الأرجنتين من معجزة الإقتصاد إلى كابوس الديون

 
حطت رحال زعماء دول العشرين في العاصمة الارجنتينية بورس آيرس في قمتهم التي تناقش قضايا المناخ والبنية التحتية والاستدامة المالية، الأرجنتين الدولة التي تحول اقتصادها في غمضة عين من معجزة يتحدث عنها العالم إلى كابوس يتهدد مستقبلها ومستقبل ما شيدت في فترة الرخاء.

في منتصف التسعينات عاش الاقتصاد الأرجنتيني عصره الذهبي وحقق معدلات نمو هي الأكبر بين دول المنطقة، غير أن هذه الطفرة التي أطلق عليها الخبراء الاقتصاديون “المعجزة الأرجنتينية” لم تدم طويلا، فقد استيقظ الأرجنتينيون على كابوس يهدد اقتصادهم وينذرهم بكوارث حقيقية، فقد أدى اعتماد الدولة على الديون الخارجية إلى خلل بنيوي عميق فقدت معه الحكومة القدرة على تسديد ديونها التي وصلت 140 مليار دولار.

استطاعت الحكومة الأرجنتينية تسديد 80 مليون دولار فقط للسنة ، بينما سجلت المؤسسات الدولية الدائنة “تأخير تسديد” تبعته إجراءات قانونية حطت من قيمة العملة الأرجنتينية ب 70% وهنا كانت بداية أزمة العملة 1977 -1999. سنتطرق في هذه المقالة إلى تأثيرات الدين الخارجي على الاقتصادات الصاعدة ونناقش التجربة الأرجنتينية في هذا المجال.

منعم يجدد الثقة في الاقتصاد الأرجنتيني

أدت النهضة الاقتصادية الحديثة التي عرفتها الأرجنتين إلى لفت انتباه المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، وقد تسبب قوانين الاستثمار الجديدة والامتيازات الممنوحة للمستثمرين إلى هجرة رأس المال من دول عديدة في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وأمريكا إلى بوريس آيرس حيث كانت الأرجنتين في تلك الفترة تعيش نموا اقتصاديا كبيرا.

ومع تركيز الحكومة على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الخصوصيين تفاقم حجم المديونية حتى وصل إلى 140 مليار دولار. ومع وصول الديون السقف المسموح به، بدأت الفقاعة تنفجر والبركان يثور ليستيقظ الأرجنتينيون من وهم النمو والتطور الاقتصادي ويدركوا حجم وحقيقة الأزمة التي حلت به.

مع وصول الرئيس الأرجنتين كارلوس منعم إلى سدة الحكم في انتخابات 1989، كانت الأزمة تضرب أطنابها في الأرجنتين متسببة في انتشار واسع للبطالة وارتفاع لمعدلات التضخم وافلاس بنوك وانهيار العملة، بدأ الرئيس منعم سياسات سريعة منها تحرير التجارة، خصخصة العديد من مؤسسات الدولة وتعزيز نمو القطاع الصناعي، لكن سياسات منعم الجديدة لم تحدث تغييرا ذا بال في واقع الأزمة حتى سنة 1991 حيث اتخذ منعم قرارا بربط العملة البيزو بالدولار الأمريكي حيث أعاد هذا القرار الفعال الثقة إلى المستثمرين واعتبروه قرارا يعزز ثقة الاقتصاد الأرجنتين ويشكل رهانا أكثر أمانا للمستثمرين.

قرار ربط العملة الأرجنتينية بالدولار، تبعته سياسات إصلاح للأسواق المالية وتطوير قوانين الاستثمار حيث أدت هذه الإصلاحات إلى إعادة نوع من الثقة إلى الاقتصاد الأرجنتيني وبدأ يستعيد عافيته حيث زاد معدل نمو الاقتصاد في الفترة من 1991 – 1994 نحو 7.7%

 التسوية مع “الصناديق الجشعة”

تسببت تراكمات الديون على الأرجنتين في كساد شديد للأسواق بسب إنهيار العملة وقد كان لهذا الكساد تأثير مباشر على الانتاجية و معدل النمو، على إثر هذه الآثار المدمرة التى خلفتها الديون الخارجية دخلت الآرجنتين في مفاوضات شاقة مع ما يعرف ب”الصناديق الجشعة” من أجل الوصول إلى تسوية بخصوص الديون التي أثقلت كاهل الدولة وأرثتها مشاكل مزمنة.

دامت المفاوضات ما يقارب عشر سنوات اتخذت خلالها الحكومة الأرجنتينة خطط جديد لتحسين وضعية الاقتصاد منها، العمل على التخفيض التدريجي للعجز المالي الأولى إضافة إلى سياسات كبح التضخم هذه السياسات التى أعقبت التسوية مع “الصناديق الجشعة” مكنت الآرجنتين من استعادة القدرة على الوصول إلى أسواق الإئتمان الدولية.

رغم هذه الاجراءات ظل الاقتصاد الأرجنتين رهينة لأزمة الديون ففي سنة 2014 خفضت وكالة التصنيف الائتماني “Credit Rating Agency” تصنيف الأرجنتين إلى وضعية ” تخلف السداد” وهو ما تسبب في تراجع ثقة المستثمرين من جديد في الاقتصاد الأرجنتيني.  هذه الوضعية فاقمت أزمة الديون الأرجنتينية و تسبب في احباط جديد بين مواكني الدولة والحكومة على حد سواء.

اصلاحات ماوريسيو ماكري

في سنة 2015 وصل إلى سدة الحكم في الأرجنتين الرئيس ماوريسيو ماكري العمدة السابق لبلدية العاصمة بويرس آيرس ، استطاع الرئيس الجديد من خلال شعاره “نستطيع التغيير” توحيد جماعات المعارضة و طبقات واسعة من الشعب الآرجنتيني المستاءة من الوضعية السيئة التى وصلها الاقتصاد.

ورث ماكري تركة صعبة تمثلت في اقتصاد منهار تطارده الديون خارجيا ومعدلات التضخم والبطالة وغلاء الأسعار داخليا. بدأت إصلاحات ماكري بالتركيز على قضية حساسة ومعقدة وهي إلغاء القيود على صرف العملات الأجنبية حيث تسبب تثبيت سعر صرف العملات الأجنبية إلى خلق سوء سوداء كبيرة للدولار الأمريكي وهو سبب آثار كارثية على العملة الآرجنتينية وزاد من معدلات التضخم بشكل جنوني حيث وصلت حدود 40%.

كان تمرير قانون إلغاء القيود على صرف العملات الأجنبية من الإصلاحات الكبرى للرئيس ماكري. استهدفت سياسات ماكري الاصلاحية أيضا القطاع الزراعي والذي يعتبر من أكبر القطاعات تأثيرا على الاقتصاد الآرجنتيني حيث قام الرئيس بتغيير السياسات الضريبية ومنح امتيازات للمزارعين وقروض ميسرة لدعم القطاع الزراعة وكان لهذه السياسات تأثيرات فعالة ساهمت في تخفيف الضغط على الاقتصاد الآرجنتيني ومنحته فرصة جديدة للتخلص من آثار الأزمة الاقتصادية.

خلال السنوات الأولى من الإصلاحات الجديدة بدأت الآرجنتين تتعافى من أزمتها وعادت رقصات التانغو إلى شوارع بويرس آيرس بعد أن خيم عليها الظلام القاتم سنوات عديدة بسبب الأزمة الخانقة التى تسببت فيها الديون الخارجية.

تتسبب الديون الخارجية في العديد من البلدان في كوارث تورث اقتصادات هذه الدول اختلالات عميقة في بنيتها الاقتصادية ، دول قليلة جدا استطاعت بالكثير من الجهد و قوة التنظيم و الأساليب الإدارية ذات الكفاءة العالية الاستفادة من القروض الخارجية وتحويلها لصالح اقتصادها من خلال المراقبة الدقيقة على المشاريع التى تمول بهذه القروض. لكن تظل تأثيرات هذه الديون مدمرة خاصة في حالة غياب النظام السياسي الشفاف.

المصدر: https://islamonline.net/27962

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك