسلطية في كل الأحوال ردود فعل ذات طابع أصولي، فقد بذلت معظم المجتمعات الإسلامية جهوداً متصلة وما زالت تبذل مثل هذه الجهود. ولم تبدأ الجماعات الأصولية في القيام بدور مؤثر في القرن العشرين ويترتب على ذلك ضرورة البحث عن أسباب الأزمة التي يشعر بها المسلمون الآن شعوراً واعياً.

-5 إن الشعور الحالي بالأزمة عند المسلمين قد نجم عن مجموعة من الإحاطات التي فجرته وغذته، سنجملها في العناصر التالية:

أ- محاولات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بقيت حتى الآن قاصرة وعاجزة.

ب- السخط على الحكومات المسؤولة عن تعثر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعن حرمان الشعب من المشاركة في القرارات السياسية المهمة.

ج- النظام العالمي الظالم.

-6 إن عناصر الإحباط الثلاثة السابقة ليس لها أدنى علاقة مباشرة بالدين، فجو اليأس والقنوط الذي تخلفه تؤثر في المسيحيين العرب تأثيره في المسلمين سواء بسواء.

ولكن من الطبيعي أن يعبّر المسلمون عن ردود أفعالهم من خلال المفاهيم المألوفة ديهم والمستمدة من ديانتهم.

-7لا يمكن الحديث عن حركة متجانسة للأصولية الإسلامية، فالواقع أن هناك اتجاهات وتنظيمات عديدة تكمن وراءها دوافع مختلفة، بحيث نستطيع أن نميز بينها ثلاثة اتجاهات رئيسة:

أ‌- المتطرفون بشكل مطلق يطالبون بنظام إسلامي لإنقاذ العالم، ويرفعون شعار التكفير والهجرة ليعلنوا أن المخالفين لهم بالرأي ملحدون، وجميع الدول الراهنة برأيهم (كافرة)؛ لأنها جميعاً لا تطبق شرع الله، وبحسب وجهة نظرهم فإن على المسلمين كافة الجهاد للقضاء على الكفر.

ب‌- هذا الاتجاه يمثله المطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، فهذا هو الاسم المشترك الذي يُطلق على عدد كبير من جماعات الأصولية وأنصارهم الذين لا يرتبطون في الحقيقة بأيديولوجية واضحة وموحدة.

ج- أما الاتجاه الأصولي الثالث فيمثله أولئك الذين يمكن تسميتهم بالباحثين عن الهوية، وهم لا يعتبرون مخالفيهم بالرأي من الأعداء لمجرد أنهم قد تنكبوا طريق الله، بل لأنهم يطالبون بالتبعية العقلية والحضارية للغرب.

-8 إن الإسلام لا يمثل أي تهديد للعالم، بل العكس من ذلك هو الصحيح فالكثير من المسلمين يشعرون في عالمنا المعاصر بأنهم مهددون، ربما يتسبب هذا الشعور في ظهور بعض الاتجاهات اللاعقلية أو التصرفات العدوانية.

-9 إذا انسقنا تحت تأثير ظواهر الأصولية الإسلامية إلى رسم صورة الإسلام كعدو لنا فسوف تترتب على ذلك نتائج وخيمة العواقب.

-10 إن أهم شيء يجب علينا أن نراعيه في تعاملنا مع الأصوليين الإسلامي هو أن نتفهم الدوافع التي تحركهم تفهماً عميقاً، وأن نبين للمسلمين بوجه عام أننا نريد أن نفهمهم لا أن نحاربهم.

الدور السياسي للإسلام: إن الحركة الإسلامية الكبيرة في هذه الأيام ويقصد بها المؤلف الموجة التي يطلق عليها اسم (البعث) أو الإحياء الإسلامي أو الصحوة الإسلامية تتكون في حقيقة الأمر من مجموعة متنوعة من الحركات الفردية التي تحددها الظروف المختلفة في البلاد الإسلامية، وليس من شك في أن العنصر الإسلامي الكامن في هذه الحركات بل المصطلح الذي تعبر به عن أفكارها وأهدافها
يمثل بعض السمات المشتركة بينها، ومن أبرز هذه السمات ذلك الشعور المتجدد بالتضامن أو التكافل الإسلامي الذي يجمع بينها. ومع ذلك فلو نظرنا نظرة أعمق لوجدنا أنها تشترك أيضاً في عنصر أهم وأخطر يتجاوز دائرة الشعوب الإسلامية ليشمل الشعوب النامية وذلك هو الموقف التاريخي العام لِكُلِّ الشعوب التي ما زالت متخلفة بالقياس إلى الأمم الصناعية الحديثة ومازالت تجد نفسها معتمدة عليها وتابعة لها، وإن كانت تسعى اليوم بكل السبل للتحرر من هذه التبعية. ويرى المؤلف إلى أن واخفاق عمليات النهوض بها ابتداء من محاولات عبد الناصر ومروراً بحركات أخرى بعض أسبابها وجود بعض الظواهر المقلقة بين دوله بصورة مباشرة ومردَّها التأثيرات الأجنبية، ولكن من الواضح أن جزءًا كبيراً منها (أي الظواهر المقلقة) قد نجم عن تعثّر خطوات التنمية والتقدم داخل تلك المجتمعات وإن كانت أسباب ذلك غير مقطوعة الصلة بالتبعية للقوى الأجنبية، و يصدق هذا أيضا على التطورات السياسية والاجتماعية في تلك الدول، وما قيل عن الدول العربية يصحّ على الدول الإسلامية، ومن الطبيعي إزاء تلك التبعية للقوى الأجنبية وخيبة الأمل في التصورات والأفكار الأجنبية أن يتوجه الناس إلى المألوف لديهم، ويستمدوا القوة من منابعهم ويلتمسوا (السند) في ما هو خاص بهم وذلك على نحو ما عبر عنه المستشرق (فالتر براونة) في كتابه عن الشرق "الإسلاميون بين الماضي والمستقبل"، هذا المألوف وهذا السند الخاص بالنسبة للشعوب الإسلامية هو الدين الإسلامي، وليس هذا شيئاً جديداً على الجماهير العريضة إذ كان لإسلام دائماً هو العلامة الأساسية المميزة لهويتها الجماعية، وكان الانتماء للجماعات الدنيوية الأخرى كالوطن أو الطبقة أمراً ثانوياً يضاف للانتماء الإسلامي. أما الشعوب التي لا توجد بها أقليات دينية تستحق الذكر فيلتقي عندها الوعي الطبقي خصوصاً عندما تبدو الطبقات العالية متغرّبة ومنبتة عن الإسلام، وتنشأ الصراعات بين الهويات المختلفة عندما يعلن أبناء الديانات الأخرى انتماءهم الصريح للوطن أو للطبقة، ولكن هذه الصراعات ظلت تكبت بوجه عام بحيث لا يتم حسمها بوضوح ولا توجيهها وجهة جديدة.

إن اتخاذ مواقف مؤيدة لسياسة إسلامية أمر يتفق مع التطور التقليدي بأن الدين والسياسة في الإسلام لا ينفصلان. والواقع أن الجماعة الإسلامية لم تكن منذ لبداية، أي منذ هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة في عام622م الذي يبدأ به التاريخ الهجري (جماعة دينية وحسب و إنما كانت دولة كـذلك (على العكس من المسيحية التي لم تصبح ديانة للدولة إلا بعد ثلاثة قرون ونصف القرن من نشأتها، ولكن كيف يكون شكل الدولة الإسلامية؟ إن المصادر الأولى لا تقول إلا القليل في الإجابة عن هذا السؤال أما القرآن الكريم فلا نجد فيه إلا الأمر الإلهي بطاعة أُولي الأمر العادلين حسب المؤلف ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ (سورة النساء الآية59).

وكذلك الأمر الإلهي بأن يتشاور المؤمنون فيما بينهم ﴿وشاورهم في الأمر﴾ (سورة آل عمران آية159) ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ (سورة الشورى آية38). والمؤسسات الحكومية التي أوجدها الرسول -صلى الله عليه وسلم-في أثناء حياته مرتبطة أشد الارتباط بالظروف التاريخية بحيث لا يمكن –إلا بصورة عامة جداً –أن تكون نموذجاً لدستور دولة حديثة -حسب المؤلف- لذلك فلا مفر من الإجابة عن السؤال من أن شكل الدولة الإسلامية في العصر الحاضر هو من شأن الناس أنفسهم، والحركة الإسلامية نفسها هي وحدها التي يمكنها تقديم الجواب لمن يسألها عن أهدافها. ولكن سيتضح لمن يطرح السؤال -كما سبق القول- أنه لا توجد حركة واحدة بل عدة حركات... ويتناول المؤلف في كتابه موضوعات أخرى عديدة منها: العلمانيون والإسلاميون محاولة مصرية لتصنيفهم، الإيمان يعطي الأمل والنجاة، خليفة الله قراءات عن صورة الإنسان في الإسلام، نحو تنظيم موحَّد للمسلمين في ألمانيا، عمر الأول، المسلم والسلطة.

**************

*) كاتب من سوريا.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=206

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك