الحوار – ما فائدته؟ ولماذا نتحاور؟ وكيف نستعد لأداء حوار مثمر ومفيد؟

حسن مصطفى

 

الحوار هو ما لا يمكن تخيل حياتنا الاجتماعية من دونه؛ فكل نشاطاتنا في الحياة تعتمد على الحوار.
فما هو الحوار؟ ولماذا نتحاور؟ هذه الأسئلة هامة جدا وقد تساعدنا على تطوير أسلوبنا في الحوار لكي نزداد من فوائد وغنائم هذا النشاط ونتجنب سيئاته.

ما هو الحوار ؟ وما فائدته ؟

قد يظهر بديهيًا تعريف الحوار بأنه الكلام الدائر ما بين طرفين على الأقل أو أكثر. أما لماذا ينشأ الحوار؟ فهذا له أكثر من سبب يدور الحوار من أجله. ففي البناء الأساسي لشخصية الإنسان (كونه اجتماعيا بالضرورة) يحتاج الإنسان للحوار للاستئناس بالموجودين من حوله ومشاركتهم تجاربه ومشاعره وأن ينفس عن ضغوطه أو مشاكله أو يعبر عن أفكاره وأحلامه أو لتنظيم شؤون حياته الاجتماعية بشكل عام سواءً في الأسرة أو في العمل أو في المجتمع الكبير الذي يحتويه. ولذلك نرى أن فوائد الحوار كثيرة ومتنوعة من حيث القيمة أو الجودة فمنها العاطفي ومنها العلمي ومنها التخطيط الاستراتيجي وهكذا…

أما الفائدة الأعظم من الحوار فهي كونه باب للتعرف على عقل من تحاوره. هذا المنظور قد يغيب عن بعضنا ذلك لطبيعتنا التي تتمركز حول شخصيتنا وعقلنا فقط وقد لا تهتم باستكشاف عقول الآخرين المحيطين بنا. أما من يتملكه فضول التعرف على عقول غيره فهو يتخذ من الحوار -ليس فقط متنفسًا عن هويته وأفكاره- رحلة في عقول من يحاورهم.
لقد كان هذا هو المنظور الذي دعى له الحكيم سقراط في قديم الزمان في محاوراته. وقد خاطب أثينا وأهلها معاتبا إياهم لما حكموا عليه بالإعدام لتهم كثيرة أهمها إنكاره لآلهة المدينة ودعوته لإله واحد هو مصدر كل وجود (برهان المحرك الأول لأرسطو يتفق مع رؤية سقراط عن واجد الوجود الواحد) ولأنه أي سقراط كان يخرب فكر الشباب بأن يدخلهم في تلك المحاورات.

إعدام سقراط

قد يتعجب بعضنا كيف يتسبب حوار بسيط يدور بين شخصين في أن يحكم بالإعدام على أحدهما؟!
ذلك لأن الفكر والتفكير هو أساس حياتنا ومنبع الأفكار والقيم التي نصف بها ما هو كائن بالفعل وما ينبغي أن يكون وما يجب إصلاحه. والمجتمع الذي ركن للتقليدي والمألوف قد يجد في هذه التصورات ما يقلقه ويعكر صفو روتينيته لدرجة الهجوم على المتحاورين والمفكرين. وقد كان هذا هو العتاب الذي وجهه سقراط لأثينا تحديدا.

فقال لهم لقد صرتم كالحصان الخامل الممتلئ الذي ركن إلى الأرض واكتفى بأكل الطعام وينتظر الموت بهدوء واستسلام. فكنت أنا كمن يوخز هذا الحصان بالعصا ليقوم على أقدامه ويتحرك ويستكشف الواقع والمألوف ويفرق فيه بين الخطأ والصواب وفق معايير عقلية موزونة. فلما كانت رغبة الحصان في الراحة أقوى من فضوله على استكشاف الغامض قام الحصان ليرفص سقراط ويقتله بكأس السم الذي حكم عليه أن يتجرعه ويظل يمشي ذهابا وإيابا في زنزانته حتى يستشري السم بجسده ويموت.

لماذا نسرد هذه القصة؟

لكي ننتبه لحقيقة الحوار الذي نجريه على المقاهي أو في المنتزهات أو في الجامعات أو في صالونات المناقشة والحوار، هذا الحوار الذي قد لا نبالي بأهميته وأخذناه كحق مكتسب أو ضوضاء في خلفية حياتنا لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن واقع الأمر هو أن الحوار أداة قوية لتغيير واقع الناس؛ ذلك لأن سلوكهم يعتمد على أفكارهم. هذه الأفكار التي كونوها بالتفاعل مع الواقع إما بالخبرة والتجربة أو بالفكر والتأمل أو بالحوار مع من لديهم خبرة أكبر.

وبهذا كان الحوار أحد الأبعاد الثلاثة التي ساهمت في تكوين جسد المجتمع الذي نعيش فيه بسلوكياته وطباعه وعاداته وتقاليده. علينا إذا أن نصر أن تشتمل حواراتنا على الجانب الفكري وأن ينظر كل واحد منا للحوار بالمنظور الأعم للحوار، على أنه فرصة للعرض وأيضا للاستكشاف.

دعوة للحوار الجاد

على الأب أن يطرح الحوار النقاشي الجاد على مائدة الطعام في المنزل. وكذلك المعلم والأم والأخت والأخ والزوج والصديق والرفيق. كنا نتباهى بالمجتمعات التي ترتقي فكريا قبل أن ترتقي عمليا وتكنولوجيا. واليوم لم نعد حتى نملك القدرة على التمييز بين التطور الأخلاقي والفكري والتطور المادي التكنولوجي وكيف نضع كل نوع منه في موضعه الصحيح في منظومة المجتمع.

لا يمكن لفاقد الشيء والمنقطع عن أي مصدر لهذا الشيء أن يوفره دون أن يبحث عن مصادره ويستقي منها. وعلى قدر الشغف تكون الفائدة مع الإخلاص والتوجه. وعلى قدر الحب والمراعاة تكون الحوارات المفيدة والنقاشات الثرية التي يستفيد منها كافة أطراف الحوار.

لذلك فلا يمكن للأب والأم أو أيا كان من يدعو للحوار ويتبنى هذه الراية أن يؤدي حقها دون أن يكون له مخزونه ومطالعاته التي يستند إليها. كذلك يجب أن يتوفر الأسلوب الأخلاقي الملائم للغاية من الحوار. فالمتفاخر والمرائي بالمعلومات والعياذ بالله لا يتوقع أن يترك نفس الأثر عند من يخاطبه كالذي يتكلم بالتواضع الحقيقي والصراحة والصدق بما يتناسب مع موضوع الحوار.

إعداد علمي وأخلاقي

لهذا نجد أن من يعد نفسه للحوار لا يكفي أن يعد نفسه علميا فقط ولكن يجب أن يعد نفسه أخلاقيا وسلوكيا لكي لا ينجرف بالمشاعر والأهواء نحو ما قد يُنَفِّر الناس عنه ويجعلهم يندمون على تحاورهم معه. بل يجب أن يكون معهم غضا طريفا حسن البيان لبق اللسان صحيح المنطق لطيفا في كلامه رقيقا في نقده. ولا أجد هنا وصفا أدق من وصف سقراط لفن الخطابة حينما قال في محاورة فايدروس أن الخطابة هي فن “قيادة النفوس”. وقد وضح في مباحثه كيف تتكامل عند الخطيب أو المحاور هذه القدرة (قيادة النفوس) من حيث الشكل والمضمون.

حقا إن لذة المطالعة والتفكر هي لذة عظيمة لا يدركها إلا من ذاب فيها وعرف جمال طعمها عن تجربة لا عن وصف. وإنه مهما وصف لك الواصفون عذب مذاقها وحلاوة طعمها فلن تتكون لديك الصورة الحقيقية حتى ترد ذلك النبع بنفسك وعقلك وترتوى منه فترى كما لم ترَ وتبصر بما لم تبصر به من قبل.

المصدر: https://mashroo3na.com/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%AA%D8%AD...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك